المبتدأة والمضطربة في الحيض
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
المبتدأة، وهي من لم يستقر لها
عادة، أمّا لابتدائها أو بعده مع اختلافه عدداً ووقتاً؛ والمضطربة وهي من نسيت عادتها وقتاً أو عدداً أو معاً؛ وهما ترجعان أوّلا إلى
التميز، ومع فقد التميز، ترجع المبتدئة إلى عادة أهلها وأقرانها؛ فإن لم يكن أو كن مختلفات رجعت المبتدأة والمضطربة إلى
الروايات وهى ستة أو سبعة، أو ثلاثة من شهر وعشرة من آخر.
والمبتدأة بفتح الدال وكسرها، وهي من لم يستقر لها
عادة، أمّا لابتدائها كما يستفاد من المعتبرة كرواية
يونس الطويلة
وموثقتي
ابن بكير وسماعة؛ أو بعده مع اختلافه عدداً ووقتاً كما قيل
. ولم أقف له على دليل.
والمضطربة وهي من نسيت عادتها وقتاً أو عدداً أو معاً؛ وربما اُطلقت على ذلك وعلى من تكرّر لها الدم مع عدم استقرار العادة. وتخص المبتدأة على هذا التفسير بمن رأته أول مرّة. وعن المشهور الأوّل
. وتظهر فائدة الاختلاف في رجوع ذات القسم الثاني من المبتدأة إلى عادة أهلها وعدمه.
وكيف كان: هما ترجعان أوّلا إلى التميز كما قطع به
الشيخ وجماعة
، بل عن
المعتبر والمنتهى: الإجماع عليه فيهما
وعن صريح الخلاف والتذكرة:
الإجماع في المبتدأة
للعمومات الدالة على اعتبار الصفات والنصوص، منها
الصحيح: عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدري أحيض هو أو غيره، فقال لها: «إنّ
دم الحيض حارّ عبيط أسود له دفع وحرارة، ودم الاستحاضة بارد أصفر، فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع
الصلاة»
.
وليس في ظاهره كغيره اختصاص الحكم بالرجوع إلى التميز في حق المضطربة دون المبتدأة، بل يعمّهما. نعم: ظاهر مرسلة يونس الطويلة الاختصاص بها دونها. لكنها لا تبلغ قوةً لمعارضة العمومات القوية الدلالة بالتعليلات الواردة فيها مثل إنّه: «ليس به خفاء»
وغيره الوارد مناطا للرجوع إلى الصفات منها الصحيح المزبور، والإجماعات المستفيضة المعتضدة بالشهرة وعدم ظهور مخالف. فيخص الروايات في رجوعها إلى أهلها بقول مطلق بها، وتحمل المرسلة على أنّ مبنى ذلك على ندور الاختلاف في دم المبتدأة لغلبة دمها، كما يشعر به ما ورد من جعلها الحيض في الدور الأول عشرة أيّام
. فتأمل.
•
تميز دم الحيض، ويحصل التميز باُمور: الأوّل: الاختلاف في الصفات، وأوجبوا الرجوع في
الحيض إلى الأقوى، وفي
الاستحاضة إلى الأضعف
، واعتبروا القوة بأمور ثلاثة: اللون، والرائحة، والثخن؛ الثاني: كون ما بصفة الحيض غير قاصر عن الثلاثة ولا زائد على العشرة
؛ الثالث: عدم قصور الضعيف المحكوم بكونه طهراً أو مع النقاء المتخلل عن أقلّه
؛ الرابع: التجاوز عن العشرة، لما عرفت من حيضية ما انقطع عليها فما دون بالقاعدة المتفق عليها؛ الخامس: عدم المعارضة بالعادة على المختار.
ومع فقده أي التميز بفقد أحد شروطه:
ترجع المبتدأة خاصة بالمعنى الأول كما عرفت إلى عادة أهلها من
أمّها وعشيرتها من أيّ الأبوين كنّ، وفاقا للمشهور للخبر المنجبر ضعفه بجميع جهاته بالشهرة والإجماع من الأصحاب على العمل بمضمونه كما عن
الخلاف وغيره
وفيه: عن
جارية حاضت أول حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر، قال: «قرؤها مثل قرء نسائها»
.
