الإلغاء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو الأنصراف عن الشيء
وإسقاطه .
من
ألغى الشيء بمعنى الطرح والإسقاط، يقال: ألغيته من العدد، إذا أسقطته.
وألغيت الشيء، أي أبطلته، ويلغى طلاق
المكرَه ، أي يبطله.
ولم يتجاوز
الفقهاء في استعمالاتهم المعنى اللغوي، حيث استعملوه بمعنى الإسقاط
والفساد والفسخ والإبطال ، على حسب ما يتعلّق به، كإلغاء العقد، أو إلغاء تصرّف
المفلّس ، أو إلغاء الخصوصية وغير ذلك.
وهو- لغة- إفساد الشيء وإزالته، حقّاً كان ذلك الشيء أو باطلًا، وبطل الشيء، أي فسد أو سقط حكمه».
قال اللَّه تعالى: «لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ».
وشرعاً: الحكم على الشيء بالبطلان، وقد يطلق ويراد به إيجاد سبب البطلان خارجاً، أي إحداث الإبطال ممّن قام بفعل مأمور به أو تصرّف إنشائي،
وهو بهذا يكون بمعنى الإلغاء، إلّاأنّ الإبطال قد يقع قبل وجود الشيء، ولا يكون الإلغاء إلّا بعد وجود الشيء أو فعله.
وهو- لغة- بمعنى
الإلقاء والرمي،
وفي اصطلاح الفقهاء: عبارة عن تنازل المرء عن حقّ له بالنسبة إلى الغير، أو إفراغ ذمّة من عليه الحقّ من الحقّ إلى الأبد، ويشبهه في الأعيان الإعراض عن الشيء.
وعلى هذا
فالإسقاط يوافق الإلغاء في كونه لابدّ من قيام الملك والحقّ الذي يراد إسقاطه أو إلغاؤه حتى يتحقّق الإسقاط والإلغاء.
وهو- لغة- النقض، يقال: فسخ الشيء يفسخه فانفسخ، أي نقضه فانتقض، وتفاسخت الأقاويل: تناقضت.
ويطلق اصطلاحاً على حلّ ارتباط العقد والتصرّف وقلب كلّ واحد من العوضين لصاحبه، وجعله كأن لم يكن من حين الفسخ أو من أصله، وبمجرّد تحقّقه ينفسخ العقد ويرتفع، لا أن ينحلّ من أحد الطرفين ويبقى من الطرف الآخر.
فهو بهذا المعنى يكون فيه معنى الإلغاء والإبطال.
وهو لغة ضدّ الإصلاح،
وفي كلمات الفقهاء يتعلّق بإبطال الانتفاع بالشيء عرفاً، كما لو أفسد المتاع إذا عيّبه، أو شرعاً، كما لو أفسد
الصوم أو أفسد
الحجّ ، أو عقلًا، كما لو ألقى المتاع في البحر.
والفرق بينه وبين الإلغاءأنّ
الإفساد يتعلّق بالأعيان والأفعال الخارجيّة والحقوق، والإلغاء يتعلّق بالحقوق فقط، فالإفساد أعم من الإلغاء.
صرّح الفقهاء بجواز إلغاء التصرّفات والعقود غير اللازمة من الطرفين، أمّا في العقود اللازمة من الطرفين فلا يرد فيها الإلغاء بعد نفوذها، إلّابرضى المتعاقدين، كإلغاء العقد بالإقالة، أو بسبب حصول مانع من استمرار العقد كحصول
الرضاع الموجب للتحريم بين
الزوج والزوجة .
وأمّا في العقود
اللازمة من جانب واحد فإنّه يصحّ الإلغاء من الجانب الآخر، أي غير الملزم بها،
كالرهن فإنّه لازم من جهة الراهن، جائز من جهة المرتهن، وبيع الحيوان، فإنّه في الثلاثة أيّام من بيعه لازم من جهة البائع، جائز من جهة المشتري، والوصيّة فإنّها لازمة من جهة الورثة بعد
موت الموصي وجائزة من جهة الموصى له.
كلّ شرط ينافي
الشرع أو يؤدّي إلى جهالة الثمن أو المثمن يكون ملغى.
وكذا الشرط الذي لا يتعلّق به غرض عرفاً.
قال
المحقّق الأردبيلي : «الأصل والأخبار والآيات يقتضي جواز كلّ شرط إلّا ما علم عدم جوازه وصحّته بالعقل أو النقل».
ذكر
الفقهاء أنّه ليس للمفلّس التصرّف المبتدأ في أمواله وتلغى جميع إنشاءاته الموجبة للتصرّف بالمال ونقله بعوض أو بغير عوض.
