طلاق المريض
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يكره
طلاق المريض، ويقع لو طلق، ويرث زوجته في
العدة الرجعية، وترثه الزوجة ولو كان
الطلاق بائنا إلى سنة، ما لم تتزوج أو يبرأ من مرضه ذلك.
يكره
الطلاق للمريض على الأشهر، بل كاد أن يكون إجماعاً بين من تأخّر؛ للنهي عنه في المعتبرة المستفيضة، منها
الصحيح: «ليس للمريض أن يطلّق، وله أن يتزوّج»
. وحملت على
الكراهة؛ للجمع بينها وبين ما دلّ على الوقوع من المعتبرة الأُخر المستفيضة الآتية.
وفيه نظر، فإنّ الوقوع لا ينافي
الحرمة في نحو المسألة من حيث إنّها ليست بعبادة.
نعم في الصحيح: عن الرجل يحضره
الموت فيطلّق امرأته، هل يجوز طلاقها؟ قال: «نعم، وإن مات ورثته، وإن ماتت لم يرثها»
وهو كما ترى ظاهر في الجواز، إلاّ أنّ القائل حمله على أنّ المراد به الوقوع لا نفي التحريم، لكنّه بعيد، وهو مع الشهرة العظيمة
وأصالة الإباحة لعلّه كافٍ في نفي الحرمة، إلاّ أنّ
الأحوط المصير إليها، وفاقاً
للمقنعة.
ولكن يقع لو طلّق والحال هذه، إجماعاً، حتى من القائل بها؛ لما مرّ، ويأتي إليه الإشارة من المستفيضة.
ويرث زوجته في
العدّة الرجعية إجماعاً، كما حكاه جماعة
، وهو
الحجة فيه، كعموم المستفيضة:
ففي الصحيح: «أيّما امرأة طلّقت، ثم تُوفّي عنها زوجها قبل أن تنقضي عدّتها ولم تحرم عليه، فإنّها ترثه، وتعتدّ عدّة المتوفّى عنها زوجها، وإن توفّيت وهي في عدّتها ولم تحرم عليه، فإنّه يرثها»
الخبر.
وفيه: «إذا طلّق الرجل امرأته توارثا ما كانت في
العدّة، فإذا طلّقها التطليقة الثالثة فليس له عليها رجعة، ولا
ميراث بينهما»
.
وفي
الموثق: عن الرجل يطلّق المرأة؟ قال: «ترثه ويرثها ما دام له عليها رجعة»
.
وفي الخبر: في رجل طلّق امرأته، ثم توفّي عنها وهي في عدّتها: «إنّها ترثه، وتعتدّ عدّة المتوفّى عنها زوجها، وإن توفّيت وهي في عدّتها فإنّه يرثها» الحديث
. وهي كما ترى عامة، سيّما الأوّل والأخير.
ولا ينافيها ما تقدّم من الصحيح النافي إرثه منها مطلقاً، وإن كان نصّاً في المريض؛ لاحتماله الحمل على الطلاق البائن، ولا ينافيه الحكم فيه باستيراث الزوجة فيه؛ لما ستقف عليه من اتفاق
النص والفتوى بذلك. أو على نفي الاستيراث بعد انقضاء العدّة، صرّح به
شيخ الطائفة.
ولا بأس به كالسابق؛ جمعاً بين الأدلّة، ولو لم يكن عليه شاهد ولا قرينة، بل ومع فرض الصراحة لا تضرّنا
الرواية؛ لكونها على هذا التقدير شاذّة لا يترك لأجلها عموم المعتبرة المتقدّمة، المعتضدة بالشهرة العظيمة، والإجماعات المحكية، وأصالة بقاء عصمة الزوجية الموجبة لتوارث الزوجين أحدهما من الآخر بالبديهة.
ثم إنّ ظاهر العبارة كعموم المعتبرة المستفيضة المتقدّمة، عدا الأخيرة اختصاص الحكم بإرثه منها بكونها في العدّة الرجعية، وهو الأظهر الأشهر بين
الطائفة، بل عليه
الإجماع عن
الخلاف، وأشعر به أيضاً عبارة بعض الأجلّة
.
خلافاً
للنهاية وجماعة
، فأثبتوا
الإرث له في
العدّة البائنة كالرجعية؛ لعموم الرواية الأخيرة من المستفيضة.
وتخصّ بما تقدّمها من المعتبرة. ولعموم خصوص الخبرين، في أحدهما: عن رجل طلّق امرأته آخر طلاقها؟ قال: «نعم، يتوارثان في العدّة»
.
