الإفتراق (الفقهي)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو بمعنى
الانفصال بين الشيئين.
الافتراق- لغة-: مصدر افترق، ومن معانيه
الانفصال بين الشيئين أو بين أجزاء الشيء الواحد وأبعاضه.
واستعمله
الفقهاء بنفس المعنى اللغوي.
التفرّق والافتراق بمعنى واحد، ومنهم من يجعل التفرّق للأبدان والافتراق في الكلام، يقال: فرّقت بين الكلامين فافترقا، وفرّقت بين الرجلين فتفرّقا.
الفصل بَوْن ما بين الشيئين، وفصلت الشيء فانفصل، أي قطعته فانقطع،
وعليه
فالانفصال يساوق الافتراق.
وفرّق بعضهم بينهما بأنّ الفصل يكون في جملة واحدة؛ ولهذا يقال: فصّل الأمر لأنّه واحد، ولا يقال: فرّق الأمر.
يقع الافتراق متعلّقاً لأحكام متنوعة في أبواب
فقهية عديدة
كالبيع والنكاح والصلاة والقضاء ، نشير إلى أهمّها:
من مسقطات
خيار المجلس افتراق المتبايعين من مجلس
عقد البيع ، وهو يحصل بالتفرّق بالأبدان لا بالمجلس خاصّة؛ لانصراف الإطلاق إليه عرفاً، فهو ثابت للمتبايعين ما داما مصطحبين، سواء قاما كذلك في المجلس أو فارقاه،
وقد ادّعي عليه
الإجماع .
واستدلّ عليه بقول
النبي صلى الله عليه وآله وسلم في روايتي
محمد بن مسلم وزرارة عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام: «البيّعان
بالخيار حتى يفترقا»،
وحيث علّق
الشارع الحكم عليه ولم يبيّنه دلّ على حوالته فيه إلى عرف الناس كغيره.
ومعنى حدوث افتراقهما المسقط مع كونهما متفرّقين حين
العقد ، افتراقهما بالنسبة إلى الهيئة الاجتماعية الحاصلة لهما حين العقد، فإذا حصل الافتراق الإضافي- ولو بمسمّاه- ارتفع الخيار، فلا تعتبر الخطوة.
ولذا حكي عن جماعة التعبير بأدنى
الانتقال .
وذكر الخطوة في بعض العبارات
مبنيّ على الغالب في الخارج أو للتمثيل لأقلّ الافتراق، فلو تبايعا في سفينتين متلاصقتين كفى مجرّد افتراقهما.
ثمّ إنّ القدر الثابت من
الأخبار والظاهر من كلام
الفقهاء - بل المصرّح به في عبارات جماعة- اعتبار المباشرة
والاختيار في الافتراق،
فلا يتحقّق الافتراق
بالإكراه عليه، فإنّه لا يسقط خيارهما حينئذٍ بالتفرّق. والقدر المتيقّن من ذلك ما إذا اكرها ومنعا من التخاير.
وأمّا إذا اكرها ولم يمنعا من التخاير، فهل يسقط الخيار بالافتراق أم لا؟ فيه قولان:
الأوّل: السقوط، ذهب إليه جماعة من الفقهاء.
الثاني: عدم السقوط، اختاره بعضهم، واستدلّ عليه بأنّ عدم
الفسخ في حال يثبت معها الخيار لا يثبت
الالتزام .
يشترط في
الصرف زيادة على ما يشترط في مطلق
البيع التقابض في المجلس قبل التفرّق، سواء تماثلا جنساً أو اختلفا، وسواء كانا معيّنين أو غير معيّنين بل موصوفين، فلو افترقا قبل التقابض بطل البيع، ولو تفرّقا وقد تقابضا البعض خاصّة ولم يتقابضا الباقي بطل البيع فيما لم يتقابضا فيه، ويكونان بالخيار في الباقي؛
لتبعّض الصفقة في حقّهما، ولا يبطل في الباقي المقبوض.
لمّا كان من شرائط
بيع السلم قبض الثمن في المجلس
فلابدّ وأن يكون القبض قبل الافتراق، فإن افترقا قبل القبض بطل السلم عند علمائنا أجمع؛
لعدم حصول الشرط.
ولو قبض بعض الثمن في المجلس، ثمّ تفارقا قبل قبض الباقي بطل السلم فيما لم يقبض كالصرف، وسقط بقسطه من المسلم فيه.
الخوف في
الحرب مع
الكفّار مقتضٍ لنقص كيفيّة الصلاة وكمّيتها مع عدم
التمكّن من إتمامها، فتقصّر الرباعيّة، فإذا صلّى
المسلمون جماعة في حال الحرب مع الكفّار افترقوا على طائفتين، فيصلّي
الإمام ركعة بإحدى الطائفتين وينتظر في الركعة الاخرى الطائفة الثانية فيصلّي بهم تلك الركعة.
