الاحتقان
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو
الاحتباس أي حبس البول والغائط ومدافعتهماو
إيصال الدواء إلى جوف المريض من أسفله.
احتقان مصدر احتقن من الحقن، وهو يأتي بأحد معنيين:
الأوّل: الجمع والحبس
فيقال: حقن الرجل بولَه أي حبسه.
واحتقن المريض: احتبس بوله،
والحاقن: الذي له بول شديد،
وحقن دمَه أي منعه أن يُسفك،
وحقن له دمه: إذا منع من قتله
وإراقته ، أي جمعه وحبسه عليه.
ومنه قوله عليه السلام: «لا صلاة لحاقن ولا لحاقنة».
الثاني:
إيصال الدواء إلى جوف المريض من أسفله، فيقال: حقنَ المريضَ أي داواه بالحقنة.
واحتقن المريضُ بالحقنة:اعطي الدواء من أسفله.
ولعلّ المعنى الثاني يرجع إلى الأوّل- لحبس المادّة في جهاز الهاضمة أو لجمع مائع الحقنة فيه- ولذلك اقتصر بعض أعلام أهل اللّغة على الأوّل.
ولا فرق بحسب اللغة بين كونه بمائع أو جامد وإن كان قد يدّعى أنّ المنساق منه عرفاً خصوص المائع.
ويستعمل هذا اللّفظ عند الفقهاء في نفس المعنيين المذكورين، إلّا أنّ الأشهر هو الثاني.
وهو يعمّ الاحتقان بالمعنى الأوّل لاختصاصه بالبول، دون
الاحتباس فإنّه يطلق على منع وحبس كلّ شيء كاحتباس المطر وغيره.
وهو الحبس
يقال: حقب وأحقب المطر: احتبس، والحاقب هو الحابس، وهو يعمّ الحاقن؛ لعدم
اختصاصه بالبول، وقد يعطف على الحاقن ويراد به خصوص حابس الغائط بقرينة المقابلة كما في قوله عليه السلام: «لا صلاة لحاقن ولا لحاقب».
والاسم منه زنّين كسِجّيل، وهو الذي يدافع الأخبثين. ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «ثمانية لا يقبل اللَّه لهم صلاة... والزّنّين»
أي حاقن، يقال: زنّ فذنّ أي حقن فقطر.
وقد يحكى روايته بالباء «زبن» كما في القاموس وغيره،
لكن المشهور روايته بالنون.
كما قد يجيء من زَنَأ بالهمز والتخفيف، ومنه قوله عليه السلام: «لا يصلّي الرجل وهو زناء أي حاقن».
وقع البحث عن الاحتقان لدى الفقهاء في موردين:
أحدهما: الاحتقان للتداوي، وهو تعاطي الدواء أو الماء عن طريق الشرج.
ثانيهما: احتقان البول، وهو مدافعة
الإنسان نفسه ومنعها من خروج البول عند الشعور بالحاجة إلى التبوّل، ويسمّى الإنسان حينئذ حاقناً كما يسمّى الحابس للغائط حاقباً، وفيما يلي نتعرض لكل من البحثين على سبيل
الإيجاز :
ويبحث عن أحكامه التكليفيّة والوضعيّة ضمن المباحث التالية:
الاحتقان للتداوي أو لغيره جائز في نفسه تكليفاً؛ لعدم قيام دليل على حرمته، إلّا إذا استلزم عنواناً محرّماً فتعرضه الحرمة من تلك الجهة.
لم يتعرّض الفقهاء لخصوص الحكم التكليفي للاحتقان بالمائعات المحرّمة،إلّا السيد الگلبايگاني من المعاصرين.
وإنّما وقع البحث عندهم في جواز التداوي
والاستشفاء بالخمر وسائر المحرّمات وعدمه، واختلفوا فيه.قال
النراقي في مستند الشيعة : «استثناه (ما يضطر إليه للتداوي) جماعة إذا انحصر الدواء فيه ولم تكن مندوحة منه، اختاره القاضي والدروس والكفاية.
ومنع جماعة عن التداوي بالخمر بل كل مسكر ونسبه
المحقّق الأردبيلي وفي
الكفاية والمفاتيح وشرحه إلى المشهور، وعن الخلاف دعوى الإجماع عليه، وفصّل الفاضل في
المختلف والشهيد الثاني وصاحب المفاتيح وشارحه فجوّزوا التناول والمعالجة مع خوف تلف النفس مطلقاً ومنعوا فيما دونه عن المسكرات أو كل محرّم».
