إزالة الشعر للمحرم
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
من محرّمات
الإحرام إزالة الشعر من غير ضرورة كثيره وقليله، من الرأس أو اللحية أو
الإبط أو غيرها، سواء بالحلق أو القصّ أو النتف أو النورة أو غير ذلك بلا خلاف في ذلك، بل عليه
الإجماع .
ويقع البحث فيه تارة بالنسبة إلى شعر بدن المحرم، واخرى بالنسبة إلى شعر غيره:
يحرم على المحرم أن يزيل شعر بدنه من غير ضرورة- كثيراً كان أو قليلًا، حتى الشعرة- عن
الرأس أو اللّحية أو
الإبط أو غيرها بالحلق أو القصّ أو النتف وغير ذلك، بلا خلاف فيه.
ويدلّ عليه قوله تعالى: «وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ»،
وهذا يدل على
تحريم حلق الرأس.
أمّا بالنسبة إلى تحريم
إزالة الشعر من سائر
البدن فتدلّ عليه عدّة روايات
:
منها:
صحيحة الحلبي قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن المحرم يحتجم، قال: «لا، إلّا أن لا يجد بدّاً فليحتجم، ولا يحلق مكان المحاجم».
ومنها: صحيحة
حريز عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: قال: «لا بأس أن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر»،
فإنّ القطع يشمل
النتف والجزّ والقصّ وأمثال ذلك.
ومنها: خبر
عمر بن يزيد : «لا بأس بحكّ الرأس واللّحية ما لم يلق الشعر، ويحكّ
الجسد ما لم يُدمه».
وتؤكّده بل تدلّ عليه النصوص الدالّة على ثبوت الكفّارة
لإسقاط الشعر، بناءً على
الملازمة العرفية بين
الكفارة والحرمة،
كقول
أبي جعفر عليه السلام في صحيحة زرارة: «من حلق أو نتف إبطه ناسياً أو ساهياً أو جاهلًا فلا شيء عليه، ومن فعله متعمّداً فعليه دم».
ومنها:
حسن الحلبي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «إن نتف المحرم من شعر لحيته وغيرها شيئاً فعليه أن يطعم مسكيناً في يده».
ثمّ إنّه قد استثنى
الفقهاء من حرمة
الإزالة هنا عدّة موارد: ما إذا كان لدفع ضرر أو أذى من رأسه، وكذا ما إذا كان يسقط من نفسه عند
إسباغ الوضوء ونحوه.
أمّا موارد الضرر فعلى ثلاثة أقسام: فإنّه تارة يتضرّر من وجود الشعر ونباته في مكان خاص- كنبات الشعر في
الأجفان - فإنّ المحرم يتألّم بذلك. واخرى يتوقّف
العلاج و
التداوي على إزالة الشعر، وإلّا فوجود الشعر في نفسه غير ضرري، كما إذا أوجبت كثرة الشعر صداعاً أو يحتاج إلى
تبريد الرأس ونحو ذلك. وثالثة ما إذا توقّف دفع الضرر على إزالة الشعر، كما إذا تكاثر القمّل على رأسه ولحيته فيزيل الشعر دفعاً للقمّل الذي يتأذّى منه،
ففي جميع هذه الموارد تجوز إزالة الشعر وحلقه بلا خلاف فيه،
بل عليه دعوى
الإجماع من غير واحد،
وإن اختلفوا في ثبوت
الفدية فيما إذا لم يكن
الأذى من جهة الشعر، أو في غير مورد الآية وهو الرأس.
وتدلّ على الجواز عند الضرورة- مضافاً إلى
قاعدة نفي الضرر ، ونفي العسر والحرج
-
الاستثناء الوارد في الآية الشريفة لعنوان المرض والأذى، والآية وإن كان موردها المحصور في الحجّ أو العمرة إلّا أنّ الحكم لا يختصّ به، بل هو حكم للمضطر إلى إزالة الشعر، وتشهد على عموم الحكم لمطلق
المضطر صحيحة حريز عن أبي عبد اللَّه عليه السلام الواردة في تفسير الآية الشريفة، «قال: مرّ
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على
كعب بن عجرة الأنصاري والقمّل يتناثر من رأسه وهو محرم، فقال: أ تؤذيك هوامك؟» فقال: نعم، فقال: فانزلت
الآية «فَمَن كَانَ مِنكُم مَرِيضاً. » فأمره رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم بحلق رأسه وجعل عليه الصيام ثلاثة أيّام، و
الصدقة على ستّة مساكين، لكلّ مسكين مدّان، و
النسك شاة.
وهي تدلّ على أنّ كفّارة المضطر هو الجامع بين
الصيام والصدقة والنسك، ومقتضى إطلاقه عدم الفرق بين كون المضطر محصوراً أو غير
محصور .
وكذا لا بأس بسقوط الشعر عند إسباغ الوضوء، أو الغسل إذا لم يكن متعمّداً؛
وذلك للحرج المنفي في
الشريعة المقدّسة، فإنّ
الالتزام والتقيّد بعدم سقوط الشعر عند الوضوء و
الاغتسال حرجي نوعاً.
وتدلّ
عليه أيضاً معتبرة
هيثم بن عروة التميمي ، قال: سأل رجل أبا عبد اللَّه عليه السلام عن المحرم يريد إسباغ الوضوء فتسقط من لحيته الشعرة أو الشعرتان؟ فقال: «ليس بشيء، ما جعل عليكم في
الدين من حرج».
