• خواندن
  • نمایش تاریخچه
  • ویرایش
 

الإرسال بمعنى الإهمال

احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF



الإرسال هو الإطلاق و الإهمال والبعث والتوجيه والتخلية والتسليط، ويستعمل الفقهاء كلمة الإرسال بإطلاقات متعدّدة تنشأ من إطلاقاتها اللغوية، فيطلقونها بمعنى الإهمال كإرسال الحيوان، وإرسال الماء في الملك.




ذكر الفقهاء أنّه يجب على الإنسان حفظ دابّته الصائلة كالبعير المغتلم والكلب العقور والفرس العضوض ونحو ذلك؛ لقاعدة نفي الضرر وغيرها، فلو أهملها ضمن جنايتها، بل نفى عنه الخلاف و الإشكال في الجواهر؛ للروايات:
كصحيح الحلبي أو حسنه عن الإمام الصادق عليه السلام : أنّه سئل عن بختي (البختي: واحد البُخت وهي الإبل الخراسانية. ) اغتلم (الاغتلام: هيجان البعير عند شدّة الشهوة الجنسيّة. ) فخرج من الدار فقتل رجلًا فجاء أخو الرجل فضرب الفحل بالسيف فعقره؟ فقال: «صاحب البختي ضامن للدية ويقتصّ ثمن بختيّه...».
وخبر علي‌ بن جعفر ، سأل أخاه عليه السلام عن بختي اغتلم فقتل رجلًا ما على صاحبه؟ قال: «عليه الدية».
ولا يعارض ذلك النبوي: « العجماء جبار»، بعد قصوره من وجوه، فيجب حمله على غير المفروض، أو غير المملوك، أو التي لم يفرط في حفظها، أو التي فرط التالف بالتعرّض بها.
وكذا لا يعارضه قول الصادق عليه السلام في مرسل يونس : «بهيمة الأنعام لا يغرم أهلها شيئاً ما دامت مرسلة»؛ لإرسالها، ولاحتمال أن يكون المراد من الإرسال فيها كون الدابّة غير صائلة أو مجهولة الحال، أو المراد ما دامت من شأنها الإرسال بأن لا تكون صائلة .
بل قد يحتمل كون (لا يغرم) من باب الإفعال أو التفعيل، أي لا يغرم من جنى عليها للدفع عن نفسه أو نفس محترمة أو مال كثير شيئاً.
نعم، هذا كلّه مع علم المالك وتفريطه، أمّا لو جهل الحال ولم يعلم أنّ دابّته صائلة أو علم ولم يفرط فلا ضمان عليه؛ للأصل، وبعض الروايات، كخبر مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللَّه عليه السلام : «أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان إذا صال الفحل أوّل مرّة لم يضمّن صاحبه، فإذا ثنّى ضمّن صاحبه». بناءً على أنّ المراد منه الإشارة إلى التفصيل المزبور، باعتبار أنّه أوّل مرّة لا يعلمه المالك بخلاف المرّة الثانية. هذا إذا كانت الدابّة صائلة.
أمّا إذا لم تكن صائلة فلا يجب عليه حفظها بل يجوز له إرسالها، ولا يضمن صاحبها جنايتها، إلّا في حالات وأوقات، محلّ تفصيلها في مصطلح (إتلاف) و (ضمان) في ضمان ما تتلفه الدابّة.



المشهور بين قدماء فقهائنا بل ادّعى بعضهم عليه الإجماع أنّ الماشية إذا جنت على الزرع ليلًا ضمن صاحبها، وإذا جنت نهاراً لم يضمن.
والمستند في ذلك بعض الروايات، كرواية السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: «كان علي عليه السلام لا يضمن ما أفسدت البهائم نهاراً، ويقول: على صاحب الزرع حفظ زرعه، وكان يضمن ما أفسدت البهائم ليلًا»، وغيرها.

