صفة الإباق
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
الإباق محرَّم شرعاً
بالاتفاق ، وهذا من مسلّمات
الفقه ، والفقهاء يذكرونه في عداد المحرّمات المفروغ عنها، فتراهم مثلًا يمثّلون في أبواب مختلفة للمحرّمات كسفر المعصية بسفر العبد الآبق، بل صرّح جملة منهم بأنّ الإباق يجمع معصية اللَّه تعالى والمولى.
وتستفاد الحرمة من عدّة روايات تعرّضت لذلك بألسنة مختلفة:
۱- ففي خبر
محمّد بن مسلم عن
الإمام الباقر عليه السلام في جارية مدبَّرة أبقت من سيدها: «أنّها أبقت عاصية للَّه ولسيدها».
۲- وفي بعض الروايات ورد لعن الآبق من قبيل قوله عليه السلام: «أَلا من أبق من مواليه فلعنة اللَّه عليه».
۳- وفي بعضها ورد التعبير بعدم قبول صلاته حتى يرجع إلى مولاه، فعن الإمام الباقر عليه السلام: «ثلاثة لا يقبل اللَّه لهم صلاةً:
أحدهم العبد الآبق حتى يرجع إلى مواليه».
وفيه: «إلى مولاه».
وعن
الإمام الصادق عليه السلام : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم في وصيّته لعلي عليه السلام: «ثمانية لا تقبل منهم الصلاة: العبد الآبق حتى يرجع إلى مولاه».
۴- وفي بعضها ورد التعبير بعدم قبول أعماله، فعن الإمام أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام: «قال: ثلاثة لا يرفع لهم عمل: عبد آبق، وامرأة زوجها عليها ساخط، والمسبل ازاره خيلاء».
وغير ذلك من الروايات. فكون الإباق عملًا محرّماً تكليفاً ممّا لا إشكال فيه نصّاً وفتوى، بل هو من الكبائر على ما يستفاد من ألسنة النصوص والفتاوى.إلّا أنّ هناك رأياً أكثر تشدّداً في حكم الإباق حيث اعتبره بمنزلة
الارتداد ، وقد صرَّح به
الصدوق في
المقنع وابن سعيد الحلي في
الجامع للشرائع .
قال الأوّل: «والعبد إذا أبق من مواليه ثمّ سرق لم يقطع وهو آبق؛ لأنّه مرتدّ عن
الإسلام ، ولكن يدعى إلى الرجوع إلى مواليه والدخول في الإسلام، فإن أبى أن يرجع إلى مواليه قطعت يده بالسرقة ثمّ قتل، والمرتدّ إذا سرق بمنزلته».
وفي نسخة: «ثمّ يقتل».وقال الثاني: «وإذا تزوّج العبد
بإذن سيّده ثمّ أبق بعد الدخول فبمنزلة المرتدّ».
ومستند هذه الفتوى روايتان معتبرتان:
إحداهما- صحيحة
أبي عبيدة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إنّ العبد إذا أبق من مواليه ثمّ سرق لم يقطع وهو آبق؛ لأنّه بمنزلة المرتدّ -وفي الكافي والتهذيب: «لأنّه مرتدّ»- عن الإسلام، ولكن يدعى إلى الرجوع إلى مواليه والدخول في الاسلام، فإن أبى أن يرجع إلى مواليه قطعت يده بالسرقة ثمّ قتل، والمرتدّ إذا سرق بمنزلته».
وقد نقل هذه الرواية كل من
الكليني والصدوق
والشيخ الطوسي بأسانيد صحيحة.
ثانيتهما- موثّقة
عمّار الساباطي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «سألته عن رجل أذن لغلامه في امرأة حرّة فتزوَّجها، ثمّ إنّ العبد أبق من مواليه، فجاءت امرأة العبد تطلب نفقتها من مولى العبد؟ فقال (عليه السلام): ليس لها على مولى العبد
نفقة ، وقد بانت عصمتها منه؛ لأنّ إباق العبد طلاق امرأته، وهو بمنزلة المرتدّ عن الإسلام. قلت: فإن هو رجع إلى مولاه، أ ترجع امرأته إليه؟ قال (عليه السلام): إن كان قد انقضت عدّتها منه ثمّ تزوَّجت زوجاً غيره فلا سبيل له عليها، وإن كانت لم تزوَّج فهي امرأته على
النكاح الأوّل».
