شرائط الموقوف
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(ويشترط) فيه (أن يكون عيناً) معلومة، فلا يصحّ وقف المنفعة ولا الدين ولا المبهم، بلا خلاف، بل عليه
الإجماع في الغنية
؛ وهو الحجة؛ مضافاً إلى الأصل و
اختصاص الأدلّة كتاباً وسنة بما اجتمع فيه الشرائط الثلاثة بحكم الصراحة في بعض، والتبادر في آخر، والشك في دخول ما لا يجتمع فيه في الوقف، بناءً على أن المفهوم منه عرفاً ولغة وشرعاً هو تحبيس
الأصل وتسبيل الثمرة، فلا يشمل وقف نحو الثمرة وكذا الدين والمبهم؛ لأنّ مقتضاه وجود الموقوف في الخارج حين العقد يحكم عليه بذلك، وهما ليسا كذلك، فيكون وقفهما في الخارج من قبيل وقف المعدوم الغير الجائز إجماعاً، فلا يشملهما عمومات
الأمر بالوفاء بالعقود في الكتاب والسنة؛ لأن وقف مثلهما ليس بوقف فكيف يؤمر بالوفاء به، ومجرّد تسميته وقفاً لا يدخله في حيّز الأمر بالوفاء به.
وأن يكون (مملوكة) إن أُريد بالمملوكية صلاحيتها له بالنظر إلى الواقف ليحترز به عن وقف نحو
الخمر والخنزير من المسلم فهو شرط الصحة بلا خلاف؛ لما مرّ من الأدلّة.
وإن أُريد به الملك الفعلي ليحترز به عن وقف ما لا يملك وإن صلح له فهو شرط اللزوم، على قولٍ ذهب إليه الماتن في الشرائع، والفاضل في
الإرشاد والقواعد والتحرير، والشهيد
الثاني في المسالك؛
لأنّه عقد صدر من أهله صحيح العبارة في محلّه قابل للنقل وقد أجازه المالك، فيصحّ كغيره من العقود.
وقيل : هو كالأوّل شرط الصحة،
واحتمله الفاضل في التحرير،
واختاره
فخر الإسلام وشيخنا في الروضة
على تقدير
اعتبار القربة.
ولعلّه أظهر. لا لما قيل من أن عبارة الفضولي لا
أثر لها، وتأثير
الإجازة فيما عدا محل النص المختص بالبيع و
النكاح غير معلوم،
لأن الوقف فكّ ملك في كثير من موارده ولا أثر لعبارة الغير فيه؛ لاندفاعه بأن اختصاص النص بالمورد غير قادح بعد شموله للغير بالأولوية، كما تقدّم إليه الإشارة غير مرّة.
بل لاشتراط الصحة هنا بما يزيد على نفس العقد، وهو القربة، وهي بملك الغير غير حاصلة، ونية المجيز لها حين الإجازة غير نافعة، إمّا لاشتراط المقارنة بالصيغة وهي في الفرض مفقودة، أو لأن تأثير نيته لها بعدها وإفادتها الصحة حينئذٍ غير معلومة، فالأصل بقاء الملكية إلى أن يعلم الناقل، وهو بما قرّرناه غير معلوم.
نعم، لو قلنا بعدم اشتراطها في الصحة كان الأوّل قويّاً غاية القوة، لكن فيه ما مرّ إليه
الإشارة .
وتوقف في
الدروس والتذكرة.
ولا وجه له.
وأن يكون العين ممّا يمكن أن (ينتفع بها مع بقائها انتفاعاً محلّلاً) بلا خلاف؛ للحجج السابقة، حتى الإجماع في الغنية،
وتزيد عليها بالإضافة إلى
اشتراط كون المنفعة محلّلة ما تقدم من الأدلّة على اشتراط القربة في الصحة،
ولا تحصل في المنفعة المحرمة.
مضافاً إلى أن الوقف لأجلها إعانة على
الإثم ، محرمة بالكتاب والإجماع والسنة.
فلا يصحّ وقف ما لا ينتفع به إلاّ مع ذهاب عينه، كالخبز و
الطعام والفاكهة وغيرها من الأُمور التي هي مع الانتفاع غير باقية، بل تكون بمجرّده ومعه تالفة.
ولا وقفُ ما انتفاعاته محرمة،
كآلات اللهو وهياكل العبادة المبتدعة.
قالوا : ولا يعتبر في
الانتفاع به كونه في الحال، بل يكفي المتوقّع، كالعبد والجَحْش الصغيرين والزمِن الذي يرجى زوال زمانته، ولعلّه لإطلاق الأدلّة.
