الاستطاعة المحققة بالهبة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لو وهب المال واهب وأطلق ولم يذكر
الحجّ لا تعييناً ولا تخييراً فالمنسوب إلى
المشهور عدم
وجوب قبول
الهبة حينئذٍ.
واستدلّ لذلك
بأنّ
الاستطاعة تحصل بأحد أمرين: إمّا أن يكون له مال يكفيه للحجّ أو يبذل له ذلك، وشيء من الأمرين غير
صادق في المقام، و
القبول تحصيل للاستطاعة وهو غير
واجب .
وبعبارة اخرى: أنّ ظاهر الأدلّة أنّ الاستطاعة نوعان ملكية وبذلية، وتختصّ
البذلية بالبذل للحجّ، فالهبة مطلقة قبل القبول، خارجة عن النوعين معاً، وليست الاستطاعة نوعاً واحداً- وهو
التمكّن من المال- كي يدّعى وجوب القبول.
وبذلك اورد على
المحقّق النراقي حيث ذهب في المسألة إلى وجوب الحجّ.
وهنا فرضان آخران:
الأوّل: ما إذا وهبه ما يكفيه للحجّ ليحجّ به، فقد صرّح غير واحد من الفقهاء بأنّه يجب عليه القبول حينئذٍ.
واستدلّ لذلك بإطلاق النصوص الشامل للبذل على نحو
الإباحة و
التمليك فيجب القبول، فإنّه حينئذٍ يكون مقدّمة للواجب لا للوجوب.
ولكن مقتضى
إطلاق عبارة المحقّق الحلّي في
الشرائع عدم الوجوب، حيث قال: «ولو وهب له مال لم يجب عليه قبوله»،
فإنّ إطلاقه يشمل ما لو وهبه لخصوص الحجّ تعييناً أو تخييراً أو على نحو الإطلاق.
واستدلّ له
الشهيد الثاني في
المسالك بأنّ قبول الهبة نوع من
الاكتساب ، ولا يكون واجباً للحجّ؛ لكون وجوبه مشروطاً بالاستطاعة، فلا يجب تحصيل شرطه، بخلاف
الواجب المطلق .
واورد عليه بأنّ وجوب الحجّ بالبذل دائر مدار عرض الحجّ عليه، وهو كما يحصل بإباحة ما يحجّ به يصدق بإنشاء تمليكه إيّاه؛ إذ
إنشاء الهبة له عرض لما يحجّ به، وإذا حصل
العرض بنفس إنشاء
التمليك يصير الحجّ واجباً على المبذول له، فيصير القبول واجباً عليه لصيرورته من مقدّمات الواجب لا الوجوب.
وأمّا دعوى ظهور أخبار
البذل في البذل بالإباحة لصرف
الزاد والراحلة أو الإباحة المطلقة حتى للتملّك إن أراده المبذول له- كما في
الجواهر - فغير تامّة؛ لصدق العرض على
إيقاع التمليك مثل صدقه على إيقاع
الإباحة .
ما لو وهبه وخيّره بين الحجّ وغيره كزيارة
الإمام الرضا عليه السلام أو خيّره بين الحجّ وعدمه فقد ذهب بعض الفقهاء إلى وجوب الحجّ حينئذٍ أيضاً.
واستدلّ له بصدق الاستطاعة، فإن عرض شيء آخر في المثال الأوّل أيضاً لا يضرّ بصدق عرض الحجّ؛ لأنّ عرض الحجّ غير مشروط بعدم عرض غيره؛ إذ لا معنى لعرض الحجّ إلّا بذل مال يفي للحجّ، و
التعيين لا خصوصيّة له.
ولكن اورد عليه بأنّ النصوص غير
شاملة لما نحن فيه؛ لأنّ عرض الحجّ المذكور فيها ظاهر في عرضه على التعيين لا على التخيير.
وببيان آخر: أنّ موضوع الوجوب هو البذل للحجّ، والهبة مع التخيير المزبور بذل للجامع بين الحجّ وغيره، والبذل للجامع لا يكون بذلًا للحجّ بشخصه وإلّا وجب القبول في الهبة المطلقة أيضاً، فإنّها لا تنفكّ عن التخيير في صرف الموهوب في الحجّ أو غيره.
واورد على القول بالوجوب في المثال الثاني بأنّ التخيير يرجع إلى أنّ بذله للحجّ مشروط بعدم صرفه المبذول في جهة اخرى أو مشروط
بالإبقاء عنده، ولا يجب على المبذول له تحصيل
الشرط ليصحّ البذل وتحصل
الاستطاعة البذلية ، إذ الاستطاعة شرط الوجوب لا شرط الواجب وشرط الوجوب لا يجب تحصيله بخلاف شرط الواجب.
الموسوعة الفقهية، ج۱۱، ص۴۸۲-۴۸۸.