مكروهات الإحرام
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(والمكروهات) أُمور : كراهة الإحرام في غير البياض، كراهة الإحرام في السود، كراهة الإحرام في الثياب الوسخة،
منها : (
الإحرام في غير البياض) على المشهور، والمستند على العموم غير معلوم، بل المستفاد من جملة من النصوص عدم البأس بالمصبوغ بالعصفر وغيره، والمصبوغ بمشق وغيره، إلاّ ما فيه شهرة بين الناس،
وحكي الفتوى به عن
المنتهى ، عازياً له إلى علمائنا،
ولعلّه الأقوى وإن كان
اختيار البياض أولى.
(ويتأكد) الكراهة في الإحرام (في السود) حتى إن الشيخ ظاهره المنع عنه في المبسوط والنهاية،
وتبعه ابن حمزة؛
للنهي عنه في الموثق : «لا يحرم في الثوب الأسود ولا يكفّن به الميت».
وحمله الأكثر على الكراهة؛
لإشعار النهي عن التكفين به، فإنه فيه لها قطعاً؛ وجمعاً بينه وبين الصحيح المجوّز للتكفين في كلّ ما تجوز فيه
الصلاة ،
بناءً على جواز الصلاة فيه قطعاً وإن أمكن الجمع بينهما بالتقييد، بل هو أولى. لكن صحة السند و
الاعتضاد بالعمل ومهجورية الموثق الآن، بل عند الشيخ أيضاً حيث نزّل الحلّي منعه عنه على الكراهة،
وجَعَل الجمع بالكراهة أولى.
(وفي الثياب الوسخة) وإن كانت طاهرة؛ للصحيح، وفيه : «ولا يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم فيه حتى يحلّ وإن توسّخ إلاّ أن تصيبه جنابة أو شيء فيغسله».
وظاهره المنع عن الغسل إذا توسّخ في الأثناء، كما هو ظاهر
الدروس ،
ويحتمل كلامه الكراهة، كما صرَّح به الحلّي وشيخنا في الروضة.
(وفي) الثياب (المُعلَمة) بالبناء للمجهول، قيل : هي المشتملة على لون يخالف لونها حال عملها، كالثوب المحوك من لونين، أو بعده بالطرز والصبغ؛
للصحيح : «لا بأس أن يحرم الرجل في الثوب المعلَم وتركه أحب إليّ إذا قدر على غيره».
ولكن في جملة من النصوص نفي البأس عنها على
الإطلاق ، بل في بعضها بعده : «إنما يكره المُلحَم». المُلحَم : جنس من الثياب وهو ما كان سداه
إبريسم أي حرير أبيض، ولُحمته غير إبريسم
وقوله : (والحِنّاء) عطف على قوله :
الإحرام ، أي ومن المكروهات الحنّاء واستعماله (للزينة) على المشهور كما في كلام جماعة.
أما الجواز فللأصل والصحيح : عن الحِنّاء، فقال : «إنّ المحرم ليمسّه ويداوي به بعيره، وما هو بطيب، وما به بأس».
وأما الكراهة فللشبهة الناشئة من
احتمال الحرمة فتوًى وروايةً، ولكالصحيح : عن
امرأة خافت الشقاق وأرادت أن تحرم، هل تخضب يدها بالحِنّاء قبل ذلك؟ قال : «ما يعجبني أن تفعل ذلك».
وهو نصّ في الكراهة قبل الإحرام، ويلحق به بعده؛
للأولوية . خلافاً لجماعة، فاستوجهوا القول بالحرمة؛
استناداً إلى جملة من الصحاح لتحريم جملة من المحرّمات إلى أنها زينة،
والعلّة هنا موجودة.
ولا معارض لها سوى
الأصل ، ويجب تخصيصه بها. والحديثين السابقين، ولا يصلحان للمعارضة؛ لخروجهما عن محل البحث، وهو استعمال المحرم الحِنّاء بعد الإحرام للزينة، كما هو ظاهر نحو العبارة : أما الأول فلاختصاصه باستعماله للتداوي خاصة، كما يظهر من سياقه، دون الزينة. وأما الثاني فلاختصاصه مع قصور سنده بالاستعمال من المرأة قبل الإحرام في حال الضرورة، ولا كلام في شيء منهما. فإذاً القول بالحرمة لا يخلو عن قوة، وفاقاً لجماعة. وهل يختص الحكم مطلقاً بما إذا قصد الزينة، أم يعمّه وما إذا قصد السنّة؟ وجهان، أحوطهما الثاني. ثم هل يختص بالاستعمال بعد الإحرام، أم يعمّه وقبله إذا بقي
أثره بعده؟ قولان، أحوطهما الثاني إن لم يكن أجودهما.
