الإقالة (ما لا تصح فيه الإقالة)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة انظر
الإقالة (توضيح) .
لا تصحّ
الإقالة في بعض الموارد، يأتي في ما يلي.
ظاهر بعض الكلمات المفروغية عن عدم جريان الإقالة في
النكاح ، كما تقدّم في عبارة
ابن طيّ .
قال
المحقّق النجفي : «لو شرط
الخيار في النكاح بطل العقد فضلًا عن الشرط... لمعلومية عدم قبول
عقد النكاح لذلك؛ لأنّ فيه شائبة
العبادة التي لا تقبل الخيار، ولحصر فسخه بغيره؛ ولذا لا تجري فيه الإقالة، بخلاف غيره من عقود
المعاوضات ».
وقال
السيد الحكيم : «والظاهر جريانها في عامّة
العقود اللازمة غير النكاح».
ولعلّ المستند في ذلك أنّ اللزوم في النكاح لزوم
حكمي لا
حقّي ،
كما يظهر من أدلّته؛ فإنّ المرتكز في أذهان المتشرّعة عدم قابليته للفسخ
بالتراضي ، وهذا الارتكاز المتشرعي دليل واضح على سلب الحقية من لزوم النكاح، وما دام لزوماً حكمياً
شرعياً فلا يقبل الإقالة؛ لأنّها متفرّعة عن اللزوم الحقي.
وقد يصاغ بيان عدم الجريان أيضاً بما ذكره السيد الحكيم من أنّ الإقالة مختصّة بما يكون
الفسخ فيه من حقوق الطرفين، وأدلّة الإقالة ليست واردة في مقام إثبات قابلية المحل، وإنّما تفرض القابلية متحققةً قبل جريان أدلّة الإقالة فيها، وهذا يعني أنّ قابلية المحلّ للإقالة لا تثبت بنفس عمومات الإقالة وإنّما من الخارج، والمحرز في المحلّ هو ما كان الفسخ نفسه من حقوق الطرفين، ومع عدم
إحراز ذلك- كما في النكاح لدلالة الأدلّة على لزومه وعدم إمكان فسخه- لا تجري عمومات الإقالة.
صرّح بعض
الفقهاء بعدم
صحّة الإقالة في
الضمان ،
واستشكل في جريانها فيه بعض آخر.
قال
السيد المراغي : «... وإن كان في جريانها في مثل الضمان نظر؛ فإنّ ذمّة الضامن متى ما اشتغلت فيشكل الحكم
بانتقال الحقّ من
ذمّته إلى ذمّة المضمون عنه إلّا بضمان جديد، وكون الإقالة فيه أيضاً موجباً لذلك محلّ نظر».
ولعلّ المستند في ذلك ما اشير إليه في
النكاح من كون اللزوم في الضمان حكمياً لا حقّياً فلا معنى لجريان الإقالة فيه، كما أنّ تقريب السيد الحكيم المتقدّم قد يجري هنا أيضاً.
صرّح بعضهم بعدم جريان الإقالة في
الوقف ؛
وذلك لأنّ الوقف حقٌّ للَّه تعالى فلا يملك المتعاقدان
إبطال هذا الحقّ بتراضيهما،
ومثله النذر.
ومرجع ذلك أيضاً إلى ما تقدّم من أنّ محلّ جريان الإقالة هو ما كان الفسخ
والإيقاع فيه حقاً للطرفين لا ما لم يحرز فيه ذلك من الخارج.
كما أنّ الإقالة منافية لمقتضى الوقف، وهو التأبيد والخروج عن
الملك ،
كالصدقة كما ذكره بعض الفقهاء.
لا تجري الإقالة في الإيقاعات
كالطلاق والعتق ؛ لأنّها- كما تقدّم- عبارة عن رفع العقد
برضا الطرفين، وهي- أي الإيقاعات- ليست عقداً، وليس لها طرفان.
يضاف إلى ذلك أنّه لا معنى
للرجوع في الإيقاع؛ فإنّ المفروض حصول الشيء وتحققه بنفس الإيقاع دون فرض تأثير لرضا الطرف الآخر، فلا معنى لحصول التراضي على الفسخ أو
العود كما كان بعد أن لم يكن لرضا الطرف الآخر دور، فيكون العود عوداً من طرف واحد، وهو غير الإقالة.
