أركان الإيلاء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لا يتحقّق
الإيلاء إلّاإذا اجتمعت أمور تعتبر أركاناً له:
۱- الحلف.
۲- ترك الوطء في القبل.
۳- المدّة.
۴- قصد إضرار الزوجة وإغاضتها.
وتفصيل الكلام فيها كما يلي:
لا خلاف ولا إشكال بينهم في عدم
انعقاد الإيلاء إلّابالحلف، بل هو داخل في معناه- كما مرّ في التعريف- فلو لم يشتمل على حلفٍ لم يكن إيلاءً، لا لغة ولا عرفاً ولا شرعاً؛ ولذلك لم يبحث الفقهاء اعتباره فيه، بل أرسلوه
إرسال المسلّمات، كما استدلّوا لبعض مسائله بالروايات الواردة في مطلق اليمين.قال
الشهيد الثاني : «لمّا كان الإيلاء ضرباً من مطلق اليمين لم ينعقد إلّاباللَّه تعالى أو أسمائه الخاصة...».
وقال
المحقّق النجفي : «لو حلف بالعتاق لا يطأها أو
بالصدقة أو التحريم بأن قال: إن جامعتك فعبدي حرّ، أو مالي صدقة، أو أنتِ أو فلانة محرّمة عليّ أو نحو ذلك، لم يقع عندنا يميناً فضلًا عن الإيلاء».
ولذلك أيضاً حكموا عليه بأحكام مطلق اليمين إذا كان خالياً عن أركان الإيلاء وشروطه وكان مستجمعاً لشرائط نفوذ اليمين، قال المحقّق النجفي:«وحينئذٍ فكلّ موضع لا ينعقد إيلاء مع
اجتماع شرائط اليمين يكون يميناً كما ذكره غير واحد، بل أرسلوه إرسال المسلّمات وإن كان قد يناقش بأنّ المتّجه عدم ترتّب أحكام اليمين عليه؛ لأنّه قصد به الإيلاء، والفرض عدم انعقاده، فما قصد لم يقع، وما وقع لم يقصد، لكن قد يدفع بأنّ الإيلاء فرد من مطلق اليمين، ويشخّصه مورده، لا قصده؛ إذ الذي ذكروه في الفرق بينه وبين اليمين- مع اشتراكهما في أصل
الحلف والكفّارة الخاصة- جواز مخالفته في الإيلاء، بل وجوبها... دون اليمين المطلقة... وهي (الفروق)... أحكام لا تغيّر مهيّته»،
أي لا تخرجه عن كونه يميناً ومحكوماً بأحكامه.وعلى هذا لو قال لامرأته: (لأتركنّ وطئك) لم يقع إيلاءً ولا يميناً؛ لخروجه عن الجملة القسميّة، ولا يكفي
إشعار اللام بالقسم. وقد صرّح به غير واحد.
وأمّا المحلوف به فلابدّ وأن يكون اسماً من أسماء اللَّه تعالى المختصة به، أو الغالبة فيه، وقد ادّعي عدم وجدان الخلاف في ذلك.
قال
الشيخ الطوسي : «ولا يكون الإيلاء إلّا بأسماء اللَّه تعالى، ومتى آلى بغير اسم اللَّه تعالى أو حلف
بالطلاق أو
العتاق وما أشبه ذلك أن لا يطأ زوجته، فليرجع إليها وليطأها، وليس عليه كفّارة»،
وقريب منه غيره.
كلّ ذلك
لاعتبار الحلف باللَّه تعالى.وقد استدلّ على الأمرين- أي اعتبار الحلف وكونه باللَّه تعالى- بالروايات الواردة في مطلق الحلف: كرواية
محمّد بن مسلم ، قال: قلت
لأبي جعفر عليه السلام: قول اللَّه عزّوجلّ: «وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى»،
«وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى»،
وما أشبه ذلك، فقال: «إنّ للَّه أن يقسم من خلقه بما يشاء، وليس لخلقه أن يقسموا إلّابه».
ورواية
الحلبي عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «لا أرى أن يحلف الرجل إلّا باللَّه...».
وفي روايته الاخرى عنه عليه السلام أيضاً قال:«... أيّما رجُل آلى من امرأته- والإيلاء أن يقول: واللَّه، لا اجامعك كذا وكذا، واللَّه، لأغيظنّك، ثمّ يغاضبها- فإنّه يتربّص به أربعة أشهر...».
ومع
الشكّ وفرض عدم وجود
إطلاق في آية الإيلاء من هذه الجهة فمقتضى
الأصل العملي أيضاً عدم تحقّق الإيلاء إلّا بالحلف باللَّه تعالى.
