الاستقبال (التياسر والتيامن في القبلة)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الاستقبال (توضيح) .
المشهور
استحباب
التياسر قليلًا لأهل
العراق شهرة بلغت حدّ
الاستفاضة ،
بل ادّعي عليه
الإجماع .
ويدلّ عليه ما رواه
المفضّل بن عمر أنّه سأل
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن
القبلة وعن السبب فيه؟ فقال: «إنّ
الحجر الأسود لمّا انزل من الجنّة ووضع في موضعه جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه
النور نور الحجر، فهي عن يمين
الكعبة أربعة أميال، وعن يسارها ثمانية أميال، كلّه اثنا عشر ميلًا، فإذا انحرف
الإنسان ذات اليمين خرج عن حدّ القبلة لقلّة أنصاب الحرم، وإذا انحرف الإنسان ذات اليسار لم يكن خارجاً من حدّ القبلة».
وكذا مرفوعة
علي بن محمّد قال:قيل لأبي عبد اللَّه عليه السلام: لِمَ صار الرجل ينحرف في
الصلاة إلى اليسار؟ فقال:«لأنّ للكعبة ستّة حدود، أربعة منها على يسارك، واثنان منها على يمينك، فمن أجل ذلك وقع التحريف على اليسار».
وكذا ما ورد في فقه
الامام الرضا عليه السلام من أنّه: «إذا أردت أن تتوجّه القبلة فتياسر مثلَي ما تيامن؛ فإنّ
الحرم عن يمين الكعبة أربعة أميال، وعن يسارها ثمانية أميال».
وهذه الروايات وإن لم تصرّح بتياسر أهل العراق إلّاأنّه بالإمكان
استكشافه من رواة هذه الروايات الذين كانوا جميعاً من أهل العراق.
وهناك من عمّم الحكم لجميع من سامت أهل العراق باتّجاه
الركن العراقي ،
كأهل
خراسان وفارس وخوزستان ومَن والاهم.
ولابدّ من
الإشارة إلى أنّ المقصود من التياسر هنا ليس
الانحراف عن القبلة إلى غيرها؛ لأنّه حرام إجماعاً،
ولا من غير القبلة إلى القبلة؛ لأنّه واجب قطعاً، بل من القبلة إلى القبلة،
بناءً على أنّ الحرم قبلة للنائي.
وفي مقابل المشهور ذهب جماعة إلى وجوب التياسر؛
إزاحة العلّة على ما نقله المجلسي في البحار،
عملًا بظاهر هذه الروايات، خصوصاً الرضوي منها الذي ورد الأمر بالتياسر فيه،
بل ادّعى الشيخ الإجماع على ذلك».واورد عليه بأنّ الإجماع موهون بمخالفة الأكثر، وضعف النصوص سنداً ودلالة عن
إثبات الوجوب،
مع أنّ الأصل وإطلاق أدلّة أمارات القبلة يقضيان بحمل هذه الروايات على رجحان التياسر واستحبابه دون وجوبه.
بينما ذهب آخرون إلى
إنكار استحباب التياسر فضلًا عن وجوبه؛ لضعف هذه الروايات.
مضافاً إلى أنّه يمكن أن يلاحظ على الحكم المذكور بما يلي:
أوّلًا: بأنّ مساحة الحرم بمجموعها ليست بالنسبة إلى من نأى عنها كأهل العراق إلّانقطة صغيرة يؤدي التياسر عنها إلى الانحراف عن الكعبة والحرم معاً وهو غير صحيح.
وثانياً: بأنّه إذا كان التياسر راجحاً في الآفاق الشماليّة بسبب
امتداد الحرم فلماذا لم يكن
التيامن كذلك بالنسبة إلى الآفاق الجنوبيّة، مع أنّهم لم يصرّحوا باستحبابه ولا وجوبه.
وثالثاً: بأنّه بالإمكان أن يكون المقصود بالتياسر في بعض مناطق العراق
كالكوفة التي بنى محاريبها خلفاء الجور خطأً إلى غير جهة القبلة، فجاء الأمر بالتياسر لتوجيه المسلمين إلى الجهة الصحيحة، مع عدم التصريح بخطأ هؤلاء
تقيّة.
ذكر الفقهاء اموراً يكره استقبالها في الصلاة:
منها:
المصحف المفتوح: ذهب إليه الأكثر،
بل ادّعي عليه
الشهرة ؛
لرواية
عمار عن الإمام الصادق عليه السلام قال:في الرجل يصلّي وبين يديه مصحف مفتوح في قبلته؟ قال: «لا».
حيث حملوه على
الكراهة ؛ للشهرة العظيمة عليها.
