أعداد الصلوات
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(في) بيان (الأعداد) وهي إمّا واجبة أو مندوبة، لأنّها عبادة (و) لا تكون بالذات إلّا راجحة.
ف: (الواجبات) على الجملة بالحصر المستفاد من تتبّع الأدلّة الشرعية (تسع :) على المشهور، وقيل : سبع،
بإدراج الكسوف والزلزلة في
الآيات .
الأولى : (الصلوات الخمس) الفرائض اليوميّة
أداء وقضاء ولو من وليّ الميت عنه (و) الثانية (صلاة الجمعة و) الثالثة : صلاة (العيدين و)الرابعة : صلاة (الكسوف و) الخامسة : صلاة (الزلزلة و) السادسة : صلاة (الآيات و) السابعة : صلاة (الطواف و) الثامنة : صلاة (الأموات و) التاسعة : (ما) أي كل صلاة (يلتزمه
الإنسان بنذر وشبهه) من العهد واليمين، ويدخل فيه الملتزم
بالإجارة ، وصلاة
الاحتياط في وجه، وفي آخر يدخل في الأولى، لكونها مكمّلة لما يحتمل فواته منها.
وفي إدخال الثامنة اختيار إطلاقها عليها بطريق الحقيقة الشرعية، كما هو ظاهر الحلي
وصريح الذكرى فيما حكي.
وقيل
: إنّه على المجاز، لعدم
التبادر ، إذ يتبادر ذات الركوع والسجود أو ما قام مقامهما منها عند
الإطلاق ، وهو أمارة المجاز. مع أنّ نفي الصلاة عمّا لا فاتحة فيها ولا طهور والحكم بتحليلها بالتسليم ينافي الحقيقة، بناء على أنّ
الأصل في النفي تعلّقه بالمهية لا الخارج من الكمال والصحة.وهو حسن، إلّا أنّه ربما يدّعى عدم صحة السلب عرفا، ودلالة بعض النصوص على كونها صلاة وهو ما دلّ على أنّ النبي صلي الله عليه وآله ما صلّى على
النجاشي بل دعا له. أي ما صلّى
صلاة الميت ،
فيعترض بهما الدليلان السابقان.
(وما سواه) أي سوى ما ذكر من الصلوات (مسنون).وكلّ منهما إمّا بأصل الشرع كاليومية فرائضها ونوافلها، والجمعة، والعيدين، وصلاة الطواف، أو بسبب من المكلّف كالملتزمات، وصلاة الاستخارة- في «ش» :
الاستيجار.- والحاجة، أولا منه كصلاة الآيات، وصلاة الشكر،
والاستسقاء ، ويمكن
إدخاله في الحاجات.ومنها ما يجب تارة ويستحب اخرى (كصلاة العيدين، وصلاة الطواف. ومنها ما يجب عينا تارة وتخييرا أخرى) أو يجب ويحرم اخرى كصلاة الجمعة على الخلاف، وإطلاق الصلاة عليها على القول بحرمتها مجاز قطعاً.
(والصلوات الخمس سبع عشرة ركعة في الحضر، وإحدى عشرة ركعة في السفر، ونوافلها أربع وثلاثون ركعة) فيكون المجموع إحدى وخمسين ركعة (على الأشهر) في الروايات.ففي الصحيح : كم الصلاة من ركعة؟ قال : «إحدى وخمسون».
وفي آخر : «الفريضة
والنافلة إحدى وخمسون ركعة، منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعدّان بركعة، والنافلة أربع وثلاثون ركعة».
وفي ثالث : «كان رسول الله صلي الله عليه وآله يصلّي من التطوّع مثلي الفريضة، ويصوم من التطوّع مثلي الفريضة».
ونحوها أخبار كثيرة سيأتي إليها
الإشارة .وأمّا الأخبار الأخر ـ الدالة على نقص النوافل عن الأربع والثلاثين،
بإسقاط الوتيرة خاصة كما في بعضها،
أو مع الست من نوافل العصر كما في آخر منها،
أو مع الأربع منها كما في غيرهما،
وإن كثرت وتضمنت الصحيح وغيره ـ فلا يستفاد منها إلّا تأكيد
الاستحباب في الأقل. واختلافها فيه محمول على
اختلاف مراتبه في الفضل.
