الارتفاق(حكم المساجد والمشاهد)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الارتفاق(توضيح) .
منفعة المساجد
العبادة والصلاة فيها، ويجوز
الجلوس فيها لغيرها،
ولكن يكره
البيع والشراء فيها،
فيجوز الجلوس فيها للصلاة، أو لمطلق العبادة، أو لتدريس
العلم والافتاء ونحو ذلك،
بل قال بعض الفقهاء: وإن لم يكن لشيء من ذلك بل لنفس الجلوس فضلًا عن
الاشتغال بأمر آخر، نعم ليس له ذلك مع
مزاحمة المصلّين،
وحينئذٍ فمن سبق إلى مكان ما من
المسجد فهو أحقّ به ما دام جالساً فيه.
وقد ادّعي عليه
الإجماع ، بل
الضرورة .
ثمّ إنّه قد استظهر من كلمات بعض الفقهاء
اعتبار وصول الشخص بنفسه إلى المكان
واستقراره فيه، وعدم
كفاية مجرد وضع رحله فيه؛ للشك في ثبوت الحقّ بذلك، والأصل عدمه.
وقد صرّح بعض بأنّه لو بعث برحله ولم يأت هو لم يكف ذلك في ثبوت الحقّ.
قال
الشيخ الطوسي : «ولا ينبغي لأحد أن يقيم غيره عن مكانه الذي هو جالس فيه ليجلس فيه في الجامع، وإن تبرع انسان بالقيام أو تأديب عنه لم يكره، وإن أنفذ بثوب ففرش له في مكانٍ لم يكن بذلك أحقّ من غيره وللغير رفعه والجلوس فيه».
وقال
العلّامة الحلّي : «وليس له أن يقيم غيره ويجلس موضعه وإن كان معتاداً للجلوس فيه، أو كان الجالس
عبده، ولو آثر غيره جاز، وفي
التخصيص به نظر، ولو فرش له مصلّى لم يكن مخصصاً؛ لأنّ السبق بالأبدان لا بما يجلس عليه».
وكلام هذين العلمين صريح في عدم كفاية
الرحل دون الجلوس في المكان في ثبوت الأحقّية، بل لا بد من الجلوس فيه حتى تتحقّق الأحقّية.
لو قام من مكانه مفارقاً له ورافعاً يده عنه بطل حقّه حتّى لو عاد وقد شغله غيره.
ولو فارق المكان لا بنيّة
الإعراض بل كان ناوياً للعود، فإن كان رحله باقياً فهو أحقّ به، وإلّا كان مع غيره سواء.
قال الشيخ الطوسي: «من سبق إلى مكان (في المسجد) كان أحقّ به، فإن قام وترك رحله فيه فحقّه باق، وإن حوّله زال حقّه، ولا خلاف فيه، وفيه نصّ لنا عن
الأئمّة عليهم السلام».
وكأنّ هذه العبارة مطلقة شاملة لفرض
نيته العود وعدمها؛ إذ ليس فيه نية العود كعبارة بعض الفقهاء،
بل قال بعضهم:«هذا الشرط (أي نية العود) لم يذكره كثير».
واعترض عليه بأنّه إذا فرض عدم النية للعود بمعنى الإعراض عنه فلا وجه لبقاء الأحقّية مع الإعراض عنه، ضرورة معلوميّة اشتراك الناس فيه، وبقاء الرحل ليس تحجيراً.
نعم قد يقال بالحكم ببقاء الأحقّية مع بقاء الرحل في صورة
الجهل بالحال، وأنّه هل نوى العود أو لا؟ اعتماداً على شاهد الحال الذي هو بقاء الرحل، أمّا مع العلم بالعدم فلا ريب في عدم بقائها، بل لو علم تردّده في المجيء وعدمه لم يكن له حقّ.
ثمّ إنّه هل يفرّق في المكان بين طول زمان
المفارقة وقصره؟ ذهب بعض الفقهاء إلى تقييد بقاء الأحقية في المقام بعدم طول زمان المفارقة، فلو طال زمان المفارقة بطل حقّه.
ونفى بعض آخر عنه
البأس خصوصاً مع حضور الجماعة؛
لاستلزام تجنب موضعه وجود فرجة في الصف المنهي عنه. بل استثنى بعضهم ذلك- أي حضور الجماعة- مطلقاً طال الزمان أو قصر.
ونوقش فيه: بأنّ ذلك مجرد اعتبار لا يقتضي سقوط الحق الثابت بالدليل فحينئذٍ لا فرق بين طول زمان المفارقة وقصره.
نعم قد يقال: إنّ المراد بالأحقّية تقدّمه على غيره عند التعارض، لا جواز
الانتفاع بالمكان حال عدمه، فحينئذٍ يجوز لغيره الوقوف فيه، فإذا جاء الأوّل تنحى عنه ولو في أثناء الصلاة مع فرض عدم اقتضاء ذلك التصرّف برحله وإلّا لم يجز له؛ لحرمة التصرّف فيه بغير إذنه لا للأحقّية المزبورة.