(و
النقاب للمرأة) والأصح
التحريم ، بل قيل : لا أعلم خلافاً فيه؛
لما مرّ من حرمة تغطية وجهها.
ففي الحكم هنا منافاة لما مضى، إلاّ أن يحمل النقاب على
السدل الجائز، لكن
إثبات كراهته لا يخلو عن إشكال، إذ لا أعرف له مستنداً إلاّ إذا أصاب الوجه، فلا يخلو عن وجه.
(ودخول الحمّام) للنهي عنه في الخبر،
المحمول على الكراهة، جمعاً بينه وبين الصحيح
وغيره،
النافيين للبأس عنه، وفيهما «ولكن لا يتدلّك». وبكراهة التدلّك فيه أفتى جماعة،
وزاد بعضهم فحكم بكراهته مطلقاً.
ولا بأس به؛ للصحيح : عن المحرم يغتسل؟ فقال : «نعم، يفيض الماء على رأسه ولا يدلكه».
(وتلبية المنادي) بأن يقول له : لبيك، على المشهور؛ للنصّ. وعلّل بأنه في مقام
التلبية لله تعالى فلا يشرك غيره فيها،
وفي الصحيح بعد النهي عنها أنه يقول : «يا سعد».
وظاهره التحريم، كما في ظاهر
التهذيب . لكن ينبغي حمله على شدة الكراهة؛ لعدم القول بالتحريم كما قيل؛
مضافاً إلى الأصل والمروي عن
الصدوق ، عن جابر، عن
أبي جعفر عليه السلام أنه قال : «لا بأس أن يلبّي المجيب».
(و استعمال الرياحين) وفاقاً للنهاية والحلّي و
الإسكافي كما حكي،
وجماعة من المتأخرين؛
للنهي عنه في الصحيحين،
في أحدهما : «لا يمسّ المحرم شيئاً من الطيب ولا من الريحان ولا يتلذذ به». وإنما حمل على الكراهة جمعاً بينهما وبين الصحيح : «لا بأس أن تشمّ الإذخِر
والقَيصوم _القيصوم : نبات طيب الرائحة من رياحين
البرّ ، ورقه هدب وله نورة صفراء، وهي تنهض على ساق وتطول_
والخُزامي _
الخزامى : بقلة طيبة الرائحة طويلة العيدان صغيرة الورق حمراء الزهرة، وهي من أطيب الأزهار _
والشِّيح _الشيح : نبات سهلي، له رائحة طيبة وطعم مرّ _
وأشباهه وأنت محرم».
خلافاً للمفيد وجماعة
فحرّموه، ولعلّه الأظهر؛ عملاً بظاهر النهي، مع سلامته عن المعارض، سوى الأصل المخصَّص به لكونه خاصاً، وأخبار قصر
الطيب في أربعة،
والصحيح الأخير، وفيهما نظر :
فالأول بتوقفه على كون المنع عنه من جهة الطيب، وليس كذلك، بل من جهة النهي عنه بالخصوص. والثاني بعدم نفي البأس فيه عن مطلق الريحان حتى يتحقق التعارض بينه وبين المانع تعارضاً كلياً، فيكون صريحاً في الجواز، فيقدّم على النهي الظاهر في التحريم، تقدّمَ النص على الظاهر. وإنما غايته نفي البأس عن أُمور معدودة يمكن
استثناؤها عن أخبار المنع على تقدير
تسليم صدق الريحان عليها حقيقةً، ولا مانع من ذلك.
ولا موجب للجمع بالكراهة سوى تضمنه لفظ «أشباهه» وهو كما يحتمل المشابهة في
إطلاق اسم الريحان عليه، كذا يحتمل ما هو أخص ممّا يشبهه من نبت البراري، ويكون استثناؤه لكونه كما قال في المختلف من نبت الحرم فيعسر
الاحتراز عنه،
ومعه لا يمكن صرف النهي عن ظاهره.
مضافاً إلى عدم
إمكانه من وجه آخر، وهو : أن النهي عن مسّ الريحان في الصحيح الماضي إنما هو بلفظ النهي عن الطيب بعينه، وهو للتحريم قطعاً، فلا يمكن حمله
بالإضافة إلى الريحان على الكراهة، للزوم استعمال اللفظة الواحدة في
الاستعمال الواحد في المجاز والحقيقة، وهو خلاف التحقيق، وصرفه إلى المجاز الأعم يعني مطلق المرجوحية بعيد جدّاً.
(ولا بأس بحكّ الجسد و
السواك ما لم يُدمِ) أو يقطع الشعر، كما في المعتبرة المستفيضة.
رياض المسائل، ج۶، ص۳۱۷- ۳۲۴.