حكم مالكية العبد فاضل الضريبة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(الأولى : المملوك يملك فاضل الضريبة) فعيلة بمعنى المفعولة، والمراد بها ما يؤدّي العبد إلى سيّده من
الخراج المقدّر عليه.
والمستند في الحكم الصحيح : «إذا أدّى إلى سيّده ما كان فرض عليه فما اكتسب بعد الفريضة فهو للملوك» إلى أن قال : قلت له : فللملوك أن يتصدّق ممّا اكتسب ويعتق بعد الفريضة التي كان يؤدّيها إلى سيّده؟ قال : «نعم وأجر ذلك له» قلت : فإن أعتق مملوكاً ممّا اكتسب سوى الفريضة لمن يكون ولاء المعتق؟ قال : فقال : «يذهب فيتوالى إلى من أحبّ، فإذا ضمن جريرته وعقله كان مولاه ويرثه»
الحديث.قيل : وأفتى به الشيخ في
النهاية وتبعه القاضي.
و فيه نظر، فإنّ المحكي من عبارته في المختلف هو تملّك التصرّف خاصّة، ولعلّه لذا نسبه دون التملك إليهما في المهذب.
نعم، القول بذلك محكيّ فيه عن
الصدوق والإسكافي،
حيث قالا : يملك العين لكن لا مستقرّاً.
(و) كيف كان الأقوى : ما (قيل) من أنّه (لا يملك شيئاً) مطلقاً إلاّ أن يأذن له المولى في التصرّف فيحصل له
إباحته خاصّة. وهذا القول هو الأشهر بين أصحابنا كما حكاه جماعة منّا،
وهو الظاهر من تتبّع كلماتهم جدّاً، حيث لم أقف على مخالف لهم في ذلك إلاّ نادراً، بل ادّعى الشيخ في الخلاف في كتاب
الزكاة والفاضل في نهج الحق عليه إجماعنا صريحاً،
ودلّ عليه كلام الحلّي المحكي في
المختلف ونحوه الفاضل في المنتهى في مسألة زكاة العبد لكن في ما عدا فاضل الضريبة
وأرش الجناية. قال : ولو ملّكه مولاه شيئاً لم يملكه؛ لأنه مال فلا يملك التمليك كالبهيمة. قاله أصحابنا. فلا تجب الزكاة على العبد وتجب على السيّد.
وللشافعي قولان
في كتاب العتق ظاهراً، حيث قال : إنّه لا يملك عندنا. ونحوه عبارة
المبسوط المحكية عنه في كتاب الكفّارات.
وربما كان في عبارة الانتصار
إشعار به، بل ظهور جدّاً مع فتواه به فيه صريحاً.
وهو الحجة المؤيّدة بأصالة عدم الملكيّة السالمة كالإجماعات المحكيّة عمّا يصلح للمعارضة سوى الرواية السابقة، وهي مع
اختصاصها بفاضل الضريبة، بل ودلالتها على العدم فيما عداه بمفهوم الشرطية تأوّلها الأصحاب
بإرادة جواز التصرّف والإباحة دون الملكيّة.
وهو وإن كان ينافيه ظاهر سياقها، إلاّ أنّه لا بأس به، جمعاً بين الأدلّة. مع منافاة
إطلاقها لما أجمع عليه الطائفة من ثبوت الحجر عليه في تصرّفاته بالكليّة، حيث دلّت على جواز عتقه وشبهه، وهو مضافاً إلى
انعقاد الإجماع على خلافه قد منع عنه الكتاب والسنة عموماً في بعض وصريحاً في آخر، قال الله سبحانه (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ)
ولا ريب في شمول الشيء المنفي قدرته عليه للتصرف لغةً وإجماعاً لو لم نقل بشموله لنحو التملّك أيضاً، فإنّه شيء جدّاً، ومقتضى العموم الناشئ من وقوع الشيء نكرةً في سياق النفي الشمول له قطعاً، فهو حجّة أُخرى لنفي الملك مطلقاً، ولعلّه لذا استدلّ به لذلك أصحابنا. وقريب منه في ذلك الآية الأُخرى الآتية.
وفي الصحيح : في المملوك ما دام عبداً : «فإنّه وماله لأهله، لا يجوز له تحرير ولا كثير عطاء ولا وصية إلاّ أن يشاء سيّده».
وهو كما ترى ظاهر بل لعلّه صريح في عدم جواز التصرّفات التي إباحتها الرواية الاولى مطلقاً وأنّه لا يملك أصلاً.
وما ربما يتوهّم فيه من المناقشة في الأوّل بتقييد إطلاقه بغير فاضل الضريبة فإنّ هذه الرواية مطلقة وتلك مقيّدة، وفي الثاني بأنّ اللام في «لأهله» وإن كان ظاهراً في الملكيّة إلاّ أنّ
إضافة المال إلى العبد ظاهرة في ثبوتها له أيضاً بالبديهة، وحيث لم يجتمعا وجب المصير إلى التأويل في أحدهما
بإرجاعه إلى الآخر بنحو من التوجيه، وهو إرادة جواز التصرّف خاصّة، بناءً على كفاية أدنى ملابسة في صحة الإضافة جدّاً، وحيث لا مرجّح وجب التوقّف، وبه تخرج الرواية عن الحجية.
