الشروط في العقد
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
إذا شرط في
العقد ما يخالف المشروع فسد
الشرط دون العقد والمهر؛ كما لو شرطت ألا يتزوج أو لا يتسرى؛ وكذا لو شرطت تسليم
المهر في أجل، فإن تأخر عنه فلا عقد؛ أما لو شرطت ألا يقتضها صح، ولو أذنت بعده جاز؛ ومنهم من حض جواز الشرط
بالمتعة. لو شرط ألا يخرجها من بلدها لزم؛ ولو شرط لها مائة إن خرجت معه، وخمسين إن لم تخرج، فإن أخرجها إلى بلد
الشرك فلا شرط له ولزمته المائة؛ وإن أرادها إلى بلد
الإسلام فله الشرط.
إذا شرط في
العقد ما يخالف المشروع ولا يخلّ بمقصود
النكاح وإن كان عرضاً مقصوداً في الجملة فسد
الشرط اتّفاقاً، حكاه جماعة
؛ وهو
الحجّة فيه كالحسنة: «من اشترط شرطاً سوى
كتاب الله تعالى فلا يجوز ذلك له ولا عليه»
، مضافاً إلى النصوص الآتية.
لا ما قيل من مخالفته المشروع، واستلزام وجوب الوفاء به حرمة ما أباحه
الشرع أو ندب إليه مثلاً
. لمنعها، بعد دلالة الشريعة بلزوم الوفاء بمطلق الشروط
، فتكون المخالفة أيضاً شرعيّة، فلا بأس بها بعد قيام الدلالة عليها.
دون العقد والمهر فيصحّان بلا خلاف يوجد هنا، وبه صرّح جماعة من أصحابنا
، ويظهر من
المبسوط أيضاً
؛ لنسبته صحّة المهر المستلزمة لصحّة العقد بطريق أولى إلينا، ولا ينافيه تصريحه في الكتاب المذكور بفساد العقد بشرطٍ ينافي المقصود منه
؛ لمغايرة مفروض كلامه ما فرضناه هنا وادّعى هو
الوفاق فيه جدّاً، وإلاّ لكان
التناقض منه ظاهراً كما لا يخفى، فتوهّم الخلاف في المقام فاسد كما ترى، فالإجماع المحكيّ بل القطعي هو الحجّة في صحّتهما.
كما لو شرطت أن لا يتزوّج أو لا يتسرّى، وكذا لو شرطت تسليم
المهر في أجل فإن تأخّر عنه فلا عقد. مضافاً إلى المعتبرة في المثالين:
منها
الصحيح: في رجل تزوّج امرأة، وشرط لها إن هو تزوّج عليها امرأة، أو هجرها، أو اتّخذ عليها
سريّة، فهي طالق، فقضى في ذلك أنّ: «شرط
الله تعالى قبل شرطكم، فإن شاء وفى بما شرط، وإن شاء أمسك واتّخذها عليها ونكح»
ونحوه غيره من المعتبرة
.
ومنها الصحيح: «في رجل تزوّج المرأة إلى أجل مسمّى، فإن جاء بصداقها إلى أجل مسمّى فهي امرأته، وإن لم يجيء بالصداق فليس له عليها سبيل، شرطوا بينهم حيث أنكحوا، فقضى أنّ بيد الرجل
بضع امرأته، وأحبط شرطهم»
.
وبهما مع
الإجماع المركّب يُخَصّ القاعدة الحاكمة بفساد المشروط بفساد شرطه في المفروض إن تمّت.
مضافاً إلى النصوص الأُخر الموافقة لما مرّ في نحو مورده، كالصحيح: «قضى
عليّ (علیهالسّلام) في رجل تزوّج امرأة وأصدقها واشترطت أنّ بيدها
الجماع والطلاق، قال: خالفت
السنّة، وولّت الحقّ مَن ليس بأهله» قال: «فقضى أنّ على الرجل
النفقة، وبيده الجماع
والطلاق، وذلك هو السنّة»
.