وأمّا لو أقرّ بدين سابق لزمه؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «
إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»؛
ولأنّه إخبار عن تصرّفاته السابقة التي لم يتعلّق بها
الحجر ولم يقتض الحجر سلب أهليّة العبارة عن المحجور.
ذكر الفقهاء في كثير من موارد استدلالاتهم في أبحاثهم الفقهيّة مصطلح إلغاء الخصوصية، ويريدون به عدم الاعتناء بالخصوصية الواردة في دليل الحكم واعتبارها من تطبيقاته؛ لأنّ
الأئمّة عليهم السلام وإن كانوا قد وضعوا حلولًا مناسبة لجميع الموضوعات المبتلى بها، إلّا أنّها تبقى قليلة بالقياس إلى الموضوعات الاخرى التي ابتلي بها المكلّفون بعد ذلك، ولولا إلغاء الخصوصية وتنقيح المناط لضاق على
الفقيه مجال
الاستنباط .
والظاهر من كلمات الفقهاء أنّ العوامل التي توجب إلغاء الخصوصية متعدّدة، نشير إلى أهمّها فيما يلي:
وعرّفه الفقهاء بأن يضيف الشارع الحكم إلى سببه، فتقترن به أوصاف لا مدخل لها في الإضافة، فيجب حذفها عن الاعتبار ليتّسع الحكم.
ومثّلوا له بقصّة الأعرابي الذي أتى
النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: هلكت وأهلكت! فقال: «وما أهلكك؟» قال: أتيت امرأتي في
شهر رمضان وأنا صائم، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «اعتق رقبة...».
حيث استفادوا منه عدم الخصوصية في كونه أعرابياً، فألحقوا به جميع
المكلّفين ، ولا في كون المرأة التي وقع عليها أهلًا له، فألحقوا به
الزنا ، ولا خصوصية لخصوص شهر رمضان الذي وقع فيه على أهله، فألحقوا به جميع أشهر الصيام.
وتنقيح المناط غير
القياس المشهور في كلام العامّة؛ لأنّه لا يفيد إلّاالظنّ، ولا يعتمد عليه فقهاء الشيعة، وأمّا تنقيح المناط فيلتزم به الفقهاء مع إفادته القطع دون ما أفاد الظنّ.
ويختلف الفقهاء صغرويّاً في تنقيح المناط، فيلتزم بعضهم بالتعميم؛ اعتماداً عليه في بعض الموارد، وينكر عليه آخر ذلك، فهم مع تسليمهم بكبرى حجّيته إلّا أنّهم يختلفون في تشخيص موارده صغروياً في موارد كثيرة: منها: في مسألة الديون الماليّة المترتّبة على الميّت غير
الحجّ التزم
السيّد اليزدي بوجوب الإخراج على من بيده مال للميّت بأيّ نحو من الأنحاء، سواء
الوديعة أو العارية أو
الغصب أو غير ذلك.
واستند في ذلك إلى تنقيح المناط؛
لأنّ الحكم ورد بذلك في الحجّ من مال كان وديعة، في حديث بريد العجلي الآتي.
وأشكل عليه
السيّد الخوئي بأنّ ذلك من باب القياس، ولا نقول به. على أنّ الأولوية غير ثابتة؛ لأنّ
الحجّ أهمّ من سائر الديون حتى الديون المتعارفة، فلا مجال للتعدّي بتنقيح المناط.
ومنها: إلحاق اللاصق بالبشرة لعذر بالجبيرة في غير مورد النصّ، حيث ذهب بعضهم إلى الإلحاق؛ تمسّكاً بتنقيح المناط.
وأورد عليه السيّد الخوئي بأنّ تنقيح المناط أشبه شيء
بالقياس ، بل هو هو بعينه، وذلك لعدم علمنا بمناطات الأحكام وملاكاتها.
إنّ إلغاء خصوصية الواقعة والسائل والمسؤول عنه ممّا لابدّ من الالتزام به؛ لأنّ مدار الاستدلال في جلّ الأحكام الشرعية على ذلك؛ إذ لو لوحظ خصوصيّة السائل أو الواقعة لم يثبت حكم كلّي في مسألة شرعيّة إلّانادراً.
ومن الموارد التي ألغى الفقهاء فيها خصوصية السائل ما ورد عن
بريد العجلي عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل استودعني مالًا وهلك وليس لولده شيء ولم يحجّ حجّة الإسلام، قال: «حجّ عنه، وما فضل فأعطهم».