مدفوع، فالأوّل : باشتراط التكافؤ في حمل المطلق على المقيّد المفقود في المقام؛
لاعتضاد الأوّل بالأصل، والإجماعات المحكية، والشهرة العظيمة المتحقّقة، فلا يمكن المصير إلى الخمل المزبور في المسألة، كما لا يمكن الجمع بينهما بحمل التصرّف في الصحيحة على الواقع
بإذن المالك، جمعاً بينها وبين الثانية ونحوها من الأدلّة حمل المطلق على المقيّد، فإنّه فرع العمل بها، مع أنّك قد عرفت المنع عنه مطلقاً، لعدم التكافؤ أصلاً.
والثاني : بمنع فقد المرجّح، فإنّ القرينة على صرف التوجيه المتقدّم إلى إضافة المال إلى العبد قائمة، فإنّ اللام في الرواية مفيدة للملكيّة بالبديهة، نظراً إلى سياق الرواية حيث تضمّنت العبد وضمّته إلى ماله أوّلاً وصرفت الحكم المستفاد من اللام إليهما، ولا ريب أنّه بالإضافة إلى العبد معناها الحقيقي، وهو الملكيّة أو الاختصاص، فلو حمل على المعنى المجازي أو حقيقي آخر غيرهما لو كان لزم استعمال اللفظ الواحد في
الاستعمال الواحد في معنييه الحقيقيين أو المتخالفين بالوصفين، وهما مرغوب عنهما، سيّما الثاني عند المحققين، فتعيّن المصير إلى صرف التوجيه إلى الطرف المقابل حيث لا قرينة مثل ذلك وغيره فيه يوجب العكس بالبديهة، فتأمّل.
ومن هنا انقدح الوجه في صحة ما أجاب به الجماعة عن النصوص المستفيضة الآتية في المسألة الآتية وفي بحث
العتق إن شاء الله سبحانه، المضيفة للمال إلى العبد، الظاهرة لذلك في الملكيّة، من صحة الإضافة بأدنى ملابسة، وهو وإن كان في حدّ ذاته بعيداً إلاّ أنّ المصير إليه بملاحظة ما سلف كان متعيّناً جدّاً. مضافاً إلى الصوارف الأُخر التي تقدّمت من الأدلّة على عدم الملكيّة.
وقريب من الصحيحة المزبورة ما في صحيحة أُخرى طويلة متضمّنة للقضيّة المشهورة بين ابن أبي ليلى وابن شبرمة، وفيها من كلام مولانا
الصادق عليه السلام بعد قول الراوي له : قلت : أليس قد أوصى للعبد بثلث ماله : «إنّ العبد لا وصية له، إنّ ماله لمواليه».
ونحو هذه الأدلّة في عدم الملكيّة نصوص أُخر واردة في مباحث
الوصية وإن اختلفت في الدلالة، فبين ظاهرةٍ في ذلك ولو بالمعونة، كالصحيح : في مكاتب كانت تحته امرأة حرّة فأوصت له عند موتها بوصيّة، فقال أهل الميراث : لا نجيز وصيّتها، إنّه مكاتب لم يعتق ولا يرث، فقضى أنّه يرث بحساب ما أُعتق منه، ويجوز له الوصية بحساب ما أُعتق منه. وقضى في مكاتب اوصي له بوصية وقد قضى نصف ما عليه فأجاز نصف الوصيّة.
الحديث.
ووجوه الدلالة فيه واضحة أقواها تعليل الورثة عدم
الإجازة بأنّه بعدُ مملوك لم يعتق، وهو ظاهر في اشتهار عدم تملّكه للوصيّة بالعبودية في تلك الأزمنة، ويومئ إليه ما ذكره الأصحاب في المنع عن الوصيّة لمملوك الغير من التعليل بعدم المالكية.ومشعرةٍ به، وهي كثيرة، وإن اختلفت في الإشعار ضعفاً وقوّةً، فمنها النصوص المتواترة المجمع عليها الدالّة على نفي الموارثة بالرقّية.
وقد جعله الفاضل في المختلف حجة مستقلّة، فقال : ولأنّه لو ملك لدخل المال في ملكه بالأسباب الموجبة للدخول من غير
اختيار كالميراث وشبهه، والتالي باطل إجماعاً، فكذا المقدّم.
ولا يخلو عن مناقشة؛
لإمكان دفع الملازمة حيث لم يقم عليها حجة ظاهرة، فيحتمل كون نفي التوارث تعبّداً، كما اتّفق مثله في منع الوارث عن الميراث إذا كان قاتلاً مع كونه يملك للمال إجماعاً وإن كان وجه الحكمة فيه ظاهراً.
ونحوه في الضعف استدلاله الآخر بقوله : ولأنّه لو ملك لما جاز له أخذه منه قهراً، والتالي باطل إجماعاً، ولما رواه محمد بن إسماعيل في الصحيح عن مولانا
الرضا عليه السلام قال : سألته عن رجل يأخذ من أُمّ ولده شيئاً وهبه لها بغير طيب نفسها من خدم أو متاع، أيجوز ذلك؟ قال : «نعم إذا كانت أُمّ ولده».
