الإنذار
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو
التحذير و
ابلاغ التخويف والزجر عن القبيح.
الإنذار- لغة-: مصدر أنذره الأمر، إذا أبلغه وأعلمه به، فالإنذار:
الإبلاغ ، ولا يكون إلّافي التخويف، يقال: أنذره، إذا خوّفه وحذّره بالزجر عن القبيح.
واستعمله
الفقهاء في نفس المعنى اللغوي.
وهو
إيصال الخبر- مثلًا- إلى شخص أو طائفة من الناس. والفرق بين الإنذار و
الإعلام : أنّ الإنذار هو إعلام معه تخويف، فكلّ منذر معلم، دون العكس.
مصدر من باب
التفعيل ، ومعناه في اللغة: جعل الشخص يخاف، أو جعله بحالة يخافه الناس. يقال: خوّفه تخويفاً، أي جعله يخاف، أو صيّره بحال يخافه الناس.
والفرق بين الإنذار والتخويف: أنّ الإنذار تخويف مع إعلام موضع المخافة، من قولك: نذرت بالشيء، إذا علمته فاستعددت له. فإذا خوّف
الإنسان غيره وأعلمه حال ما يخوّفه به فقد أنذره، وإن لم يعلمه ذلك لم يقل: أنذره.
والنذر: ما يجعله الإنسان على نفسه إذا سلم ممّا يخافه. والإنذار:
إحسان من المنذر، وكلّما كانت المخافة أشدّ كانت النعمة بالإنذار أعظم؛ ولهذا كان
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعظم الناس منّة بإنذاره لهم عقاب
الله سبحانه وتعالى.
وهي مأخوذة- لغةً- من وصّيت الشيء بالشيء أصيه من باب وعد: وصَلتُه.
وذكروا في الفرق بين الإنذار والوصية: أنّ الإنذار لا يكون إلّامنك لغيرك، وتكون
الوصية منك لنفسك ولغيرك، تقول: أوصيت نفسي كما تقول: أوصيت غيري، ولا تقول: أنذرت نفسي.
والإنذار لا يكون إلّابالزجر عن القبيح وما يعتقد المنذر قبحه، والوصية تكون بالحسن والقبيح؛ لأنّه يجور أن يوصي الرجل الرجل بفعل القبيح كما يوصي بفعل الحسن، ولا يجوز أن ينذره إلّافيما هو قبيح. وقيل:
النذارة نقيضة البشارة، وليست الوصية نقيضة
البشارة .
وهو طرح الشيء، و
النبذ : إعلام العدو بترك الموادعة، وقوله تعالى: «فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ»
أي قل لهم: قد نبذت إليكم عهدكم، وأنا مقاتلكم؛ ليعلموا ذلك.
فالنبذ مقصود به طرح العهد وعدم
الالتزام به، و
الأمر بالنبذ في الآية الكريمة يجمع بين الأمرين: طرح العهد وإعلامهم بذلك، فهو نوع من الإنذار.
نشد الضالّة: طلبها وعرّفها، ونشدتك اللَّه، أي سألتك باللَّه، والمناشدة:
المطالبة باستعطاف .
والمناشدة أيضاً تكون بمعنى الإنذار، لكن مع
الاستعطاف ، وهو طلب الكفّ عن الفعل القبيح.
العذر: الحجّة التي يعتذر بها، والجمع: أعذار، وأعذر إعذاراً: أبدى عذراً، ويكون أعذر بمعنى اعتذر، وأعذر: ثبت له عذر. وأعذر في الأمر: بالغ فيه. وفي المثل: أعذر من أنذر، يقال ذلك لمن يُحذّر أمراً يخاف، سواء حذّر أو لم يحذّر.
إذاً فالإنذار يمكن أن يكون
إعذاراً إن كان فيه
إثبات الحجّة للمنذر، ودحض حجّة المنذر إذا ما وقع به الضرر.
إنّ حكمة الإنذار واضحة لكلّ من تأمّل فيه، فهو طريق لإصلاح المجتمع وصيانته من
الانحراف . وقد أشارت النصوص الكثيرة إلى هذه الحكمة:
منها: قوله سبحانه وتعالى: «وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ».
ومنها: قوله تعالى: «أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ».
قال
الشيخ الطوسي عند تفسيره هذه الآية: «إنّ اللَّه تعالى أرسل هذا الرسول مع هذا الذكر، وأراد إنذاركم، وغرضه أن تتّقوا معاصيه؛ لكي يرحمكم ويدخلكم الجنّة ونعيم الأبد».
وقال
السيّد الطباطبائي : «والمعنى لغرض أن ينذركم الرسول، ولتتّقوا أنتم، ويؤدّي ذلك إلى رجاء أن تشملكم
الرحمة الإلهية».
ومنها: قوله تعالى: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِم مُنذِرِينَ• فَانظُرْ كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ• إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ».
قال الشيخ الطوسي مفسّراً الآية: «أقسم أنّه أرسل فيهم منذرين من الأنبياء والرسل يخوّفونهم باللَّه ويحذّرونهم معاصيه... والتقدير: أنّ
الأنبياء المرسلين لما خوّفوا قومهم فعصوهم ولم يقبلوا منهم
أهلكهم وأنزل عليهم العذاب، فانظر كيف كان عاقبتهم».
