انعقاد اليمين
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ولا ينعقد إلا بالله وبأسمائه الخاصة وما ينصرف
اطلاقه اليه كالخالق والباري دون ما لا ينصرف اطلاقه اليه كالموجود؛ ولا ينعقد لو قال: أقسم أو أحلف حتى يقول بالله، ولو قال: لعمر الله كان يمينا، ولا كذا لو قال: وحق الله؛ ولا ينعقد
الحلف بالطلاق والعتاق والظهار ولا بالحرم ولا
بالكعبة ولا
بالمصحف؛ وينعقد لو قال: حلف برب المصحف؛ ولو قال: هو يهودي أو نصراني أو حلف بالبراءة من
الله أو
رسوله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) أو
الائمة (علیهمالسّلام) لم يكن يمينا، والاستثناء بالمشيئة في
اليمين يمنعها الانعقاد اذا اتصل بما جرت العادة؛ ولو تراخى عن ذلك عن غير عذر لزمت اليمين وسقط
الاستثناء إلى أربعين يوما وهي متروكة.
واعلم أنه لا تنعقد إلاّ بالله تعالى، أي بذاته المقدسة من غير اعتبار اسم من أسمائه سبحانه، كقوله: والّذي خلق الحبة وبرأ النسمة، والذي نفسي بيده، ونحو ذلك.
أو باسم من أسمائه الخاصة كقوله: والله، والرحمن، ونحوهما. أو ما ينصرف إطلاقه إليه كالخالق، والبارئ والربّ دون ما لا ينصرف إطلاقه إليه كالموجود والحي والسميع والبصير، فلا ينعقد به وإن نوى به
الحلف؛ لأنّه بسبب اشتراكه بين
الخالق والمخلوق إطلاقاً واحداً ليس له حرمة.
ولا خلاف في شيء من ذلك إلاّ من
الإسكافي، وهو شاذّ كما يأتي.
بل على عدم الانعقاد بغيره تعالى
الإجماع في صريح كلام
الغنية،
والسيّد والفاضل المقداد في شرحي الكتاب
. ونسبه في
الكفاية إلى مذهب
الأصحاب، وهو ظاهر فيه، ككلامي
الشيخين في
المقنعة والنهاية. وفيهما الدلالة أيضاً على تحقّقه على انعقادها بكلّ ما يدلّ على الذات المقدسة.
وهو
الحجة، مضافاً إلى الأصل، والنصوص المستفيضة، منها الصحيحان.
في أحدهما: «إنّ لله أن يقسم من خلقه بما شاء، وليس لخلقه أن يقسموا إلاّ به»
.
وفي الثاني
، وفي بعض الأخبار: «لا أرى أن يحلف الرجل إلاّ بالله تعالى»
.
وربّما علّل المنع أيضاً زيادةً على ذلك بأنّ
القسم بشيء يستلزم تعظيماً له، ولمّا لم يكن مستحقاً للتعظيم المطلق وبالذات سوى الله تعالى لم يجز القسم إلاّ به.
وخلاف الإسكافي في المضمار بتجويزه الانعقاد بحق النبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) شاذّ؛ ولذا مع معلوميّة نسبه استفيض حكاية
الإجماع على خلافه، فلا عبرة به.
كما لا عبرة بما احتمله السيّد في الشرح من اختصاص الحلف بلفظ الجلالة؛ للأخبار المتقدمة ونحوها المعلّقة للحكم بالجواز والانعقاد به، بناءً على أنّ المتبادر من ذلك وقوع
اليمين بهذه اللفظة المخصوصة
.
لمخالفتها الإجماع في الظاهر والمحكي في كلام الشيخين، ومنع
التبادر بعد ملاحظة سياق تلك الأخبار الشاهد بأنّ المراد بهذه اللفظة ذاته المقدسة لا خصوصيتها. مع أنّ في الصحيحة الأُولى وقع التعبير إلاّ به، لا إلاّ بالله، وعليه ينتفى خصوصيّة اللفظ جدّاً.