وهذا أيضاً ممّا لا خلاف فيه بين الفقهاء، بل من المسلّمات عندهم؛ ولذا أدرجه كثير منهم في
التعريف الاصطلاحي واكتفوا به عن ذكره مستقلّاً
والاستدلال عليه، وإنّما تعرّضوا لأحكامه وشرائطه، فالقيد المذكور مأخوذ في حقيقة الإيلاء شرعاً بل وعرفاً أيضاً، وتدلّ عليه أيضاً القرائن الاخرى الحافّة بالآية الكريمة والروايات، وقد مرّت عبارة الشيخ في
المبسوط في المعنى الاصطلاحي، ويزيد ذلك وضوحاً قول
المحقّق الحلّي : «ولا ينعقد إلّاباسم اللَّه سبحانه، ولو حلف بالطلاق أو العتاق لم يصحّ ولا تنعقد إلّافي
الإضرار ...»،
فإنّه قدس سره مع تعرّضه لجميع القيود لم يتعرّض لمتعلّق الحلف- أي المحلوف عليه- اتّكالًا على وضوحه.نعم، أشار إليه المحقّق الحلّي ضمن بيان الصيغ الصريحة والمحتملة.
وصرّح به العلّامة الحلّي حيث قال:«(الركن) الثاني: المحلوف عليه، وهو ترك جماع زوجته»،
وقال في
التحرير :«(الركن) الثالث: المحلوف عليه، وهو
الجماع في القبل».
والدليل على اعتبار القيدين- أي الوطء والقبل- هو ظهور الألفاظ الواردة في روايات الإيلاء- كالجماع والوطئ وما شابههما- في الوطء في القبل، وقد أشار إليه الشهيد الثاني قائلًا: «ولا ينصرف إليه (الدبر) الإطلاق».
مضافاً إلى أنّ ذلك مقتضى نفس قيد الإضرار في الإيلاء- كما سيجيء- حيث إنّ الحلف على ترك الوطء في الدبر ليس إضراراً بالمرأة، بل
إحسان إليها، كما صرّح به العلّامة الحلّي حيث قال: «ولو قال: لا وطئتك في
الحيض ولا في
النفاس أو في دبرك فهو محسن وليس بمؤل»،
وزاد عليه
الفاضل الأصفهاني بقوله: «وما على المحسنين من سبيل».
وممّا يعتبر في الإيلاء الشرعي كونه مطلقاً من حيث المدّة أو مقيّداً
بالدوام أو بمدّةٍ أكثر من أربعة أشهر، فلو قيّد بأربعة أشهر فما دون فليس من الإيلاء، بل هو حلف على أمرٍ
مباح ، ويجري عليه أحكام اليمين مع
استجماعه الشرائط.وقد صرّح بذلك الفقهاء، لكنّهم بين من جعلها ضمن التعريف ومن جعلها ضمن الشروط، أو الأحكام.قال الشيخ الطوسي: «اختلف الناس في الإيلاء الشرعي على أربعة مذاهب، فالذي يقتضيه مذهبنا هو أن يحلف لا يطأها أكثر من أربعة أشهر، وإن حلف على أربعةٍ أو دونها لم يكن مؤلياً، وحكي عن
ابن عباس أنّه قال: هو أن يحلف لا يطأها أبداً، فإن أطلق فقد أبّد، وإن قال: على التأبيد فقد أكّد.
وقال جماعة: إذا حلف لا وطأها أربعة أشهر كان مؤلياً، وإن كان أقلّ لم يكن مؤلياً...».
وقال العلّامة الحلّي: «(الركن) الرابع:المدّة، الإيلاء أن يحلف على
الامتناع مطلقاً، أو مؤبّداً، أو مدّةً تزيد على أربعة أشهر، أو مضافاً إلى فعلٍ لا يحصل إلّابعد
انقضاء مدّة التربّص
قطعاً أو
ظنّاً ... ولو قال: لا وطئتك أربعة أشهر، أو ما نقص، أو حتى اردّ إلى
بغداد من
الموصل - وهو ممّا يحصل في أربعة قطعاً أو ظنّاً أو محتملًا للأمرين على السواء- لم يكن مؤلياً... ولو قال: واللَّه، لا جامعتك خمسة أشهر، فإذا انقضت فواللَّه، لا جامعتك سنة، فهما إيلاءان، ولها المرافعة لضرب مدّة التربّص... ولو قال: واللَّه، لا وطئتك حتى ينزل
عيسى عليه السلام من السماء، أو يخرج
الدجّال، انعقد، ولو قال: حتى يلج الجمل في سَمّ الخياط فكذلك... ولو قال:إلى أن يموت زيدٌ، فإن ظنّ بقاءه أزيد من المدّة انعقد، وإلّا فلا...».
وبمثله قال أكثر الفقهاء،
بل قال
السيّد العاملي : «هذا قول علمائنا أجمع».
ويدلّ
عليه صريحاً ما رواه
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: رجل آلى أن لا يقرب امرأته ثلاثة أشهر، قال: فقال:«لا يكون إيلاءً حتى يحلف على أكثر من أربعة أشهر».