وحكي عن الحلبي الحكم بعدم الجواز،حكاه عنه في المختلف،
وتردّد في صحة الصلاة حينئذٍ، ولعلّه للخبر المزبور.
وألحق بعضهم
بالمصحف كلّ مكتوب ومنقوش يشغله عن الصلاة؛ لما رواه علي بن جعفر عن أخيه
الإمام الكاظم عليه السلام قال: سألته عن الرجل هل يصلح له أن ينظر في نقش خاتمه وهو في الصلاة، كأنّه يريد قراءته، أو في المصحف أو في كتاب في القبلة؟ قال: «ذلك نقص في الصلاة وليس يقطعها».
وقد صرّح بعضهم بأنّه لا فرق في الكراهة بين القارئ وغيره،
بل هو الظاهر من إطلاق كلّ من تعرّض للكراهة في المسألة.
نعم، خصّها بعضهم بصورة القراءة؛ لأنّها هي التي تشغل المصلّي عن الصلاة.
ومنها: التصاوير
والتماثيل على المشهور،كما في تلخيص التلخيص على ما في
مفتاح الكرامة،
بل قيل: إنّه مذهب فقهائنا.
وبه وردت أخبار كثيرة.
والمعروف بين اللغويين أنّ التصاوير هي نفس التماثيل، فيكون عطف التماثيل على التصاوير في بعض الكلمات من باب التفسير.
لكن هناك من فرّق بينهما معتبراً أنّ التماثيل مختصة بذوات الأرواح، سواء كانت مجسمة أو غير مجسمة، ولعلّه لذلك حكم بعضهم بالكراهة فيها دون غيرها.
ومنها:
الاستقبال إلى جهة فيها إنسان
على المشهور؛
لأنّه يؤدّي إلى
الاشتغال عن العبادة وجعله كالمسجود له.
لكن ادّعى بعضهم عدم وجود دليل عليه،
إلّامن باب
التسامح في أدلّة السنن بناءً على شمولها لفتاوى الفقهاء.
وخصّ بعضهم الكراهة باستقبال المرأة الجالسة،
وتشتدّ الكراهة إذا كانت نائمة.
وهناك من عمّم الحكم لسائر الحيوانات؛
لما رواه
أبو بصير عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «لا يقطع الصلاة شيء، لا كلب ولا حمار ولا امرأة، ولكن استتروا بشيء، وإن كان بين يديك قدر ذراع رافع من الأرض فقد استترت».
ومنها: الباب المفتوح: كما ذهب إليه الأكثر
بل المشهور،
بل نسبه بعضهم إلى الأصحاب؛ وربّما استدلّ له بالأخبار الدالّة على استحباب السترة بين المصلّي وبين من يمرّ بين يديه.
لكن نفى بعض الفقهاء وجود دليل عليه أيضاً،
إلّاأن يتسامح فيه فيثبت بفتوى
الفقيه .
ولا فرق في ذلك بين الباب المفتوح إلى داخل البيت أو خارجه.
ومنها: استقبال النار أو القنديل على المشهور بين الفقهاء؛
لصحيحة
علي بن جعفر عليهما السلام عن
أبي الحسن عليه السلام، قال:سألته عن الرجل يصلّي والسراج موضوع بين يديه في القبلة، قال: «لا يصلح له أن يستقبل النار».
والأشهر، بل المشهور أنّ ذلك فيما إذا كانت مضرمة،
بينما يظهر من جماعة عدم اشتراط ذلك،
وهو معقد شهرة المختلف، وإجماع الخلاف.
نعم، ذهب بعض أصحاب هذا الرأي إلى أنّ الكراهة تكون أشدّ إذا كانت النار مضرمة، أو كانت معلّقة مرتفعة.
وفي المقابل نُسب القول بالحرمة إلى
أبي الصلاح .
وعلى أيّ حال لو صلّى المكلّف والحال هذه فقد حكم المشهور بصحة صلاته، وإن كان يظهر من سلّار القول
ببطلانها.
ومنها:
السلاح والحديد، حيث صرّح كثير من الفقهاء بكراهة أن يكون أمام المصلّي سلاح مجرّد عن غمده،
بل مطلق السلاح،
وقد ادّعي عليه الإجماع؛
لما روي عن
علي عليه السلام: «ولا يصلّين أحدكم وبين يديه سيف، فإنّ القبلة أمن».
لكن ذلك في حال
الاختيار .
وأمّا حال
الاضطرار كالحرب
أو الخوف من العدوّ فلا.
وهناك من عمّم الحكم لمطلق الحديد
وإن لم يكن سلاحاً؛
لرواية عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «لا يصلّي الرجل وفي قبلته نار أو حديد».