ويشهد له أيضاً ما سيأتي في الصحيح الدالّ على انعقاد اليمين بعمر الله، وبيا هناه يا هناه، من التعليل في الأوّل بقوله: فإنّما ذلك بالله عزّ وجلّ، وفي الثاني بقوله: فإنّما ذلك طلب الاسم. وليس المراد بالله فيه ما ذكره من الخصوصية قطعاً، بل ما ذكرناه من مطلق الذات المقدسة.
وحينئذٍ فيدلّ التعليل على انعقاد اليمين بكل ما دلّ عليها ولو كان غير
لفظ جلالة. فلا وجه لما احتمله، ولذا لم يحتمله أحد من أصحابنا، بل أطبقوا على عدم الفرق بين هذه اللفظة وغيرها من أسمائه المقدسة.
واعلم أنّ الحروف التي يقسم بها عند أهل اللسان الباء، والواو، والتاء. قيل
: ويجوز حذفها على الأصحّ، كأن يقول: اللهِ بالجر لأفعلنّ كذا، مع قصد اليمين، لوروده في اللغة
والحديث، ومنه قول النبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) لِرُكَانَة: «اللهِ تعالى ما أردتَ إلاّ واحدة»
.
وكذا يجوز الإتيان بهاء التنبيه بعد الواو كوها الله تعالى، وعند حذفها مع قطع الهمزة الجلالة ووصلها، ومع إثبات الألف وحذفها.
وفي الجميع تردّد؛ لذلك، ولعدم استمرار العادة بالحلف كذلك، وعدم المعرفة به إلاّ من خواصّ الناس، مضافاً إلى الأصل السليم عما يصلح للمعارضة سوى ما مرّ من الورود في
الحديث واللغة وفي الاستناد إليهما مناقشة، سيما مع عدم معلومية
سند الرواية.
وأولى منه بالتردد ما لو لحن بآخر الاسم، أو نصبه، أو حذف ألف الجلالة مع نيته الحلف.
ولا تنعقد لو قال: أُقسم أو أحلف حتى يقول بالله فتنعقد، بلا خلاف في كلا الحكمين، بل على الأوّل الإجماع عن الخلاف
، وعلى الثاني الإجماع في شرح الكتاب
؛ وهو الحجة فيه، مضافاً إلى أنّه إنشاء يمين شرعاً ولغةً وعرفاً. مع أنّ الفعلين مقدّران حيث يحذفان، فذكرهما أولى. وأمّا عدم الانعقاد مع الاقتصار عليهما عن لفظ الجلالة، فلعدم معلومية المقسم به هل هو الله سبحانه أم من لا ينعقد به.
مضافاً إلى
الأصل، وعدم صدق القسم المعتبر بهما، والقوي: «إذا قال الرجل: أقسمت وحلفت فليس بشيء حتى يقول: أقسمت بالله أو حلفت بالله»
.
ولو قال: لعمر الله، كان يميناً بغير خلاف ظاهر مصرّح به في
التنقيح والكفاية والشرح للسيّد
، بل عن الخلاف الإجماع عليه
؛ وهو الحجة.
مضافاً إلى الصحيح المروي في
الفقيه: «وأمّا قول الرجل: يا هناه يا هناه، فإنّما ذلك طلب الاسم ولا أرى به بأساً، وأما لعمر الله وأيم الله، فإنما هو بالله»
.
وهو بفتح العين مرفوع على الابتداء والخبر محذوف، والمعنى لعمر الله قسمي. وهو بمعنى
الحياة والبقاء، وهو قريب من العمر بالضم، لكنه لم يستعمل في القسم إلاّ مفتوحاً.
وهو بهذا المعنى محتمل للمعاني المانعة من انعقاد اليمين،
كالقدرة والعلم وغيرهما من الصفات المشتركة، لكنه لما استعمل في اليمين عرفاً وشرعاً حكموا بانعقاده به.
ويستفاد من الصحيح انعقادها بايم الله، كما هو المشهور إلاّ أنّه بدّل بـ «لاهاه» في نسخة
الكافي، وبـ «لاها الله» في نسخة
التهذيب.
