لقطة المال الصامت
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وفيه ثلاثة فصول:
اللقطة: كل مال ضائع أخذ ولا يد عليه فما دون
الدرهم ينتفع به بغير تعريف؛ وفي قدر الدرهم روايتان، وما كان أزيد، فإن وجده في الحرم كره أخذه وقيل يحرم ولا يحل أخذه إلا مع
نية التعريف، ويعرف حولا فان جاء صاحبه والا تصدق به عنه او استبقاه
أمانة، ولا يملك؛ ولو تصدق به بعد الحول فكره المالك لم يضمن الملتقط على الأشهر؛ وان وجده في غير الحرم يعرف حولا؛ ثم الملتقط
بالخيار بين التملك
والصدقة و ابقائها أمانة؛ ولو تصدق بها فكره المالك ضمن الملتقط ولو كانت مما لا يبقى كالطعام قومها عند الوجدان وضمنها وانتفع بها وان شاء دفعها إلى الحاكم، ولا
ضمان؛ ويكره أخذ الادواة، والمخصرة، والنعلين؛ والشظاظ، والعصا، والوتد، والحبل، والعقال، وأشباهها؛ مسائل: الأولى: ما يوجد في خربة أو فلاة أو تحت الأرض فهو لواجده؛ ولو وجده في أرض لها أو بائع ولو كان مدفونا، عرفه المالك أو البائع فان عرفه فهو أحق به إلا كان للواجد؛ وكذا ما يجده في دابته؛ ولو وجد في جوف سمكة قال
الشيخ: أخذه بلا تعريف؛ الثانية: ما وجده في صندوقه أو داره فهو له، ولو شاركه في التصرف كان كاللقطة إذا أنكره؛ الثالثة: لا تملك اللقطة بحول الحول وإن عرفها ما لم ينو التملك؛ وقيل: تملك بمضي الحول.
اللقطة: كلّ مال ضائع أُخذ ولا يد عليه هذا تعريف لها بالمعنى الأخصّ الذي هو المعروف منها لغةً كما مضى. وربما كان فيه مع جعل المعروف قسماً ثالثاً من اللقطة تقسيم للشيء إلى نفسه وغيره. ويندفع بأنّ المراد من المقسم المعنى الأعمّ الذي هو المصطلح في استعمال
الفقهاء، فلا محذور؛ لتغاير الاعتبارين. وكان عليه أنْ يقيّد المال بالصامت كي لا ينتقض في طرده بالحيوان الضائع حتى العبد فإنّه داخل في المال المطلق.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ ما كان منه دون الدرهم يجوز التقاطه و ينتفع به من غير تعريف بلا خلاف ظاهر، بل عليه الإجماع عن
التذكرة وفي
التنقيح لكن فيما عدا لقطة الحرم؛ وهو
الحجّة، مضافاً إلى صريح الروايات الآتية.
وهل يجب ضمانه مع ظهور مالكه؟ قولان، أحوطهما ذلك، وفاقاً
للقواعد والتنقيح وغيرهما
؛ للأصل، وعدم صراحة النصوص في التملّك بناءً على عدم صراحة اللام فيه، مع أنّ بعضها الذي هو المعتبر سنداً دون ما تضمّن اللام؛ لإرساله، مع عدم جابر له فيه جدّاً لم يتضمّن عدا نفي وجوب التعريف في هذا المقدار، وهو لا يستلزم التملك؛ لاجتماعه مع جواز التصرّف فيه، هذا. مضافاً إلى اعتضاده ببعض ما مرّ فيما يشابه المسألة قريباً.
وفي إلحاق قدر الدرهم بما دونه في الحكم المتقدّم قولان، أظهرهما بل وأشهرهما العدم، وفاقاً
للصدوقين والشيخين، والقاضي والحلي
؛ للأصل المعتضد بإطلاق النصوص المستفيضة، بل
المتواترة بلزوم تعريف اللقطة
، مع أنّ جملة منها عامّة؛ لما فيها من ترك الاستفصال، وهي حجّة أُخرى مستقلّة وإن كانت للأوّل معاضدة.
وخصوص الروايات، منها: الصحيح الصريح المتقدّم: عن الرجل يصيب درهماً أو ثوباً أو دابّةً كيف يصنع؟ قال: «يعرّفها سنة»
فتأمّل.