وفي الموثق: «المستحاضة تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها»
. وفي آخر: «
النفساء إن كانت لا تعرف أيام نفاسها فابتليت جلست مثل أيام اُمها أو
اُختها أو خالتها واستظهرت بثلثي ذلك»
.
ولا دلالة فيهما على المطلوب بوجه؛ لشمولهما المضطربة، ودلالتهما على الاكتفاء ببعض النسوة ولو كانت واحدة، ولا قائل بشيء من ذلك.
أمّا الثاني فظاهر، لتخصيص من جوّز الرجوع إلى البعض إياه بالأغلب. وأمّا الأوّل فلإيجاب من جوّز رجوع المضطربة إلى النسوة الرجوع إلى الجميع ولم يجوّز الاقتصار بواحدة.
نعم: يمكن إرجاعهما إلى ما عليه الأصحاب بدفع الأول بتقييدهما بالمبتدأة، والثاني بانحصار النسوة في البعض أو عدم التمكن من استعلام حال الباقيات للتشتّت. فتأمّل. وظاهر المرسل الطويل
رجوع المبتدأة إلى العدد خاصة مطلقاً. لكن احتمل الشهيد في قوله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم)
لحمنة بنت جحش: «تلجّمي وتحيّضي في كلّ شهر في علم اللّه ستّة أيام أو سبعة أيام» أن يكون المعنى: فيما علّمك اللّه تعالى من عادات النساء فإنّه الغالب عليهنّ
. وهو بعيد. والجواب بعدم المكافأة لما تقدم، أو تقييده به أولى.
وفي اعتبار اتحاد البلد كما عن
الشهيد وعدمه وجهان: من عموم
النص، وعدم تبادر غير المتحدة منه. ولعلّ الأول أولى لعدم اعتبار مثل هذا
التبادر في العموم الوضعي المستفاد هنا من الإضافة مع عدم سبق معهود. فتأمل.
وخلاف الحلبيين
في المسألة كما عرفت ضعيف لا مستند له. كخلاف النهاية وتردده بين احتمال الردّ إلى أقل الحيض لتيقنه ومشكوكية الزائد عليه ولا يترك
اليقين إلّا بيقين أو بأمارة ظاهرة كالتميز والعادة، والردّ إلى الأكثر لإمكان حيضيته ولغلبة كثرة الدم في المبتدأة
. وإن هما إلّا
اجتهاد في مقابلة النص المعتبر.
وظاهر جماعة جواز الرجوع هنا إلى أقرانها وذوات أسنانها أيضاً، إمّا مطلقاً كما هنا وعن التخليص
عاطفين لهنّ على الأقارب بأو، أو مع فقد الأقارب خاصة مطلقا كما عن
المهذّب والتحرير
والتبصرة وجمل الشيخ واقتصاده والسرائر
، أو مقيداً باتحاد البلد كما عن
الوسيلة، أو مع اختلافهن أيضاً مطلقاً كما في القواعد وعن
الإرشاد ونهاية الإحكام
، أو مقيداً باتحاد البلد كما عن
المبسوط والإصباح
. ولا دليل عليه من أصله، عدا أمر اعتباري لا يصلح دليلاً.
والاستدلال عليه بلفظ «نسائها» في الخبر المتقدم بناءً على كفاية أدنى الملابسة في صدق الإضافة، وهي تحصل بالمشاكلة في السن واتحاد البلد غالبا لا يخلو عن نظر لعدم التبادر. ويضعّف بما تقدّم. وعدم القول بالاكتفاء باتحاد البلد أو السنّ لا يوجب وهن الخبر بعد شمول إطلاقه الاكتفاء بأحدهما، كيف لا؟! والعام المخصّص حجّة في الباقي. فقول
المصنف لا يخلو عن قوة، لا سيّما مع اشتهاره بين الأصحاب. ويؤيده المرسل: «إنّ المرأة أوّل ما تحيض ربما كانت كثيرة الدم، فيكون حيضها عشرة أيام، فلا تزال كلّما كبرت نقصت حتى ترجع إلى ثلاثة أيام»
.
