اشتراط تقدير الثمن وجنسه
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(الرابع :) من الشرائط في صحة
البيع (تقدير الثمن) وتعيينه (و) تعيين (جنسه) ووصفه، (فلو اشتراه بحكم أحدهما) أو
أجنبي (فالبيع باطل) إجماعاً، كما في المختلف والتذكرة الروضة؛
للغرر والجهالة المنهي عنهما
بالإجماع والرواية المتّفق عليها بين العلماء كافّة، فلا قاومها شيء من النصوص وإن كانت صحيحة، سيّما مع
اعتضادها في المسألة بعدم الخلاف فيها بين الطائفة، والإجماعات المحكيّة.وبه يظهر الجواب عما دلّ عليه بعض المعتبرة
إنّما لم يقطع بصحة السند لتطرق النظر إليها بأنها مروية في باب
ابتياع الحيوان من التهذيب عن
الحسن بن محبوب عن رفاعة النخاس.
وهما وإن كانا ثقتين إلاّ أن طريق الشيخ إلى الحسن في هذه الرواية غير معلوم. وإن ذكر في المشيخة أن ما يرويه عنه في كتبه ومصنفاته فطريقه إليه كذا وكذا. وهو صحيح. لكن لم يعلم أن هذا الحديث من الكتب والمصنفات. وما ذكره في الخلاصة من أنه إن كان الحديث مأخوذاً من المصنفات فهو صحيح وإلاّ فهو حسن بإبراهيم بن هاشم لا نعرف مأخذه. فإن كان من الفهرست فهو صحيح. كذا قيل. ولا يخلو عن نظر. ولذا لم يقدح وسلم (منه ;). في
المبسوط في كتاب الإجارات
ولكن منع عنه في
الخلاف فقال : لا يكفي النظر إلى رأس مال السلم إلاّ بعد العلم بمقداره سواء كان مكيلاً أو موزوناً أو مذروعاً. ولا يجوز جزافاً
منه.
بعد تسليم كونه صحيحاً من جواز تحكيم المشتري ولزوم الحكم عليه بالقيمة السوقية فما زاد، مع أنّه غير صريح في صحة المعاملة، محتمل لوجوه غير بعيدة في مقام الجمع بين الأدلّة.
ونحوه الكلام فيما لو اشتراه بثمن مجهول القدر وإن شوهد؛ لبقاء الجهالة وثبوت الغرر المنفي معها.خلافاً للشيخ في الموزون مطلقاً،وللمرتضى في مال السلم خاصّة،
وللإسكافي في المجهول مطلقاً إذا كان المبيع صبرة مشاهدة مع
اختلافهما جنساً، لزوال الغرر بالمشاهدة
والربا بالاختلاف.
وهو كسابقيه شاذّ.أو الصفة، كمائة درهم، وإن كانت مشاهدة لا يعلم وصفها مع تعدّد النقد الموجود.أو الجنس وإن علم قدره.لتحقق الجهالة في الجميع، فيكون الشراء فاسداً وإن اتّصل به القبض. وليس
كالمعاطاة ؛ لأنّ شرطها
اجتماع شرائط البيع سوى العقد الخاص بلا خلاف.
(و) حيث بطل البيع (يضمن المشتري تلف المبيع مع قبضه ونُقصانَه) بفتح النون، عطف على التلف، أي يضمن نقصانه إن تلف البعض عيناً ومنفعة بالمثل إن كان مثليّا، وإلاّ فبالقيمة يوم التلف، على الأشهر الأقرب؛ لأنّ
الانتقال إلى القيمة إنّما هو عند تعذّر دفع العين.وقيل : يوم القبض.
وقيل : الأعلى منه إليه.
وهو حسن إن كان التفاوت بسبب نقص في العين أو زيادة، إما باختلاف السوق فالأول لازم،
فالإطلاق بعيد.
وأبعد منه القول الثاني؛ لعدم الدليل عليه بعد ما عرفت من أنّه قبل التلف كان مخاطباً
بأداء العين خاصّة دون القيمة، وإنّما الانتقال إليها بعد تعذّر الوصول إلى المأمور به أوّلاً.نعم في الصحيح الوارد في المكتري بغلة إلى حدّ تجاوز بها عنه بغير إذن الصاحب بعد سؤاله عن عطبها وما يترتّب عليه من ضمانه بقوله : أرأيت لو عطب البغل أو نفق-نفقت الدابة : هلكت وماتت.
