عيوب الرجل في النكاح
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
عيوب الرجل المسلّطة لزوجته على فسخ نكاحه أربعة:
الجنون والخصاء والعنن والجب.
الأول: الجنون المطبق مطلقاً، أو الأدواري الذي لا يعقل معه أوقات
الصلاة إجماعاً، كما يظهر من جماعة
. وكذا الذي يعقلها معه مطلقاً، كان قبل
العقد أو تجدّد بعده مطلقاً. على الأشهر الأظهر في الأول، بل كاد أن يكون إجماعاً، بل صرّح به بعض الأجلّة
. خلافاً لابن حمزة، فأطلق اشتراط عدم التعقّل
؛ للمرسل: «إن بلغ بالجنون مبلغاً لا يعرف أوقات الصلاة فرّق بينهما، وإن عرف أوقات الصلاة فلتصبر
المرأة، فقد ابتُليت»
. وضعف سنده يمنع من العمل به، مع معارضته بالخبر الآتي، المعتضد بالشهرة ومفهوم
الرضوي، وبهما يخُصّ
المرسل والأصل لو تمسّك به.
وعلى قولٍ في الأخير
. خلافاً لأكثر القدماء، وهو الأصحّ؛ للرضوي: «إذا تزوّج رجل، فأصابه بعد ذلك جنون، فبلغ منه مبلغاً حتى لا يعرف أوقات الصلاة، فرّق بينهما، فإن عرف أوقات الصلاة فلتصبر المرأة، فقد ابتُليت»
.
وقصور
السند منجبر بالشهرة، مع اعتباره وحجّيته في نفسه، مضافاً إلى موافقته
الأصل، فلا يعارض شيئاً ممّا ذكر إطلاقُ
الخبر أو عمومه: عن المرأة يكون لها زوج وقد أُصيب في عقله بعد ما تزوّجها أو عرض له
جنون، فقال: «لها أن تنزع نفسها منه إن شاءت»
؛ لقصور سنده أولاً، مع عدم الجابر له في المقام جدّاً؛ وضعف دلالته ثانياً، فليقيّد أو يخصّص، فسقط حجّة القول الأول.
ويظهر من بعض المتأخّرين المناقشة في أصل الحكم؛ لعدم ما يدلّ عليه ممّا يعتمد عليه؛ لضعف الأخبار، وأخصّية أكثرها عن المدّعى؛ لاختصاصه بالمتجدّد
.
ويجبر الأول
الشهرة، بل والإجماع في الجملة، والثاني عدم القول بالفرق بين
الطائفة، مع إطلاق المرسلة المنجبر قصورها في أصل الحكم بالشهرة، وفحوى ما دلّ على أنّه عيب في المرأة من النصوص المستفيضة
؛ بناءً على أنّ الرجل له التخلّص بالطلاق لو وجد فيها، فثبوت
الخيار له مع ذلك ملازم لثبوته لها لو وجد فيه بطريق أولى؛ لعدم إمكان تخلّصها بدونه أصلاً.
وتوقّفه على ثبوت التعليل في الأصل ليستحقّ الأولويّة، وليس بثابت؛ المناقشة فيه واضحة؛ إذ المستند في اعتباره فهم العرف لا ثبوت التعليل، كيف لا؟! وقد دلّ آية حرمة التأفيف
على حرمة الأقوى من أنواع الأذى، ومسلّم الدلالة عند العلماء؛ مع أنّه لا إشعار فيها بالتعليل فضلاً عن الظهور، وهو هنا ثابت، فمتابعته
واجب.
ويومئ إلى ما ذكرنا من استناد حجّية الفحوى إلى فهم العرف لا إلى ثبوت التعليل تقسيم العلماء
القياس الحجّة إلى: الأولوية، والمنصوص العلّة؛ فلو توقّف حجّية الأول على ثبوت العلّة لكان من الثاني، فلا وجه للتقسيم وجعل قسم الشيء قسيمه، فتأمّل جدّاً.
وبالجملة: لا ريب في فساد ما ذكر قطعاً.
والثاني:
الخِصاء بكسر الخاء مع المدّ، وهو: سلّ الأُنثيين وإخراجهما وإن أمكن
الوطء، على الأظهر الأشهر بين الأصحاب؛ للمعتبرة المستفيضة:
منها
الصحيح: عن خصيّ دلّس نفسه لامرأة دخل بها فوجدته خصيّاً، قال: «يفرّق بينهما، ويوجّع ظهره، ويكون لها المهر بدخوله عليها»
، ونحوه الموثّقان
.
خلافاً للمبسوط
والخلاف؛ محتجّاً بأنّه يولج ويبالغ أكثر من الفحل وإن لم ينزل، وعدم الإنزال ليس بعيب
.
