حرمة أخذ الاُجرة على الواجبات
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(السادس : أخذ
الأُجرة على القدر الواجب من تغسيل الأموات وتكفينهم وحملهم ودفنهم) ونحوها الواجبات الأُخر التي تجب على
الأجير عيناً أو كفايةً، وجوباً ذاتيّاً، بلا خلاف، بل عليه
الإجماع في كلام جماعة؛
وهو الحجة، مع منافاته
الإخلاص المأمور به كتاباً وسنّةً.
وأُخرج بالذاتي التوصّلي، كأكثر الصناعات الواجبة كفاية توصّلاً إلى ما هو المقصود من
الأمر بها، وهو
انتظام أمر المعاش والمعاد؛ فإنّه كما يوجب الأمر بها كذا يوجب جواز أخذ الأُجرة عليها، لظهور عدم انتظام المقصود بدونه؛ مع أنّه عليه الإجماع نصّاً وفتوى، وبذلك يندفع ما يورد من
الإشكال بهذه الواجبات في هذا المجال.
ويستفاد من العبارة جواز أخذ الأُجرة على الأُمور المندوبة، كالتغسيل ثلاثاً، والتكفين بالقِطَع المستحبة، ونحو ذلك. ولا ريب فيه، وفاقاً للأكثر؛للأصل،
وانتفاء المانع من الإجماع وغيره، وهو منافاة
الأخذ للإخلاص، فإنّ غايتها هنا عدم ترتّب الثواب لا حرمته، مع إمكان ترتّبه حينئذٍ أيضاً بعد
إيقاع عقد
الإجارة ، فإنّها بعده تصير واجبة، وتصير من قبيل ما لو وجبت بنذر وشبهه؛ ولا ريب في
استحقاق الثواب حينئذٍ. ووجهه أنّ أخذ الأُجرة حينئذٍ صار سبباً لوجوبها عليه، ومعه يتحقّق الإخلاص في العمل، لكونه حينئذٍ لمجرّد
الإطاعة والامتثال لله سبحانه، وإن صارت الأُجرة منشأً لتوجّه الأمر الإيجابي إليه، وهو واضح.وبه يتّضح جواز أخذ الأُجرة على الصلاة عن الأموات بعد إيقاع عقد الإجارة، بل لعلّ له قبل إيقاعه أيضاً وجهاً.
فالقول بعدم جواز أخذ الأُجرة على الأُمور المندوبة
أيضاً ضعيف، كالمحكي عن المرتضى
من جواز أخذها على الأُمور الواجبة التي تعلّقت الأوامر بها إلى الولي للأجير إذا لم يكن هو الولي.
(و) أخذ (الرُّشا) بضم أوّله وكسره مقصوراً، جمع
رشوة بهما (في الحكم) بالإجماع، كما في كلام جماعة،
والنصوص المستفيضة، في بعضها أنّها سحت، وفي عدّة منها : أنّها الكفر بالله العظيم، وفيها الصحيح والموثق وغيرهما.
وإطلاقها كالعبارة، وصريح جماعة
يقتضي عدم الفرق بين أن يكون الحكم للراشي أو عليه.ويأثم الدافع لها أيضاً؛ لأنه
إعانة على
الإثم والعدوان، إلاّ إذا لم يمكن الوصول إلى الحق بدونها، فيجوز الدفع حينئذٍ، فإنّ الضرورات تبيح المحظورات.
وفي الصحيح : عن الرجل يرشو الرجل على أن يتحوّل من منزله فيسكنه؟ قال : «لا بأس».
نعم يحرم على المدفوع إليه مطلقاً.وقيل : إذا كان يحكم بالحق وإن لم يرتش جاز الدفع، وإلاّ فلا.ويدفعه
إطلاق النص والفتوى.
وقيل : وكذا يحرم على الحاكم قبول الهدية إذا كان للمُهدي خصومة في المال؛ لأنّه يدعو إلى الميل
وانكسار قلب الخصم. وكذا إذا كان ممّن لم يعهد منه الهدية له قبل تولّي القضاء؛ لأنّ سببها العمل ظاهراً. وفي الحديث : «هدايا العمّال غلول»
ما نصّه : هديّة الأُمراء غلول.
وفي رواية : سحت.
انتهى.وهو أحوط، وإن كان في تعيينه ولا سيّما الأوّل نظر؛ للأصل، وقصور سند الروايتين، وضعف الوجوه الاعتبارية مع عدم تسمية مثله رشوة.
(والأُجرة على الصلاة بالناس) جماعة، وفاقاً لجماعة؛
للخبر،بل الصحيح المروي في الفقيه في كتاب الشهادات، عن
محمد بن مسلم ، عن
أبي جعفر عليه السلام قال : «لا تصلّ خلف من يبتغي على
الأذان والصلاة بين الناس أجراً، ولا تقبل شهادته»
وهو نصّ في التحريم.
