الإذن (التنازع فيه)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الإذن (توضيح) .
التنازع في
الإذن قد يكون في أصله، بأن يدّعيه أحدهما وينكره الآخر.وقد يكون التنازع في مقدار المأذون فيه مع
الاتّفاق في أصله، كما لو قال:وكّلتني في
بيع الجميع، أو في بيعه مطلقاً، وقال الموكّل: بل في بيع بعضه أو في بيعه نقداً.وقد يكون التنازع في متعلّق الإذن وكيفيّته، كما لو قال: وكّلتني في بيعه، وقال الموكّل: بل في
إجارته ، أو قال:وكّلته في بيع هذا، وقال الوكيل: بل في بيع ذاك، وهكذا.وقد يكون التنازع في الرجوع عن الإذن وعدمه، فيدّعي الآذن رجوعه عنه وينكره المأذون، كما قد يتّفقان على
الرجوع ويختلفان في زمانه، فعلى هذا يتصوّر التنازع في مواضع:
إذا اختلف في الإذن فادّعاه أحدهما وأنكره الآخر ولا بيّنة لمدّعيه، يقدّم قول المنكر؛ لأنّ الأصل عدمه، كما لو اختلف الراكب وربّ الدابّة في
العارية والغصب ، فالقول قول ربّ الدابّة؛ لأنّ الراكب يدّعي عليه الإذن في الركوب، وهو ينكره، والأصل عدم الإذن،
وعدم
إباحة المنفعة.
ومن هذا القبيل ما لو ادّعى صاحب المنزل
السرقة ، والمخرج الإذن في
الإخراج ، فالقول قول صاحب المنزل.
نعم، لا يثبت بذلك عنوان السرقة وحكمها، وهو
الحدّ أو
التعزير ؛ لأنّ الأصل عدمها وعدم الإذن لا يكفي في
إثباتها ، كما أنّ قاعدة درء الحدّ بالشبهة
تقتضي ذلك أيضاً.نعم، قد يكون في البين أصل حاكم على
استصحاب عدم الإذن، فيقدّم هناك قول مدّعي الإذن.
قال
الشيخ الطوسي : «إذا زوّج الرجل
اخته ، ثمّ مات الزوج، فاختلفت هي ووارث زوجها، فقال الوارث: زوّجك أخوك بغير أمرك،
فالنكاح باطل، ولا ميراث لك، وقالت: زوّجني بإذني، فالنكاح صحيح، فالقول قولها؛ لأنّ الوارث يدّعي خلاف الظاهر».
وكذا لو زوّجها
الأجنبيّ ، فقال الزوج بعد
العقد : زوّجك العاقد من غير إذنك، فقالت: بل أذنت، فالقول قولها مع اليمين؛ لأنّها تدّعي الصحّة، والزوج يدّعي الفساد، ومدّعي الصحّة مقدّم، ولأنّ الإذن من فعلها، ولا يعلم إلّا من قبلها.
نعم، لو ادّعى الزوج إذنها متقدّماً أو متأخّراً، فأنكرت، فإن كان قبل الدخول قدّم قولها مع اليمين؛ لأنّ الإذن من فعلها.والأصل لا يعارض
بأصالة الصحّة هنا، إلّا على القول
ببطلان الفضولي .وإن كان بعد الدخول فالأقرب تقديم قوله؛ لدلالة الدخول عليه؛ لأنّ الأصل عدم
الإكراه والشبهة.نعم، هو مبنيّ على أنّ المدّعي يدّعي خلاف الظاهر، وإلّا فالأصل عدم الإذن.
ولا يجدي كون الأصل في الدخول الشرعية، فإنّه ليس ممّا فيه النزاع، وإنّما الدخول أمر يظهر منه الإذن لأصله.
إذا اختلفا وتنازعا في مقدار الإذن سعة وضيقاً، أو قلّة وكثرة بعد الاتّفاق على أصله، كما إذا وكّله في بيع ماله، فقال الوكيل: وكّلتني في البيع نقداً أو نسيئة، وقال الموكّل: بل نقداً فقط، أو قال:وكّلتني في بيع تمام الدار، وقال الموكّل:بل في بيع نصفها- مثلًا- أو طابق منها، كان القول قول الموكّل والآذن؛ لأنّه منحلّ إلى
العلم بالإذن في المقدار الأقلّ،
والشكّ في الإذن في المقدار الزائد، والأصل عدمه.
وهذا يرجع بحسب الحقيقة إلى التنازع في أصل الإذن وعدمه في المقدار الزائد.
إذا اختلفا في متعلّق الإذن أنّه هذا المال أو ذاك، وأنّه أذن له في أكله مجّاناً أو على وجه
الضمان ، أو أنّه أعطى الخيّاط القماش ليقطعه قباءً أو ليقطعه قميصاً. ففي مثل هذه الموارد قد يرجع التنازع إلى التداعي، كما إذا كان كلّ منهما مدّعياً لأمر له أثر زائد على ما يدّعيه الآخر. وقد يرجع إلى المدّعي والمنكر، ففي الأوّل يحكم فيه
بالتحالف ، وفي الثاني يكون القول قول المنكر مع يمينه.
لو تنازع الآذن والمأذون في الرجوع عن الإذن وعدمه فالقول قول منكر الرجوع عند فقد البيّنة، فلو أذن المرتهن للراهن في البيع، ثمّ اختلفا في أصل الرجوع وعدمه حكم بصحّة البيع ونفي الرجوع؛ للأصل، واستصحاب
بقاء الإذن.
نعم، لو اتّفقا على الرجوع، واختلفا في تقدّمه أو تأخّره، فالمسألة محلّ خلافٍ:
قال
المحقّق الحلّي : «إذا أذن المرتهن للراهن في البيع، ورجع، ثمّ اختلفا، فقال المرتهن: رجعت قبل البيع، وقال الراهن:بعده، كان القول قول المرتهن، ترجيحاً لجانب
الوثيقة ؛ إذ الدعويان متكافئتان».
واستدلّ للتكافؤ بأنّ الراهن يدّعي تقدّم البيع على الرجوع، والأصل عدمه، والمرتهن بالعكس، والأصل عدمه، فإنّ كلّ منهما حادث، والأصل تأخّره،
والاقتران أيضاً حادث، والأصل عدمه، فيبقى استصحاب الرهانة سالماً عن المعارض.
وذكر
المحدّث البحراني أنّ المسألة محلّ
إشكال ؛ لعدم النصّ فيها، فلا يجوز الرجوع إلى هذه التعليلات العقلية.
الموسوعة الفقهية، ج۸، ص۳۳۲-۳۳۶.