بل هو المستفاد من كلّ من اكتفى بذكر الحديد دون السلاح.
هذا.
وهنا أيضاً نسب إلى أبي الصلاح القول بالتحريم، والتردّد في فساد الصلاة.
ومنها: الحائط الذي ينزّ من بالوعة البول والغائط، حيث صرّح غير واحد من الفقهاء بذلك،
بل ادّعي عدم الخلاف فيه إلّامن
الحلبي حيث حرّم ذلك، لكنّه تردّد في الفساد على ما نسب إليه».واقتصر بعضهم على ذكر ما ينزّ من البول،
بينما صرّح آخرون بأنّ الغائط أفحش من البول، فالكراهة فيه أولى.
والدليل على الكراهة- مضافاً إلى منافاته لتعظيم الصلاة
والقبلة
- مرسلة
البزنطي عمّن سأل أبا عبد اللَّه عليه السلام عن
المسجد ينزّ حائط قبلته من بالوعة يبال فيها، فقال: «إن كان نزّه من
البالوعة فلا تصلّ فيه، وإن كان نزّه من غير ذلك فلا بأس».
وفي
إلحاق سائر
النجاسات كالخمر والماء النجس وشبههما في الحكم المذكور إشكال؛
لأنّ عموم قوله عليه السلام: «وإن كان نزّه من غير ذلك فلا بأس» دالّ على عدم الإلحاق، بينما يدلّ على الإلحاق جريان العلّة- وهي تعظيم الشعائر- في سائر النجاسات.
ومنها: القبور، فقد اختلف الفقهاء في حكم استقبال قبور غير
الأئمة عليهم السلام في الصلاة على قولين:
أحدهما: الكراهة،
وهو المشهور بينهم،
بل ادّعي عليه
الإجماع ،
جمعاً بين ما يقتضي الجواز من الأصل والإطلاقات، وبعض الأخبار،
المصرّحة بعدم البأس به، وبين الأخبار
الناهية عنه.
وثانيهما: الحرمة، وهو مختار جماعة،
استناداً إلى الأخبار المانعة من الصلاة في المقابر.
هذا كلّه مع عدم وجود حائل بين المصلّي والقبور.وأمّا مع وجوده ففي المدارك دعوى
القطع بعدم البأس فيه.
أمّا بالنسبة إلى استقبال قبور الأئمة عليهم السلام فصريح
المفيد ،
وظاهر غيره المنع،
ويظهر من بعض الجوازعلى كراهة،
بينما صرّح جماعة بعدم الكراهة ولو مع عدم الحائل.
ذهب المشهور
إلى كراهة استقبال قرصي الشمس والقمر حين التخلّي، مستدلّين له بخبر
السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام، قال: «نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أن يستقبل الرجل الشمس والقمر بفرجه وهو يبول».
وخبر
عبد اللَّه بن يحيى الكاهلي عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «قال
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: لا يبولنّ أحدكم وفرجه بادٍ للقمر يستقبل به».
ورغم ظهور هذه الأخبار في التحريم حملت على الكراهة؛ لقصور أسانيدها
وإعراض الأصحاب عنها، وعدم تعرّض أخبار اخرى لاستقبال الشمس والقمر، مع تعرّضها لاستقبال الشمس
واستدبارها ، خصوصاً وأنّ المنساق منها الحثّ على مراعاة الأدب حين التخلّي من دون إلزام أو التزام. نعم، يظهر من
الهداية والمقنعة الحكم بالتحريم.
قال
الشيخ الصدوق : «لا يجوز أن يجلس للبول والغائط مستقبل القبلة ولا مستدبرها، ولا مستقبل الريح ولا مستدبرها، ولا مستقبل
الهلال ولا مستدبره».
وقال الشيخ المفيد: «لا يجوز لأحد أن يستقبل بفرجه قرصي الشمس والقمر في بول ولا غائط».
إلّاأنّه حاول بعض الفقهاء توجيه كلاميهما وحمله على الكراهة؛ لعدم صراحته في التحريم.
هذا كلّه بالنسبة إلى استقبال الشمس والقمر. وأمّا استقبال الريح فالمشهور كراهة استقبالها أيضاً،
بل ادّعي عليه الإجماع
وإن عبّر البعض باستحباب
الاجتناب عنها بدلًا من الكراهة،
وهو يشترك مع الكراهة في نفي التحريم، بل يمكن القول بعدم الفرق بينهما، بناءً على أنّ ترك المكروه مستحب.
ويدلّ عليه الأخبار، وعلى عدم الحرمة الأصل، وقصورها عن
إفادتها من وجوه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۲، ص۱۷۵-۱۸۴.