إرث الحقوق
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
الحقوق جمع الحق، وهو يدل على إحكام الشيء، والحقوق تورث، لأنها ممّا يصدق عليها عنوان تركة الميّت، والدليل على صدق تركة الميّت عليه هو تعريفه وطبع الحقّ يقتضي جواز إسقاطه ونقله.
الحقّ يورث؛ لأنّه في نظر العقلاء ممّا يصدق عليه عنوان تركة الميّت، ويعتبرون أنّ له بقاءً بعده، وكلّ ما صدق عليه هذا العنوان فهو قابل للإرث وفق أدلّة الميراث المتقدّمة.
كقوله تعالى: «لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ»،
وكذا قوله عليه السلام: «ما تركه الميّت من حقّ فلوارثه»،
والدليل على صدق تركة الميّت عليه هو تعريفه
بما يأتي تفصيله في مصطلح (حقّ)؛ فإنّ المستفاد منه أنّ طبع الحقّ يكمن في ذاته البقاء و
الاستمرار ، حيث إنّه في ذاته قابل للنقل و
الانتقال ، كما قال
السيّد اليزدي : «طبع الحقّ يقتضي جواز إسقاطه ونقله».
أو أنّه من حيث متعلّقه قابل للبقاء، فإنّ متعلّقه تارةً يكون أمراً حقيقيّاً كحقّ
الأولويّة في
الأرض المحجّرة، واخرى اعتباري كحقّ حلّ العقد وفسخه، فإنّ هذا الموضوع له بقاء عرفاً فيستحقّه الوارث.
أو أنّ النظرة العقلائيّة والعرف العامّ في الحقّ أنّه ممّا يقبل الاستمرار والبقاء؛ ولذا يرى العقلاء أنّ لصاحب الحقّ أن يمارس في حقّه كلّ الممارسات والتصرّفات العقلائية، كما قال
الإمام الخميني : «لدى العقلاء لكلّ ذي حقّ سلطان على حقّه، وله التقليب والتقلّب فيه»،
وقال أيضاً: «لم يثبت مورد احرز كونه حقّاً، ومع ذلك لم يكن قابلًا للإسقاط والنقل و
الانتقال ».
وبناءً على ذلك فإنّ مقتضى طبيعة الحقّ أن يكون موروثاً، إلّا أن يمنع منه مانع تعبّدي ونصّ خاصّ، أو كان ثبوته موقوفاً على شخص خاصّ أو عنوان خاصّ، فعندئذٍ لا يورث.
قال السيّد اليزدي: «اعلم أنّ مقتضى العمومات المتقدّمة موروثيّة كلّ ما ثبت كونه حقّاً وقابلًا للانتقال، وغير دائر مدار عنوان خاصّ، كما في حقّ الرهانة، وحقّ القذف، وحقّ القصاص، وحقّ
التحجير ، وحقّ
الالتقاط ، وحقّ الشفعة، وحقّ الخيار في المفلّس إذا كان المبيع قائماً بعينه، وحقّ التملّك في نصب الشبكة، وحقّ السبق في وجه، وحقّ الشرط كما إذا اشترط
الخياطة على المشتري فمات المشروط له قبل أن يعمل بالشرط».
وعلى أساس ذلك لو أحرز الحقّ عرفاً، وشكّ في قابليّته الشرعيّة يصحّ التمسّك فيه بعمومات أدلّة العقود
لإثبات القابليّة الشرعيّة.
قال السيّد اليزدي: «إن شكّ في كون الشخص أو النوع مقوّماً بحسب الجعل الشرعي بعد
إحراز القابليّة بحسب العرف- بحيث يكون الشخص مورداً عندهم لا مقوّماً- فإنّ مقتضى العمومات- من قوله تعالى: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»،
و «وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ»،
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «الصلح جائز»،
و «المؤمنون عند شروطهم»،
بل فحوى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «الناس مسلّطون على أموالهم»،
ونحو ذلك- صحّة التصرّفات فيه بعد فرض صدق عناوينها».
وفي
بلغة الفقيه : «يجوز التمسّك بالعمومات بعد إحراز الصدق العرفي والقابليّة العرفيّة عند الشكّ في القابليّة الشرعية، المنبعث عن الشكّ في تخطئة الشارع لما هو عند العرف، أو تصرّف منه فيه باعتبار شيء فيه، أو مانعيّة شيء عنه، فيدفع بالعمومات المتوجّهة نحوهم الدالّة على
إمضاء ما هو المتعارف عندهم».
نعم، بناءً على النظرية القائلة بأنّه لا فرق جوهريّاً بين الحقّ والحكم، وإنّما هو نوع من الحكم، إلّا أنّ رفعه ووضعه بيد المكلّف دون الحكم- كما هو نظريّة بعض أعلام العصر
- فلا يمكن
إعطاء ضابط عامّ للحقّ القابل للإرث بالأدلّة العامّة المتقدّمة؛ لأنّه بناءً على هذه النظريّة يرجع الشكّ دائماً إلى الشكّ في القابليّة العرفيّة، وحينئذٍ يكون التمسّك بتلك العمومات من التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة لنفس العامّ، وهو
باطل ، كما ثبت في محلّه.