۲.۱ - اشتراط التفريط


وذهب المتأخّرون- كابن إدريس و المحقق الحلّي ومن تأخّر عنهما - إلى اعتبار التفريط وعدمه، سواءً كان الإفساد ليلًا أم نهاراً، إمّا لضعف مستند التفصيل بين الليل والنهار أو حملًا له على ذلك، وما الليل والنهار إلّا مثالًا للتفريط لا ضابطاً للضمان.
لكن اجيب عنه بأنّ ضعف السند منجبر بالعمل ومعتضد بأخبار اخرى، على أنّ خبر السكوني من القويّ في نفسه، وفي خصوص المقام رواه عنه عبد الله بن المغيرة الذي هو من أصحاب الإجماع.
هذا، وقد حاول الشهيد الأوّل جعل الخلاف بين القدماء والمتأخّرين لفظياً حيث قال: «لمّا كان الغالب حفظ الدابّة ليلًا وحفظ الزرع نهاراً خرج الحكم عليه، وليس في حكم المتأخّرين ردّ لقول القدماء، وإنّما القدماء تبعوا عبارة الأحاديث، والمراد هو التفريط، فلا ينبغي أن يكون الخلاف هنا إلّا في مجرد العبارة عن الضابط، وأمّا المعنى فلا خلاف فيه».
[۲۳] غاية المراد، ج۴، ص۵۲۰.

وتبعه على ذلك في كشف اللثام ، بل قال: «أكثر عباراتهم تشعر بذلك».
وفي كشف الرموز بعد نقل رواية السكوني: «ربّما كان الوجه أنّ في النهار جرت العادة بحفظ صاحب الزرع زرعه على الأغلب، فإذا أخلّ به فيكون التفريط منه، وبالليل يلزم صاحب البهيمة إمساكها، فمع الإرسال أو الإخلال به فالتفريط منه، فيكون ضامناً».
وممّن صرّح بذلك السيد الخوئي حيث جعل العبرة في الضمان وعدمه إنّما هو التفريط وأرجع التفصيل بين الضمان في الليل دون النهار إلى التفريط في الأوّل دون الثاني، مدّعياً أنّ ذلك صريح معتبرة السكوني المتقدمة، ومعتبرة هارون بن حمزة ، والتي فيها: «إن أفسدت نهاراً فليس عليها ضمان من أجل أنّ أصحابه يحفظونه، وإن أفسدت ليلًا فإنّه عليها ضمان».
وعلى هذا يعتبر الخلاف لفظيّاً في طريقة التعبير عن الضابط، وأنّ الضابط بين الضمان وعدمه هو التفريط وعدمه.
ولكن مع ذلك كلّه قال الشهيد الثاني في المسالك : «الظاهر أنّ الخلاف معنوي؛ لأنّ مقتضى التفصيل أنّ ما جنته البهائم نهاراً غير مضمون على أربابها، سواءً فرّط في حفظها أم لا؛ لأنّ على صاحب الزرع حفظه نهاراً، وأنّ ما جنته ليلًا مضمون مطلقاً، وأنّ الحفظ متعلّق بمالك البهائم، ولو فرض عدم تفريطه في حفظها فإنّ جنايتها ليلًا مضمونة؛ نظراً إلى تعليق الحكم على الليل والنهار لا على التفريط وعدمه، فحمل ذلك على التفريط وعدمه خلاف مدلول اللفظ».

۲.۲ - الاحتمالين في المسأله


وعلى أيّ حال فالمستخلص ممّا تقدم أنّ في المسألة احتمالين، بل قولين:
أحدهما: جعل الضابط هو الليل والنهار، فيضمن عند الجناية في الأوّل دون الثاني فرّط أو لم يفرّط؛ لوجوب حفظ مواشيه ليلًا وعدم جواز إرسالها وجواز ذلك نهاراً، وإنّما يجب على صاحب الزرع حفظ زرعه، وهذا هو الذي يظهر ابتداءً من الروايات وعبارات المتقدمين.
ثانيهما: جعل الضابط هو التفريط وعدمه، إمّا لردّ تلك النصوص أو حملها على كونها مثالًا للتفريط وعدمه.
وتظهر الثمرة بين القولين فيما إذا أفسدت المواشي الزرع ليلًا فإنّه يضمن على الأوّل، سواءً فرّط في حفظها أم لم يفرّط، وعلى الثاني لا يضمن إلّا إذا كان قد فرّط في حفظها كما لو أرسلها ولم يحفظها، وإلّا- كما لو آواها إلى مبيتها وأغلق عليها الباب فوقع الحائط أو نقب لصّ نقباً فخرجت أو غير ذلك- فلا ضمان.
ثمّ إنّ هذا كلّه فيما إذا جنت الماشية المرسلة بطبعها، أمّا إذا أرسلها صاحبها إلى زرع الغير فهو ضامن؛ لصدق الإتلاف من طرفه، بلا فرق بين الليل والنهار، بل ذلك تعدّي كما هو واضح.