وعلى تقدير الحرمة لا بدّ من الكلام في أنّ الحرام هل هو مطلق التداوي بالخمر أو ينحصر بصورة التناول؟ فإن قيل
بانحصارها بصورة التناول المحرّم- أكلًا أو شرباً- كان الاحتقان جائزاً؛ لأنّ الاحتقان غير التناول، وإن قيل بعموم الحرمة لمطلق
إدخال الخمر وسائر المحرّمات في الجوف فيحكم بحرمة الاحتقان به أيضاً، وعندئذٍ لو قيل بحرمة
التداوي بالخمر أو بمطلق المحرّمات لما ورد من أنّ اللَّه لم يجعل الشفاء في الحرام ثبت حرمة الاحتقان للتداوي أيضاً، وإن لم نقل بذلك مطلقاً أو عند الضّرورة جاز الاحتقان للتداوي.وقد حُكي القول بحرمة التداوي مطلقاً عن بعضهم، قال
الشيخ البهائي : «قد استدل بعض الفقهاء بقوله سبحانه:«فَاجْتَنِبُوهُ» على عدم جواز التداوي بالخمر ولو من خارج البدن كالاطلاء، وهو غير بعيد؛ لإطلاق
الأمر بالاجتناب من دون تقييدٍ بحال دون حال، فيدخل التداوي إلى أن يقوم الدليل على جوازه».
وقال
المحقّق الحلّي في الخمر:«لا يجوز التداوي بها ولا شيء من الأنبذة ولا شيء من الأدوية ومعها شيء من المسكر أكلًا ولا شرباً، ويجوز عند الضّرورة أن يتداوى بها للعين».
بينما المستفاد من عبارات بعضهم اختصاص الحرمة بالتناول. قال العلّامة: «لا يجوز التداوي بالخمر تناولًا».
وعلّق عليه في كشف اللّثام: «احترز بالتناول عن التضمّد والاطلاء
والاكتحال ».
هذا وقد صرّح بعض المعاصرين بجواز الاحتقان بالخمر وأنّه لا حدّ فيه لاختصاص الحرمة والحدّ بالشرب.
لا حدّ للاحتقان بالخمر- بناءً على حرمته- لأنّ الحدّ إنّما يتعلّق بشرب الخمر وما في حكمه، ولا يصدق الشرب على مثل الاحتقان كما صرّح به غير واحد.
وإنّما يكون فيه التعزير بناءً على حرمته خصوصاً إذا أوجب
الإسكار ، بل قد يقال في مثله بالحدّ، وتفصيله في محلّه.
=====الاحتقان المستلزم للحرام====
إذا استلزم الاحتقان حراماً كلمس الأجنبية فإن كان لازماً كما في موارد التداوي ونحوه جاز، ويقتصر حينئذٍ على أقلّ المحظور، فلو أمكن الحقنة بغير لمس حرم اللمس.
اختلف فقهاؤنا في جواز الحقنة للصائم وضعاً وتكليفاً على أقوال، والمشهور بينهم هو التفصيل بين الحقنة بالمائع فيحرم ويبطل به الصوم، والحقنة بالجامد فلا يحرم ولا يبطل به الصوم
وإن كان مكروهاً.بينما حكم بعضهم بالحرمة والفساد مطلقاً سواء كان بالمائع أو الجامد،
وبعضهم
باستحباب الترك مع عدم الفساد فيهما،حكاه العلّامة عن
ابن الجنيد في المختلف،ولعلّه المستفاد من
السيد المرتضى أيضاً في رسائله
وبعضهم بالحرمة فيهما مع عدم الفساد،
وبعضهم بالحرمة في المائع والكراهة في الجامد مع عدم فساد الصوم في الصورتين.
والأصل في ذلك طوائف من الروايات كصحيحة علي بن جعفر
الظاهرة في الجواز، ورواية ابن أبي نصر
الظاهرة في عدم الجواز، وموثّقة ابن فضّال
المجوّزة في خصوص الجامد.ومنشأ الخلاف حمل النهي الوارد في رواية ابن أبي نصر على الإرشاد إلى المانعيّة أو على الحرمة التكليفيّة، أو على الكراهة بقرينة الرواية المجوّزة. مضافاً إلى
إطلاق الأوّلين وتقيّد الثالث بالجامد، وهذا منشأ آخر للخلاف، وهو دليل التفصيل بين المائع والجامد.
الحقنة لا تنقض الوضوء؛
لانحصار نواقض الوضوء في الروايات في أمور معلومة، وليس منها الحقنة.
