الإنشاد
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو طلب الضالة وتعريفها و
قراءة الشعر ورفع الصوت به .
الإنشاد: مصدر أنشد، يقال: نشد فلان فلاناً، إذا قال: نشدتك باللَّه والرَحِم، أي سألتك بهما، وانشدك باللَّه: أستحلفك باللَّه.
ونشدت الضالّة، إذا ناديت وسألت عنها وطلبتها، وأنشدتها، إذا عرّفتها.
و
النشيد : الشعر، ويأتي بمعنى رفع الصوت، سواء كان لطلب ضالّة أو شعر.
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن معناه اللغوي، سوى أنّ بعض الفقهاء ذكر أنّ الإنشاد
قراءة الشعر لا رفع الصوت؛ للتبادر، ولأنّ رفع الصوت في نفسه مكروه.
أنشأ فلان حديثاً، وأنشأ: ينشد ويقول،
ويدخل في القول الشعر فيقال: أنشأ شعراً.
فبناءً على أنّ الإنشاد مطلق قراءة الشعر أو هو رفع الصوت يكون ما بين العنوانين هو الأعمّية؛ لأنّ القراءة أو الرفع لا تساوق
الإنشاء و
الإحداث الذي هو أعم في متعلّقه من الشعر وغيره، حيث يقال: أنشأ البناء.
وهو رجز الحادي خلف
الإبل لكي تسرع في السير والمشي، وحدا يحدو حدواً، إذا تبع شيئاً.
وممّا يشبه
الحداء ما يقال له: غناء النصب، وهو ضرب من أغاني العرب، وقيل: هو الذي احكم من النشيد
وأرقّ من الحداء.
وفي
الاصطلاح : سوق الإبل بالغناء أو الشعر، واشتهر فيه
الاستثناء من حكم
الغناء .
وعليه يكون الحداء أخصّ من الإنشاد؛ لعدم صدقه في كلّ غناء أو رفع صوت أو قول شعر.
لم يتعرّض الفقهاء لحكم الإنشاد بصورة مستقلّة، بل ذكروه مضافاً إلى الضالّة والشعر، فقالوا: «إنشاد الضالّة» و «
إنشاد الشعر »؛ لذا فالكلام يقع في مقامين:
ذكر الفقهاء أنّ على من وجد لقطة أو ضالّة- أي حيوان ضائع- أن يعرّفها ويطلب صاحبها، وهو ما يعبّر عنه بالإنشاد.
كما ذكروا أنّ من الأماكن التي يكره فيها الإنشاد والتعريف المساجد؛
وذلك لما ورد عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه سمع رجلًا ينشد ضالّة، فقال: «لا وجدتَها، إنّما بنيت المساجد للَّهتعالى وللصلاة».
وتفصيل الكلام في محلّه.
الأصل في إنشاد الشعر
الإباحة ،
وقد روي الكثير ممّا سمعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم ينكره
:
منها: ما رواه
عمرو بن الشريد عن
أبيه ، قال: أردفني
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «هل معك من شعر
اميّة بن أبي الصلت شيء؟» قال: قلت: نعم، قال: «هيه»، (هِيهِ: بمعنى إيهِ، فابدل من الهمزة هاء، وإيه: اسمسمّي به الفعل، ومعناه الأمر، تقول للرجل: إيه، بغير تنوين، إذا استزدته من الحديث المعهود بينكما. )
قال: فأنشدته بيتاً، فقال: «هيه»، فأنشدته حتى بلغت مئة بيت.
فقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «هيه» يدلّ على الحثّ و
الاستزادة .
بل قد ذكروا أنّه لا بأس بإنشاد ما كان حقّاً من الشعر في الدعاء و
المناجاة أيضاً، بل قد يكون ذلك من العبادات المحبوبة الموجبة للقرب من اللَّه تعالى.
من هنا حكم بعض الفقهاء بجواز تشكيل فرق الإنشاد لغرض
إجراء النشيد الشعبي أو الوطني أو الثوري أو أناشيد الأطفال أو
البرامج التربوية والترفيهية ما لم تشتمل على محرّم شرعي في داخلها أو فيما يحفّ بها.
وقد يكون الشعر مرجوحاً في حالات وأزمنة ومواضع:
منها: إذا كان فيه هجر أو فحش أو
تشبيب بامرأة لا يعرفها أو كذب، وادّعي عليه
الإجماع .
ومنها: إنشاده وروايته للمحرم،
وفي حال الطواف؛
لصحيحة
علي ابن يقطين ، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الكلام في
الطواف وإنشاد الشعر...
قال: «لا بأس به، والشعر ما كان لا بأس به منه»؛
إذ الظاهر
إرادة نفي الكراهة فيما لا بأس به من الشعر لا الحرمة.
ومنها: ما ذكره بعض الفقهاء من كراهة إنشاد الشعر في
شهر رمضان وإن كان حقّاً؛
لما فيه من المنع عن
الاشتغال بالذكر.