والمرسل كالصحيح بابن أبي عمير المجمع على تصحيح رواياته: عن اللقطة، قال: «تعرّف سنةً قليلاً كان أو كثيراً» قال: «وما كان دون الدرهم فلا يعرّف»
.
ومرسل
الفقيه: «وإن كانت اللقطة دون درهم فهي لك فلا تعرّفها»
الخبر.
خلافاً
للديلمي والتقي وابن حمزة، فاختاروا الإلحاق. وحجّتهم عليه غير واضحة، ومع ذلك الأدلّة على خلافه كما عرفت متكاثرة متعاضدة.
نعم يستفاد من قول الماتن: فيه روايتان وجود رواية لهم، ولم نقف عليها بعد التتبّع، وبه صرّح في
التنقيح.
وإطلاق الخبرين الأخيرين يقتضي عدم الفرق في جواز أخذ ما دون الدرهم، وتملّكه بين التقاطه من الحرم وغيره، وهو ظاهر المتن أيضاً.
•
لقطة الحرم، وما كان أزيد، فان وجده في
الحرم كره أخذه؛ وقيل يحرم ولا يحل أخذه إلا مع
نية التعريف
، ويعرف حولا فان جاء صاحبه وإلا تصدق به عنه أو استبقاه
أمانة، ولا يملك
؛ ولو تصدق به بعد الحول فكره المالك لم يضمن الملتقط على الأشهر
.
•
لقطة غير الحرم، وان وجده في غير الحرم يعرف حولا
؛ ثم الملتقط
بالخيار بين التملك
،
والصدقة، و ابقائها أمانة
؛ ولو تصدق بها فكره المالك ضمن الملتقط
.
ثم إنّ كلّ ذا إذا كانت مأمونة البقاء تمام الحول كالدراهم والدنانير ونحوهما ولو كانت ممّا لا يبقى بل يفسد عاجلاً كالطعام قوّمها على نفسه عند
الوجدان، وضمنها للمالك وانتفع بها، وإن شاء دفعها إلى الحاكم أوّلاً ولا ضمان عليه حينئذٍ أصلاً، بلا خلاف ظاهر مصرّح به في
شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي ناقلاً فيه عن ظاهر التذكرة الإجماع عليه
.
وهو
الحجّة الجامعة بين القاعدة الدالّة على الثاني لأنّ الحاكم وليّ الغُيّب، والقويّ بالسكوني وصاحبه الدالّ على الأوّل: عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة، كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها، وفيها سكين، قال: «يقوّم ما فيها، ثم يؤكل لأنّه يفسد وليس له بقاء، فإن جاء طالبها غرموا له الثمن»
الخبر.
ونحوه آخر: «فإن وجدت طعاماً في مفازة فقوّمه على نفسك لصاحبه ثمّ كله، فإن جاء صاحبها فردّ عليه القيمة»
.
وليس في الأوّل كالعبارة التصريح بالتقويم على نفسه؛
لإطلاق التقويم مع عموم مفهوم التعليل فيه الشاملين له وللتقويم على غيره.
وفي تقييده بالخبر الثاني إشكال ينشأ من قوّة احتمال ورود الأمر بالتقويم على نفسه على الغالب من تعسّر تقويمه على الغير في المفاوز، واحتمال ورود إطلاق الخبر الأوّل عليه وإن أمكن، إلاّ أنّ عموم مفهوم التعليل مع عدم تعقّل الفرق بل القطع بعدمه يدفعه.
ولذا ذكر جماعة
التخيير بينهما أيضاً من غير خلاف، وإن اختلفوا في وجوب استئذان الحاكم وعدمه مطلقاً على قولين، فعن التذكرة: الأوّل
، ويعضده أنّ الأصل عدم التسلط على بيع مال محترم إلاّ بإذن
الشارع أو الصاحب، ولم يثبت جوازه بدون إذنهما.
واختار بعض الأجلّة الثاني
، ويعضده إطلاق الخبر المتقدّم، ونحوه
الصحيح الوارد في التقاط
الجارية: هل يحلّ فرجها لمن التقطها؟ قال: «لا، إنّما يحلّ له بيعها بما أنفق عليها»
.