ولو سلّم مخالفتها لما سبق لكان اللازم طرحها، لعدم ظهور قائل بها، كما اعترف به جماعة من أصحابنا، حيث قالوا ـ بعد نقل ما في العبارة ونسبته إلى الأصحاب ـ : لا نعلم فيه مخالفا.
بل زاد الصيمري فقال بعد نقله : أطبق الأصحاب في كتب الفتاوى عليه، ثمَّ نقل الأخبار المزبورة وقال : ولم يعمل بها أحد من الأصحاب كشف الالتباس وغاية المرام في شرح الشرائع للشيخ
مفلح بن حسين الصيمري تلميذ ابن فهد الحلّي، وهذان الكتابان لم يطبعا بعد.وهو نص في
الإجماع كما في الانتصار والخلاف.
فلا إشكال.واحترز بقوله (في الحضر) عن السفر، لنقصان العدد فيه إجماعا كما سيذكر.
واعلم أنّ الصحاح المتقدمة وإن أجملت النوافل لكن فصّلتها أخبار أخر غيرها بما أشار إليه بقوله (ثمان للظهر قبلها، وكذا للعصر) ثمان لها قبلها (وأربع للمغرب بعدها، وبعد العشاء ركعتان من جلوس تعدّان بواحدة، وثمان للّيل، وركعتا الشفع، وركعة الوتر، وركعتان للغداة).ففي الصحيح : «ثمان ركعات قبل الظهر، وثمان بعدها» قلت : فالمغرب؟ قال : «أربع بعدها».
وفي الموثق : «صلاة النافلة ثمان ركعات حين تزول الشمس قبل الظهر، وستّ ركعات بعد الظهر، وركعتان قبل العصر، وأربع ركعات بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء الآخرة تقرأ فيهما مائة آية قائما أو قاعدا، والقيام أفضل، ولا تعدّهما من الخمسين، وثمان ركعات من آخر الليل تقرأ..» إلى أن قال : «ثمَّ الوتر ثلاث ركعات تقرأ فيها جميعا قل هو الله أحد، وتفصل بينهنّ، ثمَّ الركعتين اللتين قبل الفجر»
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.
(ويسقط في
السفر نوافل الظهرين) إجماعا على الظاهر المصرّح به في كثير من العبائر،
والنصوص به مع ذلك مستفيضة، ففي الصحيح : «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شيء إلّا المغرب، فإنّ بعدها أربع ركعات لا تدعهنّ في حضر ولا سفر».
وفي الخبر : عن صلاة النافلة بالنهار في السفر، فقال : «يا بنيّ لو صلحت النافلة في السفر تمّت الفريضة».
وفي آخر : عن التطوّع بالنهار وأنا في سفر، فقال : «لا».
وربما يستفاد منهما ومن غيرهما ـ كالصحيح : عن الصلاة تطوعا في السفر، قال : «لا تصل قبل الركعتين ولا بعدهما شيئا نهارا»
ـ
اختصاص السقوط بالنوافل النهارية دون الليليّة، وهو ظاهر الأصحاب في غير الوتيرة، من غير خلاف بينهم أجده، والصحاح به مع ذلك مستفيضة، منها ـ زيادة على الصحيحة المتقدمة في نافلة المغرب ـ صحيحان آخران، فيهما أيضا : «لا تدعهنّ في حضر ولا سفر».
وزيد في أحدهما : «وكان أبي لا يدع ثلاث عشرة ركعة بالليل في سفر ولا حضر».
ونحوه آخر : «صلّ صلاة الليل والوتر والركعتين في المجمل».
ونحوهما في نافلتي الفجر الصحيح : «صلّهما في المحمل».
