الرجعة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
الرجعة، ردّ المرأة إلى
النكاح السابق من غير
طلاق بائن في العدّة. وتصح نطقا، كقوله: راجعت، وفعلا،
كالوطء، والقبلة، واللمس بالشهوة؛ ولو أنكر
الطلاق كان رجعة؛ ولا يجب في الرجعة
الإشهاد بل يستحب؛ ورجعة
الأخرس بالإشارة، وفي رواية بأخذ القناع؛ ولو ادعت انقضاء
العدة في الزمان الممكن قبل.
الرجعة بالكسر والفتح، والثاني أفصح، وهي لغةً: المرّة من الرجوع، وشرعاً: ردّ المرأة إلى
النكاح السابق من غير طلاق بائن في العدّة، وفسّرت به أيضاً في
القاموس والصحاح.
والأصل في شرعيتها
الكتاب،
والسنّة ، وإجماع العلماء، حكاه جماعة من أصحابنا
.
وتصح بكل ما دل على قصد الرجوع في النكاح، بلا خلاف بين العلماء إذا كان نطقاً، كقوله: راجعت ورجعت، وارتجعت، متّصلاً بضميرها، فيقول: راجعتكِ، وارتَجعتكِ، ورجعتكِ.
وهذه الثلاثة صريحة غير محتاجة في بيان
نية الرجعة إلى ضميمة، ولو مثل إليّ، أو إلى نكاحي، بلا خلافٍ، إلاّ أنّه ينبغي إضافتهما واستحب، كما قيل
، وبها تصير أصرح.
وفي معناها رددتكِ، وأمسكتكِ؛ لورودهما في
القرآن في قوله تعالى «وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ»
، «فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ»
، فلا يحتاج إلى نية الرجعة، أي قرينة معربة عنها، كما هو الشأن في الألفاظ الغير الصريحة.
وقيل: يفتقر إليها فيهما؛ لاحتمالهما غيرها، كالإمساك باليد، أو في البيت، ونحوه
. وهو حسن.
وبينا إذا كان فعلاً،
كالوطء والقُبلة واللمس بشهوة مع قصد الرجعة، فلا عبرة بها سهواً وغفلةً، أو مع قصد عدم الرجعة، أو لا معه مع عدم قصد الرجعة، فإنّ ذلك لا يفيد الرجوع، وإن فعل حراماً في غير الأوّل؛ لانفساح النكاح بالطلاق، وإن كان رجعيّاً، ولو لا ذلك لم تبن بانقضاء
العدّة، إلاّ أنّه لا حدّ عليه، وإن استحق التعزير، إلاّ مع
الجهل بالتحريم.
والأصل في حصول الرجعة بها بعد
الإجماع، والاندراج في العمومات، فإنّ المعتبر معنى الرجعة لا لفظها ما ورد في معتبر الأخبار، الصحيح إلى المجمع على تصحيح رواياته، الغير الضائر قصور
السند بعده، مع انجباره بعمل الكلّ، وفيه: «من غشي امرأته بعد انقضاء العدّة جلد الحدّ، وإن غشيها قبل انقضاء العدّة كان غشيانه إيّاها رجعة»
.
وإطلاقه وإن شمل الخالي عن قصد الرجعة، إلاّ أنّ اللازم التقييد به؛ جمعاً بينه وبين ما دلّ على اعتباره من
العقل والنقل. نعم لا يبعد أخذه دليلاً على كون
الأصل في الفعل الرجعة، كالألفاظ الصريحة، فلا يسمع دعوى عدمها إلاّ مع البيّنة، فيرجع التقييد على هذا إلى
التقييد بعدم ظهور عدم قصد الرجعة، لا ظهور قصدها.
خلافاً للروضة، فقيّده بقصد الرجوع، لا بعدم قصد غيره
. وهو حسن لولا إطلاق
النص المعتبر.
