قسمة الفيء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو الغنيمةُ تُنالُ بلا قتال .هنا يأتي كيفية قسمة الفيء وكيفية إخراج الخمس منه و..
(الأوّل : في قسمة الفيء) وهو
والغنيمة بمعنى واحد على قول،
وعلى آخر حكاهما في كنز العرفان ـ : أنه ما أُخذ من الكفّار بغير قتال، والغنيمة : ما أُخذ بقتال.وفي الكنز : أنّ هذا مذهب أصحابنا والشافعي، وهو مرويّ عن
الباقر والصادق علیهما السلام. وعند أصحابنا والشافعي أنّ الفي للإمام خاصةً، والغنيمة يخرج منها
الخمس والباقي بعد المُؤَن للمقاتلين ومن حضر القتال.
أقول : وعلى هذا فالتعبير بالغنيمة أولى، كما في جملة من كتب أصحابنا.
أنه (يجب
إخراج ما شرطه الإمام) للمقاتل وغيره (أوّلاً كالجعائل) التي يجعلها للمصالح، كالدليل على عورة أو طريق، فيبدأ بها (ثم ما يحتاج إليه الغنيمة) من المُؤَن (كأُجرة الحافظ والراعي) والناقل وأضرابهم (وبما يرضخ) والمراد به هنا العطاء اليسير الذي لا يبلغ سهم من يعطاه لو كان مستحقّاً للسهم، كما يرضخ (لمن لا قسمة له كالنساء والعبيد والكفّار).
(ثم يخرج الخمس) بعد ذلك وفاقاً للمبسوط والأكثر.
ولا
إشكال في نحو السلب؛ لتعلّق الحقّ بالعين فلا تدخل في الغنيمة. ونحوه ما يصطفيه
الإمام لنفسه، من فرس أو جارية أو سيف أو درع أو غير ذلك ممّا يشاء؛ للنصّ المعتبر : «وللإمام صفو المال، أن يأخذ الجارية الفارهة، والدابة الفارهة، والثوب والمتاع ممّا يحب أو يشتهي، فذلك له قبل قسمة المال وقبل إخراج الخمس، وله أن يسدّ بذلك المال جميع ما ينويه من مثل
إعطاء المؤلّفة قلوبهم وغير ذلك مما ينويه، فإن بقي بعد ذلك شيء أخرج منه الخمس فقسّمه في أهله وقسّم الباقي على من ولي ذلك، وإن لم يبق بعد سدّ النوائب شيء فلا شيء لهم» الحديث.
وضعفه
بالإرسال مجبور بكونه من حماد المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه، مع
الإجماع المستفاد من الغنية في الصفو.
وقريب منهما المُؤَن؛ لهذا النصّ، ولما قيل : من أنّ الغنيمة في الحقيقة هو ما حصل واستقرّ ملك الغانمين عليه، وذلك إنّما هو بعدها.
وبه استدلّ على الرضخ أيضاً.
ويضعّف بأنّه في الحقيقة نوع من قسمة الغنيمة، غايته أنّه ناقص عن
السهام ، وذلك غير مانع، كما أنّ نقصان سهم الراجل عن سهم
الفارس غير مؤثّر في تقدّم الخمس عليه. وإطلاق اسم الغنيمة على المال المدقوع رضخاً واضح.فوجوب الخمس فيه قويّ، وفاقاً للشهيدين في الدروس والمسالك والروضة،
أخذاً بعموم الآية (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ)
الآية ، السليمة هنا عمّا يصلح للمعارضة سوى ما عرفت ضعفه.
ولعلّه لذلك قال الشيخ في الخلاف فيما حكي عنه بتقديم الخمس على الأُمور المزبورة.
وهو حسن في الرضخ، ويوافقه قول الإسكافي بتقدّمه على النفل.
قيل : هو بالتحريك، واصلة الزيادة، والمراد هنا زيادة الإمام لبعض الغانمين على نصيبه شيئاً من الغنيمة لمصلحة، كدلالة وإمارة وسرية وتهجّم على قرن أو حصن وتجسيس حال، وغيرها ممّا فيه نكاية الكفّار.
وضعف فيما عداه؛ لما مضى من خروج ذلك عن الغنيمة، فلا يدخل في إطلاق الآية وعمومها.
بل يمكن القول بتقدّم نحو الرضخ على الخمس أيضاً؛ لعموم النصّ المتقدّم لولا قصور سنده عن الصحة ودلالته عن الصراحة مع عدم جابر له
بالإضافة إليه، كما في الصفر، لصراحة دلالته فيه وانجبار ضعف سنده بالنسبة إليه بإجماع الغنية.