ولا كذا لو قال: وحقّ الله تعالى فإنّه لا ينعقد مطلقاً، وفاقاً
للخلاف،
والحلّي،
والفاضلين؛ للأصل، واشتراك الحق بين أُمور كثيرة لا ينعقد بها اليمين،
كالعبادات التي أُمر بها، لإطلاقه عليها في
الخبر: ما حقّ الله على عباده؟ قال: «أن لا يشركوا به شيئاً ويعبدوه ويقيموا
الصلاة ويؤتوا
الزكاة»
.
وكالقرآن؛ لإطلاقه عليه فيه، قال تعالى: «وَإِنَّهُ
لَحَقُّ الْيَقِينِ»
.
خلافاً
للمبسوط فقال
: ينعقد مطلقاً؛ لأنّ الحقّ إذا أُضيف إلى الله تعالى كان وصفاً كسائر صفات ذاته من العظمة والعزّة ونحوهما. وقوّاه في
الدروس إذا قصد به الله الحق، والمستحق للآلهية، دون ما إذا قصد به المعاني الأولة.
ويضعّف الأوّل بأنّها المفهوم من حقه عند
الإطلاق والتجرد عن القرينة، وهي عن الوصف بعيدة غايته.
والثاني في محل الانعقاد بأنّ الحق بالمعنى الذي ذكر فيه غير مفهوم من اللفظ، ومجرد القصد إليه غير كاف في الانعقاد إذا لم ينضمّ إليه ما ينعقد به.
وللمختلف والتنقيح
تفصيل آخر، وهو الرجوع إلى عرف الحالف، فإن قصد به الحلف بالله تعالى انعقد يميناً، وإلاّ فلا.
ويمكن إرجاعه إلى سابقه، فيرد عليه ما ورد فيه.
ولا ينعقد الحلف
بالطلاق،
والعتاق،
والظهار، ولا بالحرم
والكعبة، ولا
بالمصحف ونحو ذلك من الأُمور المعظمة، على الأظهر الأشهر بين
الطائفة، بل عليه الإجماع في
الانتصار في الثلاثة الأُول
، ودلّ عليه الإجماعات المستفيضة المتقدمة فيها، وفي الثلاثة الأخيرة.
خلافاً للإسكافي، فجوّز اليمين بها
. وهو محجوج بما قدمناه من الأدلة سيما الأصل، والنصوص المستفيضة.
مضافاً إلى الصحيح، وغيره في الأوّلين: إنّي حلفت بالطلاق والعتاق والنذور، فقال: «إنّ هذا من خطوات
الشيطان»
.
هذا مع أنّ مخالفته للقوم غير معلومة كما يستفاد من التنقيح؛ حيث قال بعد نقل مذهبه: فإن أراد بذلك ما يوجب
الكفارة بمخالفته فهو باطل؛ لما تقدم. وإن أراد غير ذلك فالظاهر جوازه على كراهية شديدة
.
وتنعقد لو قال: حلفت بربّ المصحف قطعاً لأنّه حلف به تعالى.
ولو قال: هو يهودي أو نصراني أو حربي أو نحو ذلك إنْ فعل كذا مثلاً أو حلف بالبراءة من الله تعالى أو
رسوله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) أو
الأئمة (علیهمالسّلام): لم يكن يميناً لما مضى من عدم انعقاد الحلف بغير الله تعالى. ولا خلاف في تحريمه، ومضى الكلام فيه وفي سائر ما يتعلق به من أحكام الكفارة في بحثها.
والاستثناء بالمشيئة لله تعالى في اليمين بأن يتبعها بقوله: إن شاء الله تعالى، جائز إجماعاً
فتوًى ونصّاً مستفيضاً. ويمنعها الانعقاد إذا اتصلت بها بما جرت العادة ولو انفصلت بتنفس أو سعال أو نحوهما إجماعاً، لو لم يكن متعلقها فعل
الواجب أو
المندوب، أو ترك
الحرام والمكروه، وبه صرّح في التنقيح
؛ وهو الحجة مضافاً إلى الخبرين:
أحدهما النبوي: «من حلف على يمين فقال: إن شاء الله، لم يحنث»
.