واستدلّوا له بما رواه حمّاد وغيره عن
الإمام الصادق عليه السلام قال: «لا ينشد الشعر بليل، ولا ينشد في شهر رمضان بليل ولا نهار»، فقال له إسماعيل:
يا أبتاه، فإنّه فينا، قال: «وإن كان فينا».
ولصحيح حمّاد، قال: سمعت
أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «تكره رواية الشعر للصائم...»، قلت: وإن كان شعر حقّ؟ قال: «وإن كان شعر حقّ».
وعلّق
المحدّث البحراني بعد ذكره لهذين الخبرين بقوله: «لا يخفى أنّ بإزاء هذين الخبرين من الأخبار ما هو ظاهر في المدافعة والمناقضة بالنسبة إلى ما كان شعر حقّ ممّا كان متضمّناً لحكمة أو وعظ، أو مدح
أهل البيت عليهم السلام أو رثائهم؛ ولهذا أنّ أصحابنا (رضوان اللَّه عليهم) قد خصّوا الكراهة بالنسبة إلى كراهة إنشاد الشعر في المسجد أو
يوم الجمعة أو نحو ذلك من الأزمنة الشريفة والبقاع المنيفة بما كان من الأشعار الدنيوية الخارجة عمّا ذكرناه».
وحمل بعضهم المعارض لهذه الأخبار على
التقية ، وذكر أنّ ضعف ما ورد في الجواز لا يضرّ؛ لأنّ المقام مقام المسامحة، وأمّا العمومات المتضمّنة للحثّ على الأشعار في مراثيهم عليهم السلام وغيرها من الأشعار الحقّة فالنسبة بينها وبين صحيحي حمّاد عموم من وجه، ولعلّ الترجيح معها فتقدّم.
ومنها: إنشاده ليلة الجمعة ويومها حيث ذكروا أنّه مكروه؛
لما رواه
زرارة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «من أنشد بيت شعر يوم الجمعة فهو حظّه من ذلك اليوم».
ومنها: إنشاده في المساجد، فقد صرّح الفقهاء بكراهته؛
وذلك لما رواه
جعفر بن إبراهيم عن
علي بن الحسين عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: من سمعتموه ينشد شعراً في المساجد فقولوا: فضّ اللَّه فاك، إنّما نُصبت المساجد للقرآن».
ونزّله
الشيخ جعفر كاشف الغطاء على غير ما كان راجحاً.
من هنا استثنى
الشهيد الأوّل من ذلك ما يقلّ منه وتكثر منفعته كبيت حكمة أو شاهد على لغة في كتاب اللَّه أو سنّة نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم.
وألحق المحقّق الثاني به مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته ومراثي
الحسين عليه السلام ؛ لأنّ ذلك كلّه عبادة، فلا ينافي الغرض المقصود من المساجد، إلّا أنّه تراجع عنه وقال: «إلّاأنّي لا أعلم بذلك تصريحاً، و
الإقدام على مخالفة الأصحاب مشكل».
وتفصيله في محلّه.
ومنها: إنشاده بالليل، فهو وإن لم يتعرّض له الفقهاء، لكن تعرّضت له الروايات عن
أئمّة أهل البيت عليهم السلام نحو ما رواه حمّاد وغيره عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «لا ينشد الشعر بليل... وإن كان فينا».
وتفاصيل مباحث إنشاد الشعر تراجع في محلّها.
هذا، وهناك بعض الأحكام الاخرى المرتبطة بإنشاد الشعر أهمّها إجمالًا ما يلي:
ذكر الفقهاء عدم ناقضية إنشاد الشعر للوضوء
ولو كان الشعر مشتملًا على كذب وزاد على أربعة أبيات،
سواء كان في قنوت الصلاة أو خارجها، وعليه إجماع علماء الأمصار.
ويدلّ عليه ما رواه
معاوية بن ميسرة ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن إنشاد الشعر، هل ينقض الوضوء؟ قال: «لا».
ومن ثمّ حملوا ما يعارض هذا الخبر- كمضمر سماعة، قال: سألته عن نشيد الشعر، هل ينقض الوضوء... ؟ فقال: «نعم، إلّاأن يكون شعراً يصدق فيه أو يكون يسيراً من الشعر، الأبيات الثلاثة والأربعة، فأمّا أن يُكثر من الشعر
الباطل فهو ينقض الوضوء»
- على
استحباب إعادة الوضوء.
ولو أنشد ثمّ حذف منه بحيث أفسد شعريّته احتمل خروجه عن الحكم، ولعلّ الأولى خلافه. وكذا لا دخل للاتّصال و
الانفصال ، فلو قرأ في أوقات متعدّدة بحيث يكون مجموعها كثرة ترتّب الحكم المذكور.
وتفصيله في محلّه.
لا تردّ شهادة منشد الشعر ما لم يكن فيه هجر ولا فحش ولا تشبيب
بامرأة ولا هجاء من لا يستحقّ الهجاء؛
إذ لما لم يكن محرّماً سوى في هذه الحالات لم يكن في ارتكابه مع عدم وجود الدليل الخاص ما يفيد
إسقاط العدالة المأخوذة في الشاهد.
الموسوعة الفقهية، ج۱۸، ص۲۳۱-۲۳۶.