الاغتراب
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو بمعنى
الابتعاد عن
الوطن إما
لطلب العلم أو
الرزق وإما
للتكسب أو للمقاصد الأخرى.
الاغتراب لغة:
الابتعاد عن
الوطن والذهاب إلى بلد الغربة.
وقد استعمله
الفقهاء في نفس المعنى اللغوي.
وهو لغة: قطع
المسافة ، يقال ذلك: إذا خرج
للارتحال أو لقصد موضع فوق مسافة العدوى؛ لأنّ
العرب لا يسمّون مسافة العدوى
سفراً ، وقال بعض: أقلّ السفر يوم.
وهو لغة:
الخروج ،
ونفر القوم: تفرّقوا، ونفر
الحاج من
منى : اندفعوا
للحج ، ونفرت إلى
مكّة : دفعت نفسي إليها.
ونفروا إلى الشيء: أسرعوا إليه، وليلة النفر، ويوم النفر: لليوم الذي ينفر فيه الناس من منى، فالنفر الأوّل من منى هو اليوم الثاني عشر من
ذي الحجة ، والنفر الثاني هو اليوم الثالث عشر منها.
وبمعنى
التباعد أيضاً يقال: نفرت
الدابة أي جزعت وتباعدت.
يختلف حكم الاغتراب باختلاف ما يقصد به، فتارة يقصد به التكسّب وطلب
الرزق فيكون راجحاً، كما دلّت عليه
رواية عمر بن اذينة عن
الصادق عليه السلام قال: «إنّ اللَّه تبارك وتعالى ليحبّ الاغتراب في طلب الرزق».
واستدلّ بعضهم بها على ذلك، فأفتى
باستحباب الاغتراب في طلب الرزق.
وكذا يكون راجحاً لو قصد به طلب العلم، ويستفاد رجحانه من الروايات التي وردت في
الحثّ على طلب
العلم ، كما في
خبر عبد اللَّه بن ميمون عن الإمام الصادق جعفر بن محمّد عن
أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: «قال
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك اللَّه به طريقاً إلى
الجنّة ».
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: «اطلبوا العلم ولو بالصين».
وكذا لو قصد به
الطاعة ، كالسفر للحج
المندوب وزيارة قبور الأئمّة من
أهل البيت عليهم السلام وزيارة الأقرباء.
ويدلّ على ذلك ما ورد في الترغيب في الحجّ،
وفي زيارتهم عليهم السلام،
وما ورد في
صلة الأرحام .
وقد يكون مقدمةً
لواجب كما لو توقف طلب العلم الواجب على
ترك الوطن .
وتارة اخرى يقصد به
الرهبنة والسياحة فيكون مرجوحاً، فإنّ الرهبانية: هي ترك ملاذّ الدنيا
والعزلة عن أهلها،
والسياحة: مفارقة الأمصار وسكنى البراري.
وقد ورد
النهي عنهما، كما في قوله تعالى: «وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ»،
فإنّها دلّت على ذمّ أشخاص بابتداعهم الرهبانيّة التي لم يشرّعها اللَّه سبحانه عليهم.
وفي
رواية زيد بن علي عن آبائه عليهم السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: ليس في امّتي رهبانيّة ولا سياحة ولا زمّ- يعني:
سكوت -».
وروي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً أنّه قال: «لا رهبانية في
الإسلام ».
وكذا روي: «لا سياحة في الإسلام».
والرهبانيّة والسياحة تلازم الاغتراب عن الوطن
والأهل ، فيكون مرجوحاً، بل
محرّماً .
وثالثة لا يقصد به ما يرجح فعله ولا ما يرجح تركه، فحينئذٍ يكون في نفسه
مباحاً ؛ إذ ليس الاغتراب في نفسه راجحاً ولا مرجوحاً
كالسفر للنزهة لبضعة أيّام.
قد يستفاد حكم ذلك ممّا ذكروه في مسألة
الهجرة من
بلد الشرك ، فإنّهم ذكروا أنّ الناس في الهجرة على أقسام ثلاثة:
وهو من أسلم في بلاد الشرك وكان
مستضعفاً فيهم، لا يمكنه
إظهار دينه ولا
عذر له من
مرض ونحوه مع
المكنة منها.
وقد استدلّ
له بقوله سبحانه وتعالى: «أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا»،
وبالإجماع .
وبناءً عليه فهذا القسم من الناس لا يجوز له الاغتراب من دار الإسلام إلى بلاد الشرك التي لا يمكنه إظهار دينه فيها.
ومن ذلك ما إذا خاف المغترب على دينه لو استقرّ في تلك البلاد أو على دين من يتعلّق به
كالأولاد ، فإنّه لا يجوز له
البقاء هناك.
وهو من أسلم في بلاد الشرك أو كان فيها ويمكنه إظهار دينه؛
لعشيرة تحميه عن المشركين أو غير ذلك، فإنّه لا تجب عليه الهجرة،
ولكن تستحبّ له.
نعم، لو كان في بقائه
مصلحة للدين لم يترجّح الهجرة.
وحينئذٍ فإذا كانت الهجرة عن تلك البلاد مستحبّة كان الاغتراب إليها مرجوحاً؛ لرجحان الهجرة عنها؛ تجنّباً عن تكثير عدد أهلها وعن معاشرتهم.
وأما من كان له عذر يمنعه عن مهاجرة بلاد الشرك لمرض ونحوه فالهجرة ليست
واجبة عليه ولا
مستحبّة .
وبناءً على هذا يباح الاغتراب إليها لمن كانت له
حاجة إلى ذلك من
معالجة مرض أو
تجارة ونحو ذلك.
هذا، وقد بحث
الفقهاء المتأخرون وجمعوا ما يتعلّق
بفقه الاغتراب، ويقصدون به
السفر إلى البلدان الأجنبية غير الإسلامية، حيث يتعرّض المغتربون
لابتلاءات خاصّة بهم أو يغلب مواجهتهم لها.
وقد ألّفت بعض الرسائل عند المعاصرين
للإجابة عن قضايا الإغتراب كما في رسالة (
الفقه للمغتربين ) المكتوبة على
فتاوى السيد السيستاني ، وقد تعرّضوا هناك لأحكام
الطهارة والنجاسة ، ولأحكام العمل في وظائف أو مؤسسات تلك الدولة أو جمعياتها المدنية، وعن
بيع الخمور والمسكرات ، وعن مواجهة
الكلاب التي تكثر رعايتها في تلك البلدان، وعن أحكام نقل
الموتى إلى أوطانهم، وعن
المأكول والمشروب والملبوس في
الصلاة ، وعن حكم التعامل مع القوانين التي تصدر في تلك البلدان وجواز هدرها أو لزوم مراعاتها، وعن التعرّض للنفوس
والأعراض والأموال من حيث
حرمتها وعدمه، وكذلك ما يتصل بالعلاقات الاجتماعية مع
الجيران وغيرهم، وعن العلاقات بين الرجال والنساء، وعن
الزواج من تلك البلدان، وعن
الموسيقى والغناء والرقص مما شاع في بلاد الاغتراب.
إلى غير ذلك ممّا يراجع فيه المصطلح الخاص به مثل: غناء، صلاة، أطعمة وأشربة،
إجارة ،
نكاح وغيرها من العناوين.
الموسوعة الفقهية، ج۱۵، ص۱۹۰-۱۹۳.