وهو
اجتهاد صرف في مقابلة
النصّ المعتضد بالشهرة، مع حجّيته في نفسه، فيخصّ به الأصل لو تمسّك به، ويقتصر فيه بمورده، وهو سبق العيب العقد؛ لظاهر لفظ
التدليس فيه، وهو أصحّ الأقوال.
وربما قيل بإطلاق ثبوت الخيار ولو تجدّد بعد الدخول
. وربما فُصِّل، فاثبت في المتجدّد قبله، ونُفي في المتجدّد بعده
. ولا يساعدهما النصوص، مع معارضتهما بالأصل السالم عن المعارض.
وفي حكم الخصاء:
الوِجاء، بالكسر والمدّ، وهو: رضّ الأُنثيين، بل قيل: إنّه من أفراده، وحكي عن بعض أهل اللغة
. وهو حسن إن تمّ القول، وإلاّ فللنظر فيه مجال، والاقتصار على الأصل لازم.
والثالث:
العنن وهو على ما عرّفه الأصحاب كما حكي: مرض يعجز معه عن
الإيلاج؛ لضعف الذكر عن الانتشار. من دون تقييد بعدم إرادة النساء، وربما يوجد في كلام بعض أهل اللغة
اعتباره. وثبوت الفسخ به في الجملة محلّ وفاق بين الطائفة، حكاه جماعة
؛ للمعتبرة المستفيضة:
منها الصحيح: «العنّين يتربّص به سنة، ثم إن شاءت امرأته تزوّجت، وإن شاءت أقامت»
.
والصحيح: عن امرأة ابتلى زوجها، فلم يقدر على
الجماع، أتفارقه؟ قال: «نعم، إن شاءت»
ونحوه بعينه غيره
.
ومقتضاهما كغيرهما من حيث العموم الناشئ عن ترك الاستفصال تعليق الحكم على غير القادر على الجماع مطلقاً، أراد النساء أم لا، فيكون هو المراد بالعنّين المطلق في الصحيح الأول وغيره حقيقةً كان فيه كما هو ظاهر الأصحاب، أو مجازاً إن اعتبرنا القيد الماضي فيه وذلك لأنّ أخبارهم: يكشف بعضها عن بعض.
ثم المستفاد ممّا مضى من النصوص وغيرها:
إطلاق الخيار، الشامل لصور تقدّم العيب قبل العقد وتجدّده بعده، كان قبل الدخول أو بعده، وعلى الاولى
الإجماع، وعلى الثانية والثالثة الشهرة بين الطائفة، ويأتي تمام التحقيق في المسألة السادسة.
والرابع:
الجَبّ، وهو: قطع الذكر كلاًّ، أو بعضاً لا يبقى معه قدر الحشفة، ولو بقي فلا خيار إجماعاً. وثبوت الخيار به مشهور بين الأصحاب، بل كاد أن يكون إجماعاً، وعن
المبسوط والخلاف نفي الخلاف عنه
؛ وهو
الحجّة فيه.
مضافاً إلى فحوى ما دلّ على ثبوته بالخصاء والعنن، فإنّه أقوى عيباً منهما؛ لقدرة الخصي على الجماع في الجملة، وإمكان برء العنن، بخلاف المجبوب الذي لم يبق له ما يمكنه الوطء، فثبوت الخيار فيهما ملازم له فيه بطريق أولى. ويعضده عموم ما مرّ من الصحيح وغيره: عن امرأة ابتلى زوجها، فلم يقدر على الجماع، أتفارقه؟ قال: «نعم، إن شاءت».
فتردّد الماتن في
الشرائع لا وجه له، والنصّ بالخصوص غير لازم، والأصل بما مضى مخصَّص. وحيث كان من المتمسَّك به في إثبات الحكم هنا عموم الصحيح وغيره، وجب القول بثبوت الخيار على الإطلاق، سبق العيب العقد أو تأخّر عنه، لحق الوطء أو تقدّمه، كما عن
الطوسي والقاضي وجماعة
، ولعلّه الأشهر، بل حكي عن الأول الإجماع عليه صريحاً
، وإن حكي عنه في موضع آخر ما أشعر بانعقاد الإجماع على اختصاصه بالأول
؛ لعدم معارضة الظاهر الصريح.
وربما قيل باختصاصه بالأول
؛ تمسّكاً بالأصل، وعدم المخرج عنه؛ لفقد الإجماع بالتعارض، وانتفاء الفحوى فيما عداه؛ لاختصاص الخيار في الخصاء بسبقه العقد كما مرّ.
