النكاح بملك الرقبة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لا حصر في النكاح بملك الرقبة؛ وإذا زوج أمته حرمت عليه وطئا ولمسا ونظرا بشهوة ما دامت في
العقد؛ وليس للمولى انتزاعها؛ ولو باعها تخير المشترى دونه ولا يحل لاحد الشريكين وطأ المشتركة؛ ويجوز ابتياع ذوات الازواج من أهل الحرب وأبنائهم وبناتهم؛ ولو ملك
الأمة فأعتقها حل له وطؤها بالعقد وإن لم يستبرئها، ولا تحل لغيره حتى تعتد كالحرة؛ ويملك
الأب موطوءة ابنه وإن حرم عليه وطؤها وكذا
الإبن.
ملك الرقبة وهو موضع وفاق؛ مدلول عليه بالكتاب
والسنّة المتواترة من طرق الخاصّة والعامّة.
ولا حصر في عددهنّ بالنكاح به بالإجماع والنصوص، وقد مرّ شطر منها دليلاً لعدم انحصار
المتعة في عدد؛ معلّلاً بأنّهنّ بمنزلة الإماء، فله نكاح ما شاء من النسوة به.
وفي تخصيص
الاستباحة به بالرجل إشارةٌ إلى عدمها للمرأة؛ للإجماع والنصّ المستفيض.
ففي الصحيح: «قضى
أمير المؤمنين (علیهالسّلام) في امرأة مكّنت من نفسها عبداً لها أن يباع بصغر منها، ويحرم على كلّ مسلم أن يبيعها عبداً مدركاً بعد ذلك»
.
وروى أيضاً بزيادة: «أنّها تضرب مائة سوط، ويضرب العبد خمسين جلدة»
.
وإذا زوّج أمته من عبده أو غيره حرمت وجوه الاستمتاع منها عليه: وطئاً ولمساً ونظراً إليها بشهوة مطلقاً، وبدونها فيما عدا الوجه والكفّين ما دامت في
العقد أو
العدّة، كما أطلقه جماعة منهم العلاّمة
وربما ادّعى عليه بعض المتأخّرين
الإجماع. والنصوص في حرمة
الوطء مستفيضة. ففي الخبرين: «عشر لا يحلّ نكاحهنّ ولا غشيانهن» إلى أن قال: «وأمتك ولها زوج»
. وربما استفيد من سياقهما اتّحادها في الحكم مع المحرّمات المعدودات اللواتي هنّ أجنبيات، وجارٍ فيهنّ الأحكام المذكورات في العبارة. وعُلِّل أيضاً بأنّ الاستمتاع بالمرأة الواحدة لا يكون مملوكاً بتمامه لرجلين معاً، وقد ملكه الزوج
. وفيه نظر.
والإجماع على الإطلاق إن تمّ كان هو
الحجّة، والظاهر التماميّة بالإضافة إلى الأولين، وللنظر إلى
العورة مطلقاً، وإلى ما عدا الوجه والكفّين إذا كان بشهوة.
مضافاً إلى بعض المعتبرة في الأول مطلقاً وفي الثاني في الجملة، المرويّة في
قرب الإسناد: «إذا زوّج الرجل أمته فلا ينظر إلى عورتها، والعورة ما بين الركبة والسرّة»
. ولكن يستفاد منه جواز النظر إلى ما عدا العورة بالمعنى المفسّرة به فيه مطلقاً، مضافاً إلى أصالتي الإباحة وبقاء حلّية النظر السابقة. والمستفاد من تخصيص العبارة التحريم بالوطء واللمس والنظر بشهوة؛ وإباحة
النظر إلى جميع جسدها حتى العورة بغير
شهوة.
ففي تماميّة الإجماع مناقشة، إلاّ أنّ
الشهرة متيقّنة، وتكون هي الجابرة للمعتبرة المتقدّمة، مضافاً إلى التأيّد بحكاية الإجماع اللازم الحجّية؛ لعدم القدح بخروج المعلوم النسب النادر بالضرورة، فيخصّ بها الأصلان المتقدّمان.
