عدة الحامل
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
عدتها في
الطلاق بالوضع ولو بعد الطلاق بالحظة، ولو لم يكن تاما مع تحققه حملا؛ ولو طلقها فادعت
الحمل تربص بها أقصى الحمل؛ ولو وضعت توأما بانت به على تردد، ولا تنكح حتى تضع الآخر؛ ولو طلقها رجعيا ثم مات استأنفت
عدة الوفاة؛ ولوكان بائنا اقتصرت على إتمام
عدة الطلاق.
عدّتها في الطلاق وما في معناه
كالفسخ والوطء بشبهة، أو مطلقاً على قول بالوضع للحمل بتمامه، بشرط كونه من المطلّق ولو بعد الطلاق بلحظة بالكتاب
، والإجماع، والسنّة المستفيضة التي كادت تكون متواترة، وأكثرها صحاح ومعتبرة، ففي
الصحيح: في الرجل يطلّق امرأته وهي حبلى، قال: «أجلها أن تضع حملها»
.
وفيه: «فإن وضعت قبل أن يراجعها فقد بانت منه، وهو خاطب من الخطّاب»
.
وإطلاقها، كالآية الكريمة، وصريح الجماعة يقتضي الاكتفاء بالوضع مطلقاً ولو لم يكن تاماً لكن مع تحقق كونه حملاً ومبدأً لنشوء الآدمي قطعاً، ولا يكفي فيه مجرّد كونه
نطفة، إجماعاً، كما صرّح به بعض
.
وينصّ على الإطلاق مضافاً إلى
الإجماع الصحيح: «كل شيء وضعته يستبين أنّه حمل، تمّ أو لم يتمّ، فقد انقضت عدّتها، وإن كان
مضغة»
.
ثم إنّ ظاهر العبارة كالأدلّة انحصار
العدّة في الوضع خاصة، مضى لها قبله أشهر ثلاثة أم لا، وهو الأظهر الأشهر بين الطائفة، بل لعلّه المجمع عليه في أمثال هذه الأزمنة، وقد صرّح به بعض الأجلّة
.
خلافاً
للصدوق وابن حمزة في الأول، فجعلاه العدّة، لكن صرّحا بأن ليس لها
التزويج إلاّ بعد
الوضع؛ للخبر: «طلاق الحامل واحدة، وعدّتها أقرب الأجلين»
.
وفي سنده اشتراك، وفي دلالته نظر، فقد يكون المراد بأقرب الأجلين هو الوضع خاصّة، بمعنى: أنّه هو العدّة، وإن كان أقرب من الأطهار أو الأشهر، ويرجع المعنى حينئذٍ إلى أنّ عدّتها قد يكون بأقرب الأجلين، وهو: ما إذا كان هو الوضع، بخلاف
عدة الوفاة، فإنّه لا يكون إلاّ بأبعد الأجلين.
وهو وجه حسن في الجمع، بل لعلّ في بعض المعتبرة إشعاراً به، كالصحيحين: «وأجلها أن تضع حملها، وهو أقرب الأجلين»
فإنّهما مع تصريحهما بأنّ الأجل هو الوضع، المشعر بالحصر صرّحا بأنّه أقرب الأجلين، ولا وجه له إلاّ ما ذكرناه، فتدبّر.
نعم في الرضوي
دلالة على هذا القول، ولعلّه يأبى عن قبول نحو هذا
التأويل، إلاّ أن قصوره عن المقاومة لما مرّ من الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً، بل إجماع في الحقيقة كفانا مئونة الاشتغال بتأويله، ولا حاجة لنا إليه بالمرّة.
ولو طلّقها فادّعت
الحبل تربّص بها أقصى مدّة الحمل إجماعاً، والنصوص به مستفيضة، منها الصحيح: «إذا طلّق الرجل امرأته، فادّعت أنّها حبلى انتظر تسعة أشهر، فإن ولدت، وإلاّ اعتدّت بثلاثة أشهر، ثم قد بانت منه»
.
وظاهره كجماعة، منهم
الشيخ في
النهاية وجوب التربّص سنة، ولا ريب فيه على القول بكونها أقصى المدّة، وأمّا على القول بأنّها التسعة كما هو الأظهر، ومختار هؤلاء الجماعة فكذلك؛ لظاهر
الرواية، فيرجع الأمر حينئذٍ إلى وجوب
التربّص بعد الأقصى بأشهر ثلاثة.
خلافاً
للحلّي وآخرين
، فجعلوه حينئذٍ
أحوط؛ للمستفيضة، منها
الحسن في المرتابة بالحبل أنّ: «عدّتها تسعة أشهر» قلت: فإنّها ارتابت بعد تسعة أشهر، قال: «إنّما الحمل تسعة أشهر» قلت: فتزوَّج؟ قال: «تحتاط بثلاثة أشهر»
الخبر، ونحوه غيره
.
