الإقرار بالولد
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
من الأقارير النافذة
الإقرار بالنسب كالبنوة والأخوة ونحوها، ثم إن كان المقر به ولدا يشترط في ثبوت البنوّة بالإقرار امور منها: الأول- أن لا يكذبه الحس، الثاني- أن لا ينازعه غيره، الثالث - التصديق، الرابع- أن يكون المقر أبا، الخامس- أن يكون ولدا للصلب .
يشترط في ثبوت البنوّة بالإقرار امور:
أن لا يكذّبه الحسّ والوجدان، بأن تكون البنوّة ممكنة منه عادة.
فلو أقرّ ببنوّة من هو في سنّه أو أسنّ منه أو أصغر بما تقضي العادة بانتفاء بنوّته، أو كانت المسافة بينه وبين امرأته التي أقرّ ببنوّة ولدها كثيرة بحيث لا يمكن الوصول إليها في مثل عمره عادة، ونحو ذلك بطل
الإقرار وإن تصادقا، وقد نفي الخلاف في
اعتبار هذا الشرط في الإقرار بنسب الولد.
ومن تطبيقات هذا الشرط ما لو دخلت حربيّة دار
الإسلام ومعها ولد، فاستلحقه
مسلم أو ذمّي مقيم بدار الإسلام فإنّه يلحق به؛ لنفوذ الإقرار، إلّاأن يعلم بعدم دخول الرجل
المستلحق دار الحرب ولا خروج المرأة إلى دار الإسلام أصلًا، ولا مساحقتها لموطوءته، فإنّه لا يلحق به حينئذٍ؛ لتكذيب الحسّ إيّاه، وبُعد وصول الماء إليها بوسيلةٍ كقارورة و
الانخلاق منه.
ومن الواضح جريان هذا الشرط والشرط الثاني- بل الرابع على تفصيل فيه سيأتي- في مطلق الإقرار
بالانتساب ، فلا يختصّان بالإقرار بالبنوّة.
أن لا يكذّبه الشرع، فإن كان المستلحق مشهور النسب من غيره، فحكم شرعاً بانتسابه إليه، لم يعتدّ بإقراره؛ لأنّ النسب الثابت من شخص لا ينتقل إلى غيره.
ولا فرق فيما ذكر بين أن يصدّقه الولد أو يكذّبه، ولا بين أن ينازعه من انتسب إليه أم لا.
وكذا المنفي عنه شرعاً كولد الزنا- وإن كان على فراشه- لثبوت كونه من الزنا قبله فلا
أثر لإقراره بعد ذلك في بنوّته الشرعية.
ولو أقرّ ببنوّة المنفي نسبه عن أبيه باللعان فقد استشكل بعضهم في صحّة استلحاقه به، وسبب
الاستشكال أنّه أقرّ بنسب لا منازع له فيه فيلحق به، وأنّ فيه شبهة النسب للملاعن فلا يلحق.
وصرّح
الشهيد الأوّل بعدم صحّة الإقرار،
بينما قوّى
المحقّق النجفي ثبوت النسب؛
لفرض عدم ثبوت نسب- ولو غير شرعي- من غيره، فهو مجهول النسب وقابل
للاستلحاق . هذا، وقد عبّر بعضهم عن الشرط المذكور بكونه مجهول النسب،
والمراد واحد.
أن لا ينازع المقرَّ غيرُه فيه،
وقد ادّعي نفي الخلاف عنه.
فلو نازعه منازع في ذلك لم يثبت النسب لأحدهما إلّا بالبيّنة،
وعطف جماعة القرعة على البيّنة.
وقد استدلّ له بالروايات المستفيضة في مسألة وطئ الشركاء
الأمة المشتركة مع
ادّعاء الجميع لولدها،
وأنّه يقرع بينهم، فمن خرج
اسمه كان الولد له. وبهذه الأدلّة يقيّد
إطلاق الأخبار الدالّة على لحوق الولد بالمقرّ نتيجة الإقرار.
تصديق المقرّ به في غير الإقرار بالبنوّة، بل فيها مع حياة الولد وكماله بالبلوغ والعقل، لا مطلقاً، فلو لم يصدّقه مع كماله لم ينسب إليه في الموضعين.
ويسقط اعتباره في الإقرار ببنوّة الميّت والصغير والمجنون، فيثبت نسبه بالإقرار في الجانبين بحيث يتوارثان، بل لا عبرة بالإنكار بعد صيرورته أهلًا؛ لسبق الحكم بالنسب شرعاً، ولا دليل على انتفائه بمجرّد
إنكار المقرّ به بعد كماله كما صرّح به بعضهم.