وهو دالّ على توزيع الأيّام على الأعمار غالباً. إلّا أنّ
الأحوط الرجوع إلى الأقارب، ثمَّ مع الفقد أو الاختلاف إلى الأقران. ولا يعتبر فيهن جميعهن، بل يكفي من كانت من بلدها ممّن يمكنها استعلام حالها،
لاستحالة الرجوع إلى الجميع. ويظهر من المصنف في
الشرائع نوع تردد في الرجوع إليهنّ
، بل صرّح في المعتبر بالمنع منه
، وتبعه في المنتهى
. وهو مشكل.
فإن لم يكنّ أو كنّ مختلفات مطلقاً وإن اتفق الأغلب منهنّ، وفاقاً
لنهاية الإحكام والمعتبر
تبعاً لظاهر الخبر، خلافا للذكرى
، ولا دليل عليه، وما تقدم من الموثقين لا يقول بإطلاقهما. وحينئذ رجعت هي أي المبتدأة والمضطربة وقتاً وعدداً وتسمى بالمتحيرة بعد فقدها التميز إلى الأيام التي في
الروايات:
وهي ستة في كل شهر أو سبعة كما في مرسلة يونس الطويلة التي هي كالصحيحة بل قيل: صحيحة، لعدم تحقق الإرسال بمثل غير واحد، مضافاً إلى كون
المرسل مع وثاقته ممن أجمعت العصابة من قوله (علیهالسّلام) للمبتدأة: «تحيّضي في كل شهر ستة أيام أو سبعة، ثمَّ اغتسلي وصومي ثلاثة وعشرين يوماً أو أربعة وعشرين يوماً».
وقول
الصادق (علیهالسّلام): «وهذه سنّة التي استمر بها الدم، أول ما تراه أقصى وقتها سبع وأقصى طهرها ثلاث وعشرون». وقوله (علیهالسّلام): «وإن لم يكن لها أيام قبل ذلك واستحاضت أول ما رأت فوقتها سبع وطهرها ثلاث وعشرون». وقوله (علیهالسّلام) في المضطربة الفاقدة للتميز: «فسنّتها السبع والثلاث والعشرون»
.
واستفادة التخيير بين العددين في المرأتين منها مشكل لتخصيص المضطربة فيها بالعدد الأخير، مع احتمال مشاركة صاحبتها لها في ذلك وإن وقع الترديد بينهما في حقّها بناء على التصريح فيه أخيرا بعد الترديد بكون الثلاث والعشرين أقصى مدّة طهرها، ولو جاز الاقتصار على الست لما كان ذلك أقصى بل الأربع والعشرين. فتأمل. ولا ينافيه الترديد أوّلا؛ لاحتمال كونه من
الراوي. ولذا عيّن السبع في
القواعد، وحكي عن الأكثر
فهو الأقوى. فظهر به ضعف ما في المتن من التخيير كما عن
التحرير ونهاية الإحكام والتذكرة والخلاف
، نعم: فيه الإجماع على روايته، كما أنّ في سابقة دعوى مشهوريته. ولا ريب أنّ اختيار السبع أولى لاتفاقهم على جوازه.
أو تتحيّضان ثلاثة من شهر وعشرة من آخر في جميع الأدوار؛ للموثق: «إذا رأت الدم في أوّل حيضها فاستمر الدم تركت
الصلاة عشرة أيّام ثمَّ تصلّي عشرين يوماً، فإن استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام وصلّت سبعة وعشرين يوماً»
، وعن
الخلاف الإجماع على روايته
. ومثله في آخر .
