الأرض السواد
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هي الأرض
المغنومة في
العراق.
هي
الأرض المغنومة من
الفرس التي فتحها
عمر، وهي سواد
العراق.
وسمّيت بهذا
الاسم؛ لأنّ
الجيش لمّا خرجوا من
البادية رأوا هذه الأرض والتفاف
شجرها سمّوها
السواد لذلك؛
لأنّهم كانوا يجمعون بين
الخضرة والسواد في الاسم. وقال في اقتصادنا: «أرض السواد في
العرف السائد يوم ذاك هي
الجزء العامر من أراضي العراق التي فتحها
المسلمون في
حرب جهادية، وإنّما أطلق المسلمون هذا الاسم على الأرض العراقية؛ لأنّهم حين خرجوا من أرضهم
القاحلة في
جزيرة العرب يحملون
الدعوة إلى
العالم ظهرت لهم خضرة
الزرع والأشجار في أراضي العراق، فسمّوا خضرة العراق سواداً؛ لأنّهم كانوا يجمعون بين الخضرة والسواد في الاسم».
سواد العراق
حدّه طولًا من
تخوم الموصل إلى
ساحل البحر ببلاد عبّادان من
شرقي دجلة، وفي
العرض من منقطع
الجبال بحلوان إلى طرف
القادسية المتصل بعذيب من
أرض العرب.
وأمّا
الغربي الذي تليه
البصرة فإنّما هو إسلامي مثل
شطّ عثمان بن أبي العاص وما والاها كانت سباخاً
ومواتاً فأحياها عثمان بن أبي العاص.
وهذه الأرض لمّا فتحها عمر بن الخطّاب بعث إليها بعد
فتحه ثلاثة أنفس
عمّار بن ياسر على
صلاتهم أميراً،
وابن مسعود قاضياً ووالياً على
بيت المال،
وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض، وفرض للثلاثة في كلّ يوم
شاة، شطرها مع السواقط
لعمّار، وشطرها للآخَرَين.
ثمّ إنّه اختلف
الفقهاء في مبلغها فقال
البياجي: اثنان وثلاثون ألف ألف
جريب، وقال
أبو عبيدة: ستّة وثلاثون ألف ألف جريب. ثمّ ضرب على كلّ جريب نخل عشرة
دراهم، وعلى
الكرم ثمانية دراهم،
والرطبة ستّة، والشجر كذلك،
والحنطة أربعة،
والشعير درهمين، وكتب إلى عمر فأمضاه.
وروي أنّ
ارتفاعها كان في
عهد عمر مائة وستّين ألف ألف درهم، فلمّا كان في زمن
الحجاج رجع إلى ثمانية عشر ألف ألف درهم، فلمّا ولي
عمر بن عبد العزيز رجع إلى ثلاثين ألف ألف درهم في أوّل سنة، وفي الثانية بلغ ستّين ألف ألف فقال:لو عشت سنة اخرى لرددتها إلى ما كان في أيّام عمر فمات تلك
السنة، وكذلك
أمير المؤمنين عليه السلام لمّا أفضى الأمر إليه أمضى ذلك؛ لأنّه لم يمكنه أن يخالف ويحكم بما يجب عنده فيه.
وردت روايات تدلّ على أنّ أرض السواد
ملك للمسلمين
كصحيحة الحلبي، قال: سئل
أبو عبد الله عليه السلام عن السواد ما منزلته؟ فقال: «هو لجميع المسلمين: لمن هو اليوم، ولمن يدخل في
الإسلام بعد اليوم، ولمن لم يخلق بعد...».
ورواية أبي الربيع الشامي عنه عليه السلام أيضاً قال: «لا تشتر من أرض السواد شيئاً إلّا من كانت له
ذمّة فإنّما هو فيء للمسلمين».
وغيرهما.
وحيث إنّه يشترط في صيرورة الأرض ملكاً للمسلمين- بمعنى أنّها ملك
للُامّة على امتدادها
التاريخي وأمرها إلى
الإمام عليه السلام يقبّلها ممّن يشاء بما يشاء، ثمّ يصرف حاصلها في
المصالح العامة- مضافاً إلى الفتح
عنوة أن يكون الفتح بإذن الإمام وأن تكون عامرة حين الفتح كما تقدّم كلّ ذلك في أرض الفتح، يقع
الكلام في أنّ أرض السواد متوفّرة على هذه
الشرائط أم لا؟
الظاهر أنّه لا كلام بين
الإمامية في أنّ أرض السواد فتحت عنوة حيث قال
الشيخ الأنصاري في
المكاسب: «
المعروف بين الإمامية- بلا خلاف ظاهر- أنّ أرض العراق فتحت عنوة، وحكي ذلك عن
التواريخ المعتبرة، وحكي عن بعض
العامّة أنّها فتحت صلحاً، وما دلّ على كونها ملكاً للمسلمين يحتمل الأمرين».