وظاهر العلّامة
الإجماع عليه، قال في
التذكرة: «لا يجب الوضوء بشيء سوى ما ذكرناه، ذهب إليه علماؤنا أجمع».
وكذلك خروج مائع الاحتقان لا يوجب النقض للدليل المزبور، إلّا إذا خرج مع آلة الاحتقان أو مائعه شيء من الغائط فحينئذ يبطل الوضوء؛ لتحقّق الحدث الناقض للوضوء،
ومثله إدخال الانبوب في القُبُل لِغَسل المجرى أو المثانة أو ما أشبه ذلك فإذا خرج معه شيء من البول انتقض به الوضوء، وإلّا فلا.
لا شكّ في طهارة مائع الاحتقان وآلته إذا لم يعلم بملاقاته للنجاسة، بل ومع العلم بملاقاته لها؛ وذلك لعدم الدليل على تنجّس الملاقي للنجاسة في الباطن، بل لعدم الدليل على نجاسة ما عُدّ من النجاسات حال كونها في باطن البدن كالدّم والبول والغائط
وإن كان ظاهر بعض الفقهاء المعاصرين
الاحتياط لزوماً بالاجتناب مع العلم بالملاقاة،
نعم لو خرج مع مائع الاحتقان أو آلته شيء من الغائط فيحكم بنجاسته قطعاً لوقوع
الملاقاة حينئذٍ خارج البدن.وممّا يترتب على ذلك لزوم
استنجاء مخرج الغائط وعدمه، فعلى النجاسة لا إشكال في لزوم الاستنجاء منه، ثمّ يقع الكلام هنا في لزوم الاستنجاء بالماء أو أنّه يكفي المسح بالأحجار كنفس الغائط، خصوصاً إذا كان الاحتقان بنجاسة كالخمر.
قال في
المعتبر : «لا يجب استنجاء مخرج الغائط إلّا مع خروج نجاسة منه كالغائط والدم وما يخرج متلطّخاً بالنجاسة... ولو خرج دود أو حصاة أو حقنة طاهرة لم يجب الاستنجاء... نعم لو احتقن بنجاسة فخرجت وجب الاستنجاء منها».
وقال في
المنتهى : «وكذا (يجب الاستنجاء) لو احتقن بنجاسة ثمّ خرجت؛ لأنّها بالملاقاة نجّست المحلّ». ثمّ قال:«وهل يكون حكمها حكم الغائط في
الاجتزاء بالأحجار؟ الأقرب المنع».
إذا تغذّى الرضيع بلبن المرأة عن طريق الحقنة ونحوها لم يؤثر في نشر الحرمة؛ لأنّ ذلك إنّما هو أثر
الارتضاع من الثدي وهو مفقود، مضافاً إلى فقد بعض الشروط الأخرى كالمصّ، وقد صرّح بذلك جماعة
بل ادّعي عليه الإجماع.
الاحتقان يطلق تارة على
امتناع خروج البول لمرض ونحوه، وهذا لا يتعلّق به التكليف بل يعتبر من الأعذار الرافعة للتكليف، وأخرى يطلق على حبس البول وجمعه متعمّداً عند الحاجة للتبوّل ويسمّى الحابس حينئذٍ حاقناً- كما يسمّى حابس الغائط حاقباً- وهو في نفسه مكروه
- على ما صرّح به بعضهم- لما رواه
المحدّث النوري من الرسالة الذهبيّة عن
الرضا عليه السلام : «من أراد أن لا يشتكي مثانته فلا يحبس البول ولو على ظهر دابته».
وأيضاً عنه عليه السلام في فقه الرضا: «إذا جُعت فكل، وإذا عطشت فاشرب، وإذا هاج بك البول فَبُل، ولا تجامع إلّا من حاجة، وإذا نعست فنم، فإنّ ذلك مصحّة للبدن».