أليس كان يلزمني؟ قال : «نعم قيمة البغل يوم خالفته».
وهو كما ترى ظاهر في نصرة هذا القول، إلاّ أنّ
احتمال رجوع الظرف إلى لزوم القيمة لا إليها قائم، لكنّه بعيد، إلاّ أنّ البُعد لا يوجب المصير إليه بعد معارضته بأقوى منه
بالاعتبار والاشتهار وأصالة البراءة عن الزائد لو كان في القيمة يوم القبض على يوم التلف، مع ظهور ذيله في خلافه وإن كان في النقص بالعيب كالكسر والدَبَر والغَمْز- الدَّبَر بالتحريك : الجرح الذي يكون في ظهر الدابّة وغَمزَت الدابة : مالت من رجلها .
ففيه بعد السؤال عن ضمانه : «عليك قيمة ما بين الصحة والعيب يوم تردّه» فتأمّل.
ثم الدليل على الضمان هنا (وكذا في كلّ ابتياع فاسد) ومأخوذ بالسوم الخبر المشهور : «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي»
والقاعدة المشهورة : كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.ومعناها أنّه كما يضمن المشتري مثلاً بصحيحه لو فات في يده، بمعنى أنّه يذهب من ماله ويلزم عليه
إيصال الثمن إلى البائع، كذلك يضمن بفاسده ويلزم عليه ردّ المبيع وإيصاله إلى البائع مع نمائه.ولا ريب في صحتها مع علمه بالفساد وعدم جواز التصرّف ووجوب الحفظ والردّ على المالك؛ لأنه حينئذٍ غاصب أو كالغاصب.
وكذا مع الجهل به، أو العلم مع عدم العلم بوجوب الردّ في الحال، بناءً على أنّ القبض تصرّف في ملك الغير بغير إذنه، مع حيث
اختصاصه في محلّ الفرض بزعم صحة المعاملة، فإذا انتفت انتفى
الإذن المترتّب على زعمها، فيكون التصرّف في العين حينئذٍ وأكلها
أكل مال بالباطل، لانحصار وجه الحلّ في كون المعاملة بيعاً أو
تجارة عن تراض أو هبة أو غيرها من وجوه التراضي بأكل المال من غير عوض. وليس الأوّلين بمقتضى الفرض، وكذا البواقي، للقطع من جهة الزعم المتقدّم بعدم الرضاء بالتصرّف مع عدم بذل شيء في المقابل، فالرضاء المتقدّم كالعدم، وذلك واضح.
واحتمال
الإلحاق بالمعاطاة في عدم لزوم قيمة الفائت والاكتفاء عنها بالعوض المبذول بالرضا في المقابل، كما في عبارة بعض الأصحاب
غير جيّد، بناءً على عدم الدليل على
الاكتفاء بالعوض ولزومه بمجرد الرضاء السابق، بل يترتّب على العقود الناقلة بشرائط الصحة وهي هنا مفقودة.
فإن تراضيا بالبدلين بعد العلم بالفساد واستمرّ رضاهما فلا كلام فيما ذكره، وإن انتفى فالاكتفاء بالرضاء السابق في لزومه يحتاج إلى التأمّل، سيما مع العلم بأنّ المنشأ زعم صحة المعاملة، فبعد كشف الفساد وعدم الرضاء بعده لم يكن هناك رضاء في الحقيقة، فلكلّ منهما الرجوع إلى المال أو بدله مع التلف، فإنّ : «الناس مسلّطون على أموالهم».
ولا فرق في الأموال بين الموجودة والتالفة بمقتضى إطلاق النص وصريح الجماعة.
فالقاعدة على إطلاقها مع اشتهار العمل بها كذلك لا يكاد يختلجها ريبة ولا يدانيها شبهة، فالمناقشة فيها مطلقاً أو في الجملة فاسدة.ولو لا
الإجماع في مسألة المعاطاة على عدم الرجوع في العين التالفة لكان اللازم فيها الرجوع إلى هذه القاعدة، ولكن الإجماع مانع وفارق بينهما وبين المسألة، فقياسها بها مع
بطلانه قياس مع الفارق.