ولو أنكر الطلاق كان رجعة بلا خلاف، بل عليه
الوفاق في
المسالك؛ للصحيح: «إن كان أنكر الطلاق قبل انقضاء العدّة فإنّ إنكار الطلاق رجعة لها، وإن كان إنكار الطلاق بعد انقضاء العدّة فإنّ على
الإمام أن يفرِّق بينهما بعد
شهادة الشهود»
ونحوه الرضوي
.
ولدلالته على ارتفاعه في الأزمنة الثلاثة، ودلالة الرجعة على رفعه في غير الماضي، فيكون أقوى.
ولا يقدح فيه كون الرجعة من توابع
الطلاق، فينتفي حيث ينتفي المتبوع؛ لأنّ غايتها التزام ثبوت النكاح، والإنكار يدل عليه، فيحصل المطلوب منها، وإن أنكر سبب شرعيتها.
ثم إنّ
إطلاق النص
والفتوى يقتضي حصول الرجعة به مطلقاً، ولو مع ظهور أنّ الباعث عليه عدم التفطّن إلى وقوع المنكَر، ولو ذكره لم يرجع.
وهو مشكل؛ للقطع بعدم قصد الرجعة حينئذٍ، وهو معتبر إجماعاً، وتنزيلهما على ذلك بعيد؛ لبعد شمولهما لمثل ذلك، وغايتهما حينئذٍ إثبات أصالة الرجعة في
الإنكار، كما في الألفاظ الصريحة، إلاّ مع وجود الصارف عنها، كما فيها أيضاً، ولا كذلك الإنكار في غير الطلاق ممّا يجوز الرجوع، فلا يحكم به فيه بمجرّده؛ لأعمّيته عنه، واحتماله ما ذكرنا من عدم التفطّن، إلى آخره.
ولا يجب في صحة الرجعة
الإشهاد بلا خلاف، بل عليه إجماعنا في عبائر جماعة
، وهو
الحجة فيه، كفحوى المعتبرة
بعدمه في النكاح، فهنا أولى؛ مضافاً إلى خصوص الآتية بل يستحب للمستفيضة، ففي
الصحيح: «إنّ الطلاق لا يكون بغير شُهود، وإنّ الرجعة بغير شهود رجعة، ولكن ليشهد بعد فهو أفضل»
.
وفيه: في الذي يراجع ولم يشهد، قال: «يشهد أحبّ إليَّ، ولا أرى بالذي صنع بأساً»
.
وفيه: «إنّما جعل الشهود لمكان
الميراث»
.
وفي الرضوي: «وإنّما تكره الرجعة بغير شهود من جهة
الحدود والمواريث والسلطان»
.
ورجعة
الأخرس بالإشارة المفهمة، كسائر تصرّفاته، على المشهور بين الطائفة.
خلافاً
للصدوقين، فبإلقاء القناع عنها، عملاً بضدّ ما هو
أمارة طلاقها، وهو وضعه عليها، كما في
الخبر. وهو شاذّ، ومستنده مزيّف.
وفي قول الماتن: وفي رواية: يأخذ القناع عنها،
إشارة إلى وجود
الرواية بصريحها فيه، ولم نقف عليها.
ولو ادّعت المطلّقة انقضاء العدّة في الزمان الممكن ويختلف أقلّه باختلاف أنواع العدّة.
فهو من المعتدّة بالأقراء ستّة وعشرون يوماً ولحظتان في الحرّة، وثلاثة عشر يوماً ولحظتان في
الأمة، وقد يتفق نادراً انقضاؤها في الحرّة بثلاثة وعشرين يوماً وثلاث لحظات، وفي الأمة بعشرة وثلاث، بأن يطلّقها بعد الوضع وقبل رؤية دم
النفاس بلحظة، ثم تراه لحظة، ثم تطهر عشرة، ثم تحيض ثلاثة، ثم تطهر عشرة، ثم ترى
الحيض لحظة، والنفاس معدود بحيضة، ومنه يعلم حكم الأمة. ومن المعتدّة بالوضع تامّاً ستة أشهر ولحظتين من وقت النكاح، لحظة للوطء، ولحظة للولادة. وسقطاً مصوّراً مائة وعشرون يوماً ولحظتان. ومضغةً ثمانون يوماً ولحظتان.