هذا مضافاً إلى عدم شمول العمومات
والبناءات العقلائية في باب الإقالة للإيقاعات، ولا أقل من الشك في باب الأدلّة اللبية.
لا تصحّ الإقالة بجنس غير
العوضين ، فإنّها بنفسها ليست
ببيع ، بل هي فسخ العقد ورجوع كلّ عوض إلى صاحبه.
قال
الشيخ الطوسي : «إذا أقاله بأكثر من
الثمن أو بأقلّ أو بجنس غيره كانت الإقالة
فاسدة ... دليلنا: أنّ كلّ من قال بأنّ الإقالة فسخ على كلّ حال قال بهذه المسألة، فالفرق بين الأمرين خارج عن
الإجماع »،
فكأنّ
بطلان الإقالة في ذلك مبنيّ على كونها فسخاً وليست ببيع.
وأمّا بناءً على أنّها بيع فتصحّ الإقالة بغير الجنس؛ لأنّها معاملة مستقلّة، كالقول بصحّة
المبادلة بغير الجنس- بناءً على أنّها فسخ-
بإيجاد المتعاقدين عقداً آخر غير العقد الأوّل مع
التراضي ، فإنّه يمكن أن يوجِد المتعاقدان عقداً آخر غير العقد الأوّل الذي وقع على العوضين، فإذا كان الثمن دراهم فيصحّ أن يعوّض عنها دنانير أو بالعكس، وتكون هذه
معاوضة اخرى، فلابدّ من القبض في المجلس قبل أن يفارقه؛ لأنّ ذلك بيع صرف، وأمّا إذا أخذ بدل الدراهم أو الدنانير متاعاً آخر غير الدراهم والدنانير بعقد آخر كان
جائزاً أيضاً، وجاز أن يفارقه قبل
القبض ؛ لأنّه بيع عرض معيّن غير النقدين بثمن في الذمّة.
لا يجري في الإقالة فسخ أو إقالة،
والفقهاء متسالمون على ذلك؛
وذلك لأنّ الإقالة لمّا كانت بمعنى فسخ العقد من أحد المتعاقدين بعد طلبه من الآخر فهي رفع للعقد، وليست ببيع، بل هي من توابع البيع؛ ولهذا لا تجري فيها الإقالة.
واستدلّ بعضهم على ذلك أيضاً بعدم الدليل على جريان الإقالة أو الفسخ فيها،
وهنا إن بني على أنّ الإقالة تقع على خلاف القاعدة، ومدركها النصوص والإجماع، فينبغي الاقتصار على ما كان مثل البيع، فلا يحرز شمول النصوص والإجماع للإقالة نفسها.
بل حتى لو كانت الإقالة على وفق القاعدة لا معنى لجريانها في الإقالة، فإنّ الإقالة بمعناها المركوز في الذهن العقلائي هي رفع شيء كان ثابتاً، فبحصولها تنقطع
العلاقة بين الطرفين ولا يكون هناك شيء بعد ذلك في البين حتى تجري فيه الإقالة وترفعه أو تزيله، ولهذا لا يرى العقلاء لها موضوعاً في الإقالة نفسها، والنصوص ناظرة إلى الإقالة بمعناها العقلائي فلا تشمل الإقالة في الإقالة.
وبما أنّ حقيقة الإقالة فسخ العقد وليست بيعاً جديداً، فلا تتحقّق إلّا إذا أرجع كلٌّ من المتقايلين العوضَ إلى صاحبه بما كان، وحينئذٍ فلا تصحّ الإقالة بزيادة في الثمن أو
نقصان ،
وقد ادّعي عليه
الإجماع ،
فالمبيع يبقى- حينئذٍ- على
ملك المشتري ؛ نظراً إلى أنّها فسخ، ومعناه رجوع كلّ عوض إلى مالكه، فإذا شرط فيها
زيادة في أحد العوضين أو نقصان فقد شرط فيها ما يخالف مقتضاها، فتفسد الإقالة، بل يكفي فساد
الشرط في فساد الإقالة؛ لأنّهما لم يتراضيا على
الفسخ إلّا على ذلك الوجه، ولم يحصل.
