التدليس في النكاح
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
التدليس يتحقّق بأحد أمرين: إمّا السكوت عن
العيب مع
العلم به؛ أو دعوى صفة كمال من الزوجة أو من بحكمها للمتزوّج أو من بحكمه مع عدمها؛ والمراد به هنا الثاني.
ما لو تزوّج امرأة على أنّها حرّة أي شرط ذلك في متن
العقد فبانت كلاًّ أو بعضاً
أمة صحّ العقد على الأشهر الأظهر، بل عن السرائر
الإجماع عليه
؛ للأصل، وعموم الأمر بالوفاء بالعقد
.
خلافاً
للمبسوط والخلاف، فأبطل
؛ ومستنده غير واضح، سوى لزوم الوفاء بالشرط، ويندفع بمنع العموم، واختصاصه بغير المستحقّ، وإلاّ فله الإسقاط؛ لكونه من حقوقه، فله رفع اليد عنه.
وربما بُني البطلان على بطلان نكاح الأمة بغير إذن المولى
.
وهو بعد تسليم المبنيّ عليه يقتضي اختصاصه بصورة عدم إذن المولى، والمفروض أعمّ منه. ومع ذلك، البطلان حينئذٍ ليس باعتبار
التدليس، بل باعتبار عدم
إذن المولى، وليس ممّا نحن فيه.
وعلى الأول: فله الفسخ وإن دخل بها؛ عملاً بمقتضى
الشرط، وله
الإمضاء أيضاً؛ بناءً على صحّة العقد كما مضى. لكن إذا كان الزوج ممّن يجوز له
نكاح الأمة، ووقع بإذن مواليها أو مباشرته، وإلاّ بطل في الأول على القول به، ووقع موقوفاً على إجازته في الثاني على الأقوى كما مضى.
ولو لم يشترط الحرّية في متن العقد، بل تزوّجها على أنّها حرّة، وأخبرته بها قبله أو أخبره مخبر، ففي إلحاقه بما لو شرط نظر:
من ظهور التدليس الموجب للخيار.
وعدم الاعتبار بما تقدّم العقد من الشروط كما مضى في
النصوص، مع
الأصل وعموم الأمر بالوفاء بالعقود. وهذا أقوى، وفاقاً للمبسوط
والمسالك؛ لقوّة أدلّته، ومنع كلّية دليل خلافه. خلافاً لظاهر عبارة المتن والأكثر.
وربما احتجّ
للحكم في الصورتين بالصحيح: في رجل تزوّج امرأة حرّة، فوجدها أمة قد دلّست نفسها، قال: «إن كان الذي زوّجها إيّاه من غير مواليها فالنكاح فاسد» قلت: فكيف يصنع بالمهر الذي أخذت منه؟ قال: «إن وجد ممّا أعطاها شيئاً فليأخذه، وإن لم يجد شيئاً فلا شيء له عليها، وإن كان زوّجها إيّاه وليّ لها ارتجع على وليّها بما أخذت منه، ولمواليها عُشر قيمتها إن كانت بكراً، وإن كانت غير
بكر فنصف عُشر قيمتها، بما استحلّ من فرجها»
وليس فيه دلالة، كما صرّح به جماعة
.
ولا
مهر لها مطلقاً مع الفسخ لو لم يدخل بلا خلاف في الظاهر؛ وعُلِّل بمجيئه بشيء هو من قبلها
.
ولو فسخ بعد ما دخل بها وكان
التزويج بإذن المولى فلها
المهر المسمّى على الأشبه الأشهر؛ لاستقراره بالدخول.
وقيل بالمثل
، ويدفعه كون الفسخ رفعاً للنكاح من حينه لا من أصله.
ويرجع به أي المهر حيث غرمه على المدلِّس بلا خلاف في الظاهر، وإن كان هو المرأة، إلاّ أنّه إنّما يرجع عليها على تقدير عتقها ويسارها.