هذا، مضافاً إلى
الصحيح: عن الرجل يزوّج مملوكته عبده، أتقوم كما كانت تقوم فتراه منكشفاً أو يراها على تلك الحال؟ فكره ذلك، وقال: «قد منعني أبي أن أُزوّج بعض غلماني أمتي لذلك»
. والموثّق: في الرجل يزوّج جاريته، هل ينبغي له أن ترى عورته؟ قال: «لا»
. ولكنّهما ليسا نصّاً في المطلوب.
والعمدة هو ما قدّمناه، ولكن في ثبوت الحكم فيما عدا ما ذكرناه وهو النظر إلى ما عدا العورة وما في معناها بغير شهوة إشكال، والإجماع
المحكيّ موهون هنا قطعاً؛ لمصير جماعة إلى العدم
، والأصلان المشار إليهما يقتضيانه. إلاّ أنّ
الأحوط الاجتناب جدّاً.
قيل: وفي معنى
الأمة المزوّجة: المحلَّل وطؤها للغير، ولو حُلّل منها ما دون الوطء ففي تحريمها بذلك على المالك نظر
. ومقتضى الأصلين العدم.
ثم إنّ غاية التحريم في المقامين خروجها من
النكاح والعدّة، سواء كانت
بائنة أم
رجعيّة.
وليس للمولى انتزاعها منه إذا لم يكن عبده مطلقاً، بلا خلاف في الظاهر، وحكي صريحاً؛ للنصوص المستفيضة:
منها الصحيح: عن رجل يزوّج أمته من حرّ أو عبد لقوم آخرين، إله أن ينزعها؟ قال: «لا، إلاّ أن يبيعها»
الخبر.
والصحيح: «وإن كان زوّجها حرّا فإن طلاقها صفقتها»
.
والموثّق: في الرجل يزوّج أمته من حرّ، قال: «ليس له أن ينزعها»
.
وما ورد بخلافها من المستفيضة
فمع شذوذها وعدم صراحة دلالتها محمولة على الانتزاع بالبيع لا
الطلاق، وما وقع فيه منها التصريح به محمول عليه؛ لشيوع التعبير به عنه في كثير من النصوص الماضية في
بيع الأمة وأنّه طلاقها.
ولو باعها تخيّر المشتري للإطلاقات دونه للأصل، وقد مضى مفصّلاً.
ولا يحلّ لأحد الشريكين وطء الأمة المشتركة بينهما، إلاّ بتحليل أحدهما للآخر على الأصح، كما مضى.
ويجوز ابتياع ذوات الأزواج اللواتي هنّ من أهل الحرب والكفّار الغير القائمين بشرائط الذمّة وأبنائهم من أزواجهنّ وآبائهنّ، وغيرهم من أهل الضلال السابين لهم بلا خلاف؛ لأنّهنّ كآبائهنّ وأزواجهنّ فيءٌ للمسلمين يجوز التوصّل إلى أخذهم بكلّ وجه من ابتياع أو غيره ومع حصوله يدخلون في ملك المستولي عليهم، ويترتّب عليه أحكامه، التي من جملتها: حلّ الوطء المقصود بالمقام؛ والنصوص به مستفيضة.
ففي الخبر: عن رجل يشتري من رجل من أهل
الشرك ابنته فيتّخذها أي للوطء قال: «لا بأس»
.
وفي آخر: عن الرجل يشتري امرأة رجل من أهل الشرك يتّخذها، قال: «لا بأس»
.
وإطلاقه يشمل الشراء منهم ومن غيرهم من أهل الضلال السابين لهم.
مضافاً إلى
النصّ: عن سبي الأكراد إذا حاربوا (و) من حارب من المشركين، هل يحلّ نكاحهم وشراؤهم؟ قال: «نعم»
.
إلى غير ذلك من النصوص الصريحة في إذنهم: لنا في ذلك وإن كان الجميع أو البعض لهم:
.