وربما عضده بعض بالأصل، وبأنّ له ولاية التملك والصدقة بعد التعريف
فالبيع بالطريق الأولى، والتعريف ساقط للعذر
.
ويضعّف الأوّل بما مرّ، والأولوية بأنّ التملّك وما بعده إنّما يكونان بالضمان بالقيمة السوقية بعد التعريف لا قبله. وكيف كان فلا ريب أنّ الأوّل
أحوط.
كل ذا مع وجود الحاكم، ومع عدمه يتعيّن عليه التقويم، فإن أخلّ به فتلف أو عاب ضمن.
ولو كان ممّا يتلف على تطاول الأوقات لا عاجلاً كالثياب تعلّق الحكم بها عند خوف التلف. ولو افتقر إبقاؤه إلى علاج كالرطب المفتقر إلى التجفيف، أصلحه الحاكم ببعضه، بأن يجعل بعضه عوضاً عن إصلاح الباقي، أو يبيع بعضه وينفقه عليه وجوباً؛ حذراً من تلف الجميع. ويجب على الملتقط إعلامه بحاله إن لم يعلم، ومع عدمه يتولاّه بنفسه؛ حذراً من الضرر بتركه.
ويكره أخذ الإداوة بالكسر، وهي المِطْهَرة به أيضاً والمِخْصَرَة به أيضاً، وهي كل ما اختصر
الإنسان بيده فأمسكه من عصاً ونحوها، قاله
الجوهري والنعلين غير الجلد، أو مطلقاً إذا أُخذ في
بلاد الإسلام، وإلاّ فيحرم التقاطه لكونه ميتة والشظاظ بالكسر، خشبة محدّدة الطرف تدخل في عروة الجِوالِقَيْن ليجمع بينهما عند حملهما على البعير. والجمع أشظّة والعصا والوتِد بكسر الوسط والحبل والعقال بالكسر، وهو حبل يشدّ به قائمة البعير، والسوط وأشباهه من الآلات التي يعظم نفعها وتصغر قيمتها.
بلا خلاف في أكثرها؛ للصحيح: «لا بأس بلقطة العصا، والشظاظ، والوتد، والحبل، والعقال، وأشباهه» قال: «وقال
أبو جعفر (علیهالسّلام): ليس لهذا طالب»
.
وعلى الأظهر في الجميع، وهو أشهر، بل عليه عامّة من تأخّر.
لا للأصل والصحيح المزبور كما قيل
؛ لضعف الأوّل بعدم دليل عليه، بل قيام الدليل على خلافه؛ لما عرفت من حرمة التصرّف في مال الغير بغير
إذن من
الشرع. والثاني باختصاصه بغير محلّ الخلاف. وشموله له بقوله: «وأشباهه» محلّ نظر؛ لخفاء وجه الشبه فيحتمل ما يعم معه له، وكذا التعليل في الذيل.
بل لفحوى الأدلّة الدالّة على جواز التقاط ما عدا محلّ الخلاف ممّا يكثر قيمته؛ مضافاً إلى إطلاق المرسلة المتقدّمة بأفضليّة ترك اللقطة، بل عمومها الشامل لمحلّ البحث؛ مضافاً إلى الاعتضاد بالشهرة العظيمة المحقّقة والمحكيّة في كلام جماعة
التي كادت تكون لنا إجماعاً.
خلافاً لصريح الحلبي
وظاهر الصدوقين
والديلمي
فحرّموا التقاط الأوّلين والسوط؛ للخبرين، أحدهما: الصحيح المروي في الفقيه
.
وهو حسن لولا ما قدّمناه من الدليل القابل لصرف النهي فيهما إلى
الكراهة كما في نظائرهما، لكنّها هنا أشدّ؛ لقوّة شبهة الخلاف بمصير هؤلاء الأعاظم إلى
الحرمة. ومن هنا يندفع ما قيل: من عدم وضوح دليل على شدّتها
.
ويظهر من
المفيد أنّ الوجه فيها أنّ فقدها قد يؤدّي إلى هلاك صاحبها؛ لأنّ الإداوة تحفظ ما يقوم به الرمق من الماء، والحذاء يحفظ رجل الماشي من الزمانة والآفات، والسوط يسيّر البعير، فإذا تلف خيف عليه العطب
.