وهل يعتبر طول زمان المنفعة؟
إطلاق العبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة ونسبه إلى الأكثر في الروضة
يقتضي عدمه، فيصحّ وقف ريحان يسرع فساده. واحتمل فيها اعتباره؛ لقلّة المنفعة، ومنافاتها التأبيد المطلوب من الوقف.
وفيه نظر؛ للإطلاقات، وعدم ثبوت مانعيّة القلّة، لعدم الدليل على اشتراط الكثرة. ومنافاة التأبيد المشترط له غير واضحة إن أُريد به الدوام ما دامت العين باقية؛ لحصوله في الفرض بالضرورة وإن كان مدة الدوام يسيرة. وإن أُريد به الدوام إلى
انقراض العالم فهو فاسد بالبديهة، وإلاّ لما تحقق وقف
بالإضافة إلى ما لا يحصل فيه مثل هذا الدوام، وهو مخالف للإجماع، بل الضرورة.
(و) أن يكون مما (يصحّ إقباضها) لأكثر ما مرّ من الأدلّة، ومنه الإجماع في الغنية؛
مضافاً إلى ما مرّ من اشتراط القبض في الصحة، وهو لا يحصل في غير مورد الشرط، فلا يصحّ وقف الطير في الهواء، ولا السمك في ماء لا يمكن قبضه عادةً، ولا
الآبق والمغصوب ونحوها.
ولو وقفه على من يتمكن من قبضه فالظاهر الصحة، وفاقاً للروضة؛
لأن
الإقباض المعتبر من المالك إنما هو الإذن في قبضه وتسليطه عليه، والمعتبر من الموقوف عليه تسلّمه، وهو ممكن.
وحيث اجتمعت في العين الشرائط المزبورة صحّ وقفها (مشاعة كانت أو) مشتركة (مقسومة) بلا خلاف يظهر بين الطائفة، وبه صرّح في المسالك وغيره،
بل عليه الإجماع في الغنية؛
وهو الحجة.
مضافاً إلى العمومات والإطلاقات السليمة عما يصلح للمعارضة؛ لتحقق الغاية المقصودة من الوقف فيه، وهو تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة، ولإمكان قبضه، كما يجوز بيعه وغيره من العقود، هذا.
والمعتبرة بجواز صدقة العين المشاعة مستفيضة :
منها الصحاح، في أحدها : عن دارٍ لم تقسّم فيتصدّق بعض
أهل الدار بنصيبه من الدار؟ فقال : «يجوز» قلت : أرأيت إن كان هبة، قال : «يجوز».
وفي
الثاني : عن صدقة ما لم يقسّم ولم يقبض؟ فقال : «جائزة، إنما أراد الناس النحل فأخطئوا».
وفي الثالث : إنّ أُمّي تصدّقت عليّ بنصيب لها في دارٍ، فقلت لها : إن القضاة لا يجيزون هذا، ولكن اكتبيه شراءً، فقالت : أصنع في ذلك ما بدا لك وكلّ ما ترى أنه يسوغ لك، فوثقت فأراد بعض الورثة أن يستحلفني أني قد نقدتها الثمن ولم أنقدها شيئاً، فما ترى؟ قال : «احلف له»
فتأمّل.
ومنها الموثقات في أحدها : عن صدقة ما لم يقبض ولم يقسم قال : «تجوز».
ومنها : عن دارٍ لم تقسّم فيتصدّق بعض أهل الدار بنصيبه؟ قال : «يجوز»
الحديث، ونحوهما الثالث.
والخبران : في الرجل يتصدّق بالصدقة المشتركة، قال : «جائز».
وقد مرّ شيوع إطلاق
الصدقة على الوقف بحيث يظهر كونه على الحقيقة،
ولعلّه لذا ذكرها الشيخ في التهذيب وغيره في غيره في كتاب الوقف، فتعمّه هذه الروايات بترك
الاستفصال .
واحتجّ على المخالف في الغنية بقوله عليه السلام لعمر في سهام خبير : «حبّس الأصل وسبّل الثمرة»
قال : والسهام كانت مشاعة؛ لأن
النبي صلي الله عليه و آله وسلم ما قسّم خيبر وإنما عدّل
السهام .
وحكي الخلاف هنا عن بعض العامة؛ بناءً على دعواه عدم
إمكان قبضه.
والأصل ممنوع؛ فإن المشاع يصحّ قبضه كالمقسوم، لأنه إن كان هو التخلية فإمكانه واضح، وإن كان النقل فيمكن وقوعه بإذن الواقف والشريك معاً.
رياض المسائل، ج۱۰، ص۱۱۸- ۱۲۴.