إلاّ أن يقال بأنّ الظهور كافٍ في الدلالة، وعمل الأكثر كافٍ في جبر السند.وفي المختلف قدّم الخمس على الجميع إن لم يشترط الإمام لأرباب الحقوق حقوقهم من غير خمس.
وهو أحوط، وأحوط منه ما عن الخلاف مرّ.
•
من يسهم له من الغنيمة بعد الخمس،(و)
إخراج ما مرّ (يقسّم الباقي) من الأربعة الأخماس الباقية (بين المقاتلة ومن حضر القتال) ليقاتل (وإن لم يقاتل حتى الطفل) الذكر من أولاد المقاتلين، دون غيرهم ممّن حضر لصنعة أو حرفة.
(والجيش يشارك سريّته) بالفتح وتخفيف الراء وتشديد الياء، وهي جملة من العسكر الصادرة منه في غنيمتها، كما هنا وفي
الشرائع والسرائر والدروس والتحرير والمسالك
وفيهما : وكذا لو غنم الجيش شاركهم السريّة، وفي الأخير : أنّه موضع وفاق. ثم فيهما وفي الشرائع : وكذا لو تعدّدت السرايا عن جيش واحد فإنّ كلا منها يشارك الآخر، وفي
التحرير : سواء بعثها إلى جهة واحدة أو جهتين. ثم فيهما : ولو بعث
الأمير رسولاً لمصلحة الجيش أو دليلاً أو جاسوساً لينظر عددهم وينقل أخبارهم فغنم الجيش قبل رجوعه إليهم أُسهم له.
وظاهرهم عدم الخلاف في شيء من ذلك بيننا، كما صرّح به في
المنتهى في جملة منها؛
ولعلّه الحجة المؤيّدة بفحوى ما مرّ في مشاركة المولود إذا ولد قبل قسمة المقاتلة، وبأنّ الجيش مدد السرية فيشاركهم في الغنيمة. وبه استدل في السرائر.
(ولا يشاركها) أي السريّة (عسكر البلد) كما هنا وفي الشرائع والتحرير،
وزاد فيه : ولو بعث سريّتين أو جيشين وهو مقيم فكل واحد منهم يختصّ بما غنمه.ولا إشكال في هذا الحكم ولا خلاف كما يظهر من المنتهى؛
للأصل، واختصاص ما دلّ على الشركة من النص والفتوى بالمقاتلة ومن في حكمهم من المدد، ولا يدخل فيهما عسكر البلد.
بل لولا ما قدّمناه في المسألة السابقة من عدم الخلاف فيها المؤيد بما عرفته، لكان اختصاص السرية بما غنمته دون جيشها مطلقاً في غاية القوة؛لظهور الأخبار المعتبرة في القسمة
في
الاختصاص بالمقاتلة ومن يلحقهم من المدد خاصّة، وليس منهما الجيش وإن خرجت عن البلد حيث لم يلحقهم كما هو فرض المسألة، وإلاّ فمع فرض اللحوق كانت مسألة أُخرى تقدّمت إليهما
الإشارة ولا إشكال في حكمها، لورود نصّ فيها بالخصوص معتضد بالفتاوى لولاهما لكانت محل إشكال أيضاً.
واعلم أنّ إطلاق الأدلّة فتوًى ورواية بلزوم القسمة بين المقاتلة يقتضي عموم الحكم فيهم إعراباً كانوا بالمعنى الآتي أو غيرهم.(و) لكن في جملة من الأخبار المرويّة من طرق الخاصّة والعامّة أنّه (صالح النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأعراب عن ترك المهاجرة) والمجيء إلى دار
الإسلام (بأن يساعدوا) المسلمين على القتال (إذا استفزّهم) واستنفرهم ليقاتلوا (ولا نصيب لهم في الغنيمة).
ففي الحسن بل الصحيح في حديث طويل أنّه عليه السلام قال لعمرو بن عبيد : «أرأيت إن هم أبوا الجزية فقاتلتهم فظهرت عليهم، كيف تصنع بالغنيمة؟» قال : أُخرج الخمس وأُقسم أربعة أخماس بين من قاتل عليه، إلى ان قال : «أرأيت الأربعة أخماس تقسمها بين جميع من قاتل عليها؟» قال : نعم، قال : «فقد خالفت
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سيرته، بيني وبينك فقهاء أهل
المدينة ومشيختهم نسألهم، فإنّهم لم يختلفوا أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صالح
الأعراب على أن يدعهم في ديارهم ولا يهاجروا على أنّه إن دهمه من عدوّه دَهم أن يستنفرهم فيقاتل بهم وليس لهم في الغنيمة نصيب، وأنت تقول بين جميعهم، فقد خالفت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سيرته في المشركين».