وبإزاء هذه الأخبار أخبارٌ أُخر شاذّة قاصرة الأسانيد، ومع ذلك فهي مختلفة ما بين مصرّح بفساد
النكاح، كالخبر: في رجل جعل أمر امرأته بيدها؟ قال: فقال: «ولّى الأمر من ليس بأهله، خالف السنّة، ولم يجز النكاح»
.
ومصحّح للشرط وملزم للوفاء به، كالموثّق: فيمن تزوّج امرأة، ثم طلّقها فبانت منه، فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلاّ أن يجعل لله عليه أن لا يطلّقها ولا يتزوّج عليها، فأعطاها ذلك، ثم بدا له في التزويج بعد ذلك، كيف يصنع؟ قال: «بئس ما صنع، وما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل والنهار، قل له: فليف للمرأة بشرطها، فإنّ
رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) قال:
المؤمنون عند شروطهم»
.
وحمل الأخيرة في الكتابين تارةً على
الندب، وأُخرى على
النذر وينافيهما الاستشهاد بما دلّ على لزوم الوفاء بالشرط من حيث إنّه شرط وثالثةً على
التقيّة؛ لكونه مذهب
العامّة، وهو المعيّن، كما يستفاد من المعتبرة.
وفي المسألة وجهٌ بفساد المهر خاصّة؛ لأنّ الشرط كالعوض المضاف إلى
الصداق، فهو في حكم المال، والرجوع إلى قيمته متعذّر؛ للجهالة، فيجهل الصداق، فيرجع إلى
مهر المثل، إلاّ أن يزيد المسمّى والشرط لها، أو ينقص والشرط عليها، فيجب المسمّى.
أمّا لو شرطت أن لا يقتضّها أو لا يطأها صحّ كلّ من العقد والشرط مطلقاً، وفاقاً
للنهاية والإرشاد والمسالك؛ تمسّكاً بعمومي ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقد والشرط، والتفاتاً إلى خصوص المعتبرة الناصّة في
المتعة، والمطلقة فيها وفي الدائمة.
فالأول: الصحيح: رجل جاء إلى امرأة فسألها أن تزوّجه نفسها متعة، فقالت: أُزوّجك نفسي على أن تلتمس منّي ما شئت من نظر والتماس، وتنال منّي ما ينال الرجل من أهله، إلاّ أنّك لا تدخل فرجك في فرجي وتلذّذ بما شئت، فإنّي أخاف الفضيحة، قال: «لا بأس، ليس له إلاّ ما اشترط»
.
والثاني:
الموثّق: رجل تزوّج بجارية عاتق على أن لا يقتضّها، ثم أذنت له بعد ذلك، قال: «إذا أذنت له فلا بأس»
.
ونحوه خبر آخر
، في سنده ابن فضّال، المجمع على تصحيح رواياته، فلا يضرّ ضعف راويه.
والأول منهما صريح في أنّه لو أذنت له في
الوطء جاز وهو الأشهر. وربما قيل بالمنع أو استُشكِل فيه؛ لعدم حلّ الفرج بالإذن، بل بالعقد، ولم يثمر الحلّ هنا؛ لمكان الشرط
.
وفيه مع أنّه
اجتهاد في مقابلة
النصّ: أنّ السبب في الحلّ: العقد المتقدّم لا مجرّد
الإذن، غاية الأمر أنّ الشرط مانع من عمل السبب عمله، وبالإذن يرتفع المانع.
ومنهم من خصّ الجواز في كلّ من العقد والشرط بالمتعة التفاتاً إلى منافاة الشرط مقتضى العقد؛ بناءً على أنّ من أهمّ مقتضياته حصول التناسل الموقوف على الوطء؛ مع منافاته للسنّة، كما يرشد إليه فحوى الصحيح السابق، الدالّ على مخالفة اشتراط جعل أمر
الجماع بيد الزوجة لها، فمخالفة اشتراط عدمه بالمرّة لها بطريق أولى، ومعها يفسد، وفساده ملازم لفساد مشروطه بمقتضى القاعدة، خرج عنها الشرط في المسألة السابقة بالإجماع والنصّ المختصَّين بها، بقي ما نحن فيه داخلاً فيها، ولا مخرج له عنها سوى العمومين، وليس يجريان هنا بعد فساد الشرط كما لا يخفى؛ لاستلزام العمل بهما الوفاء به، ولا يجوز؛ لإطلاق
الحسن المتقدّم بعدمه.
