مكروهات الدفن
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يكره فرش القبر بالساج، وتجصيصه، وتجديده، ودفن ميتين في قبر واحد، ونقل الميت إلى غير بلد موته، إلّا إلى المشاهد المشرّفة.
(ويكره فرش القبر بالساج) لاستلزامه
الإتلاف المنهي عنه من دون رخصة إلّا مع الحاجة كنداوة القبر للخبر : إنه ربما مات الميت عندنا ويكون
الأرض ندية فيفرش القبر بالساج أو يطبق عليه، فهل يجوز ذلك؟ فكتب : «ذلك جائز».
(وتجصيصه) بإجماعنا، كما عن
التذكرة والمبسوط ونهاية الإحكام والمنتهى
للمستفيضة الناهية عنه، منها الخبر : «لا يصلح البناء عليه، ولا الجلوس، ولا تجصيصه، ولا تطيينه».
وإطلاقها يقتضي عدم الفرق بين
الباطن والظاهر و
الابتداء وبعد الاندراس . وربما خص الكراهة بالباطن دون الظاهر جمعا بينه وبين ما دلّ على أمر
مولانا الكاظم عليه السلام بتجصيص قبر ابنته ووضع لوح عليه
.
وربما جمع بتخصيص الكراهة بما بعد
الاندراس . ولا شاهد عليهما. فإذاً الكراهة مطلقاً أقوى، ويحمل الخبر على وجود داع لم نطّلع عليه. وربما يستثنى من ذلك قبور الأنبياء والعلماء والصلحاء
استضعافاً لخبر المنع، والتفاتاً إلى أن في ذلك تعظيما لشعائر
الإسلام وتحصيلاً لكثير من المصالح الدينية كما لا يخفى. وهو في غاية الجودة. لا لضعف الخبر المانع؛
للاكتفاء في مثل الكراهة بمثله، بناء على المسامحة. بل لوروده مورد الغالب، وهو ما عدا المذكورين.
(وتجديده) بعد الاندراس إن كان بالجيم كما عن النهاية والمبسوط والمصباح ومختصره و
السرائر والمهذّب والوسيلة والإصباح،
أو بالحاء المهملة بمعنى تسنيمه، ويحتملهما قول مولانا أمير المؤمنين في خبر الأصبغ : «من جدّد قبرا أو مثّل مثالا فقد خرج عن الإسلام»
ويحتمل قتل المؤمن ظلما فإنه سبب لتجديد قبر، إلى غير ذلك من الاحتمالات المعروفة. وهذه الاحتمالات كافية
لإثبات الكراهة في كل من المعاني المحتملة، بناء على المسامحة في أدلّتها، سيّما مع
اعتضاد كلّ منها بفتوى جمع.
وعن المحقّق
إسقاط الرواية لضعفها، فلا ضرورة إلى التشاغل بتحقيق نقلها .
وفيه : أن
اشتغال الأفاضل كالصفار وسعد بن عبد اللّه و
أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي والصدوق والشيخين
بتحقيق هذه اللفظة مؤذن بصحة الحديث عندهم. فتأمل.
(ودفن ميتين) ابتداءً (في قبر واحد) كما هنا وفي
الشرائع والقواعد وعن الوسيلة؛
للمرسل في المبسوط عنهم : : «لا يدفن في قبر واحد اثنان»
وفحوى ما دلّ على كراهة حملهما على جنازة،
مع ما فيه من
احتمال تأذي أحدهما بالآخر و
افتضاحه عنده. وعن ابن سعيد النهي عنه إلّا لضرورة
. و
الأصل حجة عليه، وضعف
إسناد الناهي يمنعه من
الاستناد إليه.
أما لو حفر قبر فيه ميت ليدفن فيه ميت آخر فعن المبسوط والنهاية الكراهة هنا أيضاً،
إلّا أن في المبسوط ما يشعر بإرادته منها
التحريم ، وحكي عن المنتهى و
النهاية والتحرير والتذكرة.
وعلّله المصنف بصيرورة القبر حقاً للأول
. وفيه منع. وغيره باستلزامه النبش المحرّم
. وفيه : أن الكلام في إباحة الدفن نفسه لا النبش، وأحدهما غير الآخر. فإذاً القول بالكراهة أقوى، إلّا أنه على التحريم
إجماع المسلمين كما عن الذكرى
، وهو أحوط وأولى.
