ماتصح فيه الوكالة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو كلّ فعل لا يتعلّق غرض الشارع فيه بـمباشر معيّن كالبيع والنكاح وتصحّ
الوكالة في الطلاق للغائب والحاضر على الأصحّ.
(الثاني :) في بيان (ما تصحّ فيه
الوكالة ، وهو كلّ فعل) يتكامل فيه شروط ثلاثة :
أحدها : أن يكون مملوكاً للموكّل، بمعنى كون مباشرته له ممكنة بحسب العقل والشرع، فلا يجوز الوكالة في الأُمور المستحيلة عقلاً والممنوعة شرعاً، فلا تجوز في المعاصي، كالغصب و
السرقة والقتل، وأحكامها تلزم المباشر.
وهل يعتبر
الإمكان المزبور من حين الوكالة إلى وقت التصرّف؟
ظاهر المشهور ذلك، بل ظاهر المحكي عن التذكرة
إجماعنا عليه، وبه صرّح المحقّق الثاني
فقال : الظاهر أن ذلك متّفق عليه عندنا. فلا يجوز طلاق زوجة سينكحها، ولا عتق عبد سيشتريه.
قيل : لكن يشكل
إطلاق القول بذلك؛ لتجويزهم في الظاهر الوكالة في الطلاق في طهر المواقعة والحيض، وفي تزويج
امرأة وطلاقها وشراء عبد وعتقه.
قال في التذكرة : لو وكّله في شراء عبد وعتقه وفي تزويج
امرأة وطلاقها واستدانة دين وقضائه صحّ ذلك كلّه.
انتهى.
وفيه نظر؛ لاحتمال الفرق بين ما وقع
التوكيل فيه مستقلا كالأمثلة التي منعوا عن الصحّة فيها، وما وقع التوكيل فيه تبعاً لما يجوز التوكيل فيه
اتفاقاً كالأمثلة التي أوردها، فيبطل في الأوّل ويصحّ في الثاني، ويشير إليه جمعه في التذكرة بين الأمرين مردفاً كلاًّ منهما بحكمه، ولو لا ما ذكرناه لكان متناقضاً. هذا.
ونظيره في الشرع كثير كالوقف، فإنّه لا يجوز على من سيوجد
أصالة ويجوز عليه تبعاً اتفاقاً، فتأمّل.
وثانيها : أن (لا يتعلّق غرض الشارع فيه بـ) وقوعه من (مباشر معيّن ك) العتق، فإنّ غرضه فكّ الرقبة سواء أحدثه المالك أم غيره، و
الطلاق ، فإنّ غرضه منه رفع الزوجيّة كذلك، ومثله (البيع والنكاح) وغيرهما من العقود و
الإيقاعات .
ولا يجوز فيما يتعلّق غرضه بإيقاعه من مباشر بعينه، ولا خلاف في شيء من ذلك في الظاهر.
والوجه فيه أيضاً بقسميه واضح، وإنّما الخفاء في مرجع معرفة غرضه في ذلك وعدمه، فقيل : هو النقل.
وهو كذلك؛ إذ لا قاعدة له لا تنخرم، وقد علم تعلّق غرضه بجملة من العبادات؛ لأنّ الغرض منها
امتثال المكلّف ما أُمر به و
انقياده وتذلّله بفعل المأمور به، ولا يحصل ذلك بدون المباشرة، كالطهارة و
الصلاة الواجبة في حال الحياة، فلا يستناب فيهما مطلقاً إلاّ ما استثني منها من نحو الطواف الواجب بشرط ذكر في محله، وركعتي الطواف، حيث يجوز
استنابة الحي في الحج الواجب والمندوب، و
أداء الزكاة .
وكالأيمان، والعهود، والقسمة بين الأزواج، والشهادات إلاّ على سبيل
قيام الشهادة على الشهادة، والظهار، و
اللعان ، والجناية.
وفي صحّة التوكيل
بإثبات اليد على المباحات
كالاصطياد و
الاحتطاب و
الاحتشاش قولان.
وفي التوكيل في
الإقرار إشكال، والظاهر أنّ ذلك ليس بإقرار.
وثالثها : أن يكون معلوماً، فلا تصحّ على المبهم والمجهول، بلا خلاف فيما أعلم، قيل : لئلاّ يعظم الغرر.
(وتصحّ الوكالة في الطلاق للغائب) إجماعاً على الظاهر، المصرّح به في كلام جماعة، منهم الماتن في
الشرائع ؛
وهو الحجّة مضافاً إلى النصوص الآتية.
(والحاضر على الأصحّ) الأشهر بين عامّة من تأخّر، وفاقاً للمبسوط والحلّي،
نافياً الخلاف فيه بين
المسلمين ، سواء وكّل أمره إلى الوكيل من غير عزم منه عليه، أو كان عازماً عليه ووكّله في
الإتيان بالصيغة؛ للعمومات، وخصوص الصحيح الصريح في الأوّل : رجل يجعل أمر امرأته إلى رجل، فقال : اشهدوا أنّي قد جعلت أمر فلانة إلى فلان، فيطلّقها، أيجوز ذلك؟ قال : «نعم».
ونحوه الموثق.
والخبر القريب منه الصريح في الثاني : رجل وكّل رجلاً بطلاق امرأته إذا حاضت وطهرت وخرج الرجل، فبدا له وأشهد أنّه قد أبطل ما كان أمره به وأنّه قد بدا له في ذلك، قال : «فليُعلِم أهله وليعلم الوكيل».
(وأظهر منه الخبر المتقدّم في أوّل الكتاب
المتضمّن لبعث أبي الحسن عليه السلام بثلاثمائة دينار إلى رجل أن يطلّق امرأته).
و
إطلاق الأوّلين بل عمومهما الناشئ من ترك
الاستفصال يشمل صورتي الحضور والغيبة.
خلافاً للطوسي والقاضي والتقي،
فمنعوا عنه في الحاضر؛ للخبر : «لا تجوز الوكالة في الطلاق»
بحمله عليه؛ جمعاً بينه وبين ما مرّ وغيره، بحمله على الجواز في الغائب.
وهو بعيد؛ لعدم التعرّض في شيء من الأخبار لغيبة ولا حضور، وإن صرّح بعضها بالجواز في الغائب، فإنّ
إثباته فيه لا ينفيه عمّا عداه.
مضافاً إلى قصور السند فيه وفي سابقه من وجوه، فلا يقاومان شيئاً ممّا مرّ، مع مخالفة إطلاق الأوّل
الإجماع ، وإن حكي عن
ابن سماعة القول به،
وليس منّا.
ونحوه في الضعف بل وأمرّ
الاستدلال له بعموم : «الطلاق بيد من أخذ بالساق»
فإنّ المراد به أن له التصرّف فيه، وهو أعمّ من أن يكون بالمباشرة أو النيابة، والإجماع على جوازها مع الغيبة أوضح شاهد على عدم
إرادة تعيّن المباشرة من الرواية.
قيل : وعلى قول الشيخ يتحقّق الغيبة بمفارقة مجلس الطلاق وإن كان في بلد التوكيل، كما ذكره
الشهيد الثاني .
وفيه نظر، فإن كلامه ومستنده صريحان في
اشتراط عدم الحضور في البلد، وعدم كفاية عدم حضور المجلس.
رياض المسائل، ج۱۰، ص۶۵- ۶۹.