(و) يجب على البائع أن (يردّ عليه) أي على المشتري (ما زاد) في المبيع (بفعله) مطلقاً، منفعة كانت الزيادة (كتعليم الصنعة) أو عيناً (و) هي المشار إليها بـ (الصبغ، على الأشبه) الأشهر، وفاقاً للنهاية والمقنعة؛
لأنّها أثر فعله غير متبرّع به فيكون له، مع
استلزام عدم وجوب الردّ الضرر والحيف
وإضاعة عمله مع
احترامه في الشريعة حيث لم يوجد ما يوجب إبطاله.خلافاً للمبسوط، فلا يردّ مطلقاً، بل هو للبائع؛ لأنّه نماء ملكه.
وللحلّي : فالتفصيل بين الزيادتين فيجب الردّ في الثانية إن أمكن الفصل، وإلاّ كان شريكاً بالنسبة من القيمة، ولا في الأولى، بل تكون تابعة للعين.
ثم على المختار ينبغي تقييده بجهل القابض بالفساد، وإلاّ فتفصيل الحلّي عند جماعة مستحسن. ولا بأس به؛ فإنّه حينئذٍ كالغاصب الذي ليس له الرجوع إلى المنفعة بالإجماع، كما في المهذّب.
(وإذا أطلق النقد
انصرف إلى نقد البلد) لأنّه في حكم التعيين؛ إذ ليس معه غرر ولا جهالة عرفاً وعادةً. وذلك واضح مع الوحدة، وكذا مع التعدّد وأغلبيّة البعض المنصرف إليه الإطلاق كالأوّل بالضرورة. وكذا معه والتساوي في القدر والقيمة والماليّة، وإن اختلف الأفراد بحسب الرغبة على قول لا يخلو عن قوّة إن لم يؤدّ التفاوت فيها إلى الغرر والجهالة أو النزاع والمشاجرة، وإلاّ فهو محلّ مناقشة، فالأجود بطلان البيع فيه وإن كان من الفروض النادرة. وكذا في التعدّد وعدم التساوي في الأُمور الثلاثة، وفاقاً لإطلاق جماعة.
(وإن عيّن نقداً لزم) مطلقاً بلا
إشكال ؛ لكونه جزءاً من العقد المأمور بالوفاء به.
(ولو اختلفا في قدر الثمن) فادّعى البائع الأكثر والمشتري الأقلّ (فالقول قول البائع مع يمينه إن كان المبيع قائماً) بعينه (وقول المشتري مع يمينه إن كان تالفاً) على الأظهر الأشهر، بل عليه في الخلاف الإجماع،
وهو ظاهر الغنية، حيث نسبه إلى الأصحاب، مشعراً
به، ونسب خلافه في
الدروس إلى الندور،
وفيه نوع
إشعار به أيضاً؛ وهو الحجة.
مضافاً إلى المرسل كالموثق بابن أبي نصر الثقة الذي أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة، مع أنّه لم يرو إلاّ عن الثقة كما في العُدّة
: في الرجل يبيع الشيء فيقول المشتري : هو بكذا وكذا بأقلّ ممّا قال البائع، قال : قال : «القول قول البائع مع يمينه إذا كان الشيء قائماً بعينه».
ويستدلّ بمفهومه على الحكم الثاني، مع موافقته
للأصل المجمع عليه نصّاً وفتوى من أنّ على المنكر اليمين بناءً على كون المشتري خاصّة منكراً وإن توهّم كونه مطلقاً أو في الجملة مدّعياً،
لاندفاع التوهّم برجوع النزاع إلى الزائد عن الثمن لا إلى أصل الانتقال؛ لكونه بينهما مسّلماً.
وهذا الأصل وإن عمّ منطوق الخبر ولذا قيل به فيه أيضاً، كما عن التذكرة، إلاّ أنّ اعتبار السند بما مرّ مضافاً إلى روايته في الكتب الثلاثة واعتضاده بالشهرة العظيمة وحكاية الإجماع المتقدمة، مع أخصّيته
بالإضافة إلى الأصل والقاعدة أوجب تخصيصها به، سيّما مع تأيّده بإطلاق الصحيح : «إن اختلفا فالقول قول ربّ السلعة أو يتتاركا».
وظاهر التتارك بقاء السلعة.
وفي المسألة أقوال أُخر نادرة كادت تكون شاذّة، مع عدم قيام دليل صالح على أكثرها عدا القول المتقدّم، وهو تقديم قول المشتري مطلقاً.وفيه زيادةً على ما مضى التأمّل في
الإطلاق جدّاً؛ لرجوع الأمر في بعض الصور إلى التحالف، كأن يدّعي البائع البيع بألف درهم والمشتري البيع بغنم، فتأمّل.