وأمّا الخبران، فليس فيهما سوى
الإطلاق الغير المنصرف إلى المقام؛ لعدم تبادره منهما، وغلبة موردهما في المتعة، مع ظهور الثاني منهما فيها، فليس اللازم منهما سوى الجواز فيها، ونحن نقول به، فهذا القول أقوى، وفاقاً لكثير من الأصحاب
.
وهنا قولان آخران: فساد الشرط وصحّة العقد إمّا مطلقاً في الدائم والمنقطع كما عن
الحلّي وجماعة
أو في الأول خاصّة وصحّتهما في الثاني، كما عن
ابن حمزة.
وربما نُسِب إلى العلاّمة في
المختلف القول بفسادهما مطلقاً
. وضعف الجميع يظهر ممّا قدّمناه سيّما الأول والأخير لو كان لاتّفاق النصوص المعتبرة بدفعهما.
لو شرط أن لا يخرجها من بلدها، لزم على الأصحّ الأشهر. لأنّه شرط لا يخالف المشروع، فإنّ خصوصيّات الوطن أمر مطلوب للعقلاء بواسطة النشوء والأهل والأُنس وغيرها، فجاز شرطه توصّلاً إلى الغرض
المباح.
وللصحيح: في الرجل يتزوّج امرأة، ويشترط لها أن لا يخرجها من بلدها، قال: «يفي لهذا بذلك» أو قال: «يلزمه ذلك»
. والصحيح لابن أبي عمير: قال: قلت لجميل بن درّاج: رجل تزوّج امرأة، وشرط لها المقام بها في أهلها أو بلد معلوم فقال: قد روى أصحابنا عنهم: «أنّ ذلك لها، وأنّه لا يخرجها إذا شرط ذلك لها»
. ولعموم: «المؤمنون عند شروطهم».
خلافاً للحلّي
وجماعة
، فأبطلوا الشرط وصحّحوا العقد؛ لأنّ الاستمتاع بالزوجة في الأزمنة والأمكنة حقّ الزوج بأصل
الشرع، وكذا السلطنة له عليها، فإذا شرط ما يخالفه كان باطلاً، وحملوا
الرواية على
الاستحباب.
ويشكل أولاً: بورود مثل ذلك في سائر الشروط السائغة، التي ليست بمقتضى العقد، كتأجيل المهر، فإنّ استحقاقها المطالبة به في كلّ زمان ومكان ثابتٌ بأصل الشرع أيضاً، فالتزام عدم ذلك في مدّة الأجل يكون مخالفاً. وكذا القول في كلّ تأجيل ونحوه من الشروط السائغة. والحقّ: أنّ مثل ذلك لا يمنع، خصوصاً مع ورود النصّ الصحيح بجوازه بخصوصه، مع اعتضاده بما دلّ على الجواز بعمومه.
وثانياً: باستلزام فساد الشرط على تقدير تسليمه فساد المشروط بمقتضى القاعدة، ولا مخرج عنها هنا كما في نظائرها، وعموم الأمر بالوفاء بالعقود مضى الجواب عنه، فمقتضاه فساد العقد أيضاً، ولو قيس بمحلّ الوفاق كان باطلاً.
وأمّا حمل الأمر المستفاد من الخبر الذي بمعناه على الاستحباب، فلا ريب أنّه خلاف الحقيقة، فلا يصار إليه، مع إمكان الحمل عليها، وهو ممكن. فالقول بالجواز أوجه في مسألة النصّ المشهور.
وأمّا المنزل، فكذلك في أظهر الوجهين؛ لعموم الأدلّة، واتّحاد طريق المسألتين؛ مع التصريح فيه في ثاني الصحيحين المتقدّمين، الظاهر في اشتهار ذلك ومقبوليّته في زمان الصادقين.
فالقول بالمنع
معتذراً بالوقوف فيما خالف
الأصل على موضع النصّ ليس في محلّه؛ لمنع مخالفة الأصل أولاً كما مضى بيانه مفصّلاً، ثم الجواب بعد تسليمها بوجوده في النصّ أيضاً.