وقد وقع الخلاف بين الفقهاء في اشتراط إذن
الحاكم الشرعي ليحجّ عنه من بيده الوديعة، فاستبعد بعض اعتبار إذن الحاكم الشرعي؛ لأنّ خصوصية السائل غير ملحوظة في الأحكام، فكأنّ الإمام قال: فليحجّ عنه من بيده الوديعة.
ولكن
السيّد العاملي منع من إطلاق الرواية؛ بدعوى أنّ الرواية تضمّنت أمر
الإمام الصادق عليه السلام بريداً
بالحجّ ، وهو إذن وزيادة.
ذكر الفقهاء أنّ الحكم لو ورد خاصّاً ولكن علم أنّه قد ورد في المورد الخاصّ من باب التمثيل، فلابدّ من التعميم؛ لأجل تنقيح المناط القطعي، نحو ما ذكر من تعميم وجوب إعادة الصلاة على من صلّى في النجاسة عامداً أو ناسياً مهما كانت النجاسة، مع أنّ الذي ورد في النصوص إنّما هو عن نجاسات مخصوصة.
ولم يلتزم فقيه بتخصيص الإعادة بها بخصوصها، بل عدّوا الحكم إلى كلّ نجاسة؛ نظراً إلى الاشتراك في العلّة، وهي النجاسة.
ولكن وقع الخلاف في بعض المسائل، فذكر
السيّد اليزدي أنّه في صحيح
بريد العجلي نتعدّى من خصوصية حجّة الإسلام إلى مطلق الحجّ الواجب، بل وغير الحجّ من الواجبات،
كالخمس والزكاة والمظالم .
ونفى
السيّد الخوئي الريب بكون الوديعة وردت مورد المثال، وأنّ الخصوصيّة غير محتملة ولكن في مسألة التعدّي من الحجّ إلى سائر الواجبات الماليّة أنكر على صاحب
العروة كون الحجّ من باب المثال، بل قال: «إنّ ظاهر النصّ هو
الاختصاص بالحجّ، وكونه من باب المثال يحتاج إلى قرينة، وهي مفقودة».
لا ريب في أنّ السؤال في كثير من الأخبار إنّما وقع عن حكم الرجل، مع أنّه لا خلاف في دخول النساء في جميع الأحكام ما لم تعلم خصوصيّة للرجل، فإذاً يكفي العلم بعدم الخصوصية للتعميم.
ورد في الرواية أنّ المأموم لو هوى من الركوع قبل
الإمام فلابدّ له من الرجوع،
والرواية وإن وردت في حكم الركوع، ولكنّ الأصحاب التزموا بالتعميم للسجود؛ لبنائهم على عدم ظهور الخصوصية في الركوع.
إذا نصّ على العلّة في لسان الدليل وكان عموم العلّة صالحاً لأن يجعل كبرى كلّية بحيث إنّه لو انضمّ إلى الحكم المعلّل بها لحصل منهما قياس من الشكل الأوّل، كما في قوله: (الخمر حرام لأنّه مسكر) حيث يقال: الخمر مسكر، وكلّ
مسكر حرام،
فالخمر حرام، ولابدّ من أن تكون صحّة الاستدلال به متوقّفة على قابليته لهذا الانضمام بحيث لولاها لم يكن الاستدلال به صحيحاً.
ولكن ذهب بعض
الفقهاء إلى إنكار حجّية منصوص العلّة؛ لأنّ علل الشرع إنّما تنبئ عن الدواعي إلى الفعل أو عن وجه المصلحة فيه، وقد يشترك الشيئان في صفة واحدة ويكون في أحدهما داعية إلى فعله دون الآخر مع ثبوتها فيه، وقد يكون مثل المصلحة مفسدة، فإذا صحّت هذه الجملة لم يكن في النص على العلّة ما يوجب التخطّي والقياس، وجرى النص على العلّة مجرى النص على الحكم في قصره على موضع.
والعلّامة بعد ذكر حجج المانعين قال: «والتحقيق في هذا الباب أن يقال: النزاع هنا لفظي؛ لأنّ المانع إنّما منع من التعدية؛ لأنّ قوله: حرّم الخمر لكونه مسكراً، محتمل لأن يكون في تقدير التعليل
بالإسكار المختصّ بالخمر فلا يعمّ، وأن يكون في تقدير التعليل بمطلق الإسكار فيعمّ، والمثبت يسلّم أنّ التعليل بالإسكار المختصّ بالخمر غير عام، وأنّ التعليل
بالمطلق يعمّ، فظهر أنّهم متّفقون على ذلك».
