تعدد الغسل في الاستنجاء من البول
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
اختلف الفقهاء في عدد الغسلات التي لابدّ منها في تطهير موضع البول على قولين:
كفاية الغسلة الواحدة،نسبه الشيخ في
مستند الشيعة إلى جماعة.
وهو ظاهر كلّ من نفى وجوب المثلين، واكتفى بمسمّى الغسل.
كالحلبي والحلّي والعلّامة وغيرهم كما قاله في مستند الشيعة.
واستدلّوا له- مضافاً إلى أصالة عدم وجوب الزائد على المزيل للنجاسة،
لكن يمكن أن يقال: إنّ الأصل هنا استصحاب النجاسة بعد الغسلة الواحدة بناءً على المشهور من جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية.نعم، بناءً على عدم جريانه فيها
لابتلائه بالمعارض دائماً- كما هو مسلك
السيد الخوئي- فالمرجع
قاعدة الطهارة.
وصدق التطهير بإزالة البول بها- بإطلاق الروايات
التي يفهم منها عرفاً المرّة فقط.
ومن هذه الروايات موثّقة
يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام:
الوضوء الذي افترضه اللَّه على العباد لمن جاء من الغائط أو بال، قال: «يغسل ذكره ويذهب الغائط، ثمّ يتوضّأ مرّتين مرّتين».
فإنّ في هذه الرواية دلالة واضحة على كفاية الغسلة الواحدة؛ لأنّها بصدد بيان ما هو المعتبر في الاستنجاء، مع عدم تعرّضها للعدد اللازم في الغسل، وتعرّضها لتقييد الوضوء بالمرّتين.
واورد عليه بأنّ الموثّقة إنّما وردت لبيان المعتبر في الوضوء دون الاستنجاء، بقرينة السؤال عن الوضوء الذي افترضه اللَّه تعالى على العباد، ففي الرواية دلالة على عدم صحّة الوضوء إذا كان بدون استنجاء.إلّاأن يقال: إنّ السؤال فيها وإن كان عن الوضوء إلّاأنّ
الإمام عليه السلام تصدّى لبيان ما يعتبر في الاستنجاء؛ لكونه مقدّمة للوضوء.
ومنها: حسنة ابن المغيرة عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت له: للاستنجاء حدّ؟قال: «لا، حتى ينقى ما ثمّة...»،
فإنّ في إطلاقها دلالة على كفاية مجرّد النقاء في الاستنجاء سواء كان بالغسل بالماء أم بغيره، وعلى تقدير الغسل بالماء، مرّة أو مرّتين.
واورد على ذلك بأنّ الرواية ظاهرة في الاستنجاء من الغائط، بقرينة ذيلها الذي ورد فيه: قلت: فإنّه ينقي ما ثمّة ويبقى الريح، قال: «الريح لا ينظر إليها». ومن الواضح أنّ بقاء الرائحة بعد الغسل من آثار الغائط دون البول، فالمراد بالاستنجاء في الحسنة هو إنقاء موضع الغائط فقط.
ومنها: صحيحة جميل عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إذا انقطعت درّة البول فصبّ الماء»،
فإنّ في إطلاقها دلالة على جواز
الاقتصار على صبّ الماء مرّة واحدة.
واورد عليه بأنّ الصحيحة بصدد بيان أنّ
الاستبراء من البول غير معتبر في طهارة المحل بالغسل بل إذا صب الماء عليه بعد
انقطاع المدرة طهر، وليست ناظرة إلى بيان عدم اعتبار التعدد في تطهير مخرج البول.
ثمّ إنّ هذه الروايات- بناءً على سلامتها مما تقدم من المناقشات- متعارضة مع عمومات الغسل مرّتين، فلابدّ من تخصيص العمومات أو تقييد المطلقات، وإلّا استقرّ
التعارض ، فيخيّر بينهما أو يتساقطا، ويرجع إلى
استصحاب النجاسة الذي نتيجته التعدّد.
عدم كفاية الغسلة الواحدة، بل لابدّ من غسلتين في حصول الاستنجاء والتطهير،
وقد عبّر بعضهم عن الغسلتين بالمثلين كما استظهره الشهيدان والمحقق الثاني وغيرهم.
، بل ذكر بعضهم أنّ ظاهر المعتبر
الإجماع عليه.
إلّاأنّ هذا الاستظهار في غير محلّه؛ لأنّ مورد الإجماع إصابة البدن بالبول
دون موضع البول، ويشهد له نقل الخلاف في المسألة.
واستدلّوا لهذا الرأي بعدّة روايات، كصحيحة
البزنطي الذي سأل فيها الإمام عليه السلام عن البول يصيب الجسد، قال:«صبّ عليه الماء مرّتين، فإنّما هو ماء»،
وغيرها،
حيث تمسّك بعضهم بهذه الصحيحة لتقييد المطلقات المتقدّمة، وحملها بمقتضى الجمع العرفي على
إرادة الغسل مرّتين.