وفي الثاني: «المطلّقة ثلاثاً ترث وتورث، ما دامت في عدّتها»
.
وهما مع قصور
السند والنهوض لمقاومة ما مرّ ليسا نصّين في المريض، وإطلاقهما مخالف للإجماع، وإخراجهما عن المخالفة بالتقييد بالمريض يحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة.
ومع ذلك ليسا نصّين في طلاق البينونة؛ لاحتمال آخر الطلاق في الأوّل: الآخر المتحقق منه في الخارج، ويجامع أوّل الطلقات والثاني، ولا ينحصر في الثالث، فيقبل الحمل على الأوّلين.
والمطلّقة ثلاثاً في الثاني: المطلّقة كذلك مرسلة، وقد مرّ أنّها تقع واحدة، فيرجع عدّة الطلاقين في الروايتين إلى الرجعية، فتلائمان بذلك المعتبرة المتقدّمة، وبالجملة لا وجه لهذا القول بالمرّة.
وترثه الزوجة في العدّة وبعدها ولو كان الطلاق بائناً لكن إلى سنة خاصة، فلا ترث بعدها ولو لحظة، بلا خلاف في ذلك، بل ادّعى عليه الإجماع جماعة
.
والأصل فيه المعتبرة المستفيضة، منها الصحيح: عن رجل طلّق امرأته وهو مريض؟ قال: «ترثه في مرضه ما بينه وبين سنة إن مات في مرضه ذلك» الخبر، وفي آخره: «وإن مات بعد ما يمضي سنة لم يكن لها ميراث»
.
والموثق: رجل طلّق امرأته وهو مريض تطليقة، وقد كان طلّقها قبل ذلك تطليقتين، قال: «فإنّها ترثه إذا كان في مرضه» قال: قلت: وما حدّ المرض؟ قال: «لا يزال مريضاً حتى يموت، وإن طال ذلك إلى سنة»
.
وهما كغيرهما وإن عمّا صورتي
تزويج المرأة بعد العدّة بغيره وعدمه، إلاّ أنّه ينبغي تقييدهما بما إذا لم تتزوّج فلو تزوّجت حرمت الميراث؛ للإجماع، والمعتبرة، منها
المرسل كالصحيح: في رجل طلّق امرأته وهو مريض، قال: «إن مات في مرضه ولم تتزوّج ورثته، وإن كانت تزوّجت فقد رضيت بالذي صنع، لا ميراث لها»
ونحوه غيره
.
وهذه النصوص متّفقة الدلالة كفتوى الجماعة على تقييد الحكم بقيد آخر، وهو المشار إليه في العبارة بقوله: أو يبرأ من مرضه ذلك فلو برئ منه ومات بمرض غيره قبل مضيّ السنة حرمت
الميراث ولو لم تتزوّج بغيره.
ثم إنّ
إطلاق النصوص كالعبارة يقتضي عموم الحكم مع الشرطين لصورتي الطلاق بقصد
الإضرار وعدمه، وهو الأظهر الأشهر بين الطائفة، بل ربما أشعر عبارة الخلاف
والمبسوط بإجماعهم عليه، وهو
الحجة فيه؛ مضافاً إلى إطلاق الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة.
خلافاً
للفقيه والاستبصار والمختلف وجماعة
، فخصّوه بالأُولى؛ حملاً للإطلاق عليها؛ نظراً إلى الغلبة، والتفاتاً إلى خصوص الموثقة: عن رجل طلّق امرأته وهو مريض، قال: «ترثه ما دامت في عدّتها، وإن طلّقها في حال إضرار فهي ترثه إلى سنة، فإن زاد على السنة يوم واحد لم ترثه»
.
ولا يخلو عن قوّة، وتعضده الرواية: «لا ترث المختلعة والمبارئة والمستأمرة في طلاقها من الزوج شيئاً، إذا كان ذلك منهنّ في مرض الزوج، وإن مات في مرضه؛ لأنّ
العصمة قد انقطعت منهنّ ومنه»
فتأمّل.
إلاّ أنّ الخروج عن الإطلاقات المعتضدة بالشهرة وحكاية الإجماع المتقدّمة مشكل، سيّما مع احتمال العموم في أكثر النصوص؛ لترك الاستفصال المفيد له عند الفحول، وليس كالمطلق يقبل الحمل على الغالب،
فالاحتياط لا يترك مع الإمكان، وإلاّ فالعمل على المشهور.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۲، ص۲۶۳-۲۶۸.