إكرام الإنسان
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ثمّة
إكرام عام يتعلّق
بالإنسان على مستوى خلقته وتعظيم اللَّه تعالى له وتسخير كلّ شيء لأجله، قال تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا»،
وهو إكرام وقع خلاف بين العلماء والمفسرين في كونه تكوينياً من حيث إنّ معناه أنّ اللَّه تعالى خلقه في أحسن تقويم، ونعّمه وأفاض عليه ومكّنه في الأرض وسخّر له سائر المخلوقات، أم هو-
إضافةً إلى ذلك- إكرام تشريعي بمعنى أنّ الآية تثبت احتراماً أوّلياً للإنسان بما هو إنسان، وأنّ سلب احترامه عنه يكون بعوارض تعرض عليه يتحمّل مسؤوليتها
كالكفر والاعتداء على الغير وما شابه ذلك، ممّا يراجع تفصيله في محلّه.
إلّاأنّه وردت في الشريعة عناوين خاصّة عديدة جرى الحكم بإكرامها، وهي من أفراد الإنسان، نوردها على الشكل التالي:
•
إكرام النبي (ص)وأهل بيته عليهم السلام ،يجب إكرام
النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وأهل البيت عليهم السلام، فإنّ الأدلّة في الكتاب
والسنّة على وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم واتّباعه .
حثّت الشريعة على تكريم
العلماء وتعظيمهم، فقد وردت في حقّهم روايات كثيرة عن
أهل البيت عليهم السلام ما لم يرد في حقّ غيرهم.
فمن ذلك ما روي عن
أبي عبد الله عليه السلام، حيث قال: «كان
أمير المؤمنين عليه السلام يقول: إنّ من حقّ العالم أن لا تكثر عليه السؤال، ولا تأخذ بثوبه، وإذا دخلت عليه وعنده قوم فسلّم عليهم جميعاً، وخصّه بالتحيّة دونهم، واجلس بين يديه ولا تجلس خلفه، ولا تغمز بعينك، ولا تُشر بيدك، ولا تكثر من القول: قال فلان وقال فلان خلافاً لقوله، ولا تضجر بطول صحبته، فإنّما مثل العالم مثل النخلة تنتظرها متى يسقط عليك منها شيء، وأنّ العالم أعظم
أجراً من الصائم القائم الغازي في سبيل اللَّه».
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام يكرمون العلماء الصالحين من تلامذتهم وأصحابهم، فقد ورد عن
أبي محمّد العسكري عليه السلام أنّه اتّصل به أنّ رجلًا من
فقهاء شيعته كلّم بعض النصّاب، فأفحمه بحجّته حتّى أبان عن فضيحته، فدخل على
علي بن محمّد عليهما السلام وفي صدر مجلسه دست
عظيم منصوب، وهو قاعد خارج الدست، وبحضرته خلق كثير من العلويّين وبني هاشم، فما زال يرفعه حتى أجلسه في ذلك الدست، وأقبل عليه، فاشتدّ ذلك على اولئك الأشراف، فأمّا العلويّة فأجلّوه عن العتاب، وأمّا الهاشميّون فقال له شيخهم: يا ابن رسول اللَّه، هكذا تؤثر عامّياً على سادات
بني هاشم من الطالبيّين والعباسيّين؟! فقال عليه السلام: «إيّاكم وأن تكونوا من الذين قال اللَّه تعالى فيهم: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُم مُعْرِضُونَ»،
أترضون بكتاب اللَّه عزّوجلّ حكماً؟» قالوا: بلى، قال: «أليس اللَّه يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ» - إلى قوله-: «وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ»،
فلم يرض للعالم المؤمن إلّاأن يرفع على المؤمن غير العالم، كما لم يرض للمؤمن إلّاأن يرفع على من ليس بمؤمن، أخبروني عنه؟
قال: «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ»،
أو قال: يرفع اللَّه الذين اوتوا شرف النسب درجات؟ أو ليس قال اللَّه: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ»
؟...».
وهذا الخبر يدلّ على أنّ إكرامه عليه السلام له إنّما كان لمكانة علمه، وأنّ كسره للناصب بحجج اللَّه التي علّمه إيّاها لأفضل له من كلّ شرف في النسب، بل هو دالّ على أنّ إكرام العالم يجب أن يكون مقدّماً على الإكرام النسبي.
ينبغي إكرام
الإمام العادل بين
المسلمين ، فقد روى
أبو ذر عن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «يا أبا ذر، إنّ من إجلال اللَّه إكرام ذي الشيبة المسلم، وإكرام حملة القرآن العاملين به، وإكرام السلطان المقسط.