بل وفق هذه النظريّة لا بدّ من مراجعة الموارد الخاصّة وملاحظة دليلها، فإن كان هناك ما يدلّ على تعيين أنّه حقّ أو حكم اخذ به، وإلّا فإن كان لدليل المشكوك عموم أو
إطلاق اخذ بذلك، ويثبت كونه حكماً.
هذا، مضافاً إلى أنّ هناك روايات تدلّ بإطلاقها على أنّ الحقّ يورث، مثل: «لئلّا يتوى حقّ امرءٍ مسلم »،
و «لا يبطل حقّ مسلم»،
و «لا تبطل حقوق المسلمين بينهم»،
فإنّها بإطلاقها تدلّ على أنّ حقّ
المسلم لا يبطل ولو بموته.
وهذا معناه انتقاله إلى ورثته.
تقسّم الحقوق إلى ما يورث بعنوانه، وما يورث بتبع متعلّقه، وما لا يورث لمانع، أو لتعلّقه بعنوان خاصّ، أو لأجل أنّ مرجعه إلى الحكم:
•
الحقوق التي تورث بعنوان أنّها حق ، تقسّم الحقوق إلى ما يورث بعنوانه، وما يورث بتبع متعلّقه، وما لا يورث لمانع، أو لتعلّقه بعنوان خاصّ، أو لأجل أنّ مرجعه إلى الحكم، الحقوق التي تورث بعنوان أنّها حقّ منها: حقّ الخيار، حقّ الإقالة، حقّ الشفعة، حقّ السكنى والعمرى والرقبى، حقّ القصاص،
•
الحقوق التي تورث بتبع متعلقها ، الحقوق التي تورث بتبع متعلّقها منها: حق الرهانة، حقّ المطالبة بالدين، حقّ الحريم و... .
فإنّ هذا الحقّ لا يورث، وإنّما يأتي من ناحية أنّ التركة انتقلت إليهم وصارت ملكاً لهم، وللمالك حقّ التصرّف وفق قاعدة الناس مسلّطون على أموالهم.
قال
الشيخ الأنصاري : «لو مات المالك لم يورّث الإجازة»؛
وعلّل ذلك بأنّ ثبوت حقّ الإجازة للمالك المجيز، وتأثيرها في العقد الفضولي من الأحكام الشرعية الثابتة للمالك، والمالك موضوع لهذا الحكم، كجواز البيع و
الهبة والصلح ونحو ذلك للمالك، فكما أنّ للمالك بيع ماله ابتداءً مباشرة أو توكيلًا فكذلك له أن يجيز ما وقع فضولًا، وليس هذا الحكم مربوطاً بباب الحقوق.
وهذا هو ظاهر الإمام الخميني بعد
الإشكال في موروثيّتها بناءً على كونها من الحقوق.
ومن الفقهاء من يرى أنّه يورّث، وقد حكاه عن بعضهم أنّه أرسله
إرسال المسلّمات.
وجوب الوفاء بالنذر ليس من حيث ثبوت الحقّ للمنذور له، وإنّما هو حكم شرعي يجب العمل به، ومن هنا لو مات المنذور له لا يجب الوفاء.
والحقّ هنا بمعنى جواز القبول، وذلك فيما لو مات المشتري بعد
إيجاب المعاملة وقبل قبولها فلا ينتقل هذا الحكم إلى وارثه، إلّا في الموصى له،
وقد تقدّم.
مثل الهبة الجائزة، و
الوديعة ، و
الجعالة ، و
الوكالة ، والوصيّة، والشركة، والعارية، والمعاملات المعاطاتية، والحقّ هنا بمعنى جواز الرجوع.
والحقّ هنا بمعنى وجوب
الإنفاق عليهم.
لتقوّمها بشخص خاصّ أو عنوان خاصّ، بحيث يكون الشخص أو العنوان مقوّماً وموضوعاً للحقّ.
وهي كثيرة، كحقّ التولية، وحقّ النظارة، وحقّ القيمومة، وحقّ
الولاية ، وحقّ الوصاية، وحقّ الوكالة؛ فإنّها من الحقوق التي جعلت من قبل الجاعل لها، سواء كان الجاعل هو الشارع أو الولي أو الموصي أو الموكّل للأشخاص أو العناوين بلحاظ الخصوصيّة الملحوظة فيها، فلا ينقل إلى غير ذي الحقّ،
إلّا أنّ تتوفّر فيه تلك الخصوصيّة، ومعها يثبت الحقّ له، سواء كان وارثاً أو أجنبيّاً.
وبعبارة اخرى: ثبوت الحقّ للغير في هذا المجال ليس من باب
الإرث ، وإنّما هو من باب
انطباق العنوان عليه، ولا دخل له بالإرث أصلًا.
وحقّ المضاجعة، وحقّ الرجوع في المطلّقة الرجعية، وحقّ النفقة، وحقّ
الاختيار من الأزواج عند
إسلام الزوج، وحقّ
الحضانة ، وحقّ المارّة، وحقّ
ولاء ضمان الجريرة ، وحقّ السبق في المساجد والمدارس والرباط، وهذه كلّها حقوق قائمة بالأشخاص، وبقاؤها يتوقّف على بقاء الشخص والعنوان.
الموسوعة الفقهية، ج۹، ص۳۹۱- ۴۱۸.