الانتهاك
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هي
المبالغة وتناول الشيء بما لا يحل له وقديأتي بمعنى
الهتك .
الانتهاك- لغة-: مصدر انتهك، من النهك، وهو التنقّص. ونهكته الحُمّى نَهْكاً ونَهَكاً ونَهاكَة ونَهْكَة: جهدته وأضنته ونقصت لحمه، فهو منهوك، إذا رُئي
أثر الهزال فيه من المرض.
والنهك:
المبالغة في كلّ شيء.
وانتهاك حرمة الشخص أو الشيء: تناوله بما لا يحلّ.
واستعمل
الفقهاء الانتهاك في نفس المعنى اللغوي.
وهو
التفخيم و
التبجيل .
وعلى هذا فهو يقابل الانتهاك، و
التقابل بينهما
تقابل التضادّ ؛ إذ الانتهاك كالتعظيم
أمر وجودي لا عدمي.
وهو أن تجذب ستراً فتشقّ منه طائفة أو تقطعه، فيبدو ما وراءه منه.
وقد يقال بدل (نهك حرمته) : (هتك حرمته)، وعليه فالانتهاك عندما يتعلّق بالحرمات والأشخاص يرادف
الهتك في هذا المورد.
من معانيه اللغوية
الاستهانة والتهاون، يقال: استخفّ به، إذا استهان به وأهانه، واستخفّه خلاف استثقله، أي رآه خفيفاً،
ويعبّر عنه أيضاً
بالاستحقار و
الاحتقار و
الانتقاص و
الازدراء ونحو ذلك. و
الاستخفاف أعم من الانتهاك.
قد يتحقّق الانتهاك بالقول- كالسبّ والشتم- وقد يتحقّق بالفعل كالضرب ونحوه. والفعل الدالّ على الانتهاك قد يكون بذاته انتهاكاً بحيث لا ينفكّ عنه بوجه وإن لم يكن فاعله قاصداً للانتهاك-
كإلقاء النجاسة على الشيء المحترم- وقد لا يكون كذلك، بل يرتبط بقصد الفاعل
كاستدبار ضريح المعصوم عليه السلام.
لا شكّ ولا خلاف في حرمة انتهاك حرمات اللَّه، والمستفاد من كلمات الفقهاء أنّ هذا الحكم من
ضروريّات الدين ومسلّمات
الفقه ، وادّعي عليه
الإجماع ، بل الضرورة.
واستدلّ لذلك بامور:
قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللّهِ وَلَا
الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا
الْهَدْىَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ
الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِن رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً».
وهذا خطاب من
اللَّه تعالى للمؤمنين ينهاهم أن يحلّوا شعائر اللَّه. واختلفوا في معنى شعائر اللَّه على أقوال:
فقال بعضهم: معناه: لا تحلّوا حرمات اللَّه، ولا تعدّوا حدوده، وحملوا الشعائر على المعالم، وأرادوا بذلك معالم حدود اللَّه وأمره ونهيه وفرائضه.
وقال بعض: معناه: لا تحلّوا حرم اللَّه، وحملوا شعائر اللَّه على معالم حرم اللَّه من البلاد.
وقال آخرون: معنى شعائر اللَّه مناسك الحجّ، والمعنى: لا تحلّوا
مناسك الحجّ ، فتضيّعوها. وغيرها من المعاني.
إلى غير ذلك من الآيات الكريمة.
منها: ما رواه
أبو سعيد الخدري ، قال: قال
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم : «إنّ للَّهحرمات ثلاثاً، من حفظهنّ حفظ اللَّه له أمر دينه ودنياه، ومن لم يحفظهنّ لم يحفظ اللَّه له شيئاً: حرمة
الإسلام ، وحرمتي، وحرمة عترتي».
ومنها: ما رواه
عبد اللَّه بن سنان عن
الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «إنّ للَّه عزّوجلّ حرمات ثلاثاً ليس مثلهنّ شيء: كتابه وهو حكمته ونوره، وبيته الذي جعله قبلة للناس لا يقبل من أحد توجّهاً إلى غيره، وعترة نبيّكم صلى الله عليه و
آله وسلم».
ومنها: ما رواه
عيسى بن داود عن
موسى عن
أبيه جعفر عليهما السلام في قوله تعالى: «وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ» قال: «هي ثلاث حرمات واجبة، فمن قطع حرمة فقد أشرك باللَّه: انتهاك حرمة اللَّه في بيته الحرام، والثانية:
تعطيل الكتاب والعمل بغيره، والثالثة: قطيعة ما أوجب اللَّه من فرض مودّتنا وطاعتنا».