وقد استدلّ
له أيضاً
بصحيح الحلبي قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجلٍ اشترى ثوباً ولم يشترط على صاحبه شيئاً فكرهه، ثمّ ردّه على صاحبه فأبى أن يقيله إلّا بوضيعة، قال: «لا يصلح له أن يأخذه بوضيعة، فإن جهل فأخذه فباعه بأكثر من ثمنه ردّ على صاحبه الأوّل ما زاد».
وصرّح بعضهم بأنّه لا فرق في
المنع من الزيادة والنقيصة بين العينيّة والحكميّة، فلو أقاله على أن ينظره بالثمن، أو يأخذ الصحاحَ عوض المكسّرة ونحوه، لم يصحّ.
وفي مقابل المنع المطلق عن الزيادة والنقيصة في الإقالة ذهب
فقهاءٌ آخرون إلى التفصيل، فقد فصّل
المحقق النجفي بين أن يكون شرط الزيادة أو النقيصة شرطاً خارجاً عن الثمن- كأن يقول: (أقلتك بشرط أن تخيط لي ثوباً أو تعطيني درهماً) - فيجوز ذلك، وبين ما يرجع إلى نقصان الثمن أو زيادته-
كالإنظار بالثمن، أو أخذ الصحاح بدل المكسّرة- فلا يجوز.
واستدلّ على الصحّة في الفرض الأوّل بعموم: «
المؤمنون عند شروطهم»،
ثمّ قال: «وليس هذا
تمليكاً بالإقالة، بل هو بالشرط الذي ألزمه عقدُ الإقالة».
وذكر
السيد اليزدي أنّ الزيادة العينيّة لا تجوز الإقالة بها، كأن يقول: (أقلتك بشرط زيادة كذا، أو نقيصة كذا)، أمّا الزيادة الحكميّة فيصح ذلك كأن يقول: (أقلتك بشرط أن تخيط لي ثوباً، أو تعطيني درهماً).
وفصّل بعض بطريقة اخرى، وذلك بين الإقالة بالزيادة أو النقيصة فلا يصحّ، وبين
الجعالة والشرط فيصحّ، فلا تجوز الإقالة بزيادة عن الثمن أو المثمن أو نقصان، ويصحّ إذا جعل له
مالًا في الذمّة أو في الخارج ليقيله، بأن قال له: (أقلني ولك هذا المال، أو لك عليّ كذا) نظير الجعالة، أو أقال بشرط مال عين أو عمل؛
تمسّكاً بعمومات الجعالة وأمثالها،
وإن استشكل بعضهم في الأخير.
قال
السيد السبزواري : «لا تجوز الإقالة بزيادة عن الثمن ولا نقصان... هذا إذا جعلت الزيادة أو النقيصة من حدود نفس الإقالة، وأمّا إن كانت خارجة عنها- كما إذا كانت بجعالة أو شرط (ابتداءً) أو
هبة أو
صلح أو
بيع مستأنف- فيجوز ذلك؛ للأصل والإطلاقات والعمومات، من غير مقيّد ومخصّص في البين».
نعم، لو زاد أحد المتعاقدين في الثمن أو المبيع أو نقص فيه حين ردّ
العوض إلى صاحبه، بدون أن يشترطا ذلك في الإقالة بل كان ذلك
بطيب نفسه ، جاز ذلك، كما يظهر من كلام
العلّامة الحلّي ، حيث قال: «المشهور أنّ الإقالة شرطها عدم الزيادة والنقصان»، ثمّ نقل قول
ابن الجنيد ، وجاء فيه: «لو اصطلحا على إن أقاله البيع بغير
عيب ، كان الصلح على الإقالة موجباً ردّ الثمن بغير زيادة ولا نقصان، فإن كان وقع على زيادة في الثمن سمح بها البائع من ماله للمشتري جاز ذلك، وكذلك إن كان وقع على
نقص ، وليس هذا ممّا يفسخ ما اصطلحا عليه من الإقالة»، ثمّ قال: «ولا بأس عندي بهذا القول».
والمستند في ذلك واضح؛ فإنّ هذه الزيادة التي يقدّمها أحد الطرفين للآخر وقعت خارجةً عن الإقالة وصدرت من أهلها بلا مانع شرعي فتكون
جائزة .
الموسوعة الفقهية، ج۱۵، ص۳۷۳-۳۷۹.