ومن شيخنا في المسالك أنّ الوجه في إطلاق النهي عن مسّها كونها من الجلود غالباً، وهي
ميتة مع جهالة
التذكية.
وفيه مناقشة واضحة؛ لورود الإطلاق في بلاد الإسلام، والجلود فيها محكوم بطهارتها اتّفاقاً، فتوًى ونصّاً، كما مضى. وكذا الوجه الأوّل لا يخلو عن مناقشة ما، والوجه
التعبّد.
واعلم أنّه يستفاد من تخصيص الماتن الكراهة هنا بهذه الأشياء وسابقاً بلقطة الحرم خاصّة، عدمها في غيرهما.
وهو ضعيف جدّاً، مخالف للإجماع المحقّق، والمحكيّ عن التذكرة كما مرّ إليه الإشارة
قطعاً، ولكن الأمر سهل.
وهنا (مسائل) ثلاث:
الاولى: ما يوجد في أرض خربة قد جلى عنها أهلها بحيث لم يعرفوا أصلاً أو في فلاة أي أرض قفر غير معمورة من أصلها أو تحت الأرض التي لا مالك لها ظاهراً فهو لواجده فيملكه من غير تعريف إجماعاً، إذا لم يكن عليه أثر
الإسلام من الشهادتين، أو اسم سلطان من سلاطينه. وعلى الأقوى مطلقاً وفاقاً للنهاية
والحلي وغيرهما
؛ لإطلاق الصحيحين.
في أحدهما: عن الدار يوجد فيها الورق، فقال: «إن كانت معمورة فيها أهلها فهو لهم، وإن كانت خربة قد جلى أهلها، فالذي وجد المال أحقّ به»
ونحوه الثاني
.
وأخصّيتهما عن المدّعى باختصاصهما بالورق والموجود في الدار الخربة، فلا يعمّان مطلق اللقطة، ولا الموجودة منها تحت الأرض والمفازة.
مدفوعة
بالإجماع المركّب، مع إمكان اندفاع الأخصّية باعتبار الاختصاص بالأرض الخربة باستلزام ثبوت الحكم في لقطتها إيّاه فيما عداها بطريق أولى.
خلافاً
للمبسوط، والفاضل في جملة من كتبه
، وجماعة
، ونسبه في
الروضة إلى الشهرة، فحكموا فيما عليه أثر الإسلام بأنّه لقطة؛ لدلالة الأثر على سبق يد المسلم فيستصحب.
وللجمع بين الصحيحين والموثّق: «قضى
عليّ (علیهالسّلام) في رجل وجد ورقاً في خربة أن يعرّفها، فإن وجد من يعرفها، وإلاّ تمتع بها»
بحمل الأوّلين على ما لا أثر عليه، والأخير على ما عليه الأثر.
وفيهما نظر؛ لمنع الأوّل بأنّ أثر الإسلام قد يصدر من غير المسلم، نعم هو مخالف للظاهر، لكنّه لا يعارض به
الأصل.
والثاني: أوّلاً: بفقد التكافؤ في
الموثق عدداً وسنداً. وثانياً: بكونه قضيّة في واقعة، فلا يعمّ محلّ الفرض لاحتماله غيره. وثالثاً: بعدم الشاهد على ذلك الجمع، مع استلزامه حمل الصحيحين على الفرد النادر؛ لورودهما في بلاد الإسلام، والغالب في لقطتها من الدراهم والدنانير كونها مسكوكة بسكّتهم. مع إمكان الجمع بوجه آخر أوفق بالأصل، وهو حمل الأوّلين على الأحقّية بعد التعريف حملاً للمطلق على المقيّد، لكنّه لا قائل به. وهو ضعيف كالأوّل بعدم الشاهد عليه عدا ما مرّ من العلّة، وفيها ما عرفته. مع أنّهم جعلوها حجّةً مستقلّةً. والشهرة على تقدير تحقّقها ليست بحجّة جامعة فما ظنّك بما إذا كانت محكيّة.
ويستفاد من تقييد الماتن الموجود في الأرض التي لا مالك لها بكونه تحتها، عدم اشتراطه في الأوّلين، بل يملك الموجود فيهما مطلقاً؛ عملاً بإطلاق
النصّ والفتوى. وأمّا غير المدفون في الأرض المزبورة فهو لقطة.
