الإحراق
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو وزان
إفعال من الحرق بمعنى
الإهلاك و
تأثير النار أثرها
المعهود في الشيء.
الإحراق: وزان
إفعال من الحرق بمعنى
الإهلاك و
تأثير النار أثرها
المعهود في الشيء، وهو إمّا
بإذهاب النار
لأصل الشيء بالكليّة كما في إحراق
القرطاس ونحوه، أو بتأثيرها فيه مع بقاء عينه،
فالكيّ والشيّ أيضاً إحراق.
وليس لدى
الفقهاء اصطلاح خاصّ به، بل يطلق في كلماتهم على
المعنى المعروف.
يختلف حكم الإحراق
باختلاف الموارد التي نتعرّض لها فيما يلي:
وردت عقوبة الإحراق في بعض
الجرائم ووقع البحث فيها كما يلي:
يتخيّر
الإمام في كيفيّة قتل
اللائط و
الملوط مع الإيقاب بين امور، منها الإحراق فيجب
تخييراً إحراقهما بالنار.
وصرّح جمع
بجواز الإحراق بعد
القتل بغير الإحراق
تغليظاً وزيادةً في
الردع ، وخصّه بعض
بمن قتل
بالسيف لا مطلقاً، بل ذهب
السيد الخوئي إلى لزومه حينئذٍ.
صرّح بعض الفقهاء بأنّ من قتل إمام
المسلمين يقتل ثمّ يحرق بالنار.
قال
يحيى بن سعيد : «من شهد عليه شاهدان أنّه صلّى لصنم ولم يتب قتل بالسيف، أو خدّ له اخدود وأُضرم فيه نار وطرح فيها».
الغال - بتشديد اللام- هو الذي يكتم ما يأخذه من
الغنيمة فلا يطلع الإمام عليه ولا يضمّه إلى الغنيمة. وقد اختلف فقهاء العامّة في
تحريق مال الغالّ للغنيمة، فقال
الحنفيّة و
المالكيّة و
الشافعيّة : لا يحرق ماله، وقال
الحنابلة بإحراق ماله. وقد اختلفوا أيضاً فيما يحرق وما لا يحرق. ولكنّ فقهائنا لم يجوزوا ذلك، وصرّح بعضهم بعدم جواز إحراق ماله سواء كان سلاحه أو ثيابه أو غير ذلك من متاعه. واستدلّ له بأنّ
النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحرق رحال الغالّ، ولم يثبت نظيره في الشرع. وبأنّ فيه
إضاعة المال وهي محرّمة وقد نهى
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنه.
قد ورد بعض
النصوص المشتملة على توعّد النبي صلى الله عليه وآله وسلم و
أمير المؤمنين عليه السلام المتخلّفين عن حضور
الصلاة في
المسجد بإحراق بيوتهم عليهم، إلّا أنّه لم يفت بمضمونها أحد من فقهائنا وحملوها على بعض المحامل
:
منها: أنّ المراد بتلك النصوص المتخلفين عن حضور
جماعة المسلمين في جوامعهم رغبة عن ذلك ونفاقاً قد أضمروه في صدورهم، ومحبةً
للاعتزال عن
أمر المسلمين في جوامعهم كي لا يشاركوهم فيما يقع لهم وعليهم إلى غير ذلك من المقاصد الشيطانيّة.
ومنها: أنّه لأجل
مخالفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن كان قد شرط عليهم ذلك.
المشهور
بين الفقهاء: عدم جواز
القصاص إلّا بالسيف وإن وقعت الجناية بغيره كالتحريق أو
التغريق أو غير ذلك، مستدلّاً عليه بالنصوص،
و
الاجماع .
ولكن ظاهر بعضهم
خلاف ذلك، حيث اطلقوا جواز القصاص بالمثل، واستدلّوا بقوله تعالى: «فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ»
والنبوي،
وبأنّ المقصود من القصاص
التشفي ، وإنّما يكمل إذا قتل القاتل بمثل ما قتل به. واطلاقهم يشمل القصاص بالإحراق، حيث استثنوا من ذلك خصوص ما إذا كانت
الجناية بمحرّم الأصل كالسحر، وبوطء الدبر، و
إيجار الخمر في فيه.
لا يجوز تحريق العدو بالنار بعد
الغلبة عليه، وأمّا رميه بالنار قبل القدرة عليه مع
إمكان الغلبة عليه بغير تحريقٍ فقد صرّح جمع
من
الأصحاب بجوازه على
كراهة ، خلافاً لبعض
حيث ذهب إلى عدم الجواز.