وليس فيهما مع اختصاصهما بالمبتدأة دلالة على التحيض بذلك في جميع الأدوار، بل ظاهرهما الاختصاص بالدور الأول، ومع ذلك تضمّنا تقديم العشرة، ولم أر عاملاً بهما سوى
الإسكافي على ما حكاه بعض
، وربما حكي عنه القول بتعين الثلاثة مطلقا
. فالرواية حينئذ شاذة، فالاستدلال بها لذلك والقول بالتخيير بينها وبين ما تقدم للجمع بينها وبين ما مرّ ضعيف. مضافاً إلى عدم تكافئهما للأوّل، وعلى تقدير
التكافؤ فهو فرع وجود شاهد عليه، وليس، فيبطل. فتأمل. فالقول بالأوّل متعيّن ولا تخيير. وعن
الصدوق والمرتضى في المبتدأة: أنها تتحيّض في كل شهر بثلاثة إلى عشرة؛ لمضمرة سماعة: «فإن كان نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام وأقلّه ثلاثة أيام»
. وما في بعض المعتبرة: عن
المستحاضة كيف تصنع؟ فقال: «
أقلّ الحيض ثلاثة وأكثره عشرة وتجمع بين الصلاتين»
.
وفي التمسك بهما مع أعمية الثاني في مقابل المرسل المتقدم المعتضد بالشهرة
والإجماع المحكي إشكال، وإن تأيّدا باختلاف الأخبار في التحديد. وعن
النهاية: الموافقة للمتن في المبتدأة
، لما مرّ، والمخالفة له كغيره كالصدوق في
الفقيه والمقنع وهو في
الاستبصار أيضاً على احتمال في المضطربة، فحكما بأنها تترك
الصوم والصلاة كلّما رأت الدم وتفعلهما كلّما رأت الطهر إلى أن ترجع إلى حال الصحة أي تعرف عادتها. للموثق: عن المرأة ترى الدم خمسة أيام والطهر خمسة وترى الدم أربعة أيام والطهر ستة أيام، فقال: «إن رأت الدم لم تصل، وإن رأت الطهر صلّت ما بينها وبين ثلاثين يوماً، فإذا تمت ثلاثون فرأت دما صبيبا اغتسلت واستثفرت واحتشت بالكرسف في وقت كل صلاة، فإذا رأت صفرة توضأت»
ومثله الآخر
.
وهما مع قصورهما عن المعارضة لما دلّ على عدم قصور
أقل الطهر عن عشرة من وجوه عديدة، وخصوص المرسلة المتقدمة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون اتفاق
الطائفة لا اختصاص لهما بالمضطربة، بل يعمان المبتدأة؛ مع اختصاص الحكم فيهما بالشهر الأول ولم يقل به الشيخ في النهاية. فطرحهما رأسا متعيّن والرجوع إلى المرسل لازم.
وهنا أقوال أخر متشتتة: كالمنقول عن
الجامع: من تحيّض كل منهما بسبعة أو ثلاثة عملا بالرواية واليقين
. والمنقول عن الاقتصاد: من تحيّض المضطربة بسبعة في كل شهر، أو بثلاثة في الشهر الأول وعشرة في الثاني، والمبتدأة بسبعة خاصة
. وعن الخلاف والجمل والعقود والمهذّب والإصباح: العكس
.
لكن في الخلاف تحيّض المبتدأة بستة أو سبعة أو بثلاثة وعشرة. والمنقول عن المبسوط
وابن حمزة: من القطع بتخير المبتدأة بين السبعة أو الثلاثة والعشرة، وإيجاب العمل
بالاحتياط في المتحيرة بأن تجمع بين عملي الحيض والاستحاضة
.
والمنقول عن موضع آخر من المبسوط
والغنية: من جعل عشرة طهراً وعشرة حيضاً
. والمنقول عن موضع آخر منه: من رجوع المبتدأة إلى ما حكم به في النهاية تبعا للصدوق في المضطربة مدعيا عليه رواية
. والمنقول عن المصنف في المعتبر: من التحيض بالمتيقن،
استظهاراً وعملاً بالأصل في لزوم
العبادة. إلى غير ذلك من الأقوال.
وليس على شيء منها دليل يعتدّ به لا سيّما في مقابلة ما تقدّم مع ما في بعضها من لزوم
العسر والحرج المنفيين إجماعاً ونصاً
آية ورواية
؛ مع ما عن
البيان وفي
الروضة: من أن ذلك ليس مذهباً لنا
. فالقول بالرجوع إلى السبع مطلقاً أقوى، كما عن الجمل
.