، وحكي ذلك عن التواريخ المعتبرة، >وقال في
كفاية الأحكام: «
الظاهر أنّ أرض السواد مفتوحة عنوة وأنّها
خراجيّة للمسلمين كما يستفاد من
الكتب والتواريخ المعتبرة، ويستفاد منها استثناء شيء يسير منها
كالحيرة».
لكن الكلام في
المسألة من جهة
إذن الإمام وعدمه، فقد يقال: إنّها كغيرها ممّا فتح بعد
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن بإذن الإمام عليه السلام فيكون ما في
الأخبار الدالّة على أنّها ملك للمسلمين
للتقيّة.
وقد كانت هناك عدّة محاولات لإثبات إذن الإمام في الفتوحات تقدّمت في مصطلح (أرض الفتح)، إلّا أنّه بغضّ
النظر عن تلك المحاولات استدلّ هنا لوجود الإذن في أرض السواد خاصة بما دلّ صريحاً على أنّها ملك للمسلمين.
قال
المحقّق النجفي: «قد يقال بأنّ
الحكم في
النصوص المعتبرة السابقة بكون هذه الأراضي للمسلمين بعد معلومية
اعتبار الإذن فيها شاهد على صدورها منهم عليهم السلام، ولعلّه أولى من الحمل على التقيّة، خصوصاً بعد عدم معروفيته بين العامّة، وإنّما يحكى عن مالك منهم ولم يكن
مذهبه معروفاً كي يتّقى منه، خصوصاً بعد مخالفة
الشافعي وأبي حنيفة له».
وظاهر الشيخ الأنصاري قدس سره
القطع في ذلك حيث قال: «والظاهر أنّ أرض العراق مفتوحة بالإذن كما يكشف عن ذلك ما دلّ على أنّها للمسلمين».
واستظهر منها أيضاً أنّ كلّ أرض العراق كانت عامرة حيث قال: «ثمّ اعلم أنّ ظاهر الأخبار تملّك المسلمين لجميع
أرض العراق المسمّى بأرض السواد من غير تقييد بالعامر، فينزّل على أنّ كلّها كانت عامرة حال الفتح، ويؤيّده أنّهم ضبطوا أرض الخراج... بعد
المساحة بستّة أو اثنين وثلاثين ألف ألف جريب، وحينئذٍ فالظاهر أنّ
البلاد الإسلامية المبنيّة في العراق هي مع ما يتبعها من
القرى، من المحياة حال الفتح التي تملّكها المسلمون، وذكر
العلّامة رحمه الله في كتبه- تبعاً لبعض ما عن
المبسوط والخلاف- أنّ حدّ سواد العراق ما بين منقطع... وزاد العلّامة رحمه الله قوله: من شرقي دجلة، فأمّا الغربي الذي يليه البصرة فإنّما هو إسلامي، مثل شطّ عثمان بن أبي العاص وما والاها، كانت سباخاً فأحياها عثمان، ويظهر من هذا
التقييد أنّ ما عدا ذلك كانت محياة، كما يؤيّده ما تقدّم من تقدير الأرض المذكورة بعد المساحة بما ذكر من
الجريب.
فما قيل من أنّ البلاد المحدثة بالعراق- مثل
بغداد والكوفة والحلّة والمشاهد المشرّفة- إسلامية بناها المسلمون ولم تفتح عنوة، ولم يثبت أنّ أرضها تملكها المسلمون بالاستغنام، والتي فتحت عنوة واخذت من
الكفّار قهراً قد انهدمت، لا يخلو عن نظر؛ لأنّ المفتوح عنوة لا يختصّ
بالأبنية حتى يقال: إنّها انهدمت، فإذا كانت البلاد المذكورة وما يتعلّق بها من قراها غير مفتوحة عنوة فأين أرض العراق المفتوحة عنوة، المقدّرة بستّة وثلاثين ألف ألف جريب؟!».
لكن نوقش فيه بأنّ هذا توهّم، كأنّ منشأه «ما قيل: (من أنّ السواد هو العراق)، مع أنّ
الواقع خلاف ذلك، فإنّ السواد على ما نصّ عليه أئمّة
اللغة والأدب هو رستاق العراق وقراها والأرض المحيطة بها... ومن الغريب تأييد الشيخ الأعظم قدس سره ما أفاده بالمساحة المنقولة...
مع أنّ هذا المقدار في مقابل مساحة العراق شيء قليل، فإنّ مساحته- على ما في
جغرافية العراق- ۴۳۸۴۴۶
كيلومتر مربّع، وعن أعلام
المنجد: ۴۴۴۴۴۲ كيلومتر مربّع، فبناءً على كون
الجريب ألف متر مربّع تصير على التقدير الأوّل ۴۳۸۴۴۶۰۰۰ جريب، وعلى الثاني أكثر منه، فمساحته بالنسبة إلى التقدير المتقدّم- أي ستّة أو اثنين وثلاثين ألف ألف جريب- أكثر بكثير. ولو كان الجريب ستّين
ذراعاً في ستّين ذراعاً، وهو
نصف الذرع كانت مساحة العراق أيضاً أكثر من التقدير المذكور بكثير.