قيل: هذا كلّه إذا كان في دار الإسلام، أمّا في
دار الحرب فلواجده مطلقاً
.
ولم يتعرّض الماتن وكثير هنا لوجوب
الخمس في المدفون، مع تصريحهم به في كتابه. ولعلّهم أحالوه إلى الظهور من ثمّة، أو أرادوا بالمدفون هنا ما لا يصدق عليه الكنز عرفاً. والأوّل هو الظاهر؛ لمنافاة الثاني لإطلاق العبائر.
ولو وجده في أرض لها مالك معروف أو بائع، ولو كان ما وجده فيها مدفوناً عرّفه المالك أو البائع مطلقاً، ولو كان كلّ منهما مالكاً أو بائعاً بعيداً فإن عرفه أحدهما يدفع إليه من غير بيّنة ولا وصف وإلاّ يعترفا به كان للواجد على ما ذكره جمع من
الأصحاب من غير خلاف يعرف؛ لإطلاق الصحيحين المتقدّمين بالدفع إلى أهل الأرض من دون تقييد باشتراط البيّنة أو الوصف. بل ليس فيهما تقييده بالتعريف، ولكنّه لا أعرف خلافاً فيه.
ولعلّه للجمع بينهما وبين الموثّق كالصحيح: عن رجل نزل في بعض بيوت
مكّة، فوجد فيها نحواً من سبعين ديناراً مدفونة، فلم تزل معه ولم يذكرها حتى قدم
الكوفة، كيف يصنع؟ قال: «يسأل عن أهل المنزل لعلّهم يعرفونها» قلت: فإن لم يعرفوها، قال: «يتصدّق بها»
.
لكن ذيله منافٍ لما ذكروه من التملّك مع عدم المعرفة، إلاّ أن يحمل على
الاستحباب، أو غيره ممّا يجتمع معه.
وربما يرشد إلى التقييد الصحيح الآتي الوارد في المأخوذ من جوف الدابّة المتضمّن لعين ما ذكروه في المسألة. وإلحاقها به لعلّه من باب تنقيح المناط القطعيّ؛ لعدم تعقّل الفرق بين الأرض والدابّة في ذلك، فتأمّل.
وإطلاق الحكم بكونه لواجده مع عدم اعترافهما الشامل لما عليه أثر الإسلام وغيره تبعاً لإطلاق النصّ، لكن في التنقيح الإجماع على كون الأوّل لقطة
. فإن تمّ، وإلاّ كما هو الظاهر المستفاد من الروضة والمسالك
حيث أجرى الخلاف السابق فيه في المسألة فالإطلاق أصحّ.
وإطلاق العبارة وغيرها بوجوب التعريف هنا يقتضي عدم الفرق بين القليل والكثير. وبه صرّح في المسالك
؛ ولعلّ الوجه فيه مع اختصاص النصّ بالأخير لتضمّنه الدراهم والدنانير الأصل، واختصاص ما دلّ على تملّك الأوّل بلا تعريف باللقطة التي ليست منها مفروض المسألة. لكنّه إنّما يصحّ على المختار من عدم الفرق بين ما عليه أثر الإسلام وغيره، ولا يصحّ على غيره؛ لكون ما عليه الأثر منها عند القائل بالفرق بينهما.
وحكى في التنقيح
قولاً عن
الشيخ بكون ما لا أثر فيه لقطة إذا لم يعرفه المالك أو البائع أيضاً. ويدفعه النصّ جدّاً.
وكذا ما يجده في جوف دابّة مملوكة، عرّفه مالكها كما مضى؛ لسبق يده، وظهور كونه من ماله دخل في علفها؛ لبعد وجوده في الصحراء واعتلافه. فإن عرفه المالك، وإلاّ فهو لواجده.
للصحيح: عن رجل اشترى جزوراً أو بقرةً للأضاحي، فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة، فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة، أو غير ذلك من المنافع، لمن يكون ذلك؟ وكيف يعمل به؟ فوقّع (علیهالسّلام): «عرّفها البائع، فإن لم يعرفها فالشيء لك، رزقك الله تعالى إيّاه»
.
وإطلاقه كالعبارة ونحوها عدم الفرق بين ما عليه أثر الإسلام وغيره.
