الاستباحة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هي عد
الشيء مباحاً لاتبعة فيه و تطلق في
الفقه بمعنى
استحلال الشيء.
الاستباحة- لغة-
النهبى ، وعدّ الشيء
مباحاً لا
تبعة فيه. والمباح خلاف
المحظور ، يقال: استباحوه أي انتهبوه،
وفي
الحديث : «حتى نَقتُل مقاتلتكم ونستبيح ذراريكم»
أي نسبيهم وننهبهم ونجعلهم له مباحاً لا تبعة عليه فيهم.
وأباحه يبيحه واستباحه يستبيحه بمعنى.
وقيل: الاولى:
التخلية بين
الشيء وطالبه، والثانية:
اتّخاذ الشيء مباحاً.
وكذا من معاني الاستباحة- لغة-:
الاستئصال ، يقال: استباحوهم أي استأصلوهم، ومنه حديث
الدعاء للمسلمين : «لا تسلّط عليهم
عدوّاً من غيرهم فيستبيح
بيضتهم »، أي مجتمعهم وموضع
سلطانهم ومستقرّ دعوتهم.
لا يتعدّى
استعمال الفقهاء لكلمة الاستباحة
المعنى اللغوي ؛ إذ هي تطلق في الفقه بمعنى
استحلال الشيء،
والحكم بإباحته قولًا أو عملًا أو طلب إباحته كذلك، من خلال
إيجاد أو وجود مقدّمات ذلك وشروطه، فيراد منها
التجويز والتسويغ ورفع
الحرمة ، أو
المنع التكليفي أو
الوضعي .
فمن الأوّل استباحة
الفروج بعقد النكاح أو الملك أو
الرجوع في
الطلاق ، واستباحة أكل الميتة بالاضطرار أو
التقية ، واستباحة أكل
اللحم بالتذكية، وغير ذلك.
ومن الثاني استباحة العمل المشروط صحّته بشيء
بالإتيان بشرطه، كاستباحة
الدخول في
الصلاة والطواف بالطهارة.
وقد تطلق في الفقه- كما في غيره من
العلوم والقوانين والتشريعات الدينيّة والوضعيّة - بمعنى
الانتهاك والتدنيس والتعدّي ، كما لو اضيفت إلى المحرّمات فيقال: استباحة المحرّمات، بمعنى
استحلالها تهتّكاً
وتجرّياً على اللَّه والشريعة، واستباحة الدم
القتل وإراقة
الدم ظلماً وعدواناً، واستباحة
المال نهبه وسرقته كذلك، ومن ذلك ما ينقله
التاريخ من استباحة يزيد لعنه اللَّه
المدينة المشرفة في
وقعة الحرّة .
في اللغة:
الإفشاء والإظهار ، يقال: باح أو أباح بسرّه أي أظهره،
وكذا
الإحلال والإجازة ، يقال:أبحتك الشيء أحللته لك وأجزت لك تناوله أو فعله أو تملّكه،
وأبحت الشيء
إباحة خلاف حظرته.
في الاصطلاح:
التخيير بين الفعل
والترك وتساويهما لدى
الشارع من دون ترجيح لأحد الطرفين على الآخر.
وعرّفها
السيد الشهيد الصدر بأنّها: «فسح المجال أمام
المكلّف لكي يختار الموقف الذي يريده، ويترتّب عليه تمتع المكلّف بالحرية لأن يفعل أو يترك».
وهذه هي الإباحة
بالمعنى الأخصّ والتي هي أحد
الأحكام التكليفية ، وهناك إباحة
بالمعنى الأعم وهي الجواز
والترخيص في مقابل
الحرمة والوجوب فتشمل
المستحبات والمكروهات ، مضافاً إلى المباحات بالمعنى الأخصّ؛ لاشتراكهما جميعاً في عدم
الالزام .
طلب الإحلال: يقال:استحلّ فلان فلاناً: سأله أن يحلّه له،
وتحللته واستحللته: إذا سألته أن يجعلك في حلّ من قبله، وأيضاً عدّ الشيء حلالًا، يقال: استحلّ فلان الشيء: إذا عدّه
حلالًا أو اتخذه حلالًا.
