الاختلاف في العين المستأجرة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ويتصوّر على أنحاء مختلفة: ۱- الاختلاف في نوع العين المستأجرة، ۲- الاختلاف في مقدار العين المستأجرة، ۳- الاختلاف في ردّ العين المستأجرة أو التي يعمل فيها الأجير، ۴- الاختلاف في تلف العين المستأجرة أو التي يعمل فيها الأجير، ۵- الاختلاف في وقت تلف العين، ۶- الاختلاف في ثمن العين المستأجرة، ۷- الاختلاف في إمكان الانتفاع وعدمه، ۸- الاختلاف فيما أنفق المستأجر على العين.
إذا اختلفا في أنّ العين المستأجرة هل كانت بغلًا أو حماراً مع اعترافهما بوحدة العقد؟ فقد حكم بعض الفقهاء بالتحالف،
ونسب أيضاً إلى المشهور؛
لأنّ كلّاً منهما يدعي ما ينكره الآخر، و
الأصل ينفي دعوى كلّ منهما، فيكون من التحالف، فإذا حلفا حكم حينئذٍ
بالانفساخ - ظاهراً أو واقعاً
- حسب ما هو مقرر في محلّه. وقال بعضهم بالقرعة مع عدم البيّنة لأحدهما والتحالف، أو مع تعارض البيّنتين وعدم تقدم إحداهما على الاخرى.
واختار البعض الآخر القول بأنّ المقام من موارد المدعي والمنكر دون التداعي لكي يتحالفا؛ لأنّ أحدهما مدعٍ والآخر مقرّ على نفسه، لا أنّه يدعي شيئاً على غيره، فلو اتفقا على
الأجرة وتنازعا في العين؛ بأن ادعى المستأجر ملكية منفعة الفرس مثلًا والمالك ينكر ذلك فإنّ عليه
الإثبات . وأمّا دعوى المالك وقوع الإجارة على الحمار مثلًا فمرجعها إلى
الاعتراف بمملوكية منفعة الحمار للمستأجر، ولا تتضمن دعوى ضد ذلك؛ إذ ليس له غرض فيها إلّا بمقدار ما يترتّب عليها من لازم، وهو نفي ما يدعيه المستأجر، ولذا يصح له
الاقتصار على
بطلان دعوى المستأجر من دون تعرض لمدعاه.
وكيف كان، فالخلاف- بعد اتفاقهما على
استحقاق المالك للُاجرة- إنّما هو في استحقاق المستأجر لمنفعة ما يدعيه والمالك ينفيه، والأصل معه، فهو منكر والمستأجر مدّع.
وقد اورد على ذلك بأنّ دعوى المالك إجارة الحمار وإن كانت إقراراً منه على نفسه إلّا أنّها بلحاظ تضمنها لاستحقاق المسمّى
بتسليم الحمار أو حصول الوفاء في قبال الاجرة المأخوذة منه تجعله مدّعياً على المستأجر شيئاً ينكره. وإن شئت قلت: كما أنّهما يعترفان معاً باستحقاق المالك للُاجرة كذلك يعترفان باستحقاق المستأجر لاحدى المنفعتين، وكل منهما يدعي أنّها إحداهما بالخصوص دون الاخرى، وحيث إنّ كلّاً منهما بخصوصيته مسبوق بالعدم فيكون من التداعي فيتحالفان، بل كيف يمكن أن يقال بأنّ المستأجر يُحرم بيمين المالك من منفعة كلا العينين دون أن يحق له
استرجاع الاجرة المسمّاة؟! وكذا
الأمر بالنسبة إلى دعوى المستأجر في طرف الاختلاف في الاجرة
فيكون المقام من التداعي.
هذا كلّه إذا كان التنازع قبل التصرّف، وأمّا إذا كان بعد التصرّف و
انقضاء المدة ففي المستمسك- بعد أن جعل أصل المسألة من باب المدّعي والمنكر وأنّ المالك هو المنكر لما يدّعيه المستأجر- حكم في المقام بعد حلف المالك ويمينه باستحقاق المالك اجرة مثل المنفعة المستوفاة إذا كان التنازع بعد التصرف؛ لأصالة
احترام مال
المسلم مع استحقاقه للُاجرة المسمّاة أيضاً؛ لإقرارهما بذلك بحسب الفرض، فيستحق الاجرتين، وادّعى أنّ هذا ما تقتضيه القواعد، وأنّه قد ذكره بعض الأكابر.