ونحوه المرسل كالصحيح
وفيه بعد قوله نصيب «وسنّته جارية فيهم».وهما مع تعدّدهما
واعتبارهما سنداً وتأيّدهما برواية أُخرى موافقة لهما من طرق العامّة مرويّة في المنتهى
واضحاً الدلالة؛ لعدم قبولهما الجواب بأنّهما قضية في واقعة لا عموم لهما، لتصريحهما معنىً ولفظاً بأنّ ذلك سنّة جارية.
وعمل بهما الشيخ في
المبسوط ، والنهاية،
وتبعه من المتأخرين جماعة كالفاضلين هنا وفي المختلف
والشهيدين في
الدروس والمسالك،
وفيه : أنّه المشهور، بل لم ينقل فيه خلاف إلاّ عن الحلّي في السرائر،
حيث شرك بينهم وبين المقاتلة مدّعياً شذوذ الرواية ومخالفتها لأُصول المذهب والإجماع على أنّ من قاتل من المسلمين فهو من جملة المقاتلة وأنّ الغنيمة للمقاتلة.وردّه في التنقيح بأنّ مع الصلح على ذلك يسقط
الاستحقاق .
ولكن ظاهر الفاضلين في الشرائع والتحرير والمنتهى
التردد في المسألة؛ ولعلّه إمّا لعدم صحة سند الروايتين عندهما كما يظهر من المنتهى، أو لضعف دلالتهما على المراد من الأعراب أهم المسلمون أم الكفّار (الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) ؟ والثاني ليس محل النزاع، وإنّما هو الأوّل كما صرّح به جماعة. />
وحينئذ فيشكل
الاعتماد عليهما في تقييد ما مرّ من إطلاق الأدلّة، مع منافاة ما فيهما من المصالحة بترك المهاجرة عموم ما دلّ على وجوب تحصيل المعرفة، ولا تحصل مع ترك المهاجرة، ففي المصالحة
إعانة على
الإثم والمعصية محرّمة بالكتاب والإجماع والسنة، مع احتمالهما الحمل على التقية، لموافقتهما لرواية العامّة كما عرفته، بل ومذهبهم كما مرّ في الصحيحة من أنّ فقهاء أهل المدينة لا يختلفون في ذلك، والمراد بهم فقهاء العامّة بلا شبهة.
لكن ظاهر السرائر والمنتهى وغيرهما وضوح الدلالة وأنّ المانع عن العمل بهما إمّا هو الشذوذ، أو عدم الصحة؛ ولعلّه لإجماعنا كما في المنتهى
على أنّ الكافر لا سهم له في الغنيمة مطلقاً، وظاهر الروايتين ثبوته للأعراب لو لم يصالحوا، وأنّ سقوطه للصلح لا
بالأصل ، فظهر أنّ المراد بهم المسلمون من الأعراب الذين يثبت لهم السهم من غير الصلح.ولا بأس به، وإن أمكن دفعه بأنّ ليس في الروايتين تصريح بالسهم بالمعنى المعروف، والنصيب فيهما يحتمل الرضخ الثابت للكافر بلا خلاف. وبالجملة المسألة محل إشكال وشبهة.
(ولو غنم المشركون أموال المسلمين وذراريهم ثم ارتجعوها) أي المسلمون منهم (لم تدخل في الغنيمة) بلا خلاف في الذراري الأحرار، على الظاهر، المصرّح به في التنقيح والسرائر
معربين عن
الإجماع عليه كما في صريح الدروس والمنتهى؛
للأصل، والنصّ عن الترك يغيرون على المسلمين فيأخذون أولادهم فيسرقون منهم، أيردّ عليهم؟ قال : «نعم، والمسلم أخو المسلم، والمسلم أحقّ بماله أينما وجده».
ونحوه آخر مرسل سيذكر، وضعفهما بالجهالة والإرسال مجبور هنا بالأصل والإجماع.
وظاهر الأوّل
انسحاب الحكم في المماليك وسائر الأموال، فتردّ على أربابها بعد ثبوتها بالبيّنة ونحوها. ولا خلاف فيه أيضاً إذا كان قبل القسمة كما يستفاد من نحو العبارة حيث خصّ الخلاف بما بعدها، وعزاه في المنتهى إلى عامة العلماء،
مؤذناً بدعوى إجماعهم عليه وعلى أنّ الإمام لا يغرم للمقاتلة هنا شيئاً.