وثانيهما القوي بالسكوني: «من استثنى في يمين فلا حنث عليه ولا كفارة»
.
ومطلقاً على الأقوى، وفاقاً لأكثر أصحابنا
؛ لإطلاق الخبرين المعتبر أحدهما في نفسه، المنجبرين بفتوى الأكثر بل الكل، سوى النادر، وهو الفاضل في
القواعد، حيث قصر الحكم بعدم الانعقاد على المجمع عليه، دون غيره، وهو ما إذا كان المتعلق أحد الأُمور المذكورة، لأنّ غيرها لا يعلم فيه حصول الشرط وهو تعلّق المشيئة به بخلافها، للعلم بحصول
الشرط فيها، نظراً إلى الأمر بها وجوباً أو ندباً.
وهو مع كونه اجتهاداً في مقابلة
النص غير مسموع محل نظر وتأمّل، وفاقاً للكفاية
؛ لمنع العلم بتعلق المشيئة بها على الإطلاق فقد لا يشاؤها في حق هذا الحالف، لعارض لا يعلم به. هذا.
وربما يظهر من شيخنا في الدروس مخالفة هذا القول للإجماع، حيث نسبه إلى الندور
.
ثم إنّ إطلاق الخبرين والعبارة وغيرها من عبائر الجماعة يقتضي عدم الفرق في الحكم بين قصد التعليق بالمشيئة أو التبرك، وبه صرّح شيخنا في
الروضة. خلافاً لسبطه في الشرح
، فقال بالفرق، واختصاص الحكم بعدم الانعقاد بالأوّل، وأوجب في الثاني الرجوع إلى قواعد اللغة؛ نظراً إلى ضعف سند المستند في هذا الحكم.
ويرد عليه ما مرّ من الانجبار بالعمل.
ولو تراخي
الاستثناء عن ذلك الحلف من غير عذر من نحو سعال لزمت اليمين وسقط الاستثناء ولغا، بلا خلاف بيننا فتوًى. والرواية الآتية المخالفة لذلك شاذّة مؤوّلة أو متروكة جدّاً.
وهل يعتبر في الاستثناء حيث يعتبر التلفظ به، أم يكفي فيه النية؟ قولان. المشهور كما في التنقيح وغيره، ومنهم المبسوط والحلّي
الأوّل؛ أخذاً بالعمومات الدالّة على انعقاد اليمين وترتّب أحكامها من
الحنث والكفارة عليها، واقتصاراً فيما خالفها مما دلّ على عدم انعقادها بتعليقها على المشيئة على المتيقن منه بحكم التبادر وغيره، وهو التعليق باللفظ دون
النية.
خلافاً للفاضل في المختلف، فاكتفى بالنية
؛ لأن المعتبر في الأيمان إنما هو النية والضمير، فإذا استثناه كذلك لم ينو شمول اليمين لما استثناه، فلا يندرج في الحلف، ونزّل عليه
الرواية المشار إليها في المتن بقوله: وفيه رواية صحيحة بجواز الاستثناء إلى أربعين يوماً
بحملها على ما إذا استثنى بالنية، وأظهره قبل تلك المدة. وهو لا يخلو عن وجه.
لكن يضعف التنزيل بأنّ مثل هذا الاستثناء عند القائل به لا يتقيد بالمدة المزبورة. وكون التقدير بها وارداً للمبالغة محلّ مناقشة؛ لأنّ الاستثناء بها إذا وقفت اليمين دائماً يكون
التقييد بالدوام أو بما زاد على الأربعين أبلغ وأولى؛ ولعلّه لهذا لم يجب الماتن عن الرواية هنا وفي
الشرائع إلاّ بقوله: وهي متروكة مخالفة للإجماع، إذ لم نر عاملاً بها.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۳، ص۱۷۰-۱۷۹.