مع أنّ لازم كون جميع أرض العراق في عصر الفتح معمورة ومحياة، أن تكون نفوسها أكثر من
العدد المعهود من سكّانها بكثير، وهو واضح الخلاف. مضافاً إلى أنّ السواد إذا كان تمام أرض العراق يقع
التعارض بين صحيحة الحلبي ورواية أبي الربيع، وبين ما تدلّ على أنّ
الموات للإمام عليه السلام، فيكون
الترجيح للثانية؛ لموافقتها للكتاب، فإنّ
الأنفال للَّه والرسول ومنها الموات.
ولو شكّ في كون السواد تمام أرض العراق أو محياتها لم تكن الصحيحة
حجّة في مواتها، فيؤخذ بالروايات الدالّة على أنّها للإمام عليه السلام.
فعلى ما ذكر تكون أرض
الأعتاب المقدّسة وسائر ما حدثت فيه
العمارة في عصر
الخلفاء ومن بعدهم باقية تحت الأصل من كونها للإمام وأنّ من أحياها فهي له، فلا يبقى إشكال فيها.
وتوهّم
العلم الإجمالي بأنّ كثيراً من أرض العراق كانت محياة فلا بدّ من
الاحتراز عن الجميع، مدفوع: بأنّ كثيراً من
البلاد معلومة حياتها في عصر الفتح تفصيلًا، وهي التي كانت في صدر
الإسلام معروفة مذكورة في جميع الكتب والتواريخ، وليس لنا علم زائداً على ما ذكر.
هذا مع
الغض عن عدم منجّزية العلم الإجمالي فيما إذا كان بعض الأطراف خارجاً عن محلّ
الابتلاء».
وذهب بعض الفقهاء إلى أنّه رغم أنّ سواد العراق لا يدلّ على أنّ جميع الأرض سواداً فلعلّه من إضافة الجزء إلى الكلّ لا
الصفة إلى الموصوف، وتأييد
الشيخ الأعظم لما اختاره بالمساحة التي نقلها أمر غريب؛ فإنّ مساحة العراق أزيد من ذلك بكثير، مع
احتمال أن تكون المساحة المنقولة لخصوص الأراضي
المجاورة منها لأرض
الحجاز- إلّا أنّ كون أراضي العراق أراضي سهلة واقعة
بين النهرين العظيمين يوجب
الحدس القوي بكون أكثرها محياة حال الفتح ولو بالزراعة، فإنّ
الإحياء لا يختص بإحداث الأبنية، واحتمال كون جميع المشاهد المشرّفة والبلاد المبتلى بها في أعصارنا محدثة في الموات حال الفتح بعيد جدّاً.
وقد ذكر
المحقق الاصفهاني في مقام دفع
الشبهة عن
السيرة العملية القائمة على
معاملة أرض العراق معاملة الأملاك الخاصة، أنّه «لا مدفع لهذه الشبهة إلّا دعوى ثبوت موارد كثيرة
للملك الخصوصي الموجب
لانحلال العلم الإجمالي:
منها: الموات حال الفتح، فإنّها ملك
الإمام عليه السلام فيملكها من أحياها، ولعلّ المشاهد المشرّفة وجملة من بلاد العراق المستحدثة كذلك.
ومنها:
الخمس من تلك الأراضي، فإنّها على
المشهور يملكها من يستحقّ الخمس، فينتقل
بالإرث وغيره إلى غيره.
ومنها: الأراضي التي كانت بيد أهل الذمّة، فإنّها ملك لهم وعليهم
الجزية، فيصح نقلها إلى غيرهم والجزية في ذمّتهم على المشهور، وفي قوله عليه السلام: «إلّا من كانت له ذمّة»
إشارة إلى وجود مثل هذه الأراضي في أرض السواد...
ومنها: الأرض التي باعها الإمام عليه السلام ومن ينفذ منه
البيع؛ لمصلحة راجعة إلى نوع المسلمين.
ومنها: ما وهبه
السلطان، فإنّ حال الأرض كحال خراجها الذي يحلّ قبوله من السلطان.
فهذه جملة من الموارد القابلة للتملّك بالخصوص يداً بيد، وأمّا الأراضي الخراجية التي يضرب عليها
الخراج من أراضي
المزارع فكثيرة إلى الآن وأمرها بيد السلطان، واللَّه أعلم».
وهناك توجيهات اخرى لحكم أرض السواد بل وكلّ أرض مفتوحة عنوة في هذه العصور تراجع في
الكتب الفقهية المطوّلة.
الموسوعة الفقهية، ج۱۰، ص۲۰۶-۲۱۱.