خلافاً
للمختلف والروضة وغيرهما
، فقالوا في الأوّل بأنّه لقطة؛ لما مرّ مع جوابه، مع أنّ الأوّلين احتملا
الإطلاق هنا، قال ثانيهما: لإطلاق النصّ والفتوى. وظاهره إطباق الفتاوى على عدم الفرق هنا، ولكن ظاهره في المسالك
وقوع الخلاف المتقدّم هنا أيضاً.
ولو وجده في جوف سمكة، قال الشيخ في
النهاية، والمفيد
والقاضي، وابن حمزة
: أخذه بلا تعريف وعليه المتأخّرون كافّةً.
خلافاً للديلمي
والحلّي خاصة فهو كالمأخوذ من جوف الدابّة.
وظاهر العبارة التردّد في ذلك، ويبنى الخلاف على الاختلاف في اشتراط
النيّة في تملّك المباحات وعدمه. فعلى الأوّل يقوّى الأوّل؛ لأنّ المحيز إنّما قصد تملّكها خاصّةً لعدم علمه بما في بطنها، فلم يتوجّه قصده إليه. وعلى الثاني يقوّى الثاني كما هو واضح.
واحتمل في
المختلف والتنقيح
قوّته على الأوّل أيضاً، قالا: لأنّه قصد ملك هذه الجملة، وما في بطنها كأنّه جزء منها. لكنّهما ضعّفاه، قال أوّلهما بعد البناء وما يترتّب عليه من القولين: إلاّ أنّ أصحابنا لم يفتوا بالتملّك له مع عدم المعرفة، وهو يدلّ على بطلان هذا القسم عندهم، وبقي الوجه الأوّل. وأشار به إلى عدم اشتراط النيّة في التملّك، وعبارته ظاهرة في انعقاد
الإجماع عليه. وعليه فالمذهب الأوّل؛ لكون المأخوذ مباحاً في الأصل، فإذا حيز مع النيّة ملك، هذا.
مضافاً إلى اعتضاده بالنصوص المستفيضة المرويّة في
الوسائل في الباب عن
الكافي،
وقصص الأنبياء،
والأمالي،
وتفسير مولانا العسكري؛ لتضمّنها تقريرهم: لكثير في تصرّفهم فيما وجدوه في جوفها بعد الشراء من دون تعريف، على ما هو الظاهر منها. وأسانيدها وإن كانت قاصرة إلاّ أنّها بالشهرة منجبرة، فلا وجه للقول الثاني.
نعم يتوجّه فيما لو كانت السمكة محصورة في ماء تعلف كما ذكره
الشهيدان؛ لعين ما ذكر في الدابّة أوّلاً. ومنه يظهر أنّ المراد بها الأهليّة كما يظهر من الرواية، فلو كانت وحشيّةً لا تعتلف من مال المالك فكالسمكة.
وبه صرّح في
التنقيح والمختلف، قال فيه: ولما كانت
الأحكام الشرعيّة غالباً منوطة بالغالب دون النادر (والغالب) فيما تبلعه الدابة أنّه من دار البائع، وفيما تبلعه السمكة أنّه من البحر أوجب الشارع التعريف في الأوّل للبائع دون الثاني، حتّى أنّا لو عرفنا مضادّ الحال في البابين حكمنا بضدّ الحكمين. ولو أنّ البائع قد اشترى الدابّة ثم في ذلك الآن بعينه باعها لم يجب تعريفه، وعرّف البائع قبله. ولو أنّ السمكة محصورة في بركة في دار إنسان وجب أن يعرّف بما في بطنها
. انتهى.
الثانية: ما وجده في صندوقه، أو داره المختصّين بالتصرّف فيهما فهو له. ولو شاركه في التصرّف غيره كان كاللقطة عرّفه سنةً إذا عرّفه الشريك أوّلاً و أنكره بلا خلاف فيهما ظاهراً؛ لدلالة الصحيح عليهما منطوقاً ومفهوماً.
وفيه: «رجل وجد في بيته ديناراً، قال: «يدخل منزله غيره؟» قلت: نعم كثير، قال: «هذه لقطة» قلت: فرجل وجد في صندوقه ديناراً، قال: «فيدخل أحد يده في صندوقه غيره، أو يضع فيه شيئاً؟» قلت: لا، قال: «فهو له»
هذا.