وقد رواها كل من الصدوق والشيخ الطوسي
بسند معتبر عن عمار عن الصادق عليه السلام، وهو وإن كان فطحياً(الفطحي: نسبة إلى الفطحية، وهي فرقة من الشيعة تعتقد بإمامة عبد اللَّه الأفطح- ابن الإمام الصادق عليه السلام- والظاهر أنّها انقرضت.) ولهذا ورد في كلمات بعض الأصحاب كالمحقق الحلي والعلّامة وغيرهما رميه بالضعف- إلّا أنّه ثقة،
فيكون الخبر معتبراً بناءً على أنّ
الميزان في الحجّية هو
الوثاقة .
إلّا أنّ المشهور بل الأكثر لم يعملوا بالروايتين حيث لم يحكموا بترتيب أحكام المرتدّ على الآبق، خصوصاً ما في الرواية الاولى من الحكم بوجوب قتله إن لم يرجع إلى مواليه. ولعلّ وضوح وارتكازية أنّ مجرّد الإباق والهروب عن الموالي لا يكون كفراً وارتداداً حقيقة هو الذي دعاهم إلى ترك العمل بالخبرين،
فهم يفصّلون في بحث التدبير- مثلًا- بين الارتداد والإباق، فيحكمون
بالبطلان في الثاني دون الأوّل.
وسيأتي الحديث عن ذلك عند التعرّض للآثار المترتبة على الإباق.ولعلّ المراد بالحديث خصوص إباق العبيد المأخوذين عادة بالأسر من الكفار والذميين، فيكون إباقهم بمعنى رجوعهم إلى بلاد الكفر مرة أخرى، فيكون أمارة وقرينة على ارتدادهم عن الاسلام، أو خروجهم عن ذمّة الاسلام، فيدعون للرجوع إلى مواليهم والدخول في الاسلام، كما هو التعبير في صحيحة أبي عبيدة، وقد يؤيّده ما في
المبسوط حيث إنّ الشيخ عبّر عن الإباق باللحوق بدار الحرب.
ويترتب على كون الإباق حراماً أحكام كثيرة، منها:
۱-
إتمام الصلاة والصوم في السفر، قال في
المعتبر : «إنّ الرخصة ( في التقصير للآبق)
إعانة على السفر ورفق لتحصيل غرض السفر فالإذن له إعانة على المعصية»،
ونحوه قال العلّامة
وغيره.
۲- عدم الترخيص للآبق في أكل الميتة عند
الاضطرار إلى أكلها استناداً للآية الكريمة: «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ»
حيث استثنت العادي، وقد فسّره الفقهاء تبعاً لبعض الروايات بالعاصي قال في
الدروس : «ولا يترخّص الباغي وهو الخارج على الامام أو الذي يبغي الميتة، ولا العادي وهو قاطع الطريق أو الذي يعدو شبعه ونقل
الشيخ الطبرسي أنّه باغي اللذة وعادي سدّ الجوعة أو عادٍ بالمعصية، أو باغٍ في
الإفراط وعادٍ في التقصير وعلى التفسير بالمعصية لا يباح للعاصي بسفره كطالب الصيد لهواً وبطراً وتابع الجائر والآبق».
وفي
الخلاف : «المسافر في المعصية لا يجوز له أن يقصر مثل أن يخرج لقطع الطريق أو لسعاية بمسلم أو معاهد أو قاصداً لفجور أو عبد آبق من مولاه...دليلنا:
إجماع الفرقة فإنّهم لا يختلفون في ذلك.. وأيضاً قوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ» إلى قوله: «فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ»
فحرّم أكل الميتة على كل حال إلّا ما استثنى بشرط أن لا يكون متجانفاً لإثم وهذا متجانف لإثم، ومثله قوله تعالى: «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ»
وهذا عادٍ فيجب أن لا يجوز له أكله. وروى
الحسن بن محبوب عن أبي أيّوب عن عمّار بن مروان عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سمعته يقول: «من سافر قصّر وأفطر إلّا أن يكون رجلًا سفره في الصيد أو في معصية اللَّه أو رسولًا لمن يعصي اللَّه أو في طلب شحناء أو سعاية ضرر على قوم من المسلمين»
۳- وجوب رجوع الآبق إلى مواليه؛ فإنّه إذا كان
الإباق تمرّداً على المولى وحراماً فالاستمرار فيه
استمرار في الحرام أيضاً، فيجب
إنهاؤه بالرجوع إلى مواليه، كما هو مذكور في الفتاوى ويستفاد أيضاً من النصوص المشار إليها آنفاً.
الموسوعة الفقهية، ج۲، ص۱۸۹-۱۹۳.