ولا يتعدى
الاستعمال الفقهي عن المعاني المذكورة.
لعلّ أهمّ موارد الاستباحة هو الاستباحة في
الطهور ، واستباحة المحرّمات للمضطر والمكره.وأمّا غير هذين فنذكرهما أخيراً على نحو
الإشارة جدّاً.
الطهارة- من
وضوء وغسل وتيمّم - إنّما تجب لاستباحة الدخول فيما يشترط فيه
الطهارة ، بمعنى زوال
الحدث المانع من فعلها شرعاً. من هنا تعرّض الفقهاء لنيّة الاستباحة في الطهارة في الموارد التالية:
فإنّه ممّا وقع الخلاف فيه لزوم نيّة الاستباحة ورفع الحدث وعدمه، فالمعروف بين المتقدّمين لزوم ذلك، لكن على خلاف في المقدار المعتبر، فذهب بعضهم إلى اعتبار نيّتهما معاً، وذهب آخرون إلى
الاكتفاء بنيّة أحدهما تخييراً، بينما ظاهر بعضهم اعتبار نيّة الاستباحة تعييناً، وآخر اعتبار نيّة الرفع كذلك.
وقد ذكروا لأصل الاعتبار وكذا لكلّ واحد من هذه الأقوال دليلًا، إلّا أنّ المعروف بين
المحققين من
المتأخّرين عدم اعتبار شيء من ذلك لا جمعاً ولا تعييناً ولا تخييراً؛ لإطلاق الأدلّة بعد
استضعاف كلّ ما ذكر في
الاستدلال لتلك الأقوال.
وتفصيل ذلك في محالّه.
ففي بعض الموارد بحثوا عن كون الغسل أو الوضوء أو التيمّم هل يكون رافعاً للحدث أم مبيحاً لما يشترط فيه الطهارة فقط، وذلك كما في التيمم وغسل أو وضوء دائم الحدث،
كالمسلوس والمبطون والمستحاضة وغير ذلك.
ذهب جملة من الفقهاء إلى أنّ التيمّم لا يرفع الحدث وإنّما يبيح الدخول في الصلاة أو
الطواف أو غيرهما ممّا يشترط فيه الطهارة. وبعبارة اخرى: هو رافع للمنع وليس رافعاً للمانع، بل نفي عن ذلك الخلاف، وادّعي عليه
الإجماع .
تعرّضوا لهذا في
نيّة التيمّم حيث صرّحوا بأنّه- بناءً على اعتبار نيّة الرفع أو الاستباحة في الطهارة- لا يجوز نيّة الرفع في التيمّم، وإنّما ينوي فيه الاستباحة خاصّة؛
لأنّه غير رافع للحدث، متمسّكين بالإجماع على ذلك، وأنّه لو كان التيمّم مفيداً للطهارة التي هي نقيض الحدث لما انتقض بوجدان الماء الذي ليس بحدث إجماعاً،
كما أنّه يومي إليه إطلاق لفظ
الجنب على المتيمّم في بعض
الروايات كقول
النبي صلى الله عليه وآله وسلم
لابن العاص بعد أن صلّى
بأصحابه متيمّماً: «صلّيت بأصحابك وأنت جنب؟»،
وغير ذلك.
لكن جوّز بعض الفقهاء من محقّقي المتأخّرين نيّة رفع الحدث، حيث فسّروا الحدث هنا بالحالة التي لا يصحّ معها الدخول في
الصلاة ونحوها ممّا يتوقّف على الطهارة، فمتى زالت تلك الحالة حصلت الاستباحة والرفع، غاية ما هناك أنّ الرفع قد يكون مطلقاً، كما في
الطهارة المائيّة الاختياريّة ، وقد يكون إلى غاية، كما في التيمّم وطهارة دائم
الحدث ، والإجماع لم ينعقد، على أنّ التيمّم لا يرفع الحدث بهذا المعنى، وإنّما انعقد على أنّه لا يرفعه مطلقاً، على وجه لا ينتقض بوجود الماء، وهذا لا كلام فيه.