لمنع
الملازمة ، لعدم الدليل عليها من كتاب أو سنّة أو إجماع حتى في المسألة، إلاّ أن يدّعي
الاستقراء ، وهو حسن، مع أنّ في
الاستناد لإبطال التالي بالصحيح ما ترى، فلعلّ تجويز
الاسترداد منها بناءً على كون الموهوب لها هبة لغير ذي رحم ويجوز ذلك فيها إجماعاً، فتوًى ونصّاً، وربما كان في الشرطيّة في ذيله إشعار بذلك أيضاً، فتأمّل جدّاً. ومنها النصوص الواردة في وصيّة المولى لمملوكه بثلث ماله وأنّه يعتق بحسابه،
وهو ظاهر في عدم
إعطائه ثلثه، ولا وجه له في الظاهر إلاّ عدم تملّكه، فتأمّل.
وبالجملة تتبّع النصوص الواردة في العتق والوصية للملوك يكشف عن عدم الملكيّة له من دون ريبة، فلا يقاومها سيّما بعد اعتضادها بما قدّمناه من الأدلّة شيء من الرواية السابقة وغيرها، كالمستدَلّ به للقول
باستثناء أرش الجناية خاصّة، كما حكي قولاً في الروضة،
وقال به القاضي والنهاية
لكن مع
إلحاق ما يُملِّكه مولاه وفاضل الضريبة، وهو الموثّق : ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقلّ أو أكثر، فيقول : حلّلني من ضربي إيّاك، ومن كلّ ما كان منّي إليك ممّا أخفتك وأرهبتك، فيحلّله ويجعله في حلّ رغبة فيما أعطاه، ثم إنّ المولى بعدُ أصاب الدراهم التي أعطاه في موضع قد وضعها فيه العبد وأخذها المولى، إحلال له هي؟ فقال : «.. لا يحلّ له؛ لأنّه افتدى بها نفسه من العبد مخافة العقوبة والقصاص يوم القيامة» قال : فقلت : فعلى العبد أن يزكّيها إذا حال عليه الحول؟ قال : «لا إلاّ أن يعمل له بها»
الحديث.
وفيه مضافاً إلى ما مرّ قصور السند، وتضمّنه عدم جواز أخذ المولى ذلك منه وهو مخالف للإجماع كما في عبارة المختلف المتقدّمة ، ونحوها ما صرّح به أيضاً بعدها بأدنى فاصلة، فقال : لو فرضنا أنّ العبد يملك فإنّه لا يملك ملكاً تامّاً؛ إذ لمولاه
انتزاعه منه إجماعاً.
مضافاً إلى احتمال حمله على التقيّة؛ لأنّ الملكية مذهب جماعة من العامّة ،
كما يستفاد من عبارات هؤلاء النقلة للإجماعات المتقدّمة ، مع ظهور ذيله في ذلك من حيث تضمّنه
استحباب الزكاة في مال
التجارة ، وهو مذهب العامّة، وإن اشتهر أيضاً بين الطائفة.
وبه يمكن الجواب عن الأخبار المتوهّم منها الدلالة على الملكية مطلقاً، أظهرها دلالةً الخبر : عن رجل قال لمملوكه : أنت حرّ، ولي مالُك، قال : «لا يبدأ بالحريّة قبل المال، يقول : لي مالك، وأنت حرّ، برضا المملوك».
وفيه مع ذلك قصور السند، للجهالة، وإن عدّه من الحسن بل الصحيح جماعة،
وأنّه معارض بكثير من المعتبرة الدالّة على كون مال المعتَق للمالك إذا كان جاهلاً بماله مطلقاً ولو لم يستثن.
وأمّا الخبر : «أنّ
علياً عليه السلام أعتق عبداً فقال له : إنّ ملكك لي ولك، وقد تركته لك»
وفيهما : «إنّ ملكك لي ولكن قد تركته لك».
فمع قصور السند غير واضح الظهور في المنافاة لمذهب المشهور وغيره؛
لإجماله إن ارتكب المجاز في إحدى اللامين، ومخالفته الإجماع إن حملناه على الحقيقة، لإفادتهما التشريك بالبديهة، ولا قائل به من الطائفة. مع منافاته صريح الآية (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ)
الآية لتصريحها بأن ليس للعبيد في أموال الموالي شركة.
فاستدلال بعض الأجلّة
بهذه الرواية لقوله بإطلاق ثبوت الملكيّة له تبعاً للماتن في الشرائع
ضعيف غايته، كضعف
استدلاله بما أشرنا إليه من الأخبار المتقدّمة.ويتحصّل ممّا طوّلنا به الكلام في المسألة القطع بعدم الملكيّة فيما عدا فاضل الضريبة وأرش الجناية، وكذلك فيهما على الظاهر المشهور بين الطائفة.
رياض المسائل، ج۹، ص۵۷-۶۵.