ويضعّف بثبوت المخرج؛ لكون الإجماع على العموم أقوى كما مضى، وعدم انحصار الفحوى في الخصاء؛ لثبوته في العنن الثابت به الخيار مع التجدّد بعد العقد، مع عدم انحصار المخرج فيما ذكر بعد إطلاق النصّ الدافع لذلك، وللقول باختصاصه بغير المتجدّد بعد الوطء
؛ المستند إلى ثبوت الحكم هنا بفحوى ثبوته في العنن، المقتضي للاشتراك معه في عدم الخيار بعد الوطء كاشتراكه معه في ثبوته قبله؛ المضعّف بضعف المستند؛ إذ غايته إثبات الشركة في الثبوت لا العدم، فلا ينافي ثبوت الخيار في الفرع بالنصّ في محلٍّ ينتفي فيه في الأصل، وهو ما بعد الوطء.
وبالجملة: القول الأول أجود، وإن كان
الاحتياط ممّا لا ينبغي أن يترك؛ لاحتمال حصول
الشكّ في النصّ بعدم
تبادر محلّ الفرض منه، والإجماع بما مضى، وإن كان بالإضافة إلى ما قابلة أقوى؛ بناءً على ضعف هذه القوّة الزائدة عن تخصيص الأصالة القطعيّة.
وكيف كان، فاتّحاده مع العنن ممّا لا ينبغي أن يستراب فيه، ويبقى الكلام في زيادته عليه، والاحتياط لازم في مثله.
ثم إنّ حصر العيوب في الأربعة هو الأشهر بين الطائفة؛ للأصل، والخبر المعتبر بوجود جمع مجمع على تصحيح رواياتهم في سنده
كصفوان وأبان فلا يضرّ جهالة راويه، وفيه: «والرجل لا يردّ من عيب»
.
خلافاً للقاضي، فردّ بالجذام والبرص والعمى
، وللإسكافي، فردّ بها وبالعرج
والزناء.
ووافقهما شيخنا
الشهيد الثاني في الأولين
؛ لعموم الصحيح: «إنّما يردّ النكاح من
البرص والجنون
والجذام والعفل»
فإنّه عامّ في الرجل والمرأة إلاّ ما أخرجه الدليل.
ولأدائه إلى الضرر المنفيّ، فإنّه من الأمراض المعدّية باتّفاق الأطبّاء، وقد روي أنّه (علیهالسّلام) قال: «فرّ من المجذوم فرارك من الأسد»
فلا بُدّ من طريق إلى التخلّص، ولا طريق للمرأة إلاّ الخيار.
والنصّ
والفتوى الدالاّن على كونهما عيباً في المرأة مع وجود وسيلة الرجل إلى الفرقة بالطلاق قد يقتضيه في الرجل بطريق أولى.
وفي الجميع نظر؛ لمنع العموم في الصحيح؛ لاختصاصه بحكم التبادر والسياق بعيوب المرأة، فلا تعدية. ومنع حصر طريق التخلّص في الخيار، فقد يمكن بإجبار الحاكم بالطلاق، أو انتزاعها منه إلى حصول العلاج. وفيه مع ذلك استلزامه طرد الحكم في كلّ مرض معدّ، ولا أراه يلتزمه، مع مخالفته الإجماع.
والأولويّة جيّدة، لولا
الرواية المعتبرة في نفسها، المنجبرة هنا بالشهرة، وعدم القول بعمومها غير قادح في حجّيتها، كيف لا؟! والعامّ المخصَّص ولو بإجماع العلماء
حجّة في الباقي حيث يبقى الأكثر كما هنا عند أصحابنا.
فالقول الأول لذلك، مع اعتضاده بالأصل المقطوع به أقوى. وأمّا ما عدا الأمرين، فحجّة القائلين بالفسخ فيه غير واضح في البين، إلاّ على القول بثبوت
الخيار به في المرأة؛ للأولويّة المتقدّمة، ولكن يأتي فيها ما في سابقتها، ومع ذلك يتوقّف استناد القائلين إليها على قولهم بذلك. هذا، مع ما في الأولويّة هنا من المناقشة الواضحة.
نعم، وردت الأخبار المستفيضة بالأمر بالتفريق بين الرجل والمرأة بزناه بعد
العقد.
ففي الصحيح: عن رجل تزوّج بامرأة، فلم يدخل بها فزنى، ما عليه؟ قال: «عليه
الحدّ، ويحلق رأسه، ويفرّق بينه وبين أهله»
.
وهي مع عدم ظهورها في الخيار وإنّما ظاهرها لزوم التفريق ولا قائل به معارضة بالأصل، والصحيح: عن الرجل يزني قبل أن يدخل بأهله، أيرجم؟ قال: «لا» قلت: يفرّق بينهما إذا زنى قبل أن يدخل بها؟ قال: «لا»
وهما معتضدان بعمل الأصحاب، فلا يعارضهما شيء ممّا مضى.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۱، ص۴۴۴-۴۵۳.