العمل بالظن في الصلاة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هل يمكن أن يستفاد من الصحيح الآتي أو النبوي العامي في بحث
الشك في الصلاة جواز العمل
بالظن في الأعداد والأفعال في الصلاة أو لا؟
الصحيح : «إن كنت لم تدر كم صلّيت ولم يقع وهمك على شيء فأعد الصلاة».
والمراد بالوهم فيه وغيره الظن لا المعنى المعروف.
ويستفاد من إطلاق مفهومه بل عمومه ـ كما قرّر في محلّه ـ جواز العمل بالظن في الأعداد مطلقا، بل الأفعال أيضا؛ للفحوى.
ونحوه النبوي العامي : «إذا شك أحدكم في الصلاة فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فليبن عليه».
وعليه أكثر علمائنا على الظاهر، المصرّح به في جملة من العبائر؛
بل قيل : إنّه
إجماع ؛
وهو دليل آخر، مضافا إلى ما مرّ، وأنّ تحصيل اليقين عسر في كثير من الأحوال فاكتفى بالظن تحصيلا، لليسر ودفعا للحرج والعسر.
وفيه نظر؛ إذ لا
عسر إلاّ مع الكثرة، ومعها يرتفع حكم الشك.
وفي الإجماع وهن؛ لظهور عبارة الناقل في أنّ منشأ نقله هو عدم الخلاف، مع أنه ظاهر الحلّي،
بل الشيخين أيضا في
المقنعة والنهاية
والمبسوط والخلاف،
حيث ذكرا أن الشك في عدد الصبح
والمغرب وعدد الركعات بحيث لا يدري كم صلّى يوجب
الإعادة ، من غير تفصيل بين صورة الظن وغيرها، ثمَّ ذكر أحكام الشك المتعلق بالأخيرة مفصّلين بينهما، وكذا الفاضل في المنتهى،
والماتن هنا.
ومنه يظهر ما في نسبة
الشهيد في الذكرى قول الأكثر إلى الأصحاب عدا الحلّي،
مشعرا بدعوى الإجماع عليه.
والنبوي مع ضعف سنده لا عموم فيه، كمفهوم الصحيح الماضي عند جمع.
لكنه ضعيف، كالقدح بالضعف في النبوي، لانجباره سندا بالشهرة، ودلالة بها أيضا، وبما يرجع به
الإطلاق إلى العموم العرفي ممّا قرّر في محلّه.
لكنهما معارضان بالنصوص الدالة على اعتبار اليقين فيما عدا الأخيرتين كالصحيح : «من شك في الأوليين أعاد حتى يحفظ ويكون على يقين، ومن شك في الأخيرتين عمل بالوهم».
وهي بإطلاقها وإن شملت الأعداد والأفعال إلاّ أنك عرفت ما يوجب تقييده بالأولى.
إلاّ أن يرجحا عليها
بالشهرة وما مرّ من الإجماع والاعتبار وإن لم يكونا حجة مستقلة، لما مرّ. مع إمكان الذبّ عمّا يتعلق منه بالإجماع بعدم وضوح مخالفة هؤلاء :
أمّا الحلّي فلأن بعض عباراته وإن أوهم ذلك
إلاّ أنّه ذكر ما يخالفه؛ ولذا لم ينسب إليه في المختلف وغيره
صريحا، وفي غيرهما أصلا.
وأمّا من عداه كالشيخين فلأن ما تقدم عنهما وإن اقتضى ذلك لكن تعبيرهما عن المبطل في نحو الصبح بالشك ربما دلّ على انحصاره فيه، وهو على ما يساعده العرف ما تساوى طرفاه، وحكي التصريح به عن
الزمخشري ،
وصرّح به في الأصول.
وربما يعضد إرادتهما منه ذلك تعليل المبسوط الحكم في الأخيرتين عند غلبة الظن بما ينسحب في الجميع.
وكذا
الفاضل في المنتهى؛
لاستدلاله عليه بما مرّ من النبوي، وهو كما مرّ عام؛ مع أنه أجاب عمّن أوجب
اليقين فيهما أيضا مستدلا بالنبوي الآخر : «إذا شكّ أحدكم في صلاته فليلق الشك وليبن على اليقين»
بأنه غير متناول لصورة النزاع؛ إذ البحث في الظن بوقوع أحد الطرفين، والحديث يتناول الشك.
وهو كالصريح، بل صريح في أن
الشك عنده حقيقة فيما ذكرنا. لكنه ذكر في مسألة الشك في الأوليين
ما يعرب عن إرادته منه ما هو حقيقة فيه عند أهل اللغة، وهو ما قابل اليقين وشمل الظن، كما صرّح به جماعة،
ويستفاد من كثير من أخبار تلك المسألة؛ لتعبيرهم : عن الموضوع فيها بإذا لم يدر ركعة صلّى أم ثنتين، أو إذا لم يحفظهما، ونحوهما، وهي تشمل صورة الظن أيضا.
