تطبيقات قاعدة الإلزام
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وفقاً للقول بعموميّة القاعدة وشمولها لمختلف أبواب
الفقه ، رغم ورود جلّ رواياتها في بعض الأبواب الفقهية كالطلاق والنكاح
والإرث ، ينفتح مجال تطبيقها واسعاً في زوايا الفقه الإسلامي، ونذكر هنا أبرز المجالات التي طبّق الفقهاء فيها هذه القاعدة،وذلك كما يلي:
•
قاعدة الإلزام في النكاح والطلاق،لقاعدة
الإلزام في مجالي النكاح
والطلاق موارد كثيرة، والضابط فيها: أنّ نكاح المخالف وطلاقه لو كان فاسداً حسب مذهب
الإمامية وكان صحيحاً عنده، أو العكس بأن كان صحيحاً عندنا وفاسداً عنده.
ذكر لجريان قاعدة
الإلزام في الميراث نماذج عديدة:
إذ هو باطل عند الإمامية،
وهو: توريث العصبة ما فضل من السهام، والعصبة هم
الأب والابن ومن يتقرّب بهما إلى الميّت، أمّا غير الإمامية فذهبوا إلى توريث العصبة.
وعليه، فلو كان من هو من
العصبة إمامياً غير قائل بالتعصيب يجوز له أخذ الميراث بالتعصيب، ويصير ملكاً له شرعاً؛ استناداً إلى قاعدة الإلزام ،
وقد ورد التصريح بذلك في رواية
ابن محرز ، قال:قلت
لأبي عبد اللَّه عليه السلام : رجل ترك ابنته واخته لأبيه وامّه، فقال: «المال كلّه لابنته، وليس للُاخت من
الأب والامّ شيء»، فقلت: فإنّا قد احتجنا إلى هذا، والميّت رجل من هؤلاء الناس، واخته مؤمنة عارفة، قال: «فخذ لها النصف، خذوا منهم كما يأخذون منكم في سنّتهم وقضاياهم».
وكذلك رواية
ابن بزيع ، قال: سألت
الإمام الرضا عليه السلام عن ميّت ترك امّه وإخوة وأخوات، فقسّم هؤلاء ميراثه، فأعطوا الامّ السدس، وأعطوا الإخوة والأخوات ما بقي، فمات الأخوات، فأصابني من ميراثه، فأحببت أن أسألك، هل يجوز لي أن آخذ ما أصابني من ميراثها على هذه القسمة أم لا؟ فقال: «بلى...».
وهو كذلك باطل عندنا،
ويعني زيادة الفروض على التركة، فالإمامية لا يردّون النقص على الجميع، أمّا الجمهور فيقولون به،
وعليه فللإمامي أخذ الميراث منهم بالعول؛ لقاعدة الإلزام.
إذ لا ترث الزوجة في الجملة من بعض تركة زوجها عند الإمامية
إلّامن شذّ،
وترث من جميعها على مذهب غيرهم، فلو كانت الزوجة إمامية ومات زوجها غير الإمامي جاز لها أخذ ما يصل إليها ميراثاً من الأراضي وأعيان الأبنية والأشجار؛ إلزاماً لهم.
حيث استند القائلون باشتراط كون المحبوّ إمامياً غير فاسد الرأي بقاعدة الإلزام،
وإن كان قد يناقش بأنّ فساد الرأي لا يخصّ المخالف،
وبأنّ ذلك ليس من باب الشرط.
طبقت قاعدة الإلزام في كلمات الفقهاء في باب
الحجّ ، في عدّة موارد:
فغير الإمامية لا يوجبون
طواف النساء في الحجّ،
والإمامية قائلون بالوجوب،
فالإخلال به يوجب عدم حلّية النساء، فلو حجّ سنّي وكانت زوجته إمامية أو بالعكس، فالمفترض أن لا يحلّ لكلّ وأحد الطرف المقابل.وقد ذكروا لحلّ المشكلة وجوهاً، منها:
القول بجريان قاعدة الإلزام، ومقتضاها الحلّية وجواز التزويج بالمخالف التارك له للإمامي،
واحتمل بعضهم عدم جريان القاعدة بناءً على
اختصاص جريانها فيما كان في إلزام المخالف ضرراً عليه،
الأمر غير المتوفّر هنا؛ لأنّ الإلزام قد وقع بنفعه دون ضرره، فلابدّ من التمسّك بطرق أخرى، مثل: القول بإمضاء حجّهم ولو كان فاقداً له من قبل
الأئمّة عليهم السلام، وعدم الردع عن السيرة القائمة على المعاملة مع حجّاجهم كما يتمّ التعامل مع حجّاج الإمامية.
حيث اتّفق الإمامية على أنّ عقد النكاح في حال
الإحرام باطل،
والمحكي عن أبي حنيفة جوازه وعدم تأثير الإحرام في عقد النكاح،
وعليه يلزم من كان حنفياً بترتيب جميع آثار الزوجية لو عقد في حال الإحرام؛ استناداً إلى قاعدة الإلزام.
•
قاعدة الإلزام في المعاملات المالية،ذكرت لقاعدة
الإلزام تطبيقات كثيرة فىالبيع والمعاملات المالية.
ذكر
الشيخ الأنصاري في مسألة إباحة ما يأخذ بحكم الجائر أنّه يجوز الأخذ لو كان المدّعى عليه والحاكم كلاهما من أهل الخلاف.
ويرى الحاكم استحقاق المدّعي إذا كان المأخوذ عيناً شخصية، بل مطلقاً؛ استناداً إلى قوله عليه السلام: «ألزموهم بما ألزموا أنفسهم»،
ونحو ذلك.
نعم، ذكر في ضمن كلماته أنّ المسألة تحتاج إلى نظر تام.
كما صرّح بعضهم بأنّه تقبل شهادة المخالف على المخالف؛ استناداً إلى قاعدة الإلزام، ولعلّه على ذلك كانت سيرة
أمير المؤمنين عليه السلام في قضاياه.
لكن قال المحقّق الأردبيلي: «كأنّه من باب
الإقرار بالحقّ».
ذكر الفقهاء أنّه لو اضطرّ السلطان شخصاً إلى
إقامة الحدّ على ثالث جاز
إجابته ما لم يكن قتلًا ظلماً.
واحتمل المحقّق النجفي جواز القتل إذا كان من عليه الحدّ مخالفاً وكان حدّه القتل في مذهبه وإن لم يصل إلى حدّ
الإكراه ، مستنداً في ذلك لقاعدة الإلزام، بل قوّى الجواز بعد ذلك.
ويمكن أن يناقش فيه بأنّ قاعدة الإلزام إنّما تجري في تصحيح الفعل الذي قام به المخالف وترتيب آثار الصحّة عليه، وهذا المورد غير داخل في ذلك ومنصرف عن إطلاقات الأدلّة.هذا، ولقاعدة الإلزام تطبيقات أخرى كثيرة في الفقه وقعت محلّ البحث والخلاف تراجع في محالّها.
الموسوعة الفقهية، ج۱۶، ص۳۸۲-۳۹۶.