وفيه نظر، فإنّها مع قصور
السند ليس فيها سوى الأمر بالتربّص أقصى الحمل، والأمر بالاحتياط بعده بثلاثة أشهر، وهو غير
الاستحباب بالمعنى المصطلح، إلاّ على تقدير ثبوت كون
الاحتياط يراد به الاستحباب حيثما يطلق، وفيه نظر، فلا وجه لصرف الأمر بالاعتداد بالثلاثة الأشهر بعد الأقصى في الصحيح الذي مضى إلى الاستحباب، مع كونه كالأمر بالاحتياط في الحسن وغيره حقيقة في
الوجوب، هذا.
مضافاً إلى اعتضاده بفحوى ما دلّ على وجوب التربّص بذلك في
المسترابة، ففي المسألة من حيث إنّها فيها مدّعية أولى، فإذاً مختار الأوّلين أظهر وأقوى.
ثمّ ليس في الصحيح المتقدّم دلالة على كون أقصى الحمل هو السنة، بل هو ظاهر في التسعة، كما صرّحت به تلك المستفيضة، فإذاً الاستدلال به على السنة فاسد البتّة.
ولو وضعت توأماً بانت به كما عن النهاية
والقاضي وابن حمزة
؛ للخبر: عن رجل طلّق امرأته وهي حبلى، وكان في بطنها اثنان، فوضعت واحداً وبقي واحد؟ قال: «تبين بالأوّل، ولا تحلّ للأزواج حتى تضع ما في بطنها»
.
وفي سنده قصور وجهالة، مع مخالفته لإطلاق
الآية، والمعتبرة المصرّحة بأنّ العدّة وضع الحمل
، ولا يكون إلاّ بوضع التوأمين فما زاد لو كان.
اللهمّ إلاّ أن يدّعى انجبار الرواية بفتوى هؤلاء الجماعة.
وهو محلّ ريبة، كيف لا؟! والأشهر بين الطائفة بل ربما ادّعى عليه الشيخ في
الخلاف إجماع العلماء إلاّ من عكرمة
هو عدم الانقضاء إلاّ بوضع الحمل أجمع، ولعلّه لهذا كان الحكم عند المصنف على تردّد وليس في محلّه، بل الظاهر هو القول الآخر؛ لقوة أدلّته؛ مضافاً إلى
الأصل، سيّما مع وهن القول الأوّل برجوع الشيخ الذي هو عمدة القائلين به عنه إلى الثاني، مع دعواه إجماع الكلّ عليه إلاّ من ندر.
وكيف كان لم يجز لها أن تنكح زوجاً غيره إلى أن تضع الأخير بلا خلاف، بل عليه
الإجماع قد حكي
، وبه نص ما مرّ من الخبر؛ مضافاً إلى الأصل.
وثمرة الاختلاف فيما مرّ حينئذٍ جواز
الرجعة ووجوب
النفقة، فيثبتان على المختار، وينتفيان على غيره.
ولو طلّقها
طلاقاً رجعيّاً ثم مات عنها استأنفت
عدّة الوفاة أربعة أشهر وعشراً من حين
الوفاة، بلا خلاف؛ لأنّها بحكم الزوجة، والنصوص به مع ذلك مستفيضة، منها الصحيح: «أيّما امرأة طلّقت، ثم توفّي عنها زوجها قبل أن تنقضي عدّتها ولم تحرم عليه، فإنّها ترثه، ثم تعتدّ عدّة المتوفّى عنها زوجها»
.
ويستفاد من مفهوم القيد بعدم التحريم عليه بناءً على أنّ الظاهر مغايرة المعطوف للمعطوف عليه، وأنّ العطف التفسيري خلاف الأصل أنّه لو كان طلّقها بائناً اقتصرت على إتمام
عدّة الطلاق مضافاً إلى الأصل، وعدم الداعي إلى استئناف عدّة الوفاة للبينونة المطلقة، مع أنّه لا خلاف فيه.
ثم مقتضى الأصل، واختصاص النصوص بحكم
التبادر والغلبة بغير
عدّة المسترابة، اعتدادها بالأشهر الثلاثة بعد الصبر تسعة أشهر أو سنة، ولا إشكال فيه إذا بقي من المدّة ما يزيد على عدة الوفاة أو يساويها.
ويشكل في الناقص، كما إذا صبرت التسعة أو السنة ثم مات عنها؛ لما يظهر ممّا قدّمناه من أنّها بحكم الزوجة، وبعض المعتبرة من وجوب الحداد
ومن استئنافها عدّة الوفاة حينئذٍ، فتزيد على الثلاثة أشهر أربعين يوماً ليتمّ لها عدّة الوفاة، ومرجع هذا إلى لزوم مراعاتها في هذه الصورة أبعد الأجلين مما بقي من العدّة ومن عدة الوفاة.
وقيل فيه وجوه أُخر، والأصح ما قلناه.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۲، ص۳۰۲-۳۰۸.