واورد عليه بأنّ ظاهر
الإصابة الواردة في هذه الصحيحة هي إصابة الجسد ببول يلاقيه لا ما خرج من موضع البول،
ويؤيّده ما ورد في صحيحة
داود بن فرقد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض...»؛
إذ لو كانت الإصابة في هذه الصحيحة شاملة لمخرج البول بسبب خروجه منه لأدّى قرضه إلى
انقراضه وزواله خلال فترة وجيزة،
فالرواية منصرفة عن المقام.
وهذا الإشكال غير صحيح باعتقاد البعض لسببين:
الأوّل: أنّ الإصابة- التي هي بمعنى
الملاقاة- تعمّ البول الواصل من الجسد إلى الجسد.
الثاني:أنّ التعليل الوارد في صحيحة البزنطي- من قوله عليه السلام: «فإنّما هو ماء»، وعدم تعرّضها للمحلّ الذي أصابته النجاسة- دليل على عموم الحكم وعدم
اختصاصه بغير مخرج البول.
ومن جملة ما استدلّ به لذلك أيضاً رواية
نشيط بن صالح عن الصادق عليه السلام قال: سألته كم يجزي من الماء في الاستنجاء من البول؟ فقال: «مثلا ما على الحشفة من البلل».
فإنّ ظاهر هذا الجواب بعد السؤال عن الكمّية هو عدم كفاية غير المثلين في تحقق الاستنجاء.
واورد على ذلك بعدّة إشكالات:
الأوّل: أنّ الرواية ضعيفة
بمروك بن عبيد،
وبالهيثم بن أبي مسروق.
وقد رفض البعض هذا الإشكال في خصوص مروك؛ لما نقله الكشّي في رجاله عن
محمّد بن مسعود أنّه سأل علي بن الحسن عن مروك بن عبيد بن سالم بن
أبي حفصة، قال: ثقة، شيخ صدوق. هذا بالإضافة إلى أنّ عمل الأصحاب بالرواية جابر لضعف سندها.
الثاني: أنّها معارضة برواية نشيط الاخرى عن
الصادق عليه السلام التي ورد فيها:«يجزي من البول أن يغسله بمثله».
خصوصاً مع موافقة هذه الرواية
لأصالة البراءة عمّا يزيد عن المثل،
وانسجامها مع الأخبار المطلقة المحدّدة للاستنجاء بحدّ النقاء.
واورد عليه بأنّ الرواية الاخرى مرفوضة:
أوّلًا: لكونها مرسلة.
وأعرض عنها الفقهاء.
وثانياً: لكونها مجملة لم يتّضح المقصود منها؛ لاحتمال أن يراد بمثل البول شباهته بالماء في عدم الحاجة إلى ذلك كما في الغائط، وقد أشارت بعض الأخبار إلى هذا المعنى.
كما في قوله عليه السلام: «إنّه ماء فلا يزال إلّا بالماء».
بل ادّعى بعضهم أنّ رواية نشيط الثانية عامّة يمكن تخصيصها برواية المثلين واعتبارها ناظرة إلى غير مورد الاستنجاء كإصابة البدن بالبول مثلًا.
على أنّه يحتمل أن يكون لفظ (مثله) في الأصل (مثليه) فسقطت عنه الياء في
الاستنساخ . وأمّا احتمال العكس في الرواية الاولى فبعيد جدّاً؛ لنقلها من قبل المشهور الذين عملوا بها أيضاً كما تقدم.
وثالثاً:
لإمكان إرجاع الضمير في (مثله) إلى نفس البول كما فعل
الشيخ الطوسي .
ولمّا كان ذلك مستبعداً اضطرّ بعضهم
إلى توجيه كلامه بأنّ البول ليس بمغسول بل المغسول البول المتبقّي على الحشفة، ليكون المقصود من الرواية جواز
الاكتفاء بغسل ما تبقّى من بول على الحشفة بمقدار الخارج منه. ولكن هذا التوجيه مرفوض من قبل البعض؛ لتضمّنه
الاستخدام والتفكيك في مرجع الضميرين المذكورين في الرواية، مع عدم وجود ما يدلّ عليه، ولا ضرورة تقتضيه.
الإشكال الثالث: أنّ رواية المثلين لا تخلو من
إجمال .
خصوصاً وأنّ ما على الحشفة من بلل لا يبلغ سوى عشر القطرة، ومجموع المثلين لا يساوي إلّاعشريها، وهما لا يكفيان لتحقّق غسلة واحدة فضلًا عن غسلتين.
هذا، وقد صرّح بعض الفقهاء بأنّ الظاهر اختصاص التعدّد في الغسل- بناءً عليه- بما إذا كان الماء قليلًا، فلا يجب التعدّد إذا كان كثيراً أو جارياً.
الموسوعة الفقهية، ج۱۲، ص۲۵۴-۲۵۹.