وعلى المختار لو كانت العين قائمة لكنّها قد انتقلت عن المشتري انتقالاً لازماً
كالبيع والعتق ففي تنزيله منزلة التلف قولان. قيل : أجودهما العدم، لصدق القيام عليها وهو البقاء، ومنع مساواته للتلف في العلّة الموجبة للحكم.
ويحتمل قويّاً الثاني؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتبادر أو المتيقن من النص، وليس إلاّ إذا لم ينتقل العين عنه كذلك.
ولو تلف بعضه ففي تنزيله منزلة تلف الجميع، أو بقاء الجميع، أو إلحاق كلّ جزء بأصله أوجه. أوجهها الأوّل؛ لصدق عدم قيامها بعينه، الذي هو مناط تقديم قول البائع، مضافاً إلى الوجه المتقدّم في تقوية القول الثاني.ومنه يظهر الوجه في تقديم قول المشتري لو امتزج العين بغيره امتزاجاً لا يمكن تخليصه؛ لعدم صدق القيام عرفاً، فإنّ ظاهره أخصّ من الوجود، فتأمّل جدّاً.
(و) يجوز أن (يوضع لظروف السمن والزيت) ونحوهما (ما كان) وضعه لها (معتاداً لا زائداً) عليه.قال بعض الأفاضل : المراد أنّه يجوز بيع الموزون بأن يوزن مع ظرفه ثم يسقط من المجموع مقدار الظرف تخميناً بحيث يحتمل كونه مقدار الظرف لا أنقص ولا أزيد، بل وإن تفاوت لا يكون إلاّ بشيء يتساهل بمثله عادة؛ ثم يدفع ثمن الباقي مع الظرف إلى البائع.
ويظهر من بعض العبارات عدم
احتياج الإندار المحتمل للأمرين إلى المراضاة، وأنّ المحتاج إليها الثاني. وهما ظاهر الأصحاب، كالمتن وغيره، فيكون
الإندار في الأول قهرياً.
ولعلّه للموثق : إنّا نشتري الزيت في أزقاقه ويحسب لنا فيه نقصان لمكان الأزقاق، فقال عليه السلام «إن كان يزيد وينقص يعني يحتملهما، كما فهمه الأصحاب فلا بأس، وإن كان يزيد ولا ينقص فلا تقربه».
بناءً على أنّ المراد نفي البأس على الإطلاق حصل المراضاة أم لا، من حيث اختصاص النهي عن الإندار للزائد بالصورة الثانية، لكون الجواز في الأول مقطوعاً به بين الأصحاب، فإن : «الناس مسلّطون على أموالهم».
فظهر أنّ نفي البأس عن الإندار في الشقّ الأوّل إنّما هو في الصورة الثانية التي وقع النهي فيها عنه في الشق الثاني خاصة أو مطلقاً، إلاّ أنّ في بعض النصوص القاصرة الأسانيد اشتراط التراضي في الشقّ الأوّل أيضاً.ففي رواية أنّه يطرح لظروف السمن والزيت لكلّ ظرف كذا وكذا رطلاً فربما زاد وربما نقص، قال : «إذا كان ذلك عن تراضٍ منكم فلا بأس»،
ونحوه في أُخرى مرويّة عن قرب الإسناد.
ومراعاتهما أحوط وإن كان في التعيّن نظر.
ويستفاد من الخبر الأوّل كالعبارة ونحوها جواز الإندار للناقص من دون توقّف على التراضي؛ ولعلّه لما يستفاد من كلمات الأصحاب وغيرها كون الإندار حقّا للمشتري وبيده، فله
إسقاط ما يضرّ به، وليس للبائع التسلّط عليه في منع عن ذلك، وهو واضح.فما ذكره بعض الأصحاب من إلحاق ذلك بإندار الزائد في التوقّف على المراضاة،
مشكل على إطلاقه، وإنما يصحّ فيما لو كان الإندار بيد البائع أو مشتركاً بينهما،وأما لو كان بيد المشتري كما هو ظاهرهم حتى الملحق فلا؛ لما مضى.
رياض المسائل، ج۸، ص۲۵۱-۲۶۱.