ولو ملك الأمة بأحد الوجوه المملّكة لها، وجب عليه
الاستبراء مع عدم العلم بعدم الوطء المحترم مطلقاً، كان عالماً به أم لا، إلاّ في صور مضى أكثرها في بحث البيع، بقي منها: ما لو ملكها فأعتقها فظاهر الأصحاب من غير خلاف يعرف بل عليه
الوفاق في
المسالك أنّه بذلك حلّ للمعتق وطؤها بالعقد والتزويج بعده وإن لم يستبرئ. للنصوص المستفيضة، منها الصحيح: في رجل يشتري
الجارية فيعتقها ثم يتزوّجها، هل يقع عليها قبل أن يستبرئ رحمها؟ قال: «يستبرئ رحمها بحيضة» قلت: فإن وقع عليها؟ قال: «لا بأس»
.
وإطلاقها كالعبارة وكلام أكثر الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين العلم بالوطء المحترم لها وعدمه، وقيّده جماعة منهم
العلاّمة بما عدا الأول، موجبين للاستبراء فيه؛ تمسّكاً بوجود المقتضي حينئذ. بخلاف ما لو جهل الحال، فإنّ
الأصل عدم الوطء، إلاّ ما دلّ الدليل على وجوب الاستبراء فيه ولو مع الجهل، وذلك في المملوكة، فيبقى غيرها على الأصل.
وهو حسن إن تمّ المقتضي بالتنصيص به، وليس، وإنّما هو مستنبط، ومع ذلك لا بأس به احتياطاً، وتمسّكاً بأصالة الوجوب واستصحابه، مع عدم المقتضي لتخصيصها، سوى
إطلاق النصوص، وشمولها لمثل الصورة غير معلوم. مضافاً إلى أنّ الاستنباط هنا ليس ناشئاً عن محض الاعتبار، بل مستفاد من تتبّع الأخبار، ولذا اشتهر بين الأخيار عدم اختصاص وجوب الاستبراء بمورد الأخبار الدالّة عليه، وهو
الشراء.
ثم مقتضى إطلاق النصوص هنا عموم الحكم لصورتي دخوله بها وعدمه، مضافاً إلى الصحيح في الأول: عن رجل يعتق سريّته، أيصلح له أن يتزوّجها بغير عدّة؟ قال: «نعم» قلت: فغيره؟ قال: «لا، حتى تعتدّ ثلاثة أشهر»
. ويستفاد من الصحيح السابق وغيره
أفضليّة الاستبراء مطلقاً، وعليه
فتوى الأصحاب.
ولكن لا تحلّ لغيره لو زوّجها منه حتى تعتدّ كالحرّة للمعتبرة المستفيضة، منها الصحيحان، مضى أحدهما، وفي الثاني عن رجل أعتق سريّته، له أن يتزوّجها بغير عدّة؟ قال: «نعم»، قلت: فغيره؟ قال: «لا، حتى تعتدّ ثلاثة أشهر»
. وإطلاقهما كالعبارة يقتضي عدم الفرق بين العلم بوطء المولى لها أم لا.
ولا ريب في الأول قطعاً، ونحوه صورة
الجهل به أيضاً. ويشكل في الثالثة، وهي
العلم بعدم وطئه لها بالمرّة، وقد حكم جماعة بأن ليس لها عدّة؛ لعدم المقتضي، وإن هو حينئذٍ إلاّ كالمولى، وليس في الصحيحين عموم لها؛ لإطلاقهما وانصرافه إلى ما عداها.
وهو حسن مع العلم بعدم وطء المولى لها، وكذا مَن انتقلت منه إليه أصلاً. ويشكل فيما عداه، وهو العلم بوطء الثاني لها مع عدم الاستبراء أو احتماله؛ لما تقدّم من المقتضي له، الثابت بتتبّع الأخبار، الموجب له هنا في المولى، ففي الغير بطريق أولى. إلاّ أنّ مقتضى ذلك ثبوت الاستبراء، وهو غير
العدّة قطعاً، وكيف كان فالعمل بإطلاق العبارة والصحيحين أولى.
ويملك
الأب مطلقاً موطوءة ابنه كذلك وإن حرم عليه وطؤها، وكذا الكلام في
الإبن إجماعاً ونصّاً، والكلام فيه وفي أمثاله قد مضى في بحث
المصاهرة.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۱، ص۴۲۱-۴۳۰.