مع شهادة الظاهر في صورة عدم المشارك بأنّه له وقد يعرض له
النسيان، لكنّه يختصّ بما إذا لم يقطع بانتفائه عنه، ومع
القطع به يشكل، ولذا قيل: بأنّه حينئذٍ لقطة أيضاً، كصورة المشارك مع الإنكار
.
وهذا أيضاً مشكل بعد إطلاق
النصّ والفتوى، مع عدم صدق
اللقطة على مثله ظاهرا. فمتابعة الإطلاق لعلّها أولى، ولا ينافيه القطع بالانتفاء، فقد يكون شيئاً بعثه الله تعالى ورزقه إيّاه.
وإطلاق النصّ والفتوى يقتضي عدم الفرق في الحكم بكونه لقطة مع المشارك بين المنحصر منه وغير المنحصر. والوجه فيه ظاهر؛ لأنّه بمشاركة غيره لا يد له بخصوصه، فتكون لقطة. وأمّا مع انحصار المشارك؛ فلأنّ المفروض أنّه لا يعرفه الواجد، فلا يملكه بدون التعريف سنة.
قيل: ويحتمل قويّاً كونه له مع تعريف المنحصر خاصّة؛ لأنّه بعدم اعتراف المشارك يصير كما لا مشارك له فيه
. وهو حَسَنٌ يمكن تنزيل إطلاق النصّ والفتوى عليه. ولا فرق في وجوب تعريف المشارك هنا بين ما نقص عن الدرهم وما زاد؛ للإطلاق، ولاشتراكهم في اليد بسبب التصرّف.
قيل: ولا يفتقر مدّعيه منهم إلى
البيّنة ولا
الوصف؛ لأنّه مال لا يدّعيه أحد. ولو جهلوا جميعاً أمره فلم يعترفوا به ولم ينفوه، فإن كان الاشتراك في التصرّف خاصّةً فهو للمالك منهم، وإن لم يكن فيهم مالك فهو للمالك، وإن كان الاشتراك في الملك والتصرّف فهم فيه سواء
.
ودليل بعض ما ذكر غير واضح.
الثالثة: لا يملك اللقطة بحول الحول وإن عرّفها سنةً ما لم ينو التملّك على الأشهر بين المتأخّرين، بل مطلقاً كما في المختلف والروضة
والكفاية؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن.
وللصحيح
المتضمّن للأمر بجعلها في عرض المال بعد التعريف، مع عدم التصريح فيه بجعله مالاً، فيكون ظاهراً في الأمر بجعلها أمانة.
والخبر: «من وجد شيئاً فهو له، فليتمتع به حتّى يأتيه طالبه، فإذا جاء طالبه ردّه إليه»
لإيجابه ردّ العين بعد التصرّف، وليس ذلك قبل الحول إجماعاً؛ لتحريم التصرّف فيه، بل بعده، فهو ظاهر في كونه عنده أمانةً، ولو حصل الملك قهراً لما كان لجعلها أمانةً معنى.
وفي الجميع نظر؛ للزوم الخروج عن الأوّل بما يأتي، وقصور دلالة الخبرين، مع ضعف الثاني، ومخالفة إطلاقه الإجماع من حيث تجويزه الانتفاع مطلقاً من دون تقييد له بالتعريف سنةً وحول الحول، وذلك لأنّ الأمر بجعله في عرض المال غير صريح، بل ولا ظاهر في جعله أمانةً، كيف لا وهو أمانة أيضاً سابقاً، مع ما في ذيله من قوله (علیهالسّلام): «يجري عليها ما يجري على مالك» الظاهر في جريان جميع أحكام ماله عليه ومن جملتها وجوب
الزكاة عليه بعد حول الحول إذا كانت نقداً. وهذا إحدى ثمرات النزاع التي رتّبت عليه، فهو دليل للملك قهراً، لا لما ذكروه، كما لا يخفى.
وأمّا ما يستفاد من الروضة
من أنّ وجه الاستدلال بهذه
الرواية أنّ الأمر بجعلها في عرض المال أمر أقلّه
الإباحة، فيستدعي أن يكون المأمور به مقدوراً بعد التعريف وعدم مجيء المالك، وهو لا يجتمع مع الملك قهراً. فهو إنّما يتمّ لو كان المأمور به جعلها مالاً، وليس، فإنّ جعلها في عرض المال غيره، كما صرّح به في المختلف
، ولذا لم يجعل وجه الاستدلال به ذلك، بل ما عقّبناه عيناه به.