ولكن قال
الشهيد الثاني : «إنّه على تقدير سقوط حقّه (وهو فرض طول زمان المفارقة) يجوز رفع رحله إن استلزم شغل موضعه التصرّف فيه، وتوقف تسوية الصف عليه، ويضمن الرافع له إلى أن يوصله إلى صاحبه جمعاً بين الحقّين مع احتمال عدم
الضمان للإذن شرعاً».
ونوقش فيه بضعف
الاحتمال المزبور، لأصالة الضمان
وقاعدة اليد وغيرها، بل قد يقال: إنّ سقوط أحقّيته لا يقتضي جواز التصرّف في ماله بعد أن كان وضعه بحقّ، ولم تنحصر الصلاة في الموضع المخصوص.
لو قام الجالس في موضع من المسجد وفارقه لضرورة من تجديد
طهارة ونحوها ونوى العود إليه ولم يكن له رحل في ذلك الموضع فالمشهور
أنّه سقط حقّه
وكذلك الحكم في المشاهد المشرّفة،
بل ادّعي نفي الخلاف في ذلك؛
نظراً إلى حصول المفارقة.
ولكن ذهب بعض الفقهاء إلى عدم سقوط حقّه.ونقله المحقّق الحلّي في
الشرائع،ولم يسمّ قائله.
وقد ذهب إليه العلّامة الحلّي في
التذكرة،
وقد استدلّ عليه بقول
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا قام أحدكم من مجلسه في المسجد فهو أحقّ به إذا عاد إليه»،
وبقول
أمير المؤمنين عليه السلام: «سوق المسلمين كمسجدهم، فمن سبق إلى مكان فهو أحقّ به إلى الليل».
ونوقش فيه بضعف السند ولا جابر له بل الموهن متحقّق،
وبأنّه أعمّ من المدّعى إذ لم يذكر نية العود.
وفرّق الشهيد بين أن يطرأ
العذر في المفارقة قبل الشروع في الصلاة وبعده، فلو فارق الموضع في أثنائها
اضطراراً بقي أولوية الأوّل إلّا أن يجد مكاناً مساوياً للأوّل أو أولى منه؛ محتجاً بأنّها صلاة واحدة فلا يمنع من اتمامها، وهذا بخلاف ما لو فارق قبل الشروع فيها فإنّه يسقط حقّه.
ونوقش فيه بعدم الدليل على هذا
الفرق، فإنّ ثبوت حقّه بالعود تابع
لاستقراره بعد فرض عدم الرحل، واتمامها لا يتوقف على مكان الشروع، وفرض كونه أقرب للعود لا يقتضي بقاء الأولويّة المزبورة وإن أدى إلى بطلان صلاته، كما هو واضح.
وأمّا إذا كان قيامه من الموضع لغير ضرورة فلا ريب في سقوط حقّه،
وقد ادّعى بعض نفي الخلاف في ذلك.
ولا فرق في ذلك بين من يألف بقعة من المسجد ليقرأ عليه
القرآن ويتعلّم منه
الفقه ، وبين غيره؛
لعموم قوله تعالى: «سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ».
هذا كلّه فيما إذا لم يترك رحل في المكان. وأمّا لو ترك رحله ومتاعه فقد حكموابأولويته من غيره ما دام باقياً، ومقتضى
إطلاق عبارة الفقهاء أنّه لا فرق بين المتاع الكبير والصغير كالسبحة مثلًا.
ولكن قال
المحقّق النجفي - بناءً على مبناه في تفسير الحقّ بالسبق في المكان بمعنى حرمة الظلم بدفعه عن مكانه، وبالتصرّف في رحله الموضوع في مكان كان يجوز له وضعه فيه، وأنّه ليس كحقّ التحجير الذي ينتقل
بالإرث وبالصلح ونحوهما، وأنّه لا يزيد على ذلك-:«يتّجه عدم ثبوت الأحقّية ببقاء المتاع إذا كان صغيراً بحيث لا يستلزم المكث في المكان التصرّف فيه. نعم لو كان كبيراً مشغلًا للمكان مثلًا اتّجه وجوب
الاجتناب ؛ لحرمة التصرّف بمال الغير، لا لأنّ وضعه يفيد أحقّيةٍ في المكان نحو التحجير... وعليه لا فرق حينئذٍ بين الصغير والكبير بعد صدق اسم الرحل لا غيره كالتربة ونحوها».
لو استبق اثنان إلى موضع من المسجد فوصلا إليه معاً من غير تقدّم أو تأخّر ولا يسع الموضع إلّا لأحدهما ولم يسامح أحدهما الآخر اقرع بينهما،
وصار من أخرجته
القرعة بمنزلة السابق؛ نظراً إلى
انحصار الأولويّة فيهما، وعدم إمكان الجمع بينهما، فهو لأحدهما، إذ منعهما معاً باطل، والقرعة لكلّ أمر مشكل.
قال
الشيخ الطوسي : «إذا سبق اثنان إلى موضع من المواضع ففيه وجهان: أحدهما:
يتقارعان وهو الصحيح، والثاني: يقدّم
الإمام من شاء منهما».
الموسوعة الفقهية، ج۸، ص۴۶۸-۴۷۳.