ميراث ولد الملاعنة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو الذي نفى أبوه
انتسابه إليه باللعان، وله أحكام تأتي في مصطلح لعان.
اتّفق
الفقهاء على أنّه يرثه ولده وامّه وإخوته وأخواته وأجداده وجدّاته من
الامّ وأخواله وخالاته على ترتيب مراتب
الإرث مع مراعاة كلّ طبقة مرتبة قربه إلى الميّت حسب ما تقدّم في ترتيب طبقات الميراث.
ولا يرثه
الأب ولا من يتقرّبون به؛
لانتفاء نسبه باللعان.
والميراث يعتمد على القرابة المبنيّة على النسب، وحيث انتفى النسب ينتفي الميراث، بخلاف الامّ فإنّ نسبه منها ثابت، ولا يلزم من نفي الأب له كونه ولد زنا.
وعلى أساس ذلك فإنّهم يرثون
ولد الملاعنة كما يرثون غيره، من غير خلاف ولا إشكال، فيرث الولد إن كان ذكراً جميع المال وحده، وإن كان انثى يرث فرضها أوّلًا ويردّ الباقي عليها وإن اختلفوا في الذكورة والانوثة، فيقسّمون بالتفاضل للذّكر مثل حظّ الانثيين.
ويرث المتقرّبون بالامّ بالسويّة سواء كانوا متحدين أو مختلفين- بأن كانوا ذكراً وانثى
- حتى ولو كانوا إخوة له من أب وامّ؛ لعدم
اعتبار جهة الأب هنا فيقسّمون المال بينهم بالمساواة؛ لأنّ قاعدة الميراث في المتقرّب بالامّ هو التقسيم بالسويّة كما تقدّم. وأمّا الامّ لو كانت منفردة فالمشهور
وقوّاه السيدان الحكيم والخوئي
أنّها ترث الثلث فرضاً والباقي ردّاً؛ لإطلاق الأدلّة من الكتاب والسنّة.
أمّا الكتاب، فقوله تعالى: «وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ».
أمّا السنّة، فقول
الإمام الباقر عليه السلام في رواية
زرارة : «ولا يرث مع الامّ... أحد خلقه اللَّه غير زوج أو زوجة».
هذا مضافاً إلى أنّه مقتضى الاصول ومدلول الكثير من الروايات
فقد نصّ عليه في الأخبار الخاصّة، كرواية زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام: «أنّ ميراث ولد الملاعنة لُامّه».
ورواية
محمّد بن مسلم عن
الإمام الصادق عليه السلام - في حديث في
اللعان - قال: فسألته: من يرث الولد؟ قال: «امّه».
ولكن ذهب
الشيخ الصدوق إلى أنّه مع حضور
الإمام يكون للُامّ الثلث، والباقي للإمام عليه السلام.
وذهب
الشيخ الطوسي في
الاستبصار إلى أنّ للُامّ الثلث إن لم يكن لها عصبة يعقلون عنه والباقي للإمام عليه السلام.
وبه قال
ابن الجنيد ، إلّا أنّه جعل الباقي لبيت مال المسلمين.
ومستندهم في ذلك روايتان صحيحتان مضمونهما واحد رواهما
أبو عبيدة وزرارة عن الإمام الباقر عليه السلام قال: «
ابن الملاعنة ترثه امّه الثلث والباقي لإمام المسلمين؛ لأنّ جنايته على الإمام».
إلّا أنّ الفقهاء طرحوا الخبرين ولم يعملوا بإطلاقهما؛ لمخالفتهما اصول المذهب وموافقتهما للقول بالتعصيب فيكونان شاذّين.
قال
ابن إدريس في مقام المناقشة فيما ذهب إليه الشيخ في الاستبصار: «إنّه مصير إلى مذهب المخالفين، وعدول عن آية ذوي
الأرحام ، واصول المذهب، ورجوع إلى القول بالعصبة، ثمّ هدم ونقض لإجماعنا، وهو أنّ قرابات الامّ وكلالتها لا يعقلون ولا يرثون من الدية شيئاً بغير خلاف بيننا».