الإنذار قد يكون بالقول، وذلك كعرض الدعوة على الكفّار، و
استتابة المرتدّ، ووعظ المتشاجرين، أو الزوجة الناشز وغيرها. وقد يكون الإنذار بالفعل،
كالإشارة إلى شيء ورفع العصا تحذيراً منه. وهناك بعض الموارد في
الفقه تعدّ إنذاراً بالفعل، كما في بعض حالات عدم
إمكان الكلام لحرمته، كمن كان في الصلاة ورأى رجلًا عند بئر، أو طفلًا يخاف سقوطه، أو رأى عقرباً تدبّ إلى إنسان، وأمكن تحذيره بغمزه أو لكزه،(لكَزَه لَكْزاً من باب قتل: ضربه بجمع كفّه فيصدره، وربّما اطلق على جميع البدن).
فإنّه لا يجوز الكلام حينئذٍ.
يختلف حكم الإنذار
باختلاف موارده، فقد يكون واجباً، وقد يكون حراماً، وقد يكون مندوباً وهكذا، وأهمّ موارده في الفقه نذكرها- إجمالًا- فيما يلي:
من ترك الصلاة كسلًا وتوانياً- من غير عذر- وكان معتقداً
تحريم تركها يحكم بفسقه وينذر، فإن رجع وإلّا يؤدّب على ذلك، ولا يجب قتله.
وكذا الحكم في سائر العبادات.
الظاهر من كلمات بعض الفقهاء أنّه يجوز قطع
خطبة الجمعة للإنذار؛
ولعلّ مرادهم حالات الضرورة التي تستدعي ذلك؛ بناءً على القول بوجوب
الإنصات لخطبة الجمعة.
المشهور
بين الفقهاء كراهة التكلّم بين
الأذان والإقامة فيما إذا لم يكن الكلام لمصلحة الصلاة- سواء كان للإنذار أو غيره- وأمّا إذا كان لذلك فإنّه لا يكره في
الإقامة ففي
الأذان أولى.
والتفصيل في محلّه.
يجب إنذار الكفّار والبغاة الذين لم تبلغهم الدعوة، ولا ينبغي أن يبدؤوا بالحرب قبل الإنذار، ويجوز أن يدعو قبل القتال إلى الحقّ وينذروا، فإن لم يجيبوا قوتلوا، وإن كانوا عارفين بما يدعوهم
الإمام إليه ولم يدخلوا فيه جاز قتالهم من غير دماء ولا إنذار.
واستدلّ لذلك بما رواه
السكوني عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال
أمير المؤمنين عليه السلام : بعثني
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن، فقال: يا علي، لا تقاتلنّ أحداً حتى تدعوه إلى
الإسلام ...».
وقد يكون إنذارهم مستحبّاً، كإنذار الكفار الذين بلغتهم الدعوة، فإنّه يستحبّ دعوتهم إلى الإسلام مبالغة في الإنذار.
إذا ارتدّ الرجل عن الإسلام
ارتداداً ملّياً لم يقتل، بل يجب إنذاره واستتابته، فإن امتنع قتل،
بلا خلاف فيه، بل
الإجماع بقسميه عليه.
والمستند فيه ما رواه
علي بن جعفر عن
أخيه موسى بن جعفر عليه السلام - في حديث- قال: قلت:... فنصراني أسلم ثمّ ارتدّ؟ قال: «يستتاب فإن رجع وإلّا قتل».
لو رأى طفلًا يخاف سقوطه أو أعمى يخاف وقوعه في محذور- كخوف وقوعه في بئر أو غير ذلك- فيجب على من رآه - ولو كان في صلاة- أن يحذّره خشية الضرر.
ويؤيّده
مرسل حريز عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إذا كنت في
صلاة الفريضة فرأيت غلاماً لك قد أبق أو غريماً لك عليه مال أو حيّة تتخوّفها على نفسك، فاقطع الصلاة واتّبع الغلام أو غريماً لك واقتل الحيّة».
والتفصيل في محلّه.
إذا علم المكلّف أنّ في الإنذار ضرراً أشدّ من ضرر المنكر الواقع على نفسه أو ماله أو بعض المؤمنين في الحال أو المستقبل، سقط عنه وجوب الدفع عن المنكر لذلك الشخص ولم يأثم بتركه.
وإن كان تأثير أمره وإنذاره في ذلك الشخص أكثر فائدة وجدوى للإسلام وجب عليه أن يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر وإن أوجب ذلك الضرر الشديد.
والتفصيل في محلّه.
يختلف من له حقّ الإنذار أو يجب عليه باختلاف الحالات، فمثل الزوجة الناشز يكون الحقّ للزوج، ومثل الكفّار في جهاد الدعوة يكون للحاكم الشرعي أو من فوّض من قبله، ومثل
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون لعامّة المسلمين ضمن شروطه الخاصّة، وكذلك إنذار الأولاد في تأديبهم وتربيتهم، إذ يكون من حقّ
الأب ومسؤولياته، وإنذار
المسلم من أن يقع عليه ضرر مادّي أو معنوي من حقّ سائر المسلمين أيضاً. وعليه، فالمسألة تابعة للمورد الذي تقع فيه ممّا يراجع في محالّه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۸، ص۱۳۸-۱۴۳.