وأمّا مع
الاضطرار وتوقّف الفتح عليه فهو جائز بلا كراهة،
بل صرّح بعض بوجوبه.
وهكذا الكلام في إحراق الزرع والأشجار.
قال
الشيخ الطوسي : «ويجوز قتال الكفّار بسائر أنواع القتل إلّا السّم، فإنّه لا يجوز أن يلقى في بلادهم السّم، ومتى استعصى على المسلمين موضع منهم كان لهم أن يرموهم بالمناجيق و
النيران وغير ذلك ممّا يكون فيه فتح لهم، وإن كان في جملتهم قوم من المسلمين النازلين عليهم».
وقال في
السرائر : «ويجوز قتال الكفّار بسائر أنواع القتل وأسبابه إلّا بتغريق المساكن ورميهم بالنيران و
إلقاء السّم في بلادهم- إلى أن قال-: وأمّا تخريب المنازل والحصون وقطع الأشجار المثمرة فإنّه جائز إذا غلب في ظنه أنّه لا يملك إلّا بذلك، فإن غلب في ظنه أنّه يملكه فالأفضل أن لا يفعل، فإن فعل جاز كما فعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالطائف و
بني النضير و
خيبر فأحرق على بني النضير وخرّب ديارهم».
وقال
المحقّق الحلّي : «ويجوز
محاربة العدو بالحصار ومنع
السابلة دخولًا وخروجاً، وبالمناجيق، وهدم الحصون والبيوت وكل ما يرجى به الفتح، ويكره قطع الأشجار ورمي النار و
تسليط المياه إلّا مع الضّرورة».
وقال
السيد الطباطبائي : «ويجوز المحاربة بكل ما يرجى به الفتح كهدم الحصون ورمي
المناجيق والتحريق بالنار وقطع الأشجار و
إرسال الماء ومنعه عنهم ونحو ذلك مع الضّرورة وتوقّف الفتح عليه وعدمها، وإن كره بعضها بدونها».
وذهب الشيخ في مبسوطه
إلى الفرق في الحكم بين قتال المشركين وقتال أهل البغي. وظهر ممّا مضى أنّ البحث لا يختصّ بالإحراق، بل يعمّ الرمي بالمناجيق وتخريب المنازل وقطع الأشجار ونحوها. والتفصيل في محلّه.
إذا وطأ
الإنسان حيواناً محلّلًا لحمه مثل
الغنم والبقر، حرم لحمه ولحم نسله المتجدّد بعد
الوطء ويذبح ويحرق بعد تحقّق الموت.
وهذا ممّا لا خلاف
فيه، بل ادّعي عليه الاجماع.
واستدلّوا له بالسنّة.
وواضح أنّ الذبح والإحراق ليس عقوبة لها بل ذبحها للأمن من
شياع نسلها ولدفع العار عن صاحبها وعمّن فعل بها وإحراقها
للأمن من
اشتباه لحمها.
والتفصيل في محلّه.
قد ورد في بعض الأخبار جواز التداوي بالكيّ بالنار:
۱- كرواية
إسماعيل بن الحسن المتطبب قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: إنّي رجل من
العرب ، ولي بالطبّ بصر... قال: «لا بأس»، قلت: إنّا نبطّ الجرح ونكوي بالنار، قال: «لا بأس...».
۲- ورواية إبراهيم بن
محمّد عن أبي الحسن العسكري عن
آبائه عليهم السلام قال: قيل
للصادق عليه السلام : الرجل يكتوي بالنار، وربما قتل وربما تخلّص، قال: «قد اكتوى رجل على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وهو قائم على رأسه».
۳- ورواية
محمّد بن مسلم ، قال: سألت
أبا جعفر عليه السلام هل يعالج بالكيّ؟ فقال: «نعم، إنّ اللَّه جعل في الدّواء بركة وشفاءً وخيراً كثيراً وما على الرجل أن يتداوى، ولا بأس به».
وتعرّض لهذا بعض الفقهاء وقالوا: يجوز
التداوي و
المعالجة بما يحتمل فيه الخطر ويؤدّي إليه أحياناً إذا كان النفع المترتّب عليه حسبما ساعدت عليه
التجربة وحكم به
الحذّاق وأهل الخبرة غالبيّاً، بل يجوز المعالجة بالمضرّ العاجل الفعلي المقطوع به إذا يدفع به ما هو أعظم ضرراً وأشدّ خطراً، ومن هذا القبيل بطّ الجرح والكيّ بالنار بشرط أن يكون
الإقدام على ذلك جارياً مجرى العقلاء.