إرسال الماء في الملك، لو أرسل الإنسان ماءً في ملكه فتعدّى إلى ملك الغير فأتلفه فما هو الحكم؟ والكلام تارة يكون من جهة الحكم التكليفي، أي جواز التصرف المستلزم للإضرار بالغير وعدمه، واخرى من جهة الحكم الوضعي، وهو الضمان فيما إذا حصل التعدّي و الإفساد وعدمه. وهذا هو الذي تعرّض له الفقهاء دون الأوّل، فإنّه لم يتعرّض له إلّا نزرٌ.


 
۱. جواهر الكلام، ج۴۳، ص۱۲۹.    
۲. القاموس المحيط، ج۱، ص۱۴۳.    
۳. القاموس المحيط، ج۴، ص۱۵۷.    
۴. الكافي، ج۷، ص۳۵۱، ح ۳.    
۵. الوسائل، ج۲۹، ص۲۵۰، ب ۱۴ من موجبات الضمان، ح ۱.    
۶. الوسائل، ج۲۹، ص۲۵۱، ب ۱۴ من موجبات الضمان، ح ۳.    
۷. الوسائل، ج۲۹، ص۲۷۱، ب ۳۲ من موجبات الضمان، ح ۲، ۴.    
۸. الوسائل، ج۲۹، ص۲۷۲، ب ۳۲ من موجبات الضمان، ح ۵.    
۹. الوسائل، ج۲۹، ص۲۴۶، ب ۱۳ من موجبات الضمان، ح ۱.    
۱۰. الوسائل، ج۲۹، ص۲۵۱، ب ۱۴ من موجبات الضمان، ح ۲.    
۱۱. جواهر الكلام، ج۴۳، ص۱۲۹- ۱۳۰.    
۱۲. جواهر الكلام، ج۴۳، ص۴۰۲.    
۱۳. جامع المدارك، ج۶، ص۲۹۱- ۲۹۲.    
۱۴. الخلاف، ج۵، ص۵۱۱، م ۴.    
۱۵. الغنية، ج۱، ص۴۱۰- ۴۱۱.    
۱۶. جواهر الكلام، ج۴۳، ص۴۰۲.    
۱۷. الوسائل، ج۲۹، ص۲۷۶- ۲۷۷، ب ۴۰ من موجبات الضمان، ح ۱.    
۱۸. الوسائل، ج۲۹، ص۲۷۶، ب ۴۰ من موجبات الضمان.    
۱۹. السرائر، ج۳، ص۴۲۴- ۴۲۵.    
۲۰. الشرائع، ج۴، ص۱۰۵۱.    
۲۱. المسالك، ج۱۵، ص۵۰۱.    
۲۲. جواهر الكلام، ج۴۳، ص۴۰۲.    
۲۳. غاية المراد، ج۴، ص۵۲۰.
۲۴. كشف اللثام، ج۱۱، ص۴۸۶.    
۲۵. كشف الرموز، ج۲، ص۶۸۱.    
۲۶. مباني تكملة المنهاج، ج۲، ص۲۴۹.    
۲۷. الوسائل، ج۲۹، ص۲۷۷، ب ۴۰ من موجبات الضمان، ح ۳.    
۲۸. المسالك، ج۱۵، ص۵۰۱.    
۲۹. تحرير الوسيلة، ج۲، ص۶۰۵.    




الموسوعة الفقهية، ج۹، ص۴۷۸- ۴۸۹.    



جعبه ابزار