وحيثما خيّرت كان التعيين إليها، إلّا إذا اختارت العدد الذي اختارته، أو تعيّن عليها في أواسط الشهر أو أواخره الذي رأت الدم فيه فهل لها ذلك أم لا بل يتعين جعل أول ما رأته حيضاً وجهان: أحدهما: نعم، وحكي عن المعتبر والإصباح والمنتهى والتحرير
؛ للعموم، وعدم إمكان الترجيح. والآخر: لا، كما عن
التذكرة وظاهر المبسوط
والجواهر؛ للمرسل: «عدّت من أول ما رأت الدم الأول والثاني عشرة أيام، ثمَّ هي مستحاضة».
والموثق: «تركت الصلاة عشرة أيام ثمَّ تصلّي عشرين يوماً»
. والمرسل الطويل: «تحيّضي في كل شهر في علم اللّه تعالى ستة أيام أو سبعة، ثمَّ اغتسلي وصومي ثلاثة وعشرين يوما أو أربعة وعشرين يوماً»
. ولأنّ عليها أوّل ما ترى الدم واحتمل حيضيته أن تتحيض به للقاعدة المسلّمة: كلّ ما يمكن أن يكون حيضاً إلى أن يتجاوز العشرة. ثمَّ لا وجه لرجوعها عن ذلك وتركها العبادة فيما بعد وقضائها لما تركته من الصلاة. واختيار هذا القول أحوط وأولى. ثمَّ الظاهر موافقة الشهر الثاني لمتلوه، خلافاً للروضة فأوجب عليها فيه الأخذ بما يوافق الشهر الأول في الوقت
. ودليله غير واضح. وهذا إذا نسيت المضطربة الوقت والعدد معا.
أمّا لو نسيت أحدهما خاصة وفقدت التميز: فإن كان الوقت: أخذت العدد كالروايات، مع أولوية اختيارها الأول. أو العدد: جعلت ما تيقنت من الوقت حيضاً أوّلاً أو آخراً أو ما بينهما وأكملته بالسبع أو إحدى الروايات مطلقاً على وجه يطابق.
فإن ذكرت أوّله أكملته ثلاثة متيقنة وأكملته بعدد مروي سبع أو غيره. أو آخره تحيضت بيومين قبله وقبلهما تمام الرواية سبعاً أو غيره. أو وسطه المحفوف بمتساويين وأنه يوم حفّته بيومين واختارت السبع لتطابق الوسط، أو يومان حفتهما بمثلهما فتيقنت أربعة واختارت هنا الستة مع احتماله الثمانية بل والعشرة، بناءً على تعين السبع وإمكان كون الثامن والعاشر حيضاً، فتجعل قبل المتيقن يوما أو يومين أو ثلاثة وبعده كذلك. أو الوسط بمعنى الأثناء مطلقاً حفته بيومين متيقنة وأكملت السبع أو إحدى الروايات متقدمة أو متأخرة أو بالتفريق، ولا فرق هنا بين تيقن يوم وأزيد.
ولو ذكرت عدداً في الجملة، كما لو ذكرت ثلاثة مثلاً في وقت لم تجزم بكونها جميع العادة ولا بعضها ولا أوّلها ولا آخرها، فهو المتيقن خاصة، وأكملته بإحدى الروايات قبله أو بعده أو بالتفريق. كلّ ذلك إمّا لعموم أدلّتي الاعتبار بالعادة والرجوع إلى الروايات، أو لعدم القول بالفصل. فتدبّر.
وفي تحيّض المبتدأة مطلقاً والمضطربة بمجرد الرؤية كذات العادة تردد ينشأ من
الأصل المتقدم، والقاعدة المتفق عليها من أنّ ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض، وعموم
النصوص المعتبرة المستفيضة في التحيّض بمجرد الرؤية الناشئ من ترك الاستفصال في أكثرها، كالموثق: «المرأة ترى الدم أول النهار في
رمضان تصوم أو تفطر؟» قال: «تفطر، إنما فطرها من الدم»
ومثله الموثقات المستفيضة. وفي الصحيح: «أيّ ساعة رأت الدم فهي تفطر، الصائمة»
. وخصوص بعض النصوص، كالموثق: «إذا رأت الدم في أول حيضها واستمرت تركت الصلاة عشرة أيام ثمَّ تصلي عشرين»
.