(وفي سقوط الوتيرة قولان) : مقتضى الأصل ـ زيادة على ما مر (في «ش» زيادة : من ظهور النصوص في أنّ الساقط إنما هو النوافل النهارية خاصة. وهي مذكورة في «ح» و «ل» بعنوان حاشية منه رحمه الله.) ـ العدم، كما عن النهاية والأمالي،
مدّعيا أنه من دين
الإمامية الذي يجب
الإقرار به، وبه صريح الرضوي،
ورواية
رجاء بن أبي الضحاك المروية عن العيون، المتضمّنة لفعل مولانا
الرضا عليه السلام في السفر كما حكي حكي فيها أنه عليه السلام كان لا يصلّي من نوافل النهار في السفر شيئا.
وقوّاه الشهيدان في
الذكرى والروضة،
للخبر المعلّل بأنّها زيادة في الخمسين تطوّعا، ليتمّ بدل كل ركعة من الفريضة ركعتان من التطوّع.
وردّ بقصور السند.
ويمكن جبره بموافقة مضمونه لكثير من النصوص، منها الصحيح : هل قبل
العشاء الآخرة وبعدها شيء؟ فقال : «لا، غير أنّي أصلّي بعدها ركعتين ولست أحسبهما من صلاة الليل».
وفي آخر : عن أفضل ما جرت به السنّة، قال : «تمام الخمسين».
وفي الموثق : «لا تعدّهما من الخمسين».
إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على أنّها ليست من الرواتب،وزيدت لتمام العدد كما في بعضها،
أو ليتدارك بها صلاة الليل لو فاتت، وأنّها وتر تقدم لذلك كما في غيره،
ولذا ما كان يصلّيها
النبي صلي الله عليه وآله لوجوب الوتر عليه كما فيه.
وهذا القول في غاية القوّة لو لا ندرة القائل به، فإنّ الشيخ قد رجع عنه في جملة من كتبه كالحائريات والجمل والعقود فيما حكاه عنه الحلّي
بل المبسوط أيضا كما حكاه غيره.
وأمّا الشهيد فهو وإن قوّاه لكن قال : إلّا أن ينعقد الإجماع على خلافه،
مشعرا بنوع تردّد له فيه، مع أنّ ظاهر إطلاق عبارته في
الدروس واللمعة القول بالسقوط،
كما هو المشهور على الظاهر، بل المقطوع به المصرّح به في كلام كثير.
بل في السرائر الإجماع عليه،
وحكي أيضا عن الغنية.
وبهما يعارض إجماع الأمالي ـ مع رجحانهما عليه من وجوه، وضعفه كذلك، مع وهنه بشهرة خلافه ـ ويخصّص الأصل، ويذبّ عن الرضوي وتالييه، مع قصور سندها جميعا، وعدم جابر لها عدا ظهور ما مرّ من النصوص في اختصاص نوافل النهار بالسقوط، ويترك بالإجماع المنقول الذي هو ـ مع التعدّد ـ نصّ ومعتضد بفتوى المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، لندرة القائل كما مضى.
ولكنّ المسألة مع ذلك محل إشكال، فللتوقف فيها مجال، كما هو ظاهر الفاضلين هنا وفي
التحرير والمحقق المقداد،
والصيمري،وغيرهم.
والاحتياط يقتضي الترك إن كان المراد بالسقوط التحريم، كما هو ظاهر النصوص والفتاوى، وصريح الشيخ في كتابي الحديث عدم الاستحباب،
فيكون فعله بقصد القربة تشريعا محرّما.ومنه يظهر ما في
الاستدلال لعدم السقوط
بالتسامح في أدلّة السنن، إذ هو عند من يقول به يثبت حيث لا يحتمل التحريم، وإلّا فلا تسامح قولا واحداً.