والتمسّك بمنصوص العلّة لأجل إلغاء الخصوصية وتعميم الحكم مشروط بأمرين:
۱- أن تكون العلّة غير مضافة إلى الموضوع، بأن وردت لإفادة كبرى كلّية، وأنّه لابدّ من عدم احتمال كون الموضوع قيداً للعلّة، نظير ما إذا ورد: (الخمر حرام لأنّه مسكر) فإنّ الحكم هنا ليس ممّا يوجب اختصاصه بالخمر، بل كلمة (حرام) تحمل على كلّ حرام في العالم في قضايا اخر.
وكذا تكون العلّة من قبيل منصوص العلّة الموجب لتعدّي الحكم عن تلك القضيّة إلى كلّ ما يحقّق فيه العلّة،
بحيث يصحّ ورودها وإلقاؤها إلى المكلّفين ابتداءً بلا ضمّ المورد إليها.
۲- أن تكون العلّة المنصوصة تامّة، بمعنى أن نعلم بأنّ الحكم يدور معها كيفما دارت.
ثمّ إنّ المدرك في حجّية منصوص العلّة إنّما هو كونها صغرى لكبرى حجّية الظهور؛ لأنّه بظهور النصّ في كون العلّة عامة ينقلب موضوع الحكم من كونه خاصّاً بالمعلّل إلى كون موضوعه كلّ ما فيه العلّة، فيكون الموضوع عامّاً يشمل المعلّل وغيره.
تشكّل مناسبة الحكم والموضوع قرينة توجب ظهوراً في الكلام يوجب إلغاء الخصوصية وتعميم الحكم لغير مورد النصّ،
فهناك عدّة موارد تمسّك فيها الفقهاء بمناسبة الحكم والموضوع للتعميم: منها: تعميم الحكم الوارد في روايات
كثير الشكّ للوسواسي.
ومنها: ما ذكروه من الاكتفاء بالتسبيحة الصغرى الواحدة- سبحان اللَّه- في ذكر الركوع أو السجود عند الضرورة،
وتمسّكوا لإثبات ذلك بصحيحة
معاوية بن عمّار الواردة في باب المريض.
إذا ورد الحكم مرتّباً على عنوان مّا، وكان ذلك من العناوين الطريقية لا الموضوعية، فتلغى الخصوصية، نحو ما ورد في رواية
الحلبي عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: «إذا قذف الرجل امرأته فإنّه لا
يلاعنها حتى يقول: رأيت بين رجليها رجلًا يزني بها...».
حيث التزم بعض الفقهاء بتعميم الحكم لغير مورد المشاهدة والتعدّي إلى مورد العلم؛ لأنّ العناوين التي لها طريقية إذا اخذت في الموضوع تكون ظاهرة في أنّه لا خصوصية لها، بل إنّما اخذت فيه بما أنّها طريق
الإثبات .
كثر من الفقهاء التعبير بأنّ الحكم لو كان وارداً مورد الغالب تلغى فيه الخصوصية، نحو قوله سبحانه وتعالى: «وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم»،
فوصف «اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم» وارد مورد الغالب؛ ولذا لا يكون موجباً للتخصيص، بل الحكم يكون عامّاً حتى للربيبة التي لا تتّصف بهذا الوصف.
نعم، إنّ الغلبة لابدّ وأن تكون بنحو توجب كون المتفاهم من اللفظ ذلك؛ ولأجل ذلك قالوا بعدم كفاية الغلبة الخارجيّة، بل لابدّ من غلبة الاستعمال.
ذكر بعض
الفقهاء أنّ الخصوصية قد تلغى
بالتعبّد الشرعي ، وذلك كخصوصية الزمان حيث تلغى بتوسّط التعبّد الشرعي، وبيانه: إذا لوحظ متعلّق
اليقين والشكّ بالنظر الدقّي فلا يصدق نقض اليقين بالشكّ حتى في موارد الشكّ في الرافع؛ لأنّ متعلّق اليقين إنّما هو حدوث الشيء، والمشكوك هو بقاؤه؛ لأنّه مع وحدة زمان المتيقّن والمشكوك لا يمكن أن يكون متعلّق الشكّ هو متعلّق اليقين إلّابنحو الشكّ الساري الذي هو خارج عن محلّ الكلام، فبعد كون متعلّق الشكّ غير متعلّق اليقين لا يكون عدم ترتيب الأثر على المشكوك نقضاً لليقين بالشكّ، ففي مثل الملكية متعلّق اليقين هو حدوث الملكية، ولا يقين ببقائها بعد رجوع أحد المتبايعين في المعاطاة، فعدم ترتيب آثار الملكية-
الموسوعة الفقهية، ج۱۶، ص۳۹۷-۴۰۶.