وأوضح منه دلالة مماثله في
السند: في
الجارية أول ما تحيض يدفع عليها الدم فتكون مستحاضة «إنها تنتظر بالصلاة، فلا تصلي حتى يمضي أكثر ما يكون من الحيض، فإذا مضى ذلك وهو عشرة أيام فعلت ما تفعله المستحاضة»
. ومثله أيضاً الموثق: عن الجارية البكر أول ما تحيض تقعد في الشهر يومين وفي الشهر ثلاثة، يختلف عليها لا يكون طمثها في الشهر عدة أيام سواء، قال: «فلها أن تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم تجز العشرة»
. والمناقشة في الأخبار الأخيرة بالتدبر فيها مدفوعة. مضافاً إلى عموم أخبار التميز فيما اتصف بصفة
الحيض، ويتم الغير المتصف بها بعدم القول بالفصل، فإنّ محل النزاع أعم، وليس كما توهم من الاختصاص بالأول. ومن
أصالة اشتغال الذمة بالعبادة إلّا مع تيقن المسقط، ولا مسقط كذلك إلّا بمضيّ ثلاثة.
وفيه بعد تماميته: معارضة بالأصل المتقدم، وبعد التساقط يبقى ما عداه ممّا تقدم سليماً من المعارض. وبعد تسليم فقد المعارض المزبور يكون ما عداه ممّا مرّ مخصصا لها،
والظن الحاصل منه قائم مقام
اليقين كقيام غيره مقامه. وهو مسلّم عنده، وإلّا لما حصل تيقن المسقط بمضيّ الثلاثة أيضا لجواز رؤيتها الأسود المتجاوز عن العشرة فيكون هو الحيض دونها. والتمسك في نفيه بالأصل غير مورث لليقين، بل غايته الظن، وهو حاصل بما تقدم من الأدلة على التحيض بمجرد الرؤية. فالأصح الأول، وفاقاً
للشيخ وغيره
، وهو المشهور. خلافاً
للمرتضى ومن تبعه
، ومنهم
الماتن في غير الكتاب صريحاً
، وفيه احتياطاً.
ولكن لا يبعد كون
الاحتياط للعبادة وامتثال التروك بمجرد الرؤية أولى حتى يتيقن الحيض بمضيّ الثلاثة. وهنا قولان آخران هما بمحل من الشذوذ.
ثمَّ إن المبتدأة إذا انقطع دمها لدون العشرة تستبرئ وجوباً كما عن ظاهر الأكثر
، بل قيل: إنّه لا خلاف
، وعن الاقتصاد التعبير عنه بلفظ «ينبغي» الظاهر في
الاستحباب ولأجله احتمل الخلاف بوضع القطنة مطلقاً على الأصح، وفاقاً لجماعة
عملا بإطلاق
الصحيح، والتفاتاً إلى اختلاف غيره في الكيفية، ففي
رواية والرضوي
: قيامها وإلصاق بطنها إلى الحائط ورفع رجلها اليسرى، وفي اُخرى مرسلة بدل اليسرى اليمنى
، مع قصورها كالموثق المطلق في وضع الرجل
عن المقاومة للصحيح سنداً واعتباراً، فحملها على الاستحباب متعين مسامحة في أدلّته.
فإن خرجت نقية طهرت، فلتغتسل من دون
استظهار، كما عن الأصحاب، وعليه الأخبار. ولا وجه للقول به هنا مطلقاً كما عن
السرائر وتوهّمه الشهيدان من المختلف
، أو مع ظن العود كما عن
الدروس. وإلّا احتمل الحيض وإن لم يظهر عليها إلّا ضد صفته، كما عن صريح
سلّار، ومحتمل المقتصر على ظهور الدم عليها كالشيخين
والقاضي والعلّامة في التذكرة
.
فعليها الصبر إلى النقاء أو مضي العشرة للإجماع المحكي
والموثق: «فلها أن تجلس وتدع
الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة»
وقريب منه موثقتا
ابن بكير.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱، ص۲۵۹-۲۷۵. رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱، ص۲۸۰-۲۸۳.