من له حق الإباحة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هنا يأتي أسامي الأفراد التي لهم حق
الإباحة.
۱-
الأصل أنّ حقّ
الإباحة للشارع وحده؛ لأنّه المالك والخالق للإنسان فيكون له
الأمر تكويناً وتشريعاً تكليفاً ووضعاً.نعم، الإباحة العقليّة تقدّم أنّها بحكم العقل، ولكن تقدّم أيضاً أنّها ليست حكماً مجعولًا، وإنّما إدراك عقلي للحسن والقبح، وسيأتي أنّ هذا
الإدراك قد يكون في طول الحكم الشرعي، فيكون بيد الشارع رفعه ووضعه، كالبراءة العقلية في الشبهات البدويّة على القول بها، فالعقل إنّما يحكم بها إذا لم يكن للشارع تكليف، فبورود أو وصول حكم شرعي إلزامي- ولو ظاهري- يرتفع موضوع الحكم بالبراءة العقليّة.فحقّ التشريع يكون للَّه سبحانه وتعالى بالذات لا لغيره؛ لأنّه المولى الحقيقي، ولا يحقّ لأيّة جهة اخرى التشريع إلّا بتفويض من اللَّه سبحانه إليه. وقد دلّت الروايات على التفويض
للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
واتّفقت عليه كلمة فقهائنا، وبالنسبة
للأئمّة المعصومين عليهم السلام أيضاً وردت روايات تصرِّح بتفويض النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ذلك إليهم.
۲- كما أنّ حقّ التصرّف في الأموال والحقوق يكون للَّه سبحانه وتعالى أصالة وبالذات لا لغيره؛ لأنّه المالك الحقيقي لكلّ شيء، وبتبع
إذنه وفي طول تشريعه
وإمضائه للتملّك أو الحقّ يثبت ذلك للمكلّفين في قبال بعضهم البعض، لا في قبال اللَّه سبحانه وتعالى.فالإباحة سواء بمعنى الإباحة الشرعيّة التكليفية أو الوضعية أو بمعنى الإذن في التصرّف واستحقاقه تكون من حقّ الشارع أصالة ثمّ تكون للنبيّ والمعصوم أو للمالك بتبع إذنه وفي طول تشريعه.
تقدّم أنّ للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وللإمام المعصوم عليه السلام حقّ التشريع كما أنّ له حقّ التصرّف في أموال الآخرين مطلقاً؛ قال سبحانه: «النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ»،
وهذا أيضاً من صلاحيّات المعصومين عليهم السلام.
وأمّا الإمام بمعنى الولي والحاكم الشرعي فليس له حقّ التشريع ولا التصرّف في أموال الآخرين كذلك، وإنّما له التصرّف أو الإذن في دائرة ولايته وصلاحيّاته المجعولة له من قبل اللَّه سبحانه أو من قبل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو
الإمام المعصوم عليه السلام؛ فإنّ جملة من الأحكام والأمور تكون منوطة بإذن الوليّ العامّ كالجهاد وإباحة دماء الحربيّين وأموالهم وإحياء الموات
والأنفال والتصرّف فيها والتصدّي
لإدارة الأمور التنفيذية أو القضائية أو
إقامة الحدود والأحكام والسياسات إلى غير ذلك ممّا هو من شئون الإمامة العامّة، فلا يجوز لأحد شيء من ذلك إلّا بإذنه أو بنصب من قبله.كما أنّ له أن يجعل أحكاماً عامّة على أساس ما يراه صلاحاً للُامّة فيما لا يكون مخالفاً لحكم شرعي إلزامي من ترك واجب أو فعل محرّم، وقد يسمّى ذلك بالأحكام الولائية أو الأحكام السلطانية.