وقد يلاحظ عليه- مع تسليم دلالتهما على الاستحباب الشرعي المولوي- أنّه مبني على القول
بالتسامح في أدلّة السنن
مضافاً إلى تصريح بعضٍ بعدم مولويّةٍ في الحكم المزبور، وإنّما هو إرشاد محض،
ويؤيّده قوله: «من أراد أن لا يشتكي مثانته» في الأوّل والتعليل الوارد في ذيل الثاني.وقد تعرضه الحرمة كما إذا كان مضرّاً بالنفس، وإن كان في إطلاق هذا الحكم بالنسبة لكلّ ضرر خلاف حيث خصّه بعضهم بالضرر المعتدّ به كما فُصل في محلّه.وقد يحكم بوجوبه كما إذا كان متوضّئاً ولم يسع الوقت للتوضّؤ والصلاة بعده،
وإن استُشكل فيه أيضاً تارة
بابتنائه على القول بوجوب مقدّمة الواجب شرعاً وهو غير ثابت، وأخرى بأنّ الحكم بوجوبه من جهة حرمة تفويت القدرة وعدم جواز تعجيز النفس عن الصلاة الاختيارية وهو أيضاً غير صحيح؛ لأنّ لازم ذلك هو الحكم بحرمة البول وترك الحبس لا الحكم بوجوب الحبس.
وكذلك الكلام في القول باستحباب حبس البول إذا توقّف عليه مستحبّ آخر أهمّ.
عدّ الفقهاء من مكروهات الصلاة الدّخول فيها مع مدافعة البول أو الغائط،
وقيل: إنّه ممّا لا خلاف فيه،
بل في المنتهى: أنّه قول كلّ من يُحفظ عنه العلم،
وألحق به بعضهم الرّيح كما في عنوان باب
الوسائل ؛
لمنافاتها للخشوع
والإقبال المطلوبين في الصلاة،
مضافاً إلى الأخبار كصحيحة
هشام بن الحكم عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «لا صلاة لحاقن ولا لحاقنة».
ورواية
أبي بكر الحضرمي عن أبيه عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا تصلّ وأنت تجد شيئاً من الأخبثين».
وعن
إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «لا صلاة لحاقن ولا لحاقب ولا لحازق».
وعن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ثمانية لا يقبل اللَّه لهم صلاة...» إلى أن قال: «والزبّين» قيل: يا رسول اللَّه وما الزّبين؟ قال:«الرجل يدافع البول والغائط».
فإنّ الظاهر من هذه الروايات وإن كان هو الحرمة والمانعيّة، إلّا أنّها تحمل على الكراهة؛ للإجماع المحقق والمصرّح به على صحّة الصلاة وعدم الحرمة،
مضافاً إلى ظهور الأخبار الحاصرة لمبطلات الصلاة في عدم مبطليّة غيرها.
ثمّ إنّ من فروع هذه المسألة ما ذكره بعضهم من جواز ترك الجماعة للحاقن، وكذا تأخير الصلاة عن أوّل الوقت
مع أنّهما مع المستحبّات الأكيدة.
قال المحقّق في عداد مكروهات
القضاء : «وأن يقضي وهو غضبان، وكذا يكره مع كلّ وصف يساوي الغضب في شغل النفس كالجوع والعطش والغمّ والفرح والوجع ومدافعة الأخبثين وغلبة النعاس، ولو قضى والحال هذه نفذ إذا وقع حقّاً».
وقال العلّامة: «ويكره أن يتّخذ حاجباً وقت القضاء... والقضاء مع غضب وشبهه ممّا يشغل الخاطر، ولو قضى حينئذٍ نفذ».
وكذا في المستند وغيره.
وقد روى
أبو الأسود الدؤلي : أنّ رجلًا سأل
أمير المؤمنين عن سؤال فبادر فدخل منزله ثمّ خرج فقال: «أين السائل؟» فقال الرجل: ها أنا يا أمير المؤمنين، قال: «ما مسألتك؟» قال: كيت وكيت، فأجابه عن سؤاله، فقيل: يا أمير المؤمنين كنّا عهدناك إذا سُئلت عن المسألة كنت فيها كالسكّة المحماة جواباً فما بالك أبطأت اليوم عن جواب هذا الرجل حتى دخلت الحُجرة؟فقال: «كنت حاقناً، ولا رأي لثلاثة:لا لحاقن ولا حاقب ولا حازق».
وليس في خصوص المقام رواية صحيحة، كما ليس في
الصحاح عامّ يشمل المقام. نعم فيها بعض المعتبرة كمعتبرة
السكوني وهي خاصّة بالغضب،
ولعلّ المحقّق وغيره حكموا به لمناسبة الحكم والموضوع، وللأخبار المختلفة الواردة في خصوص الجوع والعطش
والحزن
ولم نعثر على مصدره. والغضب وإن كانت أكثرها غير معتبرة.وأمّا نفوذ القضاء فهو ممّا لا خلاف فيه؛ للعمومات السالمة عن المعارض بعد حمل النصوص السابقة على الكراهة؛ لقصورها عن
إفادة الحرمة.
الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۱۱۴-۱۲۲.