وليس في النصوص الدالّة على تسويغ قضاء النوافل النهارية في الليل
دلالة على مشروعيتها نهارا، حتى يجعل دليلا على أنّ المراد بالسقوط حيث يطلق الرخصة في الترك ورفع تأكد الاستحباب. ولو سلّمت فهي معارضة ببعض الروايات السابقة الدالة على عدم صلاحية النافلة في السفر كعدم صلاحية الفريضة فيه، وعدم الصلاح يرادف الفساد لغة بل وعرفا مع شهادة السياق بذلك. فتأمّل جدّاً فإنّ عدم الصلاحية
بالإضافة إلى الفريضة للتحريم إجماعا، فيكون بالإضافة إلى نافلتها كذلك أيضا. منه رحمه الله.
(ولكل ركعتين من هذه النوافل) وغيرها من النوافل (تشهّد وتسليم) لأنّه المعروف من فعل صاحب الشريعة فيجب
الاقتصار عليه، لتوقيفيّة العبادة، وللنبوي : «صلّوا كما رأيتموني أصلّي».
ولخصوص مستفيضة من طرق العامة والخاصة،ففي النبوي : «بين كل ركعتين تسليمة»
وفي آخر : «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى».
وفي الخبر المروي عن
قرب الإسناد : عن الرجل يصلي النافلة، أيصلح له أن يصلّي أربع ركعات لا يسلّم بينهنّ؟ قال : «لا، إلّا أن يسلّم بين كل ركعتين».
وفي آخر مروي عن كتاب حريز : «وافصل بين كل ركعتين من نوافلك بالتسليم».
وظاهر الأدلّة كالعبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة حرمة الزيادة على الركعتين والنقص عنهما من دون تشهّد وتسليم بعدهما، وبها صرّح جماعة، ومنهم الحلي في السرائر مدّعيا
الإجماع عليه.
خلافا لظاهري الشيخ في
الخلاف والفاضل في المنتهى،
فعبّرا عن المنع بلا ينبغي، والأفضل، وادّعى الأوّل الإجماع عليه، لكنّهما ذكرا بعيد ذلك ما يعرب عن إرادتهما منهما التحريم (بل صرّحا به أخيرا) فلا خلاف لهما.
(وللوتر) تشهّد وتسليم (بانفراده) إجماعا منّا على الظاهر، المستظهر من عبارتي الخلاف والمنتهى،
وبه صرّح جماعة من متأخّرينا،
والصحاح به مستفيضة، منها : عن
الوتر أفصل أم وصل؟ قال : «فصل».
وظاهره كغيره لزومه،ويقتضيه قاعدة توقيفيّة العبادة، ولزوم الاقتصار على ما ثبت من صاحب الشريعة.والنصوص المرخّصة للوصل
شاذة غير مكافئة لما سبقها من وجوه شتّى، وإن تضمّنت الصحيحين وغيرهما، مع عدم صراحتهما،
لاحتمال حمل التسليم في الأوّلين المخيّر بينه وبين عدمه فيهما على التسليم المستحب، يعنى «السلام عليكم» ولا بعد فيه، سيّما مع شيوع إطلاقه على الصيغة المزبورة في النصوص والفتاوي إطلاقا شائعا، بحيث يفهم كون الإطلاق عليها حقيقيّا وعلى غيرها مجازيا. وحينئذ التخيير فيها لا يفيد جواز الوصل في الوتر أصلا، لاحتمال تعيين لزوم الفصل بالصيغة الأخرى، وليس في الرواية الأخيرة ـ مع ضعفها بالجهالة ـ إلّا قول مولانا
الكاظم عليه السلام : «صله» بعد أن سئل عن الوتر.
وهو كما يحتمل قراءته بسكون اللام يحتمل قراءته بكسرها وتشديدها، ويكون إشارة إلى
الأمر بفعلها.
ولو لم تحتمل هذه النصوص شيئا مما قدّمناه تعيّن طرحها، أو حملها على
التقية كما ذكره شيخ الطائفة، قال : لأنّها موافقة لمذاهب كثير من العامة.
مع أنّ مضمون حديثين منها التخيير،
وليس ذلك مذهبا لأحد، لأنّ من أوجب الوصل لا يجوّز الفصل، ومن أوجب الفصل لا يجوّز الوصل.
رياض المسائل، ج۲، ص۱۶۱-۱۷۱.