ولكن
الشيخ في النهاية أطلق أنّها للمقاتلة وأنّ الإمام يعطي أربابها الأثمان من
بيت المال ،
ولم يفصّل بين قبل القسمة وبعدها، ونفى عنه البأس القاضي بعد أن أفتى بالأوّل،
ووافقهما الإسكافي والحلبي
لكنّه فيما عدا المماليك، وفيهم قال بالأوّل، والإسكافي في المماليك خاصّة ولم يذكر غيرهم.
وله المرسل : «أمّا أولاد المسلمين فلا يقامون في سهام المسلمين، ولكن يردّون إلى
أبيهم وأخيهم وإلى وليّهم بشهود، وأمّا المماليك فإنّهم يقامون في سهام المسلمين فيباعون وتعطى مواليهم قيمة أثمانهم من بيت مال المسلمين».
وهو مع ضعفه بالإرسال ومخالفة الأصل وما مرّ من النصّ معارض بآخر : في رجل كان له عبد فأدخل دار الشرك ثمّ أُخذ سبياً إلى دار الإسلام قال : «إن وقع عليه قبل القسمة فهو له، وإن جرى عليه القسمة فهو أحقّ به بالثمن».
مضافاً إلى ما سيأتي.
وللنهاية والحلبي الصحيح : عن رجل لقيه العدوّ وأصاب منه مالاً أو متاعاً، ثم إن المسلمين أصابوا ذلك، كيف يصنع بمتاع الرجل؟ فقال : «إذا كانوا أصابوا قبل ان يحوزوا متاع الرجل ردّ عليه، وإن كانوا أصابوه بعد ما جازوه فهو فيء المسلمين فهو أحقّ : بالشفعة».
ولكن
الحيازة فيه تحتمل القسمة لا
الاغتنام ، ومع ذلك فقد حمله الشيخ
وغيره
على التقية، فلا يعترض به الأدلّة المتقدمة مع اعتضادها أو
انجبارها زيادة على الأصل بالشهرة العظيمة.فلا إشكال في المسألة من الردّ على أربابها إذا عرفت قبل القسمة بنحو من البيّنة، من غير أن يغرم
الإمام شيئاً للمقاتلة.(و) إنّما الإشكال في الخلاف المعروف فيما (لو عرفت بعد القسمة) وقد اختلف الأقوال فيه، والأخبار.
وللشيخ (فـ) ـيه (قولان) معروفان.أحدهما في النهاية : أنّها للمقاتلة ويغرم الإمام أثمانها لأربابها، كما في المسألة السابقة.وثانيهما في المبسوط والخلاف والاستبصار
: أنّها لأربابها ويغرم الإمام أثمانها للمقاتلة من بيت المال. واختار هذا الحلّي والفاضل في التحرير والمنتهى والمختلف، والشهيد في الدروس
لكنّه لم يذكر الغرامة والماتن في الشرائع
والكتاب لقوله : (أشبههما ردّها على المالك ويرجع الغانم على الإمام بقيمتها مع التفرّق) أي تفرّق العسكر وعدم
إمكان الجمع فيغرمها من بيت المال (وإلاّ) يتفرّق (فعلى الغنيمة) فتعاد القسمة أو يرجع الإمام على كلّ بالنسبة.لكن ليس في كتب الشيخ ومن مرّ هذا التفصيل من التفرق فإلى الإمام وقبله فإلى الغنيمة. ووافق الماتن شيخنا في المسالك، والفاضل المقداد في الشرح.
ولا بأس به؛ للنص : عن رجل كان له جارية، فأغار عليها المشركون فأخذوها، ثم إن المسلمين بعد غزوهم فأخذوها فيما غنموا منهم، فقال : «ان كانت في الغنائم وأقام البيّنة أنّ المشركين أغاروا عليهم فأخذوها منه ردّت عليه، فإن كانت اشتريت وخرجت من المغنم فأصابها ردّت عليه برمتها وأُعطي الذي اشتراها الثمن من المغنم من جمعيه» قيل له : فإن لم يصبها حتى تفرّق الناس وقسموا جميع الغنائم فأصابها بعد؟قال : «يأخذها من الذي هي في يده إذا أقام البينة، ويرجع الذي هي في يده على أمير الجيش بالثمن».
وضعف سنده بالجهالة مجبور بالأصل، والنصّ، والشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً، بل إجماع كما في الغنية
ولو على أصل الردّ من غير التفصيل المتقدم إليه الإشارة، مع سلامة جميع ذلك عمّا يصلح للمعارضة سوى الأخبار الثلاثة المتقدّمة للنهاية في المسألة السابقة، فإنها تدل على مختاره في هذه المسألة. لكنّها مع ضعف سند أكثرها ومخالفتها الأُصول محمولة على
التقية ، فقد حكاه في المنتهى عن الثوري والأوزاعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة.
رياض المسائل، ج۸، ص۸۲-۹۸.