وبهذا اعتبر
النزاع لفظيّاً، وأنّ من منع من نيّة رفع الحدث قصد بالحدث الحالة المقتضية للطهارة، أو الحالة التي لا يباح معها الدخول في الصلاة، وأراد برفعه زواله بالكلّية إلى حدث آخر، ومن جوّز أراد ما ذكر.
لكن مع ذلك ربما اشكل على هذا
الكلام بأنّ
المتبادر من
الرفع إنّما هو زوال المانع بالكلّية لا
المنع . وقولكم يرفع في التيمّم إلى غاية وهي وجود الماء أو حصول الحدث لا يجدي؛ إذ لا ريب في أنّه بالتمكّن من الماء أو طروّ الحدث يعود الأوّل بعينه حتى كأنّه لم يزل، لا أنّه يحصل له سبب آخر يوجب التيمّم، فهو ظاهر في أنّه إنّما ارتفع المنع المترتّب على ذلك المانع، لا أصل المانع فإنّه باقٍ على حاله في جميع الحالات إلى أن يتطهّر بالماء.
من هنا تكون
المسألة على
المشهور من وجوب نيّة هذه القيود محلّ
إشكال .
نعم، لا إشكال عند من لم يوجب شيئاً من هذه القيود سوى
القربة .
ومع ذلك أصرّ بعض المتأخّرين على أنّ التيمّم رافع للحدث، كالوضوء والغسل؛
للنصوص الدالّة على ذلك- كقوله عليه السلام: إنّه «أحد الطهورين»،
و «إنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد»،
و «إنّ اللَّه عزّ وجلّ جعلهما (الماء والصعيد) طهوراً»،
وغير ذلك- مع
الإجابة على الإجماع والوجوه العقلية التي استدلّ بها للعدم،
ببيان دقيق ومطوّل يناسب تفصيله في محالّه.
وشبيه هذا الكلام جاء في طهارة دائم الحدث- كالمسلوس والمبطون والمستحاضة- فذكروا أنّه لا بدّ له أن ينوي الاستباحة بوضوئه أو غسله، ولا يصحّ أن ينوي رفع الحدث، فإن اقتصر عليه بطل الوضوء، وإن ضمّه إليها لغي؛
وذلك لأنّ الحدث بالنسبة إليهم لم يرتفع، ولذا يجب عليهم
تجديد الوضوء لكلّ صلاة.
ونوقش فيه بنحو ما تقدّم في التيمّم.
وفي وضوء
الحائض للذكر مقدار الصلاة- حيث يستحبّ لها- صرّحوا بأنّها لا تنوي به رفع الحدث ولا استباحة الصلاة؛ لوجود الحدث وتحريم الصلاة، بل
التقرّب فقط.
وفي تيمّم الجنب للخروج من
المسجد ، فإنّه لا ينوي به البدليّة عن الغسل وإنّما ينوي به استباحة الخروج والمرور في المسجد خاصّة، ولا يكون مبيحاً للصلاة.
ذكروا أنّ
الضرورات تبيح المحظورات،
والمراد أنّ الفعل أو الترك المحرّم يستباح بعروض الضرورة
والاضطرار والضرر والتقيّة
والإكراه ونحو ذلك من العناوين الرافعة للحرمة.نعم، لذلك حدود وقيود وشروط تفصيلها في محالّها من العناوين المذكورة وغيرها.
هذه هي أهمّ موارد الاستباحة كما أسلفنا، وقد تستعمل في موارد اخرى كاستباحة المال أو الفرج، فإنّه قد يعبّر بالاستباحة في هذا المقام، حيث إنّه لا يجوز
للانسان أن يتصرّف في أموال
الناس ولا أن يعتدي على أعراضهم إلّا بالأسباب الناقلة والمبيحة، كالإذن في الأموال والعقد الشرعي أو ملك اليمين أو
التحليل من قبل المالك في الأعراض.
الموسوعة الفقهية ج۱۰، ص۳۳۶-۳۴۱.