واستدلّ السيّد العاملي له بقوله تعالى:«لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ»،
وكأنّ مراده أنّها تدلّ على أنّ مدّة أربعة أشهر من حقّ الزوج الامتناع عن جماع زوجته فيها، وإنّما المحذور في الأكثر.ثمّ إنّ هناك بعض الفروض قد يشكّ في تحقّق الإيلاء فيها وعدمه:
منها: ما لو حلف الرجل أن لا يطأ زوجته أربعة أشهر فما دون، ثمّ أعاد
اليمين في آخر الأشهر مرّة اخرى ولم يزل يفعل كذلك، فصرّح المحقّق الحلّي بأنّه ليس إيلاءً؛
لعدم تحقّق الحلف على أكثر من أربعة أشهر، فحكم الإيلاء- الذي هو
المطالبة بعد المدّة- إنّما يقع بعد
انحلال اليمين الأوّل بانقضاء مدّته، وليس لها المطالبة بها عن الثانية؛ لعدم حصول التربّص أربعة أشهر للثانية، ولعلّه ظاهر آخرين أيضاً؛ إذ هو مقتضى تقييدهم الإيلاء بالمدّة المزبورة- كما مرّت تصريحاتهم- ولكن مع ذلك احتمل الفاضل الأصفهاني الوقوع
والإلزام بالوطء والتكفير وإن لم تمض مدّة التربّص للثانية؛
لإمكان أن يقال:إنّ الإيلاء إنّما ينعقد؛ لأنّه يوجب الامتناع عن الوطء مدّة يجب على الزوج الوطء في أثنائها، وهذا متحقّق في هذه الصورة، بل هذا هو مقتضى إطلاق الآية والروايات.
ومنها: ما إذا وجب عليه وطؤها بعد شهر أو شهرين، كما لو كان لم يطئها منذ ثلاثة أشهر فحلف أن لا يطأها إلى شهرين، أو لم يطئها منذ شهرين وحلف أن لا يطئها إلى ثلاثة أشهر، فقال المحقّق الحلّي: «في انعقاده نظر»؛
من أنّ الإيلاء إنّما انعقد لامتناع الزوج من الوطء مدّةً يجب عليه في أثنائها، وهو هنا متحقّق، فيقع، ومن تقديره بأقلّ من المدّة المقدّرة شرعاً للإيلاء فلا يقع. وصرّح
فخر المحقّقين والفاضل الأصفهاني بأنّ عدم الوقوع هو الأقوى.
يشترط في جريان أحكام
الإيلاء أن يكون بقصد الإضرار بالمرأة، فلو كان ذلك لصلاح المرأة أو حملها فليس ذلك إيلاءً محكوماً بالأحكام الخاصّة.وقد صرّح به الفقهاء،
بل ادّعي أنّه المشهور بحيث لا يظهر فيه مخالف يعتدّ به،
بل في
كشف اللثام دعوى
الاتّفاق حاكياً له عن
الانتصار والخلاف والغنية .
قال الشيخ الطوسي: «ومتى آلى أن لا يقرب زوجته وهي مرضعة؛ خوفاً من حملها فيضرّ ذلك بالولد، لم يُلزمه الحاكمُ حكم الإيلاء؛ لأنّه حلف في صلاح».
وقال العلّامة الحلّي: «ولو قال:لا وطئتك في الحيض ولا في النفاس أو في دبرك فهو محسن وليس بمؤلٍ».
واستدلّ له بروايات:
منها: رواية
السكوني عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «أتى رجل [[|أمير المؤمنين]] عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ امرأتي أرضعت غلاماً، وإنّي قلت:واللَّه، لا أقربك حتى تفطميه، فقال: ليس في
الإصلاح إيلاء».
ومنها: رواية
حفص بن البختري عنه عليه السلام أيضاً: «... فإن تركها من غير مغاضبة أو يمينٍ فليس بمؤلٍ».
ومنها: قول أبي عبد اللَّه عليه السلام في رواية
أبي بصير : «... الإيلاء أن يقول:واللَّه، لا اجامعك كذا وكذا، ويقول:واللَّه، لأغيظنّك، ثمّ يغاضبها...»
وفيه: «أو يقول» بدل «ويقول».إن كانت الواو في قوله عليه السلام: «ويقول» للجمع كما هو الظاهر.
إلى غير ذلك من الأخبار.
هذا، ولكن ضعّف
الشهيد الثاني هذه الأخبار، وعلّق الحكم على
الإجماع لو تمّ، وإلّا فلا يحكم بها إلّابناءً على قاعدة
انجبار ضعف الخبر بالشهرة.
لكن المحقّق النجفي- بعد ذكر هذه الأخبار- قال: «فمن الغريب وسوسة بعض الناس في الحكم المزبور، واللَّه العالم»،
ولعلّه أراد به الشهيد الثاني.بل لا يبعد أن يكون هذا القيد مأخوذاً أيضاً في تعريف الإيلاء ومعناه الشرعي.
الموسوعة الفقهية، ج۱۹، ص۳۲۶-۳۳۳.