كل ذا مع
الاختيار ، ولا كلام في الجواز مع
الاضطرار ، وروي عن النبي صلي الله عليه و آله وسلم أنه قال للأنصار يوم اُحد : «احفروا ووسّعوا وعمّقوا واجعلوا الاثنين والثلاثة في القبر الواحد».
وعن
المعتبر ونهاية الإحكام والتذكرة : تقديم الأفضل، وجعل حاجز بين كلّ اثنين ليشبها المنفردين.
وعن المهذّب : جعل الخنثى خلف الرجل وأمام
المرأة ، وجعل تراب حاجز بينهما.
(ونقل الميت) قبل الدفن (إلى غير بلد موته) بإجماع العلماء كما عن المعتبر و
التذكرة ونهاية الإحكام؛
لمنافاته تعجيل التجهيز المأمور به.
والأولى
الاستدلال له بالمروي في الدعائم عن
علي عليه السلام : إنه رفع إليه أن رجلاً مات بالرستاق فحملوه إلى
الكوفة ، فأنهكهم عقوبة وقال : «ادفنوا الأجساد في مصارعها ولا تفعلوا كفعل اليهود بنقل موتاهم إلى
بيت المقدس » وقال : «إنّه لمّا كان يوم أحد أقبلت
الأنصار لتحمل قتلاها إلى دورها، فأمر رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم مناديه فنادى : ادفنوا الأجساد في مصارعها».
(إلّا إلى) أحد (المشاهد المشرّفة) فيستحب بإجماعنا، وعليه عمل الأصحاب من زمن
الأئمة : إلى الآن، وهو مشهور بينهم لا يتناكرونه، فهو إجماع منهم، صرّح به الفاضلان، قالا : ولأنه قاصد بذلك التمسك بمن له
أهلية الشفاعة ، وهو حسن بين الأحياء توصّلا إلى فوائد الدنيا، فالتوصل إلى فوائد الآخرة أولى
. انتهى. ويرشد إليه المروي في
مجمع البيان و
قصص الأنبياء للراوندي، عن
محمّد ابن مسلم ، عن
مولانا الباقر عليه السلام : «لمّا مات يعقوب حمله يوسف في تابوت إلى
أرض الشام فدفنه في بيت المقدس» .
وفي
إرشاد القلوب للديلمي وفرحة الغري للسيد
عبد الكريم بن السيد أحمد بن طاووس ; من حديث اليماني الذي قدم بأبيه على ناقة إلى الغري، قال في الخبر : أنه كان
أمير المؤمنين عليه السلام إذا أراد الخلوة بنفسه ذهب إلى طرف الغري، فبينما هو ذات يوم هناك مشرف على
النجف فإذا رجل قد أقبل من اليمن راكبا على ناقة قدّامه جنازة، فحين رأى عليا عليه السلام قصده حتى وصل إليه وسلّم عليه فردّ عليه وقال : «من أين؟» قال : من اليمن، قال : «وما هذه الجنازة التي معك؟» قال : جنازة أبي لأدفنه في هذه الأرض، فقال له علي عليه السلام : «ألّا دفنته في أرضكم؟!» قال : أوصى بذلك وقال : إنه يدفن هناك رجل يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر، فقال عليه السلام : «أتعرف ذلك الرجل؟» قال : لا، فقال عليه السلام : «أنا واللّه ذلك الرجل ـ ثلاثاً ـ فادفن» فقام فدفنه.
فتأمل.
وفحوى المروي في
الكافي والفقيه والخصال والعيون وغيرها عن الصادقين : : «إنّ اللّه تعالى أوحى إلى
موسى عليه السلام أن أخرج عظام
يوسف عليه السلام من مصر».
وعن العزّية : قد جاء حديث يدل على رخصة في نقل الميت إلى بعض مشاهد آل الرسول : إن وصّى الميت بذلك.
وعن الجامع : لو مات بعرفة فالأفضل نقله إلى الحرم.
قلت : لعلّه للخبرين : عن الميت يموت بمنى أو
عرفات يدفن بعرفات أو ينقل إلى الحرم فأيّهما أفضل؟ فكتب عليه السلام : «يحمل إلى الحرم ويدفن فهو أفضل».
وقيّد الشهيد ;
استحباب النقل بالقرب إلى أحد المشاهد وعدم خوف الهتك، ثمَّ قال : أمّا الشهيد فالأولى دفنه حيث قتل
للنبوي المتقدم عن الدعائم.
رياض المسائل، ج۱، ص۴۴۸- ۴۵۳.