وعلقةً أربعون كذلك، كما في المعتبرة المستفيضة، منها الصحيح: «تصل
النطفة إلى
الرحم فتردّد فيه أربعين يوماً، ثم تصير
علقةً أربعين يوماً، ثم تصير
مضغةً أربعين يوماً» الحديث
. ونحوه الموثق
وغيره
، بزيادة: «فإذا كمل أربعة أشهر بعث
الله تعالى ملكين خلاّقين» الخبر، وفي معناها النبوي
.
وقيل في الثلاثة بالرجوع إلى الإمكان عادةً
.
ولا ثمرة إلاّ مع ظهور المخالفة، وهي غير معلومة، وعلى تقدير تحققها فالأظهر العمل بالمعتبرة.
وكيف كان لو ادّعت الانقضاء كذلك ولا منازع لها قبل دعواها من دون
يمين، بلا خلاف يظهر فيه، وفي دعوى الانقضاء بالأشهر؛ للصحيحين
: «الحيض والعدّة إلى النساء» وزيد في أحدهما: «إذا ادّعت صدّقت».
وإطلاقهما ككلام أكثر الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين دعوى المعتاد وغيره.
خلافاً
للّمعة في الثاني، فلا يقبل إلاّ بشهادة أربع من النساء المطّلعات على أمرها؛ مسنداً ذلك إلى ظاهر الروايات
ولم نقف عليها إلاّ على رواية
هي مع قصور سندها غير صريحة في المدّعى، ولا ريب أنّ العمل بها
أحوط، سيّما مع
التهمة.
وكذا الحكم لو كان لها منازع فيقبل قولها في انقضاء العدة بالحيض والوضع، لكن مع اليمين، بلا خلاف.
وأمّا بالأشهر فقد قطع جماعة من الأصحاب منهم الماتن في
الشرائع بعدم قبول قولها، وتقديم قول الزوج المنكر؛ لرجوع النزاع إلى الاختلاف في وقت
الطلاق، والأصل عدم تقدّمه.
ومنه يظهر الوجه في تقديم قولها مع اليمين هنا، لو انعكس الفرض فادّعت البقاء لطلب
النفقة مثلاً، ولا ريب فيه، ويساعده
إطلاق النص.
ويشكل في أصل الفرض؛ لما ذكر من الإطلاق الذي هو بالنظر إلى الأصل المتقدم كالخاص بالإضافة إلى العام، فالوجه تقديمه عليه، لا العكس.
مع أنّه لو تعيّن لا نسحب الحكم هنا وهو تقديم قول الزوج في الصورتين الأُوليين، وهما دعوى الانقضاء بالحيض أو بالوضع أيضاً، فإنّ الأصل عدم الانقضاء، والعمل بالإطلاق فيهما وتركه هنا لا أعرف وجهه أصلاً.
وبالجملة فإن عمل بالأصل عمل به في المقامين، وإن عمل بإطلاق الصحيحين فليكن كذلك، فالتفكيك لا وجه له في البين.
اللهم إلاّ أن يقال بأنّ النزاع هنا حقيقة ليس في العدّة ليقبل قولها، وإن توجّه إليها في الظاهر، بل هو في زمان وقوع الطلاق، وليس مثله داخلاً في الإطلاق، فتدبّر.
فظهر أنّ المراد بالأصل هنا ليس أصالة عدم الانقضاء، بل المراد به أصالة عدم تقدّم
الطلاق، فلا وجه للنقض أصلاً.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۲، ص۲۷۶-۲۸۲.