الرجوع من الحج إلى الكفاية
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وفي
اشتراط الرجوع إلى صنعة أو بضاعة أو نحوهما ممّا يكون فيه الكفاية عادةً، بحيث لا يُحوجه صرف المال في الحجّ إلى سؤال، كما يشعر به بعض الروايات الآتية في الوجوب بالاستطاعة، زيادة على ما مرّ، قولان، أشبههما أنه لا يشترط.
(وفي
اشتراط الرجوع إلى صنعة أو بضاعة) أو نحوهما ممّا يكون فيه الكفاية عادةً، بحيث لا يُحوجه صرف المال في الحجّ إلى سؤال، كما يشعر به بعض الروايات الآتية في الوجوب بالاستطاعة، زيادة على ما مرّ (قولان، أشبههما) عند الماتن وأكثر المتأخرين على الظاهر، المصرح به في
المسالك ،
بل عن المعتبر و
التذكرة الأكثر بقول مطلق (أنه لا يشترط.)
وفاقاً لظاهر
المرتضى في الجمل
وصريح الحلّي
وعن
الإسكافي والعماني؛
لعموم الكتاب،
وخصوص النصوص بتفسير
الاستطاعة بأن يكون عنده ما يحجّ به، كما في جملة من الصحاح،
وبالزاد والراحلة، كما في غيرها
خلافاً للشيخين والحلبي والقاضي وبني زهرة وحمزة وسعيد
وجماعة كما حكي
وفي المسالك : أنّه مذهب أكثر المتقدمين،
بل في
الروضة : أنّه المشهور بينهم،
وفي المختلف والمسالك
نقله المرتضى عن الأكثر، وفي الخلاف والغنية
: أنّ عليه إجماع
الإمامية ، بل في الأخير : دعوى
الإجماع عليه من كلّ من اعتبر الكفاية له ولعياله ذهاباً وإياباً.
وهو الحجّة، المعتضدة بالشهرة القديمة الظاهرة والمحكيّة، مضافاً إلى المعتبرة ولو بالشهرة. منها : المرسلة المروية في المجمع عن أئمتنا : في تفسير الاستطاعة : أنها وجود
الزاد والراحلة ، ونفقة من يلزم نفقته، والرجوع إلى كفاية، إمّا من مال أو ضياع أو حرفة، مع الصحة في النفس و
تخلية السرب من الموانع، و
إمكان السير.
ونحوه المروي عن
الخصال ، وفيه أنّها : «الزاد والراحلة مع صحة
البدن ، وأن يكون للإنسان ما يخلفه على عياله، وما يرجع إليه من حجّة».
وقريب منهما المروي في
المقنعة : «هلك الناس إذا كان من له زاد وراحلة ولا يملك غيرهما، أو مقدار ذلك ممّا يقوت به عياله، ويستغني به عن الناس فقد وجب عليه أن يحجّ بذلك، ثم يرجع فيسأل الناس بكفه، لقد هلك إذاً» فقيل له عليه السلام: فما السبيل عندك؟ فقال : «السعة في المال، وهو أن يكون معه ما يحجّ ببعضه ويبقى بعض يقوت به نفسه وعياله».
والدلالة فيه واضحة، كما اعترف به جماعة، ومنهم الفاضل في المختلف، قال : فقوله عليه السلام: «ثمّ يرجع فيسأل الناس بكفه» فيه تنبيه على اشتراط الكفاية من مال أو صنعة، ثم قوله : «ويبقى البعض يقوت به نفسه وعياله» يعني وقت رجوعه، وإلاّ فكيف يقوت نفسه بذلك البعض مع أنّه قد خرج إلى الحجّ.
انتهى. فالمناقشة فيها واهية، وكذا المناقشة بضعف السند مطلقاً؛ لانجباره بالشهرة، وحكاية الإجماعين المتقدمين، والأوفقية بالملّة السهلة السمحة.
أ لا ترى أنّه تعالى لم يوجب
الزكاة إلاّ على من يملك مائتي درهم، ولم يوجب عليه إلاّ خمسة، تخفيفاً منه سبحانه ورحمة، وإليه وقع
الإشارة في الرواية الأخيرة على رواية
شيخ الطائفة . فإنّ فيها بعد تفسير السبيل بأنّه السعة في المال إذا كان يحجّ ببعض ويبقى بعضاً لقوت عياله : «أليس قد فرض الله تعالى الزكاة فلم يجعلها إلاّ على من يملك مائتي درهم».
ولعلّه إلى هذا نظر كلّ من استدل بهذه الرواية، وهو في غاية المتانة، ومرجعه إلى تفسير الاستطاعة بما يكون فيه سهولة و
ارتفاع مشقة. ولا ريب أن ذلك هو المفهوم منها عرفاً، بل ولغةً، كما أشار إليه المرتضى في
المسائل الناصرية .
فقال : والاستطاعة في عرف الشرع وعهد اللغة عبارة عن تسهّل
الأمر وارتفاع المشقة، وليست بعبارة عن مجرد القدرة، الا ترى أنّهم يقولون ما أستطيع النظر إلى فلان، إذا كان يبغضه ويمقته ويثقل عليه النظر إليه وإن كان معه قدرة على ذلك، وكذا يقولون : لا أستطيع شرب هذا الدواء، يريدون إنّني أنفر منه ويثقل عليّ، وقال الله تعالى (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً)
وإنّما أراد هذا المعنى لا محالة.
ونحوه عبارة
ابن زهرة في الغنية، إلاّ أنّه أثبت بذلك النفقة ذهاباً وإياباً، وألحق مفروض المسألة بها بالإجماع المركب، فقال : وإذا ثبت ذلك ثبت
اعتبار العود إلى كفاية؛ لأنّ أحداً من الأُمة لم يفرّق بين الأمرين.
وفيه
إشعار بل ظهور بصدق الاستطاعة مع عدم الرجوع إلى كفاية.
وهو عند الأحقر محل مناقشة؛ لعدم صدقها عرفاً وعادةً بلا شبهة، بل ولغة، كما عرفته من كلام المرتضى، وحينئذٍ فظاهر الآية مع القدماء، لا عليهم. سلّمنا، لكنها كالنصوص مقيّدة بما مرّ من الأدلّة، سيّما وأنّ النصوص لم يقل بإطلاقها أحد من علمائنا؛ لخلوّها من اعتبار النفقة رأساً، بل اكتفت بما يحجّ به والزاد والراحلة، كما عليه العامّة يومئذ
على ما يستفاد من الرواية الأخيرة برواية الشيخين، ولأجل ذلك يتقوى
احتمال ورودها للتقية.
وبالجملة : فما ذكره القدماء لا يخلو عن قوة واختاره خالي العلاّمة ـ أدام الله سبحانه بقاءه ـ وحكى عن بعض مقاربي العصر،
لكن قال : أمّا لو كان بيت مال يعطى منه، أو كان ممن يتيسر له الزكاة والعطايا عادةً ممن لا يتحرز من ذلك، فلا يشترط في حقه. انتهى. وهو حسن، ويمكن
إدخاله في عبائر الجماعة بتعميم الكفاية لمثله، فإنّها تختلف
باختلاف الأشخاص عادةً، وعلى هذا يمكن أيضاً تنزيل ما نقضهم به الحلّي،
من إطلاقهم الحكم بالوجوب
بالبذل ، من غير اشتراط لهذا الشرط بلا خلاف، و
إجزاء حجّ من أدرك أحد الموقفين معتقاً، فتأمل جدّاً. هذا، ولا ريب أن خيرة المتأخرين أحوط.
رياض المسائل، ج۶، ص۳۵- ۴۰.