ومتى حكمنا بصحّته صحّ إسقاطه إجماعاً، حكاه
فخر المحقّقين.
وقيل بالمنع؛ لأنّه حقّ يتجدّد في كلّ آن، فلا يعقل إسقاطه ما لم يوجد حكمه، وإن وجد سببه
. وهو مع أنّه استبعاد محض، ومنقوض بوجود النظير، كهبة المدّة للمتمتّع بها غير مسموع في مقابلة
الإجماع المحكيّ.
ولو تزوّجها بمائة، ولكن شرط لها بقاء استحقاقها المائة المزبورة إن خرجت معه إلى بلاده وانتقاص خمسين منها إن لم تخرج معه إليها، فإن أخرجها إلى بلده، وكان بلد
الشرك، فلا شرط له عليها، ولم تجب إطاعته عليها في الخروج إليه؛ حذراً من لزوم الضرر عليها في دينها غالباً، مع لزوم
الهجرة عن
بلاد الشرك جزماً.
ولزمته المائة التي عقدها عليها، ولا ينقص منها شيء لفقد شرطه الذي هو الامتناع المستند إلى
شهوة نفسها؛ فإنّ الامتناع هنا شرعيّ لا استناد له إليها قطعاً، فيكون الأصل بقاء مهرها المضروب لها.
وإن أرادها إلى
بلاد الإسلام، فله الشرط الذي اشترط، فإن طاوعته لزمته المائة، وإلاّ فالخمسون؛ لوجود سبب النقص، وهو امتناعها بنفسها.
وهذا الحكم مشهور بين الأصحاب؛ عملاً بعموم لزوم الوفاء بالشروط من حيث عدم منافاته الشرع كما مرّ. والتفاتاً إلى خصوص الحسن، بل الصحيح: عن رجل تزوّج امرأة على مائة
دينار على أن تخرج معه إلى بلاده، فإن لم تخرج معه فمهرها خمسون ديناراً، أرأيت إن لم تخرج معه إلى بلاده؟ قال: فقال: «إن أراد أن يخرج بها إلى بلاد الشرك فلا شرط له عليها في ذلك، ولها مائة دينار التي أصدقها إيّاها، وإن أراد أن يخرج بها إلى بلاد المسلمين ودار الإسلام فله ما اشترط عليها، والمسلمون عند شروطهم، وليس له أن يخرج بها إلى بلاده حتى يؤدّي إليها صداقها، أو ترضى من ذلك بما رضيت، وهو جائز له»
.
وليس فيه مخالفة للأُصول، التي منها: لزوم تعيين
المهر، وقد تضمّن جهالته بالتردّد بين الزائد والناقص. ومنها: عدم استحقاقها الزائد بإخلالها بالشرط الذي هو الخروج معه إلى بلاده وقد تضمّن استحقاقها إيّاه لو أراد إخراجها إلى بلده، الذي هو بلد الشرك. بناءً على ما قرّرنا من تعلّق الشرط بخصوص النقص، ووقوع العقد في الأصل على الزائد، فلا جهالة فيه من حيث التردّد أصلاً، وإنّما اللاّزم من الشرط سقوط النصف منه على تقدير الامتناع من الخروج معه إلى بلده. وكان استحقاقها الزائد حينئذٍ في محلّه في الصورة المفروض فيها ذلك؛ بناءً على عدم وجود ما يوجب النقص، وهو الامتناع من الخروج معه وإن حصل؛ لكونه بموافقته الشرع كعدمه، فكأنّها لم تمتنع، فلها المهر المضروب لها.
وأمّا
إطلاق الحكم فيه بلزوم تسليم جميع المائة لو أراد خروجها إلى بلده، فمقيّد بصورة إرادة الخروج بها قبل الدخول مع امتناعها منه قبل التسليم؛ جمعاً بينه وبين ما دلّ على عدم الوجوب بعده إن امتنعت من التسليم قبل الاستيفاء، ومطلقاً إن لم تمتنع، كما يأتي. فاندفع عنه ما يوجب التردّد في العمل به كما في
الشرائع أو ردّه، كما ارتضاه جماعة
.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۲، ص۵۷-۶۶.