وفي لزوم استثناء أقلّ ما يتموّل كما هو الأشهر أو
مهر المثل كما عن
الإسكافي أو العدم مطلقاً كما هو الأظهر خلافٌ قد مضى.
ولو كان المدلِّس مولاها، اعتبر عدم تلفّظه بما يقتضي
العتق، وإلاّ حكم بحريّتها ظاهراً، وصحّ العقد، وكان المهر لها مع رضاها سابقاً أو إجازتها لاحقاً.
وقيل كما عن
الصدوق والنهاية وغيرهما
: إنّ لمولاها العُشر إن لم يكن مدلِّساً للصحيح المتقدّم، ولا يخلو عن قوّة هنا وفيما إذا تزوّجها بغير إذن مولاها كما مضى.
هذا، إذا لم تكن عالمة بالتحريم، وإلاّ جاء فيه الخلاف أيضاً في
مهر البغيّ إذا كان مملوكاً، والأصحّ عدم الفرق كما مضى.
وكذا تفسخ الحرّة لو بان زوجها الذي تزوّجته على أنّه حرّ سواء كان بالشرط في متن العقد أو قبله، (لإطلاق
الصحيح الآتي، بل عمومه)؛ مملوكاً تزوّج بإذن مولاه.
ولا مهر لها لو فسخت قبل الدخول بها قطعاً؛ لمجيء الفسخ من قبلها.
ولها المهر المسمّى لو فسخت بعده على المولى لو تزوّج بإذنه، وإلاّ فعليه، يتبع به بعد العتق.
ولا خلاف في شيء من ذلك؛ وهو
الحجّة فيها، كالصحيح: عن امرأة حرّة تزوّجت مملوكاً على أنّه حرّ، فعلمت بعد أنّه مملوك، قال: «هي أملك بنفسها، إن شاءت أقرّت معه، وإن شاءت فلا، فإن كان دخل بها فلها
الصداق، وإن لم يكن دخل بها فليس لها شيء، وإن هو دخل بها بعد ما علمت أنّه مملوك وأقرّت ذلك فهو أملك بها»
.
وفي الصحيح: «قضى
أمير المؤمنين (علیهالسّلام) في امرأة حرّة دلّس لها عبدٌ فنكحها ولم تعلم إلاّ أنّه حرّ، قال: يفرّق بينهما إن شاءت المرأة»
.
ولو تزوّج امرأة و اشترط عليها أو على وليّها كونها بنت مَهِيرة بفتح الميم وكسر الهاء، فَعِيلة بمعنى: مفعولة، أي بنت حرّة تنكح بمهر وإن كانت معتقة في أظهر الوجهين، خلاف الأمة، فإنّها قد توطأ بالملك فبانت بنت أمة، فله الفسخ إجماعاً في الظاهر، وصرّح به بعض
الأصحاب أيضاً
؛ عملاً بمقتضى الشرط إن فسخ، والتفاتاً إلى لزوم الوفاء بالعقد إن لم يفسخ، وأنّ الشرط حقّ من حقوقه فله
رفع اليد عنه.
وتقييد الحكم بالشرط هنا مشهور بين متأخّري الأصحاب؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن.
خلافاً لأكثر متقدّميهم كالنهاية
والمهذّب والسرائر والوسيلة وغيرهم
فأطلقوا كالسابق، ولا دليل عليه.
ولا مهر لها لو فسخ قبل الدخول بها على الزوج إجماعاً، وكذا على الوليّ إن زوّجها على الأشهر الأظهر؛ للأصل، مع انتفاء المقتضي له.
خلافاً للشيخ في النهاية، فأثبت عليه المهر
؛ وعلّله الأصحاب بالرواية، ولم نقف عليها إلاّ في المسألة الثانية، فإن أُريدت هي منها فلا وجه للتعدية، وهل هو إلاّ
قياس فاسد عند
الإماميّة، بل وعند
العامّة هنا؛ لكونه مع الفارق بالضرورة. وإن أُريد غيرها فهي مرسلة غير صالحة لتخصيص الأصل البتة، سيّما مع مخالفتها الشهرة العظيمة.