•
إكرام الزوجة والأرحام ،ورد في النصوص والفتاوى الحديث عن
إكرام الزوجة والأرحام.
يستحبّ إكرام
المسلمين لا سيّما الأتقياء منهم.
فقد روي عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «من أتاه أخوه المسلم فأكرمه فإنّما أكرم اللَّه عزّوجلّ».
وروى
عبد الله بن جعفر بن إبراهيم عنه عليه السلام أيضاً أنّه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من أكرم
أخاه المؤمن بكلمة يلطّفه بها وفرّج عنه كربته لم يزل في ظلّ اللَّه الممدود عليه من الرحمة ما كان في ذلك».
ومن مظاهر الإكرام الصلة والزيارة، فقد روي أنّ من زار مؤمناً فكأنّما زار اللَّه تعالى، وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: «من سرّ مؤمناً فقد سرّني، ومن سرّني فقد سرّ اللَّه»».
وعن
أبي جعفر عليه السلام قال: «أيّما مؤمن زار مؤمناً كان زائراً للَّهعزّوجلّ، وأيّما مؤمن عاد مؤمناً خاض الرحمة خوضاً، فإذا جلس غمرته الرحمة، فإذا انصرف وكّل اللَّه به سبعين ألف ملك يستغفرون له ويسترحمون عليه، ويقولون: طبت وطابت لك الجنّة إلى تلك الساعة من الغد، وكان له خريف من الجنّة»، قال الراوي: وما الخريف؟ جعلت فداك، قال: «زاوية في الجنّة، يسير الراكب فيها أربعين عاماً».
والنكتة في ذلك كلّه ترجع إلى حرمة المؤمن ومكانته عند اللَّه تعالى، فقد روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: «المؤمن أعظم حرمة من
الكعبة ».
فكما أنّ الكعبة ضروريّة
الاحترام والتعظيم والتكريم فكذلك المؤمن، بل المؤمن أعظم حرمة منها، فكان تكريمه أهم وأعظم.ومن المظاهر الشرعية لإكرام المسلم إكرام بدنه بعد موته، حيث يحكم بوجوب
تغسيله وتكفينه ودفنه وستر عورته، ويحرم نبش قبره أو
إهانته بأيّ شكل كان، كما ورد تفصيل ذلك في مباحث غسل الميّت وتكفينه وأمثال ذلك.كما ومن مظاهر إكرام المسلم شرعاً احترام ماله وعرضه ممّا ورد مفصّلًا في محلّه.
حثّت الروايات على إكرام ذي الشيبة في
الإسلام :
منها: ما رواه عبد اللَّه بن سنان، قال:قال لي أبو عبد اللَّه عليه السلام: «من
إجلال اللَّه عزّوجلّ إجلال المؤمن ذي الشيبة، ومن أكرم مؤمناً فبكرامة اللَّه بدأ، ومن استخفّ بمؤمن ذي شيبة أرسل اللَّه إليه من يستخفّ به قبل موته».
ومنها: ما رواه أبو الخطّاب عنه عليه السلام قال: «ثلاثة لا يجهل حقّهم إلّامنافق معروف النفاق: ذو الشيبة في الإسلام، وحامل القرآن، والإمام العادل».
يستحبّ إكرام الكريم والشريف؛ لما ورد عن
السكوني عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه».
وروي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال:«إذا أتاكم شريف قوم فأكرموه».
ولذلك ذكر الفقهاء في آداب التجارة أنّه يكره
استخدام من يستحقّ الإكرام لحسب أو نسب أو كبر سنّ، ونحو ذلك.
من موارد استحباب الإكرام إكرام الضيف.وتدلّ عليه الروايات:
منها: ما ورد عن
إسحاق بن عبد العزيز وجميل وزرارة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال:«ممّا علّم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم
فاطمة أن قال:من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فليكرم ضيفه».
ومنها: ما روي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أيضاً قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ من حقّ الضيف أن يُكرَم...».
ومنها: رواية
الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: إذا دخل الرجل بلدة فهو ضيف على من بها من إخوانه وأهل دينه حتى يرحل عنهم».
ولا فرق في استحباب إكرام الضيف بين أن يكون مسلماً أو كافراً،
كما اشتهر على الألسن: أكرم الضيف ولو كان كافراً،
بل ورد ذلك في وصيّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام.
ذكر بعض الفقهاء أنّه ينبغي لصاحب المصيبة أن يجلس للعزاء ثلاثة أيّام، والأفضل أن يضيف إلى ذلك ما يقتضي إكرام المعزّين من وضع الطيب والماء وغيرهما.
الموسوعة الفقهية، ج۱۶، ص۲۳۰-۲۴۲.