حكم التياسر لأهل المشرق
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(و) لذا منع هو وكثير من الأصحاب ـ كالمحقق الثاني وجملة ممّن تأخّر عنهما
ـ عما (قيل :) من أنه (يستحب
التياسر لأهل المشرق عن سمتهم قليلا)
قالوا : لأن البعد الكثير لا يؤمن معه
الانحراف الفاحش بالميل اليسير.(و) مع ذلك (هو) أي هذا الحكم (بناء) أي مبني (على توجّههم إلى الحرم) كما يستفاد من النصوص الدالة عليه.
منها : الخبر : عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن
القبلة ، وعن السبب فيه، فقال : «إن
الحجر الأسود لما انزل به من الجنّة ووضع في موضعه جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه النور نور الحجر، فهي عن يمين
الكعبة أربعة أميال وعن يساره ثمانية أميال، كله اثنا عشر ميلا، فإذا انحرف
الإنسان ذات اليمين خرج عن حدّ القبلة لقلّة أنصاب الحرم، وإذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا عن حدّ القبلة»
ونحوه المرفوع.
والرضوي : «إذا أردت توجّه القبلة فتياسر مثل -في المصدر : «مثلي».- ما تيامن، فإن الحرم عن يمين الكعبة أربعة أميال وعن يسارها ثمانية أميال».
والمبني عليه ضعيف كما تقدم . وكذا النصوص الواردة هنا سندا، لرفع الثاني،
وإرسال الأوّل في التهذيب، وضعفه في الفقيه، لتضمّن سنده محمد ابن سنان ومفضّل بن عمر الضعيفين عند الأكثر، والرضوي قاصر عن الصحّة، وإنما غايته القوّة، وهي بمجرّدها لا تصلح لمعارضة
الاعتبار الذي ذكره الجماعة، فما ذكروه لا يخلو عن قوّة.
ولذا توقف فيه في ظاهر الدروس،
كالماتن في ظاهر العبارة، إلّا أنّ ظاهر من تقدّمهم من الأصحاب عدم الخلاف في رجحان التياسر، وإن اختلفوا في
استحبابه ، كما هو المشهور على الظاهر، المصرّح به في عبائر هؤلاء الجماعة حدّ
الاستفاضة ،
وغيرهم كالشهيد في الذكرى، وبها قد اختاره.
أو وجوبه، كما هو ظاهر جماعة من القدماء، ومنهم الشيخ في كثير من كتبه ومنها الخلاف مدعيا عليه
الإجماع ،
وحكي أيضا عن غيره.
فيمكن أن يجبر بذلك ضعف سند الروايات أو قصورها.والبناء المتقدم وإن كان ظاهر كثير من الأصحاب، كالفاضل في المنتهى والمحقق الثاني والشهيد الثاني وجملة ممن تبعهم،
ولكن ظاهر آخرين ـ كالفاضل في المختلف والتحرير والإرشاد والقواعد والشهيد في الذكرى وغيرهما
ـ
اطراد الحكم على كل من القول بالمبني عليه ومقابله، لتصريحهم بهذا الحكم مع
اختيارهم القول الثاني.ولعل وجهه ما ذكره في الذكرى وغيره : من أنّ القبلة هي الجهة، ولا يخفى ما فيها من السعة.
ومرجعه إلى ما مرّ إليه
الإشارة من سهولة
الأمر في القبلة، ولكن فيه ما عرفته .
فإذا : العمدة هي النصوص المعمول عليها بين الطائفة، مضافا إلى حكاية الإجماع المتقدمة، وإن لم يصلح للحجيّة، لوهنه بندرة القول به من حيث دلالته على الوجوب، ولم نر قائلا به عدا الناقل ونادر. وكيف كان فهو أحوط من الترك، لضعف القول به بضعف دليله عن المقاومة لما دلّ على رجحان التياسر من الإجماع المنقول والنص المعمول به.
وأمّا ما ربما يجاب عنه : بوروده مورد
التقية ، لكون المحاريب المشهورة المبنية في
العراق في زمان خلفاء الجور ولا سيّما
المسجد الأعظم كانت مبنيّة على
التيامن عن القبلة، ولم يمكنهم
إظهار خطأ هؤلاء الفسقة، فأمروا شيعتهم بالتياسر عن تلك المحاريب، معلّلين بما عرفته من العلة، لئلّا يشتهر منهم : الحكم بخطإ من مضى من هؤلاء الكفرة.
فغير مفهوم للعبد، فإن مراعاة التقية على تقدير ثبوت بناء المساجد على التيامن تقتضي أمر
الشيعة بمتابعة قبلة هؤلاء الفجرة، كي لا يعرفوا فيقتلوا، لا أن يأمروا بالمخالفة لهم فيؤخذ برقابهم.
رياضض المسائل، ج۲، ص۲۶۹-۲۷۲.