والجواب: ما تقدم من أنّ المستأجر لا ينكر استحقاق المالك للُاجرة عليه في قبال العين التي لم يستوف منفعتها، وإنّما يدعيه المالك ويدعي المستأجر استحقاقه وملكيته للمنفعة المستوفاة بالاجرة المسمّاة فيكون من التداعي.
وبعبارة اخرى: كما يعلم باستحقاق المالك للُاجرة المسماة يعلم باستحقاق المستأجر وملكيته لمنفعة إحدى العينين مع الترديد بينهما وكلّ منهما يدّعي أنّ له إحداهما دون الاخرى فيكون من التداعي حتى بعد التصرّف ومضي المدة، فإن تحالفا انفسخت
الإجارة - ظاهراً أو واقعاً- على القول به لا بالقرعة، وكان للمالك اجرة مثل ما استوفاه من المنفعة وللمستأجر استرجاع المسمّى. هذا، ولكن الصحيح أنّه في هذا التقدير يكون مقتضى
أصالة الصحة في
استيفاء المستأجر أو قل مقتضى
استيلاء يده على المنفعة التي استوفاها في تلك المدة ملكيته لها، فيكون دعوى المالك عدم ملكيته لها خلاف الأصل، فيكون مدّعياً والمتصرّف منكراً، فلا يستحق المالك غير الاجرة المسمّاة. وإن شئت قلت: إنّ المالك يدعي استحقاق الاجرتين معاً والمستأجر ينكر استحقاق أكثر من الاجرة المسمّاة، ومقتضى الأصل عدم الزيادة.
إذا اختلفا في أنّ المالك آجر تمام الدار بدينار أو نصفها بدينار فإنّ ذلك على نحوين: فتارة يكون مدّعي الأقل هو المستأجر- وإن كان فرضه نادر جداً- فيكون من تعارض الاعترافين لا من باب المدّعي والمنكر.
واخرى يكون مدعي ذلك هو المؤجر- كما هو الغالب- فحيث إنّ المستأجر يطالب بمنفعة زائدة فيلزمه الإثبات، فإن كانت معه بيّنة قدّم قوله قطعاً، وكذا لو أقام المؤجر بيّنة لوحده. أمّا لو لم تكن بيّنة أصلًا فإنّ قول مدعي الأقل مقدّم؛ لأنّه منكر للزيادة،
هذا هو المعروف بين
الفقهاء .
والدليل عليه هو نفس ما تقدم في التنازع و
الاختلاف في مدة الإجارة، فإنّ الزيادة المدعاة سواء كانت في الزمان والمدة أو في مقدار العين المستأجرة فالنتيجة واحدة، فإنّه بناءً على انحلال الإجارة من حيث الأثر المترتّب عليها بلحاظ أجزاء المعوّض وهو المنفعة في الإجارة سواء من حيث المدة والزمان أو من حيث المكان والمقدار، فالأقل يكون متيقناً والزائد منفياً بالأصل، فيكون مدّعي الزيادة مدّعياً والآخر منكراً.
ولكن ذهب جماعة هنا أيضاً- منهم الشيخ في بحث الاختلاف في إجارة الدار أو بيت منها- إلى التحالف مع عدم البيّنة؛ لأنّ كلّاً منهما مدّعٍ ومنكر؛ نظراً إلى أنّ الإجارة أمر وجودي يدعي كلّ منهما تحققه ضمن حدٍّ معيّن وينكره الآخر، فيندرج في باب التداعي ومن ثمّ التحالف، فإن تحالفا عقيب العقد انفسخ بحكم الحاكم، وإن تحالفا بعد انقضاء المدة لزم المستأجر
أجرة المثل .
نعم، قد يقال: إنّهما لو سكتا عن الإجارة فقط بأن قال أحدهما: إنّي استحق منفعة الدار بأسرها وقال الآخر: بل تستحق منفعة البيت فقط حلف المالك لنفي الزائد؛ لعدم التصريح بما يقتضي التحالف؛ لاحتمال اتفاقهما على سبب يتعلّق بالبيت خاصة، واختلافهما في حصول سبب آخر للباقي.
واختار المحقق والعلّامة في كتاب القضاء والنراقي
الرجوع إلى
القرعة ولو مع عدم البيّنة، وهو المنسوب إلى الشيخ أيضاً.
وقد اتضح جواب كلّ ذلك مما تقدم.
إذا اختلفا في ردّ العين المستأجرة فقد حكم الفقهاء بتقديم قول المالك مع يمينه؛
لأنّه منكر للردّ، والأصل عدمه، وحيث إنّ المستأجر قبض لمصلحة نفسه فلا يقبل قوله في الرد مع مخالفته للأصل. وكذا الحكم لو اختلفا في ردّ محل العمل في الإجارة على العمل كالثوب المخيط.