فلا خصوصيّة للكيّ بالنار، ولكنه من مصاديق التداوي بما يحتمل فيه الخطر.
الوسم بالنار في الوجه منهي عنه في غير الآدمي، وهو في
الآدمي أولى، وقد صرّح بكراهته في غير الآدمي العلّامة الحلّي.
وأمّا وسم غير الآدمي في غير وجهه فذهبوا إلى
استحبابه في نِعم
الزكاة وأمثالها حتّى تعرف. واستدلّ له بفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقريره.
مضافاً إلى ما فيه من
التمييز عن غيرها فيعرفها به من يجدها لو شردت فيردّها وغيره من الفوائد.
والتفصيل في محلّه.
التجمير - وهو
التبخير بالدخنة الطيبة- من مصاديق
التطيّب ، وهو مندوب في الشرع. ويستحبّ أيضاً تجمير المساجد. وحيث إنّ الطيب من محرمات
الإحرام فالتجمير أيضاً حرام للمحرم، وأمّا تجمير
الأكفان ففيه خلاف،
والمشهور كراهته خلافاً للصدوق حيث قال: «
حنوط الرجل والمرأة سواء غير أنّه يكره أن يجمر أو يتبع بمجمرة، ولكن يجمر
الكفن ».
واستدلّ لقول المشهور: بما رواه الشيخ الطوسي- في
الحسن - عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «لا يجمر الكفن».
وما عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا تجمروا الأكفان، ولا تمسّوا موتاكم بالطيب إلّا الكافور؛ فإنّ الميّت بمنزلة المحرم».
وأمّا قول
الصدوق فليس له وجه إلّا رواية الشيخ
باسناده عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «لا بأس بدخنة كفن الميّت، وينبغي للمرء
المسلم أن يدخّن ثيابه».
وهذا الخبر حمله المشهور
على
التقيّة ، أو على ما لا ينافي الكراهة.
من موارد
الاستحالة إحراق الشيء بالنار، فما أحالته النار قد تتغير أحكامه التي كانت تجري عليه قبل الاستحالة، كعدم جواز
السجود والتيمّم على الشيء مع جوازهما قبل الاستحالة وكتطهّر النجس والمتنجّس.
إلّا أنّه وقع الكلام في طبخ
الخشب إذا صار فحماً أو الطين خزفاً وآجراً هل هو من التبدّل في الصورة النوعيّة بصورة نوعيّة اخرى أو أنّ الطبخ لا يوجب التبدّل بحسب الحقيقة.
وقد يستشعر من بعض الكلمات أنّ لخصوصية الناريّة دخلًا في
التطهير حيث خصّوها بالذّكر وعدّوها من
المطهّرات ، ولم يستغنوا عنها بالاستحالة، بل ربما يظهر من جملة من الأخبار كونها في حدّ ذاتها من المطهّرات، ولا يبعد أن يكون ذلك وجهاً لتخصيصها بالذّكر في كلمات الأصحاب، فلا عبرة بما يستشعر من كلماتهم بعد أن علّقوا مطهريتها
بالإحالة كما قاله
المحقّق الهمداني .
والتفصيل في محلّه.
لا
إشكال ولا خلاف في عدم جواز التيمّم بالرماد المتخذ من الشجر، وأمّا
الرماد المتخذ من
التراب فقد ذهب العلّامة الحلّي
إلى جواز التيمّم به، ولكنه في التذكرة أناط الحكم بصدق اسم الأرض وعدمه، حيث قال: «لو احترق التراب حتى صار رماداً فإن خرج عن
اسم الأرض لم يصحّ التيمّم به».
واستحسنه غيره.
وهكذا وقع الكلام في جواز التيمم بأرض الجصّ و
النورة بعد الإحراق، فالأكثر بل المشهور ذهبوا إلى المنع، خلافاً للمرتضى وسلّار وجماعة. وهذا الخلاف أيضاً مبتنٍ على صدق اسم
الأرض بعد الإحراق وعدمه.
والتفصيل في محلّه.
