الإيذاء (الكافر)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الإيذاء (توضيح).
الكافر تارة يفرض كونه من الوالدين، فالمستفاد من إطلاق قوله تعالى: «وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي
الدُّنْيَا مَعْرُوفاً»
عدم جواز إيذائهما حتى مع
إصرارهما على
ارتداد الولد. ولعلّ إطلاقها يشمل ما لو كانا حربيّين أيضاً، وهذا يكشف عن
عظيم حقّ الوالدين على
الإنسان الذي لا يرضى الشارع بإيذائهما، بل يأمر
بمصاحبتهما بالمعروف حتى مع
الشرك والكفر.
قال: «يكره للعادل قتل ذي رحم له من
أهل البغي، ويعرض عنه ليلي قتله غيره؛ لقوله تعالى: «وَإن جَاهَدَاكَ...»،
وروي أنّ
أبا بكر أراد قتل أبيه يوم احد، فنهاه النبي عليه و
آله السلام عنه وقال: «دعه ليلي قتله غيرك»، وكفّ
أبا حذيفة عن قتل
أبيه ،
وإذا نهي عن قتل أبيه الحربي فبأن ينهى عن قتل
الباغي أولى، فإن خالف وقتله كان جائزاً».
وقال
العلّامة الحلّي : «ولا ينبغي له أن يقتل أباه الكافر، بل يتوقّاه؛ لقوله تعالى: «وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً»،
إلّاأن يسبّ النبيّ؛ فإنّ
أبا عبيدة قتل أباه حين سبّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، فلمّا قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لِمَ قتلته؟» قال: سمعته يسبّك، فسكت عنه».
وظاهره
الاستثناء في خصوص سبّ
النبي لا مطلقاً. وبذلك يخصّ قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رواية
السكوني عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «... إنّ فوق كلّ ذي
عقوق عقوقاً حتى يقتل الرجل أحد والديه، فإذا فعل ذلك فليس فوقه عقوق».
وأمّا إذا لم يكن من الوالدين فكذلك لا يجوز إيذاؤه إذا كان ذمّياً عاملًا بشرائط
الذمّة ؛ لصيرورته بحكم
المسلم بعقد الذمّة، فلا يجوز ظلمه و
التعرّض لعرضه وماله ودمه. وقوله تبارك وتعالى: «حَتَّى يُعْطُوا
الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ
صَاغِرُونَ »
لا يدلّ على جواز إيذائهم، بل
المراد منه أمر آخر ككونهم في حال
الخضوع للمسلمين
بإعطائهم الجزية وغير ذلك. كما أنّ الحكم
بنجاستهم وقلّة ديتهم وعدم قتل المسلم بقتلهم قصاصاً وأمثال هذه الأحكام لا تدلّ على جواز إيذائهم.
قال
سلّار : «ومن قذف عبداً أو
ذمّياً عزّر».
وقال في
النهاية : «وإذا قتل المسلم ذمّياً عمداً وجب عليه ديته، ولا يجب عليه القود إلّاأن يكون
معتاداً لقتل
أهل الذمّة ، فإن كان كذلك وطلب أولياء المقتول (الذمّي)
القود كان على
الإمام أن يقيده به».
وقال في الخلاف: «إذا وجد ركازاً في ملك مسلم أو ذمّي في دار
الإسلام ، لا يتعرّض له
إجماعاً ».
وقال في موضع آخر منه: «وإن كان ذلك (
الخمر أو
الخنزير ) في يد ذمّي فأتلفه متلفٌ، مسلماً كان أو ذمّياً، فعليه ضمانه، وهو قيمته عند
مستحلّيه ».
بل وكذلك الحربي إذا كان
مستأمناً ، قال اللَّه تعالى: «وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَايَعْلَمُونَ».
قال الشيخ الطوسي في إجراء الحدّ على المستأمن حتى مع
الترافع إلى
القاضي : «فأمّا إن كانا (المترافعان) مستأمنين فإنّه لا يجب عليه أن يحكم بينهما بلا خلاف؛ لعموم الآية
والأخبار ».
بل وكذلك الحربي
المعاهد ، وهو الذي يكون بينه وبين المسلمين عهد إذا لم ينقض
العهد ، قال اللَّه سبحانه وتعالى: «إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ
الْمُتَّقِينَ ».
وقال أيضاً: «كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ».
بل في الآيتين
إشارة قويّة إلى أنّ ذلك من
التقوى . نعم، الحربي الخارج عن هذه العناوين لا حرمة له.
قال
ابن حمزة : «وإن قذف كافراً وكان ذمّياً عزّر، وإن كان حربيّاً لم يلزمه شيء».
وقال أيضاً: «وإن قتل كافراً لم يخل إمّا كان الكافر حربيّاً أو ذمّياً، فالأوّل لم يلزمه به قصاص ولا دية، والثاني ضربان: إمّا اعتاد قتل أهل الذمّة، أو لم يعتد...».
وإذا لم يترتّب على قتله شيء فالإيذاء أولى بذلك.
هذا كلّه إذا لم يتعنون إيذاؤه بعنوان آخر، كما لو كان في إيذائه صدّ عن
سبيل اللَّه وبُعد له عن أن يقترب من الإسلام، أو كان إيذاؤه موجباً
لإلحاق الضرر بالإسلام والمسلمين.
الموسوعة الفقهية، ج۱۹، ص۲۹۱-۲۹۵.