•
الاختلاف في تلف العين المستأجرة، ويقع بحثه ضمن الفروع التالية: ۱- الاختلاف في تعدّي المستأجر وإتلافه للعين، ۲- الاختلاف في تعدّي الأجير.
لو هلكت العين المعيّنة للعمل- كالدابة- فاختلف المستأجر والمالك في وقت هلاكها، فقال الأوّل: إنّها هلكت قبل العمل و
الانتفاع بها، وقال الثاني: إنّها هلكت بعد العمل، فقد استقرب الفقهاء تقديم قول المستأجر؛ لحصول ذلك في يده، ولأنّه أعلم به، مضافاً إلى أنّ الأصل عدم العمل والانتفاع وعدم
اشتغال الذمة .
وفصّل العلّامة في القواعد بين تقدير المنفعة بالعمل وتقديرها بالزمان، فإن كان تقديرها بالعمل قدّم قول المستأجر؛ لأنّ الأصل عدم العمل. وإن كان تقدير المنفعة بالزمان قدّم قول المالك؛ لأنّ الأصل عدم تقدم الهلاك،
وقد تحقق التسليم بدفع العين، و
استمرار ذلك طول المدة مستند إلى أصالة بقائه.
لو اختلف المستأجر والمالك في ثمن العين المستأجرة الهالكة بالتفريط- كالدابة مثلًا- ففي تقديم قول المالك أو المستأجر خلاف. قال الشيخ يقدّم قول المالك في الدابة وفي غيرها يقدّم قول المستأجر المنكر للزيادة،
ولعلّه
نظر في ذلك إلى رواية
أبي ولّاد عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام في الدابة، قال: «إمّا أن يحلف هو (أي صاحب البغل) على القيمة فيلزمك... أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل حين اكترى كذا وكذا...».
وقد حملت الرواية على الاختلاف في تنزّل القيمة فيكون قول المالك مطابقاً للأصل، فيقدم قوله.
وذهب الحلّي والمحقق والعلّامة وغيرهم
إلى تقديم قول المستأجر؛ لأنّه هو المنكر، ولعدم البيّنة، من غير فرق في ذلك بين الدابة وغيرها.
لو ادعى المستأجر أنّ العبد مرض في يده فلم يتمكّن من الانتفاع به قدّم قوله إن جاء به مريضاً، وإن جاء به صحيحاً قدّم قول المالك؛
لأنّه بذلك يكون قد ادعى ما يخالف الأصل وظاهر الحال مع عدم
البيّنة له في ذلك، بخلاف ما لو جاء به مريضاً فانّه يقدم قوله في مدة المرض؛ لتحقق ما يخالف الأصل يقيناً، فكان القول قوله في مدّة المرض؛ لأنّه أعلم بذلك لكونه في يده.
إذا اشترط صاحب الحمام على المستأجر نفقة معلومة- كعشرة دراهم كلّ شهر لغرض
الإصلاح والترميم زيادة على الاجرة- وأمره أن ينفقها عليه كان جائزاً، فإن اختلفا بأن قال المستأجر (قد أنفقتها) فانّه لم يصدّق، ويكون القول قول صاحب الحمّام مع يمينه.
وكذا يقدم قول صاحب الحمام إذا أنفق المستأجر وادعى أنّ مالكها أمره بذلك لكن أنكر المالك.
ولو اكترى جمّالًا فهرب الجمّال وترك الجمال بلا نفقة رفع ذلك إلى الحاكم وأنفق عليها من نفسه، فإذا ادعى شيئاً من النفقة وكان
انفاقه عليها بتقدير من الحاكم قُبل قوله فيه، وإن لم يكن كذلك وقد صدّقه الجمّال رجع عليه بما أنفق، وإن لم يصدّقه وكان قد أنفق بالمعروف قُبل قوله فيه دون الزائد. هذا كلّه إذا رفع أمره إلى الحاكم، فإن لم يرفع إليه مع تمكّنه منه فقد حكم الشيخ بأنّه لا يرجع بما أنفق؛ لأنّه أنفق بغير
إذن المالك أو من يقوم مقامه.
وقال
ابن البراج بجواز الرجوع، وأنّ القول قوله مع يمينه إذا أتى بما ناسبه.
الموسوعة الفقهية، ج۴، ص۴۲۷- ۴۳۹.