المشهور
بين الأصحاب طهارة دخان الأعيان النجسة، بل ادّعي عليه الاجماع. والظاهر أنّه كذلك في دخان المتنجّسات أيضاً.
نعم، يظهر من المحقّق التردّد في ذلك حيث قال: «ودواخن
الأعيان النجسة عندنا طاهرة وكذا كل ما أحالته النار فصيّرته رماداً أو دخاناً على تردّد».
بناءً على رجوع التردّد إلى الجميع.
والمحكي عن الشيخ الطوسي
نجاسة دخان الدّهن النجس معللًا بتصاعد بعض أجزاء الدهن قبل الاستحالة. ونفى عنه البعد في
المختلف وردّه في
المسالك .
كما أنّه يظهر من بعض
عدم طهارة المتنجّس بالاستحالة، معلّلًا بأنّ الحكم بالطهارة مع الاستحالة
لانتفاء موضوع النجاسة كالكلبيّة ونحوها، وذلك ليس إلّا في النجس ذاتاً دون المتنجّس؛ لظهور عدم تعليق الحكم بنجاسته على كونه خشباً مثلًا، بل لأنّه جسم لاقى نجساً، والاستحالة لا ترفع ذلك (أي الجسمية المعروضة للنجاسة)، فيبقى
الاستصحاب محكّماً. وأجاب عنه بعض الفقهاء،
وتفصيله في محلّه.
وأيّده
النراقي ولكن استثنى من ذلك حكم الدخان حيث قال: «وهو كذلك في غير الدخان لما ذكرنا. وأمّا الدخان فالظاهر طهارته لخروج الجسم به عن قابليّة النجاسة فلا يجري فيه الاستصحاب؛ فإنّه ليس جسماً عرفاً، ولذا لا ينجس الدخان الطاهر حيث يمرّ على النجاسات الرطبة».
والظاهر عدم الخلاف
في طهارة بخار الأعيان النجسة والمتنجّسة أيضاً، لكن العلّامة في
المنتهى حكم بنجاسة ما يتقاطر من بخار الماء المتنجّس إلّا أن يعلم تكوّنه من الهواء. وردّه بعض،
وأيّده آخرون.
بينما ذهب بعض
إلى أنّ الحكم فيما تقاطر من بخار النجس دائر مدار صدق الاسم؛ فإن صدق عليه عنوانه فنجس مثله وإلّا فلا، فمثل بخار البول والعذرة الذي لا يصدق على ما يتقاطر من بخارهما اسم البول والعذرة عرفاً ليس بنجس. والتفصيل في محلّه.
اختلفت آراء الفقهاء في وجوب
الكفّارة ونوعها في جزّ
المرأة شعرها في المصائب، ثمّ وقع الخلاف بين القائلين بوجوب الكفّارة في
إلحاق الإحراق بالجزّ.
والتفصيل في محلّه.
لو احترق
الجراد في أجمة وغيرها قبل أخذه لم يحلّ وإن قصده المحرق.
أمّا لو أخذه أوّلًا ثمّ أحرقه حيّاً فيكون حلالًا؛ لأنّ
تذكيته بأخذه.
لو وجد لحمٌ مطروحٌ لا يعلم حاله فالمشهور أنّه يطرح على النار، فإن انقبض فهو ذكيّ، وإن انبسط فهو ميتة
وقد دلّت عليه رواية
الكليني بإسناده عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: في رجل دخل قرية فأصاب بها لحماً لم يدر أ ذكيّ هو أم ميّت؟ فقال: «فاطرحه على النار فكلّ ما انقبض فهو ذكي، وكلّ ما انبسط فهو ميّت»، وبمضمونه رواية الصدوق عنه عليه السلام،
وتوقّف فيه بعض.
ورد في بعض الأخبار أنّ
المحترق بمنزلة
الشهيد .
منها: ما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال في حديث: «
الطعن شهادة، و
الطاعون شهادة، و
الغرق شهادة، و
الحرق شهادة، و
النفساء شهادة، فالجميع
شهادة ».
ولكن لا يجري عليه أحكام الشهيد من عدم الغسل وغيره؛ إذ المراد
التنزيل في
الثواب .
فإذا احترق الإنسان ولم يُخف تقطّعه أو
تناثر جلده بالغُسل، غُسّل، وإن خيف من مسّه صبّ عليه الماء صبّاً وإن خيف من ذلك أيضاً يتيمّم بالتراب.
الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۲۱۲-۲۲۱.