والحكم بثبوت النسب في الجانبين في الإقرار ببنوّة الميّت والصغير والمجنون إنّما هو للأدلّة الخاصة الواردة في المقام الظاهرة في ثبوت النسبة مطلقاً، وإلّا فمقتضى القاعدة وعمومات نفوذ الإقرار إنّما هو ثبوت النسبة من جانب المقرّ؛ لإقراره، دون الطرف الآخر، وأمّا هو فإن صدّقه بعد
الأهلية فيجري حكمه أيضاً؛ لإقراره، وإلّا فلا، ولعلّ هذا في الميّت أوضح.
أن يكون المقرّ بالبنوّة في الإقرار بالصغير أباً لا امّاً، وهذا الشرط ذكره بعض الفقهاء؛
لاختصاص النصوص بالرجل، وعدم تناولها للمرأة،
وعليه فلو أقرّت
الامّ فلابدّ من التصديق- مع بلوغ الولد وعقله- أو إقامتها البيّنة على الولادة. وقد يعلّل اختصاص نفوذ الإقرار بالرجل بعدم تمكّنه من
إقامة البيّنة على الوطء، بخلاف
المرأة فإنّها قادرة على إقامة البيّنة على الولادة، بل هي منها في غاية السهولة.
ونوقش فيه بأنّ
إمكان إقامتها البيّنة على أصل الولادة غير إقامتها على ولادة شخص المقرّ به منها، والتي تتعذّر في الغالب.
وقد اختار بعض الفقهاء
إلحاق المرأة بالرجل في الإقرار بالبنوّة؛
استناداً إلى رواية
عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الحميل، فقال: «وأيّ شيء
الحميل ؟» قال: قلت: المرأة تسبى من
أرضها ومعها الولد الصغير، فتقول: هو ابني، والرجل يسبى فيلقى أخاه، فيقول: هو أخي، وليس لهم بيّنة إلّا قولهم، فقال: «ما يقول الناس فيهم عندكم؟» قلت: لا يورّثونهم- إلى أن قال:- «سبحان اللَّه، إذا جاءت بابنها أو بابنتها ولم تزل مقرّة به، وإذا عرف أخاه، وكان ذلك في صحّة منهما، ولم يزالا مقرّين بذلك، ورث بعضهم من بعض».
وهذا القول هو مقتضى إطلاق كلمات بعضهم أيضاً.
أن يقرّ ببنوّته للصلب، أي بلا واسطة،
فلو أقرّ ببنوّة ولد ولده فنازلًا اعتبر التصديق؛
نظراً إلى
انصراف إطلاق نفوذ الإقرار بالولد- بحكم التبادر- إلى الولد للصلب، فينبغي الرجوع في غيره إلى الأصل، فلا يثبت النسب إلّا من جهة المقرّ، بخلاف ما لو صدّقه فيثبت من الجانبين. ثمّ مع عدم التصديق هل يثبت بهذا الإقرار لوازمه من جهة المقرّ، كوجوب
الإنفاق وحرمة التزويج؛ لعموم إقرار العقلاء؟ صريح بعضهم ذلك.
ولعلّه لأنّ الإقرار بالشيء إقرار بلوازمه، فإذا اخذ بالملزوم من جهة المقرّ لم يعد هناك وجه لعدم الأخذ باللازم. أو يقال بأنّ عدم التصديق إنّما يوجب
انتفاء النسب من جانب المقرّ به، وأمّا من جانب المقرّ فيحكم به، ولا ضير في
الالتزام بانفكاك النسب بالنسبة لطرفيه؛ إذ النسب وإن كان حكماً وضعيّاً مضافاً إلى طرفين إلّا أنّ المهمّ المطلوب من جعله إنّما هو أحكامه، وهي اعتبارية قابلة للانفكاك، وكم له من نظير، بل يمكن التفكيك في نفس الحكم بالنسب أيضاً؛ لأنّه أيضاً
أمر مجعول اعتباري في موارد الإقرار ونحوه.
أن لا يكون للمقرّ ورثة مشهورون في نسبه، فلو كان كذلك لم يقبل إقراره في النسب مطلقاً ولو تصادقا؛
لأنّ ذلك إقرار في حقّ الغير، حيث إنّ
الإرث قد ثبت شرعاً للورثة المعروفين بنسبهم، فإقراره بوارث آخر وتصديقه له يقتضي منعهم عن جميع المال أو بعضه، فلا يسمع كما صرّح به جماعة.
لكن مقتضى الأخبار قبول الإقرار بالبنوّة فيما لا ضرر فيه على الغير، فينبغي الحكم بانتفاء التوارث فقط، لا الحكم بانتفاء جميع آثار النسب، كحرمة حليلة كلّ منهما على الآخر، وحرمة ربيبة
الأب على من أقرّ ببنوّته وتصادقا، ونحو ذلك.
الموسوعة الفقهية، ج۱۶، ص۶۸- ۷۳.