وتعليل الشيخ رحمه الله في المبسوط بما يعمّ لا يستلزم تلك الإرادة فيما عداه، سيّما المقنعة، بل ربما يحصل التردد في الاستلزام فيه أيضا؛ إذ التعليل بالأعم شائع سيّما في الشرعيات، فتأمل جدّا.
وأمّا الحلّي فإنه وان ذكر ما يومئ إلى موافقة الأصحاب
لكن عبارته المستظهر منها المخالفة لهم أظهر دلالة عليها من ذلك على الموافقة، هذا.
وعبارة الماتن ظاهرة فيها بلا شبهة؛ لعدم ذكره نحو ما في المبسوط
والمنتهى ، بل عبّر عن الشك في الأوليين ب : لم يحصّلهما، العام لما إذا ظنّ فيهما أم لا.
وعليه فيقوى الخلاف في المسألة ولا ينبغي ترك
الاحتياط فيها البتة بالبناء على الظن
والإتمام ثمَّ الإعادة مطلقا ولو حصل له فيها نحو الحالة الأولى.
خلافا لوالد الصدوق فيبني على الظن هنا لا أوّلا،
كما في الرضوي : «وإن شككت في الركعة الاولى والثانية فأعد صلاتك، وإن شككت مرة أخرى فيهما وكان أكثر ووهمك إلى الثانية فابن عليها واجعلها ثانية، فإذا سلّمت صلّيت ركعتين من قعود بأمّ الكتاب، وإن ذهب وهمك إلى الأولى جعلتها الاولى وتشهّدت في كل ركعة، فإن استيقنت بعد ما سلّمت أنّ التي بنيت عليها واحدة كانت ثانية وزدت في صلاتك ركعة لم يكن عليك شيء، لأن التشهد حائل بين الرابعة والخامسة، وإن اعتدل وهمك فأنت بالخيار إن شئت صلّيت ركعتين من قيام وإلاّ ركعتين وأنت جالس»
{وفي المصدر : إن شئت صليت ركعة من قيام وإلاّ ركعتين وأنت جالس}.
وهو شاذ، ومع ذلك موافق للمحكي في المنتهى عن
أبي حنيفة .
ونحوه في الشذوذ قوله الآخر في الشك بين الثنتين والثلاث أنه يبني على الثلاث إذا ظنها ويتم ويصلّي صلاة الاحتياط ركعة قائما ويسجد
سجدتي السهو .
وليس في الموثق في الشك بين الثلاث والأربع : «إن رأى أنه في الثالثة وفي قلبه من الرابعة شيء سلّم بينه وبين نفسه، ثمَّ يصلّي ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب»
دلالة عليه بوجه وإن ظنّ، مع شذوذه أيضا، كالصحيح الوارد في مورده :
«وإن كان أكثر وهمه إلى الأربع تشهّد وسلّم، ثمَّ قرأ
فاتحة الكتاب وركع وسجد، ثمَّ قرأ وسجد سجدتين وتشهّد وسلّم».
ونحوه آخر
لكن من غير ذكر لصلاة الاحتياط.
وبالجملة : هذه النصوص ـ كالخبر الدال على وجوب سجدتي السهو حيث يذهب وهمه إلى التمام ـ لم أر عاملا بها، مع مخالفتها لما ظاهرهم الاتفاق عليه ـ عدا من مرّ ـ من أنّ مع العمل بالظن لا شيء عليه كما هو مقتضى جملة من النصوص الواردة في البناء؛
لخلوها عن ذلك كلّه مع ورودها في مقام البيان، ويمكن حملها على
الاستحباب .
واعلم : أنّ على المشهور من جواز
الاعتماد على الظن في أعداد الركعات حتى ما عدا الأخيرتين لا إشكال في جواز الاعتماد عليه في الأفعال مطلقا أيضا؛ لما قدّمناه من الفحوى.
وأما على غيره فكذلك أيضا في الأفعال من الأخيرتين، لذلك. وفيها من غيرهما إشكال إن حملنا الشك فيها الوارد حكمه في النصوص على المعنى اللغوي الشامل للظنّ، وربما يومئ إليه سياقها من حيث تضمنها تفريع : لا يدري، عليه.
وإن حملناه على المعنى العرفي المتقدم المختص بتساوي الطرفين فلا إشكال أصلا. قيل : وظاهر الأصحاب الإطباق على هذا.
ويمكن دفع الاشكال بمنع إرادة المعنى الأول؛ لما عرفت من جواز الاكتفاء بالظن في الركعتين الأخيرتين مطلقا حتى أفعالهما المستلزم ذلك لظهور الشك في تلك النصوص في المعنى العرفي بالنسبة إليهما، فكذا بالنسبة إلى غيرهما، لعدم جواز استعمال اللفظ الواحد في الاستعمال الواحد في معنيين متخالفين، فتأمل جدّا.
(وإن تساوى الاحتمالان فصوره) المشهورة الغالبة (أربع : أن يشك بين الاثنين والثلاث، أو بين الثلاث والأربع، أو بين الاثنين والأربع، أو بين) ( الاثنين والثلاث والأربع ).
رياض المسائل، ج۴، ص۱۳۰-۱۳۶.