ويثبت المسمّى لو فسخ بعد ما دخل بها؛ للأصل، مع استقراره بالدخول. ويرجع الزوج به على من دلّسها، أباً كان أم غيره، حتى لو كانت هي المدلِّسة، فلا شيء لها على الأقوى، ويأتي فيه القولان اللذان مضيا. ولا خلاف في شيء من ذلك.
ولو تزوّج بنت المَهِيرة، فأُدخلت عليه بنت الأمة حرم عليه وطؤها بعد معرفتها، ولزمه ردّها لأنّها ليست زوجته ولها مع جهلها المهر مع
الوطء بها بإجماع
الطائفة في الجملة للشبهة والمعتبرة المستفيضة:
منها الصحيح: عن الرجل يخطب إلى الرجل ابنته من مَهِيرة، فأتاه بغيرها، قال: «تردّ إليه التي سمّيت له بمهر آخر من عند أبيها، والمهر الأول للّتي دخل بها»
.
ونحوه
الموثّق، والصحيح المرويّ كذلك عن
نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى، ومرسلاً عن
المقنع، والمرسل المرويّ عن
ابن شهرآشوب في كتاب
المناقب.
ومقتضاها لزوم المسمّى في عقد الأُولى للثانية، وعليه نصّ
الطوسي والقاضي.
خلافاً للأكثر، فالمثل؛ عملاً بالقاعدة الكلّية في كلّ وطء للشبهة، ويمكن حمل المعتبرة على كون المسمّى مهر المثل لابنة الأمة، جمعاً بين الأدلّة.
وكيف كان يرجع الزوج به أي المهر الذي غرمه للثانية على من ساقها إليه لأنّه غرّه وأضرّه فعليه
الغرامة وله زوجته وعليه دون
الأب على الأشهر الأقوى مهرها المسمّى؛ لتعلّقه بالعقد بذمّته، فعليه تحصيل البراءة منه.
خلافاً للقاضي والطوسي، فأبرأ ذمّته بتسليمه المسمّى إلى الثانية، وألزما الأب به للأُولى
؛ عملاً بظواهر المعتبرة المتقدّمة، ويمكن إرجاعها إلى القاعدة.
ثم لا اختصاص لما مضى هنا به، بل جارٍ في كلّ موضع ادخل على الزوج غير زوجته بمقتضى القواعد الشرعيّة.
ولو تزوّج اثنان امرأتين فادخِل امرأة كلّ منهما على الآخر، كان لكلّ موطوءة مع جهلها بالحكم أو الحال مهر المثل على الواطئ؛ للشبهة الموجبة لذلك حيثما حصلت، ويرجع به على الغارّ لو كان هناك، حتى لو كانت هي الغارّ رجع به إليها، ولا مهر لها مطلقاً هنا قطعاً واتّفاقاً حتى من مثبتي المثل أو أقلّ ما يتموّل فيما سبق وذلك لأنّها هنا بغيّ لا تستحقّ شيئاً أصلاً.
وعليها أي الموطوءة
العدّة، وتعاد كلّ من المرأتين إلى زوجها، وعليه مهرها الأصلي المسمّى في متن
العقد.
ولو مات أحد الزوجين ورثه الآخر، سواء كانت المرأة في عدّة الشبهة أم لا.