نعم، يظهر من
المحقق الأردبيلي ميله إلى هذا القول؛ لعدم المعارض للصحيحين بخصوصه، و
إمكان تخصيص العمومات الدالّة على أنّ الامّ إذا انفردت ترث جميع المال بغير امّ ولد الملاعنة، والروايات الخاصّة ليست بصحيحة ولا صريحة في توريث الامّ جميع مال ولدها من زوجها الملاعن.
ووقع ذلك مورد
استغراب صاحب الجواهر حيث قال: «نسأل اللَّه أن لا يكون ذلك من
اختلال الطريقة».
قال
السيد الصدر : «(الرواية) معارضة؛ لأنّ ما دلّ على أنّ ميراثه لُامّه لا يقبل عرفاً التقييد بالثلث».
تطابق النصّ والفتوى على أنّ ولد الملاعنة يرث من امّه؛ لأنّ نسبه ثابت بالنسبة إليها من غير خلاف.
وهل يرث قرابتها؟ ذهب المشهور
- ومنهم السادة الحكيم والخميني والخوئي
- إلى أنّه يرثهم؛ لأنّ قرابته معهم ثابتة بعد صحّة نسبه مع الامّ؛ ولذا هم يرثونه إجماعاً.
ولكن استشكل
السيّد الصدر في إرثه من قرابتها.
وخالف الشيخ الطوسي في الاستبصار فذهب إلى عدم إرثه منهم إلّا بعد
اعتراف الأب به، فإن اعترف به ورجع عن إنكاره يرثهم؛ لأنّه يبعد
التهمة عن
المرأة ، ويقوي صحّة النسب.
وقد استند في ذلك إلى روايتين رواهما أبو بصير والحلبي عن الإمام الصادق عليه السلام وفيهما: «... فإن لم يدّعه أبوه فإنّ أخواله يرثونه ولا يرثهم»،
حيث يدلّان بالمفهوم على أنّه لو اعترف أبوه يرثهم كما يرثونه. ولم يوافقه عليه أحد،
بل هو في
التهذيب قال: «إنّ العمل على ثبوت الموارثة بينهم أحوط وأولى على ما يقتضيه شرع
الإسلام ».
ومن هنا يظهر من بعضهم ثبوت
الإجماع على المسألة، خصوصاً حيث لا قائل بهذا التفصيل عدا الشيخ ولم يوافقه عليه أحد ممّن تقدّمه وتأخّره، بل لم يعلم كونه قولًا له، بناءً على القول بأنّ الاستبصار معدّ للجمع بين الأخبار لرفع تنافيها لا للفتوى،
فلم يثبت خلاف الشيخ في المسألة أيضاً. وإن كان يعضد التفصيل الذي ذكره الشيخ صحّة نصوصه، وأنّه مقتضى الجمع بين ما دلّ على التوارث وبين ما دلّ على العدم بشهادة النصوص المفصّلة، خصوصاً بعد أنّ مورد الحاكمة بالتوارث إنّما هو صورة تكذيب الوالد نفسه بعد اللعان، لكن
إعراض الفقهاء عن تلك النصوص يمنع العمل بها.
هذا،
بالإضافة إلى ذلك فقد صرّحت بعض النصوص بإرثه أخواله:
منها: رواية زيد عن الإمام الصادق عليه السلام... قلت: أ رأيت إن ماتت امّه وورثها، ثمّ مات هو من يرثه؟ قال: «عصبة امّه، وهو يرث أخواله».
ومنها: رواية
أبي بصير عنه عليه السلام أيضاً... أ رأيت إن ماتت امّه فورثها الغلام، ثمّ مات الغلام من يرثه؟ قال: «عصبة امّه»، قلت: فهو يرث أخواله؟ قال: «نعم».