(و) على (القضاء) والحكم بين الناس، فإنّها من أحد المتحاكمين رشوة محرّمة، كما مضت إليه
الإشارة . وكذا من غيرهما، مطلقاً، وفاقاً للحلبي والحلّي
وجماعة؛
للصحيح : عن قاضٍ بين فريقين يأخذ من السلطان على
القضاء الرزق، فقال : «ذلك
السحت »
مضافاً إلى ما روي عن الخصال أنّه روي عن أبيه. عن سعد. عن أحمد بن محمد عن
ابن محبوب عن أبي أيوب عن
عمار بن مروان قال : قال
أبو عبد الله عليه السلام : كل شيء غلّ من
الإمام عليه السلام فهو سحت. والسحت أنواع كثيرة. منها ما أُصيب من أعمال الولاة الظلمة. ومنها أُجور القضاة. وأُجور الفواحش. وثمن الخمر والنبيذ المسكر.
والربا بعد البيّنة. (منه ;).
بحمل الرزق فيه على الأجر؛ للإجماع على حلّه، ولأنّه لمّا كان جائزاً لجملة المسلمين المحتاجين من
بيت المال فلا وجه للفرق بين القاضي وغيره.
خلافاً للمفيد والنهاية والقاضي،
فيجوز مع الكراهة؛ للأصل السالم عمّا يصلح للمعارضة، لعدم دلالة الصحيح على الأُجرة، وصرف الرزق فيه إليها بمعونة الأمرين المتقدّمين ليس بأولى من صرف السحت فيه بهما إلى الكراهة، بل هو أولى، لموافقة
الأصل .
ويمكن ترجيح الأوّل بأنّ المجاز اللازم على تقديره التقييد دون الثاني، فإنّ اللازم منه المجاز المطلق المرجوح
بالإضافة إليه، مع تأيّده في الجملة بفحوى الصحيحة المتقدّمة وغيرها،
المانعة من أخذ الأُجرة على نحو الأذان المستحب.فالمنع فيما نحن فيه من حيث وجوبه ولو كفاية أولى، مع أنّ اللازم على الثاني كراهة
الارتزاق ، ولعلّهم لم يقولوا به، بل يخصّونه بالأُجرة، فيلزم على تقديره مجازان دون الأوّل.
وللماتن في الشرائع والفاضل في المختلف،
فالتفصيل بين تعيّنه عليه بتعيين الإمام له ونحوه فالأوّل، وإلاّ فالثاني، إمّا مطلقاً كما في المختلف، أو بشرط الحاجة وإلاّ فكالأوّل كما عن الماتن في الكتاب.والأوّل أحوط وأولى، وأمّا القول الثاني فضعيف جدّاً.
(ولا بأس) في صور المنع عن أخذ الأُجرة (بالرزق من بيت المال) بلا خلاف؛ للأصل، والضرورة،
واختصاص أدلّة المنع بغير هذه الصورة سوى الصحيحة المتقدّمة، لأنّها ظاهرة المنع فيها، إلاّ أنّها كما مرّ محمولة على الأُجرة، أو الكراهة.
والفرق بينه وبين الأُجرة ما قيل : من توقّف العمل عليها دونه،
أو أنّها تفتقر إلى تقدير العمل والعوض وضبط المدّة والصيغة الخاصّة بخلافه،
لإناطته بنظر الحاكم وعدم تقدّره بقدر، ومحلّه بيت المال وما أُعدّ للمصالح من خراج الأرض ومقاسمتها.
وفي هذا الفرق نظر، بل الأوّل أولى وأظهر،
والأمر سهل لمن تدبّر.
(وكذا) يحرم أخذ الأُجرة (على الأذان) ولا بأس فيه بالرزق من بيت المال؛ لما مرّ.وأمّا الأوّل وعليه الأكثر، بل عن بعض الأصحاب نفي الخلاف عنه،
وفي الخلاف عليه
الإجماع فللخبر المتقدّم في الصلاة بالناس ، الصريح في التحريم، المنجبر قصور سنده لو كان بالشهرة بين الأعيان، المؤيّد بروايات أُخر، منها : أتى رجل
أمير المؤمنين عليه السلام فقال : إنّي والله لأُحبّك لله، فقال : «ولكنّي أُبغضك لله» قال : ولم؟ قال : «لأنّك تبغي على الأذان كسباً، وتأخذ على تعليم
القرآن أجراً».
ومنها المرسل في الفقيه : «ولا تتّخذن مؤذّناً يأخذ على أذانه أجراً»
وعّد في المروي من
دعائم الإسلام سحتاً.
خلافاً للمرتضى، فكالارتزاق؛ للأصل، وضعف النصوص، أو عدم حجّيتها، لكونها من الآحاد.
وهو حسن على أصله، غير مستحسن على غيره ،
لانجبار الضعف بما مرّ.( ولا بأس بـ ) أخذ ( الأُجرة على عقد النكاح ) وغيره من العقود بأن يكون العاقد وكيلاً عن أحد المتعاقدين.أمّا تعليم الصيغة وإلقائها على الوجه اللازم فلا يجوز أخذ الأُجرة عليه ؛ للوجوب.نعم يجوز أخذها على الخطبة ، والخطبة في
الإملاك .
رياض المسائل، ج۸، ص۱۸۰-۱۸۶.