بلا خلاف في شيء من ذلك؛ للأُصول، والصحيح: في أُختين أُهديتا لأخوين، فأُدخلت امرأة هذا على هذا، وامرأة هذا على هذا، قال: «لكلّ واحدة منهما الصداق بالغشيان، وإن كان وليّهما تعمّد ذلك أغرم الصداق، ولا يقرب واحد منهما امرأته حتى تنقضي العدّة، فإذا انقضى العدّة صارت كلّ امرأة منهما إلى زوجها بالنكاح الأول» قيل له: فإن ماتتا قبل انقضاء العدّة؟ قال: «يرجع الرجل بنصف الصداق على ورثتهما ويرثانهما الرجلان» قيل: فإن مات الزوجان وهما في العدّة؟ قال: «ترثانهما، ولهما نصف
المهر، وعليهما العدّة بعد ما تفرغان من العدّة الأُولى، تعتدّان عدّة المتوفّى عنها زوجها»
.
ولا بأس باشتماله على تنصيف المهر بالموت؛ إمّا للقول به كما يأتي، أو لعدم خروج الخبر عن الحجّية بمثله بعد سلامة باقية عن مثله على الأشهر الأقوى، كما حُقّق في الأُصول مستقصى.
ويعضده في الجملة الصحيح: عن رجلين نكحا امرأتين، فأتى هذا بامرأة هذا، وهذا بامرأة هذا، قال: «تعتدّ هذه من هذا، وهذه من هذا، ثم ترجع كلّ واحدة إلى زوجها»
.
ولو تزوّجها ظانّاً كونها بكراً أو مخبراً به، أو مشترطاً إيّاه فوجدها
ثيّباً مع عدم العلم بسبقها العقد واحتمال التجدّد فلا ردّ قطعاً، ووفاقاً للأصل، وظاهر الصحيح: في الرجل يتزوّج المرأة على أنّها
بكر فيجدها ثيّباً، أيجوز له أن يقيم عليها؟ قال: فقال: «قد تفتق البكر من المركب ومن النزوة»
فتأمّل جدّاً.
ولو تزوّجها مشترطاً بكارتها، فوجدها ثيّباً قبل العقد بإقرارها، أو البيّنة، أو القرائن المفيدة للقطع به، فالأصحّ وفاقاً لأكثر المتأخّرين أنّ له الفسخ؛ عملاً بمقتضى الشرط اللازم الوفاء به. خلافاً للمحكيّ عن الأكثر، فلا فسخ
؛ للأصل. ويندفع بما مرّ.
ثم إنّ فسخ قبل الدخول فلا مهر لها؛ لما مرّ، وبعده يجب المسمّى، ويرجع به على المدلِّس، وهو العاقد كذلك العالم بحالها، وإلاّ فعليها إن دلّست، من دون استثناء شيء، أو استثناء مهر المثل، أو أقلّ ما يتموّل، كما قيل في نظائره.
وحيث لم يفسخ إمّا لعدمه، أو لاختياره البقاء ففي ثبوت نقص المهر، أو العدم، قولان، الأشهر الأظهر: الأول وذلك لما في
رواية صحيحة: أنّها ينقص مهرها
وعن القاضي
والحلبي: الثاني
؛ للأصل. ويجب الخروج عنه بما مرّ.
وعلى الأول، ففي تقديره خلاف بين الأصحاب:
فبين مطلِق «شيئاً» ولم يعيِّن؛ تبعاً لإطلاق
النصّ، كما عن الطوسي
.
ومقدِّر له، إمّا بالسدس؛ بناءً على أنّ «الشيء» سدس في
الوصيّة به، كما عن
الراوندي.
أو بنسبة ما بين مهر البكر والثيّب، لا مجموع تفاوت ما بينهما؛ لئلاّ يسقط جميع المسمّى في بعض المفروض، كما عن
الحلّي وجماعة
.
أو بما يعيّنه الحاكم، كما نسب إلى الماتن
، واستقربه من المتأخّرين جماعة
. ولعلّ الثالث أقرب، فتدبّر.
وأمّا الثاني، فغلّطه الماتن في
الشرائع، وهو في محلّه؛ لأنّه قياس على ما لا يطّرد، مع أنّ الشيء من كلام الشيخ ; قطعاً للإبهام، تبعاً للرواية المتضمّنة للنقص المطلق.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۱، ص۴۷۵-۴۸۵.