والأمر بردّ العين في الأخير لا يختص بكونها أمانةً» بل يجتمع مع الملك سابقاً قهرياً كان أو اختياراً، ولذا أنّ بعضاً من الأصحاب القائلين بالملك الاختياري أوجب ردّ العين بعينها بعد مطالبة المالك لها، قائلاً: إنّ الملك السابق ملك متزلزل مراعىً ليس مستقرّاً
، فلا دلالة في الخبر على ذلك أصلاً، سيّما مع الحكم فيه أوّلاً بأنّه له يتمتّع به، الظاهر في ثبوت الملك له جدّاً. وبالجملة الاستدلال بهذه الأدلّة كما ترى.
ونحوه الاستدلال بالصحيح: «يعرّفها سنةً، فإن لم يعرفها حفظها في عرض ماله، حتّى يجيء صاحبها فيعطيها إيّاه، وإن مات أوصى بها، وهو ضامن»
ولو كان مالكاً لها قهراً لكان له التصرّف فيها كيف شاء، ولم يأمره بحفظها.
وذلك لقوّة احتمال أن يكون قوله (علیهالسّلام): «فإن لم يعرف» بالتشديد، ولا كلام فيه، لا بالتخفيف المبنيّ عليه الاستدلال.
وقيل كما عن الشيخين والصدوقين والحلي
: إنّه يملك ها بمضيّ الحول بعد التعريف، مدّعياً الأخير الإجماع عليه من الأصحاب وتواتر الأخبار. وليس ببعيد عن الصواب؛ تعويلاً على ما ذكره من الإجماع والأخبار؛ لتضمّن كثير منها أنّها بعد التعريف كسبيل ماله، الظاهر في ذلك على الظاهر المصرّح به في الروضة والمختلف
.
والجواب عنها بأنّ التشبيه لا يقتضي الاتّفاق في جميع الأحكام وإلاّ لكان هو هو، وليس، بل يكفي في مطلق التشبيه الاتّفاق في بعضها، وهو هنا جواز التصرّف فيه بأحد الأُمور الثلاثة المتقدّم ذكرها.
مدفوع بما حقّق في محلّه من اقتضاء التشبيه الاتّفاق في الجميع، إلاّ أن يكون فيها فرد متبادر فينصرف إليه، وليس محلّ الفرض من المستثنى. ودعوى استلزام الاتّفاق في الجميع الاتّحاد غريب واضح الفساد؛ لكفاية استناد التغاير إلى أمر آخر غير الأحكام من نحو تغاير الماهيّة أو غيرها.
ودعوى المختلف
وهن الإجماع بمصير أكثر
الأصحاب إلى الخلاف غريبة بعد نقله هو بنفسه هذا القول عمّن حكيناه عنه، والقول الأوّل عن الشيخ في الكتابين والحلبي مقتصراً عليهما. ولا ريب أنّ الأوّلين أكثر عدداً بالنسبة إليهما. مع أنّ الشيخ قال بهذا القول في قوله الآخر
، فبقي الثاني خاصّة، فمع ذلك كيف يمكن دعوى الأكثريّة، بل الأنسب العكس كما اتفق لشيخنا في
الدروس، حيث قال بعد نقل القولين: والروايات محتملة للقولين، وإن كان الملك بغير اختياره أشهر، وقال: وتظهر الفائدة في اختيار
الصدقة والنماء المتجدّد والجريان في الحول
والضمان. ثمّ هل يملكها بعوض يثبت في ذمّته، أو بغير عوض ثمّ يتجدّد بمجيء مالكها؟ في الروايات احتمال الأمرين، والأقرب الأوّل، فيلحق بسائر الديون
.
واعلم أنّ في أصل المسألة قولاً ثالثاً طرف النقيض للثاني، وهو احتياج التملّك إلى النيّة والتلفّظ كما عن الشيخ وغيره
. ودليله غير واضح وإن كان أحوط، وبعده
الأحوط القول الأوّل، فتأمّل.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۴، ص۱۶۵-۱۹۵.