إنّ العقل يستقلّ بقبح انتهاك حرمة اللَّه سبحانه وتعالى وانتهاك جميع ما هو محترم ومعظّم عنده؛ لأنّه يؤول إلى انتهاك حرمته تعالى، وعليه فيستحقّ المنتهك الذمّ والعقاب، وكلّ فعل يستقلّ العقل بقبحه و
استحقاق فاعله الذمّ والعقاب فهو حرام ومبغوض عند
الشارع أيضاً؛ لقاعدة
الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع.
إنّ من ضروريّات الدين ومسلّماته والمرتكز عند المتشرّعة هو حرمة انتهاك محترمات الدين وعدم جوازه؛ ولذا يعترضون على من انتهكها، وينكرون فعله أشدّ
الإنكار وإن كانت مراتب إنكارهم مختلفة
باختلاف مرتبة المحترمات، فلو انتهك أحد- والعياذ باللَّه- الكعبة أو ضريح رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أو
القرآن الكريم ، فإنكارهم ربّما ينجرّ إلى قتل المنتهك؛ لكشفه عن ارتداده .
ثمّ إنّ لحرمة انتهاك محترمات الدين تطبيقات كثيرة نشير إليها
إجمالًا - ومن أراد التفاصيل فليراجع محالّها- وهي:
فإنّ حرمته من ضروريّات الدين، والعقل يستقلّ بقبح انتهاك حرمته واستحقاقه الذمّ والعقاب، بل قد يوجب
الارتداد والكفر.
فإنّه حرام بلا ريب. ويلحق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم
الأئمّة المعصومون عليهم السلام و
السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام .
ومستند
الإلحاق ما علم من الأدلّة المتعدّدة من أنّهم عليهم السلام بمنزلة
النبي صلى الله عليه وآله وسلم تجري الأحكام الواردة في حقّه عليهم، إلّا ما خرج بدليل، فالكلّ يجري مجرى واحد.
ومن انتهاك حرمتهم عليهم السلام انتهاك حرمة تربتهم عليهم السلام لا سيّما تربة
الإمام الحسين عليه السلام ،
وقد دلّت على ذلك روايات عديدة.
فإنّه لا شكّ في أنّ لهم عند اللَّه مقاماً وشأناً عظيماً.
ويستدلّ لعدم جواز انتهاك حرمة اللَّه ورسوله وآياته بقوله تعالى: «قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ».
والمجعولات الشرعية، كانتهاك
الصلاة و
الصوم و
الزكاة و
الحج .
كانتهاك حرمة شهر
رمضان المبارك ويومي
الجمعة وعرفة، و
الأشهر الحرم،
و
الكعبة المعظّمة، والمساجد والمشاهد المشرّفة.
والشاهد على ذلك
تغليظ الدية في الأشهر الحرم،
و
تحريم تنجيس المساجد والمشاهد، بل وجوب
إزالة النجاسة عنها،
وغير ذلك أيضاً.
بغيبة أو سخرية أو سبّ أو شتم أو غيرها؛ إذ
المؤمن له حرمة وشأن عظيم في الشرع. ولا فرق في ذلك بين كونه حيّاً أو ميّتاً.
ويشهد لذلك بعض الروايات،
منها:
خبر
صفوان ، قال: قال
أبو عبد اللَّه عليه السلام : «أبى اللَّه أن يظنّ بالمؤمن إلّاخيراً، وكسرك عظامه حيّاً وميّتاً سواء».
وأيضاً حرمة التخلّي على قبور المؤمنين مع الهتك كما ذكره بعض الفقهاء.
يترتّب على الانتهاك آثار تختلف باختلاف المنتهك به والقصد والنيّة، فقد يوجب الانتهاك مع
الالتفات والقصد ارتداد المنتهك وكفره كانتهاك حرمة الباري تعالى و
الأنبياء والأئمّة المعصومين و
الصدّيقة الطاهرة عليهم السلام، والملائكة و
المصحف الشريف والأحكام الشرعية من حيث كونها أحكاماً شرعية، ونحو ذلك ممّا يدلّ على انتهاك حرمة الدين و
الاستهزاء به.
وقد يوجب الانتهاك الفسق والخروج عن
العدالة كغيبة المؤمن غير المتجاهر بالفسق وقذفه و
اتّهامه ونحو ذلك. بل قد يجب ردّ حيثية
الإنسان المؤمن الذي انتهكت حرمته وتحسين صورته في بعض الموارد على تفصيل يذكر في محلّه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۸، ص۶۱-۶۵.