وليس في هذه النصوص ما يوجب تقييد
الإطلاق من نحو خصوصيّة المورد ورجوع الضمير في الجواب إليه كما اتّفق في النصوص الاخرى، وهي وإن كانت ضعيفة السند إلّا أنّها منجبرة بالشهرة العظيمة بل عدم الخلاف إلّا ما قد عرفت حاله.
اتّفق الفقهاء على أنّ ولد الملاعنة يرث أباه لو اعترف به ورجع عن لعانه، ولا يرثه هو. وهذا الحكم إجماعي كما صرّح بذلك جماعة،
منهم
المحقّق النجفي حيث قال: «فإن اعترف الأب بعد اللعان ورث هو الأب المعترف، ولا يرثه الأب إجماعاً بقسميه».
وقد دلّت عليه النصوص المستفيضة
:
منها: رواية
الحلبي عن الإمام الصادق عليه السلام- في الملاعن- «إن أكذب نفسه قبل اللعان ردّت إليه امرأته وضرب الحدّ، وإن لاعن لم تحلّ له أبداً... وإن مات ولده ورثه أخواله، فإن ادّعاه أبوه لحق به، وإن مات ورثه الابن ولم يرثه الأب».
ومنها: رواية محمّد بن مسلم قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل لاعن امرأته وانتفى من ولدها، ثمّ أكذب نفسه بعد الملاعنة وزعم أنّ ولدها ولده، هل تردّ عليه؟ قال: «لا، ولا كرامة، لا تردّ عليه، ولا تحلّ له إلى
يوم القيامة »، إلى أن قال: فقلت: إذا أقرّ به الأب هل يرث الأب؟ قال: «نعم، ولا يرث الأب
الابن ».
وقد ذكر جماعة من الفقهاء وجهاً لنفي إرث الأب منه وهو: «أنّ
الإقرار بالولد بعد نفيه قد يكون للطمع في ميراثه، فإذا لم يورّث كان ذلك صارفاً له عن الإقرار به لهذا الغرض، واقتضى أن لا يكون بعد الجحود إلّا لتحرّي الصدق فقط».
هذا، وقد استدلّ عليه بعض الفقهاء بأنّ إقرار العقلاء ماضٍ على أنفسهم لا لها، وقد تضمّن إقراره شيئاً على نفسه وشيئاً لها فيصحّ الأوّل دون الثاني.
لكن اجيب عنه بأنّه إنّما يصحّ بالنسبة إلى النفقة لا بالنسبة إلى
الإرث ، فإنّ أخذ الإرث لا يضرّ الملاعن وإنّما يضرّ الورثة.
وهل يرث أقارب الأب؟ ذهب المشهور
- منهم الشيخ والمحقّق
-إلى أنّه لا يرثهم، وهو مختار جماعة من المعاصرين.
واستدلّ له بأنّه باللعان قد انقطع النسب، وهو لا يعود باعتراف الأب بعد اللعان، وإرثه من الأب إنّما يكون بإقراره لا باعتبار ثبوت النسب في نفس
الأمر ، وإقرار الأب لا ينفذ على غيره.
وذهب
أبو الصلاح الحلبي وولد الشيخ
إلى أنّه يرثهم؛ لأنّ الإقرار به كالبيّنة في
إثبات النسب.
وقال
الفاضل الإصفهاني : «ويؤيّده أنّ الإرث بالإقرار أخذ للورثة بإقرار مورّثهم».
وفصّل العلّامة في القواعد
بين ما إذا اعترفوا به وكذّبوا الأب فيرثهم ويرثونه، وبين ما إذا لم يعترفوا فلا توارث. وهذا ما قوّاه ولده.
لكن اجيب عنه بأنّ تكذيبهم غير مجدٍ في نفي النسب شرعاً، وإلّا لورثوه وورثهم مع
إصرار الأب على
الإنكار وهو
باطل إجماعاً.
الموسوعة الفقهية، ج۹، ص۳۳۶- ۳۴۲.