والظاهر أنّه لا فرق بين الوضوء والغسل في ذلك، كما أنّ الظاهر أنّه لا فرق بين الواجب والمستحب منهما؛ للاطلاق و
إلغاء الخصوصية، بل ولعموم
التعليل بنفي الحرج في الدين.
لا
إشكال في أنّه لا يجوز للمحرم إزالة شعر بدن الغير إذا كان الغير محرماً أيضاً؛ لأنّه مشمول لدليل حرمة إزالة شعر المحرم سواء بفعله أو بفعل غيره محلّاً كان أو محرماً، وأمّا إزالته شعر المحل فقد اختلفت كلمات الفقهاء في جوازه على قولين
:
قال
الشيخ الطوسي في
الخلاف : «يجوز للمحرم أن يحلق رأس المحلّ ولا شيء عليه... دليلنا: أنّ
الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل».
ونحوه في
المبسوط .
واختاره الفاضل فقال في
التحرير : «يجوز للمحرم أن يحلق شعر المحلّ، ولا فدية، ولا يجوز أن يحلق للمحرم ولا للمُحلّ ذلك، ولو فعلا ذلك أثما».
ثمّ استدلّ عليه في موضع آخر قائلًا: «يجوز للمحرم أن يحلق شعر المحلّ، ولا شيء عليه...؛ لأنّ المحلّ يسوغ له حلق رأسه، فجاز للمحرم فعله به، كما لو فعله المحلّ؛ لأنّ المحرّم إنّما هو إزالة شعر المحرم عن نفسه، ولأنّه لم يتعلّق بمنبته حرمة الإحرام، فجاز للمحرم حلقه كشعر
البهيمة ، ولأنّه يجوز له أن يطيّبه ويلبسه، فأشبه المحلّ إذا حلقه، و
لأصالة براءة الذمّة ... وهنا منع من شعر المحرم؛ لما فيه من الترفّه وزوال الشعث في الإحرام، وهو غير موجود في شعر المحلّ».
قال الشيخ الطوسي في
التهذيب : «لا يجوز للمحرم أن يأخذ من شعر
الحلال »،
واختاره بعض الفقهاء،
كما هو ظاهر بعض آخر.
واستدلّ له بقول
الإمام الصادق عليه السلام في صحيحة
معاوية بن عمّار : «لا يأخذ المحرم من شعر الحلال».
وهل يجب على المحرم
الاحتياط بالاجتناب عن حكّ البدن ودلكه لئلّا يزول الشعر، أم يجوز الحكّ والدلك ما لم يعلم ترتّب الإزالة عليه؟
ذكر غير واحد من الفقهاء أنّه لا يدلك وجهه في الغسل والوضوء ولا في غيره لئلّا يسقط من شعره شيء،
والظاهر منه لزوم الاحتياط.
ولكن يوجد في كلمات بعضهم ما هو صريح في الجواز، فقد ذهب الشيخ الطوسي في الخلاف إلى كراهة الدلك في الحمّام،
وقال
المحقّق الحلّي بكراهة دلك الجسد وجواز حكّ البدن ما لم يُدم،
وذكر الشهيد من جملة المكروهات: المبالغة في دلك الوجه والرأس في
الطهارة ،
ونفى
المحقّق النجفي البأس عن ذلك،
وقال في موضع آخر: «الظاهر كون المحرّم الإزالة المستفادة من الحلق والنتف ونحوهما، فلا بأس بالحكّ الذي لم يعلم ترتّبها عليه، ولا قصدها به، ووجوب
الفداء على الشعرة الساقطة بمسّ
اللحية - إن قلنا به- كوجوبها على الناسي و
الغافل عند القائل به، ولعلّ قوله عليه السلام: «لا بأس بالحكّ ما لم يدم أو يقطع الشعر»
ظاهر فيما ذكرنا، وحينئذٍ فلا بأس
بالتسريح الذي لا طمأنينة بحصول القطع معه وإن اتفق».
وكذا اختار بعض الفقهاء المعاصرين أنّه لا بأس بحكّ المحرم رأسه ما لم يسقط الشعر عن رأسه وما لم يدمه، وكذلك البدن.
وناقش فيه بعض الفقهاء بأنّه لا مجال لجريان أصل البراءة هنا، بل المورد يقتضي عكس ذلك، فيجب الاحتياط بأن لا يمسّ لحيته إلّا مع
الاطمئنان بعدم السقوط.
إلّا أنّه مبنيّ على أن يكون حفظ الشعر وعدم سقوطه واجباً لا كون الحلق أو النتف أو الإزالة محرّماً، وإلّا كانت الشبهة مصداقية للحرام فتجري
أصالة البراءة .
وهل تصدق إزالة الشعر بقطع العضو الذي فيه شعر أم لا؟
ذكر
العلّامة الحلّي وغيره أنّه لا كفّارة عليه لو قطع العضو الذي فيه شعر؛ لعدم صدق النتف وإزالة الشعر عليه بالأصالة، بل يكون زوال الشعر بالتبعية.
ولكن ظاهر الشهيد التردّد في ذلك حيث قال: «لو قلع جلدة عليها شعر، قيل: لا يضمن».
واورد عليه بأنّ التردّد في غير محلّه؛ لوضوح أنّ النتف والجزّ لا يصدقان على العضو المقطوع الذي فيه الشعر، كما لا يطلق الحلق على الرأس المقطوع.
إلّا أنّ قلع الجلدة مع ما عليها من الشعر قد يصدق عليه أنّه نتفٌ وقطعٌ للشعر عرفاً فالتردّد في محلّه.
الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۵۵۲-۵۵۷.