إلّا أنّ هذه الأحكام لا تكون جزءاً من الشريعة، بل أحكام صادرة عنه بما هو وليّ، ولهذا تكون دائرة مدار ولايته، وتنتهي بانتهاء ولايته وموته، فيحتاج
استمرارها إلى تنفيذ من قِبل مَن هو وليّ الأمر من بعده أو عدم نقضه له على الأقلّ.وعلى كلّ حال فليس له أن يبيح للناس ما هو حرام ومحظور شرعاً ما لم يكن من جهة ضرورة ملحّة أو مصلحة أهمّ عند الشارع من مفسدة تلك الحرمة. وهذه قيود شرعيّة رافعة للحظر الشرعي ثبوتاً، فيكون دور وليّ الأمر في هذه الموارد بحسب الحقيقة دور المشخّص للموضوع، إلّا أنّ تشخيصه يكون نافذاً وملزماً على الجميع. (انظر: ولاية)
وهو أيضاً في حدود ما يتولّاه من شئون
القضاء له حقّ الإذن وإباحة التصرّفات التي تكون محظورة لو لا الإذن القضائي فيه، كالتحقيق وفحص المنازل والأمكنة والتعقيب والتوقيف للأموال والأشخاص ممّا يتوقّف عليه القضاء، ويكون للقاضي
الولاية عليه شرعاً، فتكون هذه الإباحة قضائية، أي من باب ولاية القاضي في شئون القضاء، كما أنّ له إنشاء الحكم القضائي الذي يختلف عن الحكم الشرعي أو الحكم الولائي في كونه حكماً في الموضوعات المشتبهة أو المترافع فيها.وقد يكون هذا الحكم القضائي إباحة لمال أو هدر دم، كما إذا حكم بأنّ هذا المال من المشتركات أو المباحات العامّة أو أنّ هذا الشخص مرتدّ أو سابّ للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فيكون مهدور الدم، فتكون هذه الإباحة قضائية، أي بحكم القاضي في الموضوع المشتبه أو المتنازع فيه.
وله حقّ الإذن فيما يرجع إليه فيبيحه للغير في حدود ما يملكه أو يتولّاه ولاية أو
وكالة ، وهذه من الإباحة بالمعنى الرابع المتقدّم، أي المأذونية
واستحقاق التصرّف المكتسب من طرف صاحب الحقّ.
وقد تقدّم أنّه مصدر لادراك الإباحة لا تشريعها، بمعنى إدراك تساوي الفعل والترك عند العقل من حيث الحسن والقبح الذاتيين، وتسمّى إباحة عقليّة أوّلية، أو من حيث المعذوريّة العقليّة وعدم استحقاق اللوم أو العقوبة على المخالفة إن صادف الحرام الواقعي، وتسمّى بالبراءة العقليّة.ومنه أيضاً حكم العقل
بالتخيير في موارد الدوران بين المحذورين. ومنه أيضاً حكمه بمعذورية العاجز والناسي.وهذه الأحكام العقليّة- كما أشرنا- قد تكون في الأفعال من حيث هي، كحكمه بحسن الصدق وقبح الكذب واستحقاق المدح على الأوّل واللوم على الثاني، وتسمّى بالأحكام العقليّة الأوّلية أو القبليّة، أو ما يكون في مرتبة علل الأحكام الشرعيّة حيث يمكن أن تكون العلّة لبعض الأحكام الشرعيّة الحسن أو القبح العقليّين في الأفعال.
وقد يكون الحكم العقلي في الفعل في طول أمر المولى وموقفه منه كحكم العقل بحسن طاعة المولى
والانقياد له وقبح معصية المولى
والتجرّي عليه أو حكمه
بالبراءة أو التخيير العقليّين في موارد الجهل بالتكليف أو دورانه بين محذورين.وعنوان الطاعة والمعصية أو الانقياد والتجرّي لا يكون ذاتيّاً للفعل، بل بلحاظ موقف المولى منه وأمره به أو نهيه عنه ووصول ذلك إلى المكلّف، وهذا النوع يسمّى بالحكم العقلي الثانوي أو البَعدي أو ما يكون في مرتبة معلولات الأحكام الشرعيّة.
وعلى هذا
الأساس تكون الإباحة العقليّة العمليّة على قسمين:
۱- ما يكون في الفعل من حيث هو كحكم العقل بإباحة ما ليس فيه جهة حسن أو قبح كالمشي مثلًا.
۲- ما يكون في الفعل بلحاظ الموقف الشرعي المتعلِّق به أو في طول ما يطرأ على ذلك الحكم الشرعي من الجهل أو
النسيان أو العجز كما في موارد البراءة قبل الشرع أو في موارد الجهل أو النسيان أو الغفلة أو العجز أو
الاشتغال بالأهمّ أو غير ذلك ممّا يعتبره العقل عذراً مبيحاً أو موجباً للتخيير، وعدم صحّة العقوبة في مورده.
وهناك بحث عند الاصوليّين في أنّ ما يحكم به العقل العملي من التحسين أو التقبيح العقليّين هل يحكم به الشارع أيضاً أو لا؟ ويسمّى بقاعدة
الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع وأنّ كلّما حكم به العقل حكم به الشرع أيضاً. وقد أنكره بعضهم مطلقاً، وأثبته بعضهم كذلك، وفصّل بعضهم بين الأحكام العقليّة القبليّة والأحكام العقليّة البعديّة. يراجع تفصيل ذلك في البحث الاصولي عن الحسن والقبح العقليين.
الموسوعة الفقهية، ج۲، ص۹۰-۹۴.