ومن شرائطها كثرة المسلمين بحيث يمكنهم الافتراق فرقتين، تقاوم كلّ فرقة منهما
العدوّ حالة صلاة الاخرى، وأن لا يحتاج إلى الزيادة على فرقتين.
وهو
استنطاق كلّ منهما مستقلّاً عن الآخر عند
الشهادة بحيث لا يطّلع الآخر على ما يجيب به صاحبه.
والشهود على قسمين: تارة يكونون من العارفين الصلحاء المبعدين عن
التهمة والسوء
والخطأ ومن ذوي البصائر
والأديان القويّة، واخرى غيرهم.
أمّا القسم الأوّل فيكره
للحاكم أن يعنّتهم، بأن يفرّق بينهم ويكلّفهم ما يثقل عليهم من المبالغة في مشخّصات القضيّة التي شهدوا بها ووعظهم
وتحذيرهم عقاب شهادة الزور ؛ لأنّ في ذلك نوع غضاضة لهم
وامتهان .
وأمّا القسم الثاني فينبغي أن يفرّقهم- كما ورد في
خبر داود النبي
ودانيال وكذا
أمير المؤمنين عليه السلام- ويسئل كلّ واحد على حدة، متى شهد؟ وكيف شهد؟ وأين شهد؟
فإذا سمع ذلك منه يستدعي الآخر ويسأله كما سأل الأوّل، فإن اتّفقا على ذلك وإلّا سقطت الشهادة.
العلقة والرابطة
الزوجية إذا حصلت لا يزيلها إلّا
الطلاق من قبل الزوج أو من قبل
الحاكم الشرعي في بعض الموارد الخاصّة، أو
الفسخ من قبلهما أو أحدهما
بالعيوب المسوّغة لها والمذكورة في محلّها من كتاب
النكاح ، لكن هناك بعض المواضع يفرّق فيها الشرع بين الزوجين، ويفصل بينهما أبداً أو إلى أمد معيّن، وتلك الموارد وإن كان محلّها مصطلح (تفريق) إلّا أنّه لا بأس بالإشارة هنا إلى بعضها إجمالًا:
فلو جامع المحرم
أمته أو زوجته عامداً عالماً
بالتحريم قبل
الوقوف بالمشعر - على ما نسب إلى
المشهور بل ادّعي
الإجماع عليه
- أو قبل الوقوف
بعرفة كما عليه آخرون،
فسد
حجّه ويجب عليه المضيّ في فاسده وعليه الحج من قابل
قضاءً عن هذه الحجّة سواء كانت حجّته فرضاً أو نفلًا
وعليهما الافتراق، وهو أن لا ينفردا بالاجتماع بأن لا يخلوان إلّا أن يكون معهما ثالث.
وقد ادّعي أنّ هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب.
واستدلّ عليه بجملة من الأخبار كصحيح
معاوية بن عمار عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام: في
المحرم يقع على أهله، فقال: «يفرّق بينهما، ولا يجتمعان في خباء إلّا أن يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدي محلّه».
ومرفوعة أبان بن عثمان عن
أبي جعفر وأبي عبد اللَّه عليهما السلام قالا: «المحرم إذا وقع على أهله يفرّق بينهما، يعني بذلك لا يخلوان (إلّا) وأن يكون معهما ثالث».
وهل هذا الحكم على نحو
الوجوب كما هو الظاهر الأوّلي من الروايات أو
الاستحباب ، وهل هو في خصوص حج القضاء أم يشمل الحجة الاولى؟ خلاف.
فإن كان عالماً بتحريم ذلك فرّق بينهما ولم تحلّ له أبداً، وإن لم يكن عالماً فرّق بينهما فإذا أحلّا أو أحلّ إن لم تكن هي محرمة جاز له
العقد عليها.
فإنّه يفرّق بينهما ولم تحلّ له أبداً.
نعم، إن لم يكن دخل بها فرّق بينهما وأتمّت باقي عدّتها، وحينئذٍ فيكون خاطباً من الخطّاب.
فإنّه تحرم عليه
مجامعتها ويفرّق بينهما، إلّا التاسعة أن ترضى المرأة أن يكون معها ولا يجامعها.
فإنّه يفرّق بينهما ولم يكن بينهما لعان.
وعلّل ذلك بأنّ
اللعان إنّما يكون باللسان، والمفروض عدم إمكانه في موردها، ولم تحلّ له أبداً.
فإنّه ذهب بعض
الفقهاء إلى أنّه يفرّق بينهما ولا تحلّ له أبداً،
لكنّ
المشهور حرمتها عليه أبداً مع
الإفضاء .
ومرادهم بالتفريق هنا هو التفريق بالوطء دون البينونة، بل تبقى في حباله.
الموسوعة الفقهية، ج۱۵، ص۲۶۹-۲۷۴.